آسيا

“AUKUS”.. دافع جديد لسباق التسلح في شرق آسيا وضربة لسياسة منع الانتشار النووي

في منتصف سبتمبر الماضي، اجتمع قادة الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا افتراضيًا لإعلان اتفاق لتشكيل تحالف أمني إقليمي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ ليتشكل ما عرف اختصارًا بـ AUKUS في خطوة جديدة لواشنطن لزيادة التعاون مع الحلفاء لمواجهة الصين. 

أبرز نقطة في هذا التحالف، أنه سيمكن كانبرا من الحصول على أسطول من الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية وبالتالي سيتعين عليها إلغاء الصفقة الخاصة بالغواصات الفرنسية التقليدية البالغ عددها 12 وحدة من طراز أتّاك بقيمة إجمالية تبلغ 31 مليار يورو، حيث وصفت بأنها “صفقة القرن” للصناعات الدفاعية الفرنسية بحسب فرانس 24.

الرئيس الأمريكي جو بايدن أكد خلال كلمته التي جمعته برئيسي وزراء بريطانيا بوريس جونسون وأستراليا سكوت موريسون، أن هذه الخطوة “التاريخية” ضرورة لضمان السلام والاستقرار في منطقة المحيطين الهندي والهادئ على المدى الطويل، وأوضح في الوقت نفسه أن الغواصات التي ستحصل عليها أستراليا لن تحمل أسلحة نووية.

رغم ذلك فإن هذه الخطوة ربما تثير سباقًا للتسلح في المنطقة التي تزداد التوترات السياسية والعسكرية بها سواء بين الصين وتايوان أو شبه الجزيرة الكورية التي يتحرك شطراها في سباق للتسلح أيضًا. 

قلق صيني طبيعي وتحركات دبلوماسية مع دول جوار أستراليا وعسكرية مع روسيا

على الجانب الآخر كان للصين ودول جنوب شرق آسيا ردود فعل تنتقد هذا التحالف، فأكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ وينبين خلال المؤتمر الصحفي اليومي أن هذا التعاون يشكل خطرًا على مسألة الانتشار النووي وينتهك بوضوح أغراض وأهداف معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية بحسب تعبيره.

قبيل هذا التصريح بدأت بكين تحركاتها الدبلوماسية مع الدول المجاورة لأستراليا، حيث اجتمع وزير الخارجية الصيني وانغ يي ونظرائه من الجزر الواقعة في المحيط الهادئ عبر تقنية الفيديو حيث أشار كبير دبلوماسيي بكين إلى أنAUKUS  ستعرض معاهدة المنطقة الخالية من الأسلحة النووية في جنوب المحيط الهادئ للخطر، وتدخل المنطقة في سباق تسلح وتضر بالسلام والاستقرار الإقليميين.

ففي عام 1985 وقعت أستراليا ونيوزيلندا وعدد من الدول الجزرية “Cook Islands, Fiji, Kiribati, Nauru, Niue, Papua “New Guinea, Samoa, Solomon Islands, Tonga, Tuvalu, Vanuatu معاهدة لإخلاء المنطقة من السلاح النووي فيما يعرف بمعاهدة راروتونغا. 

وبحسب المادة الخامسة من المعاهدة، فإنها تساهم في وقف انتشار الأسلحة النووية ونزعها من خلال منع وجودها في منطقة جنوب المحيط الهادئ من قبل الدول الأعضاء في المعاهدة، فيما تنص المادة السادسة على منع الدول الأعضاء من إجراء أي تجارب نووية على أراضيها بحسب الأمم المتحدة

الصين تحركت أيضًا على المستوى العسكري بالتعاون مع روسيا، حيث نفذا ولأول مرة دورية بحرية مشتركة  في المحيط الهادئ شاركت فيها سفينتان كبيرتان مضادتان للغواصات، هما “الأميرال تريبوتس” و”الأميرال بانتيلييف” بحسب وسائل إعلام روسية رسمية

خطر على وحدة الآسيان 

أظهر AUKUS أن وحدة رابطة دول جنوب شرق آسيا “الآسيان” أصبحت على المحك، فعقب الإعلان عن التحالف تقاسمت بعض الدول مخاوف الصين، فقد أعرب وزيرا خارجية ماليزيا وإندونيسيا عن قلق حكومتيهما من تبعات هذا التحالف، وقالا إنه “يمكن أن يجذب مزيدًا من القوى للوجود في منطقة الآسيان”. 

على الجانب الآخر، جاءت ردود فعل مؤيدة لهذا الأمر وعلى رأسها الفلبين التي قالت إنها تقدم ثقلًا موازنًا ضروريًا للصين، فيما جاءت لهجة سنغافورة محايدة حيث أعربت عن أملها في أن تساهم الصفقة بشكل بناء في إحلال السلام والاستقرار في المنطقة وتكمل البنية الإقليمية، فيما توقعت كمبوديا على لسان وزير خارجيتها آن أوكوس “ألا تؤجج الخصومات غير الصحية أو تزيد من تصعيد التوتر” بحسب ذا ديبلومات.

وبعد أن كان التكتل الذي يضم 10 دول يتمتع بترابط يجعله قوة اقتصادية لها وزنها، أصبحت كل دولة فيه تواجه ضغوطًا متزايدة حيث تقف بين الولايات المتحدة والصين، خاصة مع مساعي واشنطن المتزايدة لاستقطاب المزيد من الحلفاء في المنطقة عبر عقد التحالفات مثل أوكوس والتحالف الرباعي “كواد” الذي يضم إلى جانبها اليابان وأستراليا والهند. 

سباق التسلح والانتشار النووي في المنطقة وعالميًا

تشهد منطقة شرق آسيا وبالتحديد شبه الجزيرة الكورية الواقعة في قلب هذه المنطقة سباق تسلح، حيث أطلقت كوريا الشمالية مؤخرًا صاروخًا باليستيًا من غواصة SLBM، فيما يعد التجربة الصاروخية الثامنة لبيونج يانج التي قالت إن هذه التجربة لا تستهدف الولايات المتحدة، لكن هذه التجربة أتت بعد أكثر من شهر بقليل من نجاح سول في تجربة صاروخ باليستي محلي يطلق من غواصة مطلع سبتمبر 2021، وهو ما يدلل على استمرار هذا السباق في شبه الجزيرة التي لا تزال تقنيًا في حالة حرب منذ هدنة الحرب الكورية عام 1953.

وبحسب صحيفة كيونغ هيانغ الكورية الجنوبية، فإن قرار الولايات المتحدة بنقل تكنولوجيا الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية ربما ينظر إليه أنه يحمل قدر من ازدواجية المعايير، لأنه لا يتفق مع الموقف من سياسة عدم الانتشار النووي ما “قد” يعقد من إمكانية حل الأزمة النووية لكوريا الشمالية، وربما تتخذ بيونج يانج من قرار الولايات المتحدة زريعة لتقوية برنامجها النووي. 

على الجانب الآخر، وبحسب الصحيفة ذاتها فإنه مع إمداد أستراليا بهذه التكنولوجيا بدأت تظهر الدعوات في كوريا الجنوبية أيضًا لامتلاك نوعية الغواصات ذاتها، فإذا حصلت كانبرا على استثناء فربما تحصل سول على مثله، خاصة وأن الرئيس الكوري الجنوبي مون جيه إن كان قد تحدث عن هذا الأمر حتى قبل توليه مهام منصبه عام 2017.

دوليًا، كان للوكالة الدولية للطاقة الذرية موقف واضح من هذا التحالف حيث نبه مدير الوكالة رفاييل جروسي إلى إمكانية أن تحذو دول أخرى حذو أستراليا للعمل على الوصول إلى تقنية الغواصات العاملة بالطاقة النووية ما يثير مخاوف كبرى حول مسألة الانتشار النووي، ولذلك فإن جروسي قد أعلن تشكيل فريق للنظر في الضمانات النووية والتداعيات القانونية لهذه الشراكة، مشددًا على وجود اتفاقيات محددة للتأكد من أن كل ما تحصل عليه أستراليا من الناحية التكنولوجية أو المادية يخضع لضمانات، مع أهمية التنسيق مع الوكالة، لكن الأخطر في الأمر هو إبلاغ إيران للوكالة عام 2018 بنيتها البدء في برنامج نووي للدفع البحري. 

لكن رغم ذلك، فإن هناك ثغرة قانونية حيث إن اليورانيوم المخصب المستخدم كوقود للغواصات النووية، معفى من عمليات التفتيش التي تقوم بها الوكالة الدولية للطاقة الذرية المطلوبة بموجب معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT) بحسب NIKKEI ASIA.

رغم وجود هذه الثغرة، إلا أن هناك اتفاقًا ضمنيًا بين الدول التي تمتلك هذا النوع من الغواصات بعدم نقل تكنولوجيا المفاعلات البحرية إلى دول أخرى، ما يعني أن الولايات المتحدة كسرت هذا الاتفاق. 

هذا الأمر كان محل انتقاد حتى داخل الولايات المتحدة من بعض الخبراء الذين قدم بعضهم رسالة موقعة إلى الرئيس الأمريكي جو بايدن، طالبوا فيها بإلزام الولايات المتحدة بتصميم غواصات مستقبلية باستخدام اليورانيوم منخفض التخصيب، وهي مادة قادرة على دفع قوة الدفع البحري دون مخاطر استخدامها في صناعة سلاح نووي.

الخلاصة

يمكن اعتبار اتفاق AUKUS تغيرًا كبيرًا ليس فقط في إحداثه زلزالًا على المستوى الجيوسياسي بوضعه أستراليا بشكل شبه كامل مع القطب الأمريكي -إلى جانب الحوار الأمني الرباعي كواد- وإحداث شرخ مع نيوزيلندا التي نأت بنفسها عن الدخول في تحالف، لكن أيضًا في أنه سيفتح مجالًا يشجع عددًا من الدول على الحصول تكنولوجيا الغواصات العاملة بالطاقة النووية سواء خارج منطقة المحيط الهندي والهادئ مثل إيران أو لدولة حليفة للولايات المتحدة تطمح لذلك مثل كوريا الجنوبية، وهو الأمر الذي ربما يعزز أيضًا من صعوبة حل الأزمة النووية الكورية الشمالية ويزيد من سباق التسلح -الذي يحدث بالفعل – في شبه الجزيرة الكورية التي تقع في قلب منطقة شمال شرق آسيا. 

يضاف إلى ذلك، أن هذا الاتفاق سيشكل خطورة على معاهدة راروتونغا الموقعة بين دول المحيط الهادئ لإخلاء المنطقة من السلاح النووي، بل ويفتح المجال مرة أخرى لتغير سلبي تجاه سياسات منع الانتشار النووي.

التحرك الأخير لكل من الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا، دفع الصين للتواصل بشكل أكبر وأكثر فعالية مع الدول الجزرية المحيطة بأستراليا، في خطوة دبلوماسية مناوئة لهذا الاتفاق إضافة إلى تقرب عسكري جديد مع روسيا بتسيير دورية بحرية عسكرية مشتركة لأول مرة. 

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى