
“تايلاند”.. فصل آخر يتجدد من الاحتجاجات العنيفة
في تصاعد جديد للاحتجاجات المناهضة للحكومة في تايلاند – بعد أن توقفت في ديسمبر ويناير حيث تعرضت البلاد لموجة ثانية من الإصابات بفيروس كورونا المُستجد – نظم العديد من النشطاء والمؤيدون للديمقراطية عدة مظاهرات في بانكوك ومدن أخرى، للمطالبة باستقالة الحكومة وإجراء إصلاحات دستورية لنظام الحكم الملكي، ما جعل البلاد تعيش أجواء سياسية مشحونة بشكل غير مسبوق.
بدأت هذه الاحتجاجات منذ يوليو 2020، حيث تدين الجماعات المؤيدة للديمقراطية السياسات غير الديمقراطية للحكومة الحالية وتطالب بإصلاحات سياسية، وإحداث تغيير حقيقي في البلاد مثل إعادة كتابة الدستور واستقالة حكومة رئيس الوزراء الحالي ” برايوت تشان أوشا ” مع دعوات غير مسبوقة لإصلاح النظام الملكي. وهو ما ترفضه الحكومة وتعتبر تلك الجماعات تعمل على تقويض النظام الملكي ومؤسسات الدولة، الأمر الذي دعى الشرطة للتعامل معها بكل عُنف، وتم القبض على عدد من المنتسبين لهذه الجماعات.
كما أدى قانون الطوارئ، الذي صدقت عليه الحكومة التايلاندية والذي يحظر التجمعات أثناء تجدد الموجة الثانية من وباء “كوفيد-19″، إلى إضعاف الإقبال على المسيرات المناهضة للحكومة والنظام الملكي؛ لكن توقيف أربعة من قادة الاحتجاج البارزين في الفترة الأخيرة بتهم التشهير بالملكية أعاد إشعال الاحتجاجات. في السياق ذاته، يواجه النشطاء الأربعة اتهامات بإهانة الذات الملكية واحتمال الحكم عليهم السجن لمدة تصل إلى 15 عاما.
أسباب الاحتجاجات

تُعتبر المؤسسة الملكية في تايلاند، مؤسسة لا يمكن المساس بها، والانتقاد العلني لهذا الأمر غير مسبوق، وتصل عقوبته إلى السجن لمدة 15 عامًا، الأمر الذي دفع المتظاهرون للمطالبة بجعل المؤسسة الملكية أكثر شفافية وخضوعًا للمساءلة.
كما يطالب المتظاهرون أيضًا بتنحي رئيس الوزراء الحالي وحكومته، وأن يتم تعديل الدستور لجعله أكثر ديمقراطية، مع منح سلطات أقل للهيئات غير المنتخبة مثل مجلس الشيوخ.
وفي نوفمبر الماضي، استدعت الشرطة في تايلاند 12 من قادة الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية، للتحقيق معهم بشأن ما نسب إليهم من توجيه إهانات إلى الأسرة الحاكمة، وذلك في أول استخدام فعلي منذ 3 سنوات لقانون “إهانة الملكية”، حيث توقفت الشرطة لفترة عن استخدام هذا القانون الصارم.
وكان رئيس الوزراء “برايوت تشان أوتشا”، قد وافق على استخدام السلطات لقانون “إهانة الملكية”، والذي ينص على معاقبة أي شخص يشهر أو يهين أو يهدد الملك أو الأسرة المالكة بالسجن لمدة تتراوح بين 3 سنوات و15 سنة.
في السياق ذاته، يطالب المتظاهرون بإعادة الأصول المدرجة في صندوق الأصول الملكية، والتي تتراوح قيمتها ما بين 30و60 مليار دولار لتكون تحت إشراف وزارة المالية كما كانت قبل أن ينقلها الملك إلى سيطرته بعد توليه الحكم عقب وفاة والده.
يقول المتظاهرون أن الملك فاحش الثراء “ماها فاجيرالونجكورن”، البالغ من العمر 68 عامًا، يتربع على العرش بمساعدة رجال الجيش ونخبة رجال الأعمال الأثرياء. وأثارت الجرأة المتزايدة للحركة المؤيدة للديمقراطية غضب المعسكر المؤيد للملكية.
من يقود الاحتجاجات؟

يقود هذه الاحتجاجات المناهضة للحكومة الجماعات المؤيدة للديمقراطية، والتي تتشكل من مجموعة من الطلاب والشباب وصِغار السن، فضلاً عن عدد كبير من المواطنين الغاضبين من سياسات الحكومة التيلاندية الحالية والتي يترأسها القائد العسكري السابق الذي قاد انقلاب 2014 “برايوت تشان أوشا”.
وتدعي الحركة المستوحاة جزئيًا من الحركة الديمقراطية في “هونج كونج” أنها بلا قيادة مثل باقي الحركات المعارضة، وقد اعتمدت الحركة على وسائل التواصل الاجتماعي لنشر أفكارها وحشد المعارضين، حيث تصدرت شعارات الحملة موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”.
ويطالب المتظاهرون بإصلاحات حكومية وإعادة كتابة دستور 2017، والذي في نظرهم انحرف عن مساره في انتخابات عام 2019 لصالح حزب رئيس الوزراء المتحالف مع الجيش، كما دعت تجمعات أخرى حاشدة لإلغاء القانون الذي يحمي النظام الملكي في تايلاند، وإجراء مناقشة صريحة حول دور المؤسسة الملكية في البلاد.
في هذا السياق، قدمت مجموعة من الطلاب من جامعة “تاماسات”، قائمة من عشرة مطالب في سبتمبر الماضي، وتشمل هذه المطالب رفع الحصانة القانونية للملك، ومراقبة شؤونه المالية، والتحقيق في اختفاء ومقتل منتقدي النظام الملكي، كما طالبوا أيضًا بإلغاء القانون الذي يمكن بموجبه سجن منتقدي العائلة المالكة لمدة 15 عامًا، بالإضافة إلى العفو عن المدانين بموجبه.
جدير بالذكر أن المتظاهرين لا يسعون إلى إلغاء الملكية ولكن إلى تعديل مؤسسة النظام الملكي التي يشوبها الفساد المالي، وفوق كل ذلك يطالب المتظاهرون بحل البرلمان والدعوة لانتخابات جديدة، حيث يري المتظاهرون أن الحكومة الحالية تفتقر إلى الشرعية.
وردًا على هذه الاحتجاجات، أعلن رئيس الوزراء إن مطالب المحتجين “غير مقبولة” بالنسبة للأغلبية في البلاد، ووصف الحركة المؤيدة للديمقراطية بأنها “محفوفة بالمخاطر”.
تصاعد وتيرة الاحتجاجات

ردًا على ذلك تصاعدت وتيرة المظاهرات مؤخرًا، عندما سعى المتظاهرون يوم 1 مارس 2021 إلى الذهاب إلى منزل رئيس الوزراء التايلاندي “برايوت تشان أوشا”، في العاصمة بانكوك لإجباره على التنحي وتقديم استقالته، ولكنهم فشلوا في ذلك، نتيجة للتواجد الأمني المُكثف، حيث استخدمت قوات الشرطة خراطيم المياه، والرصاص المطاطي، والغاز المسيل للدموع، لتفريق المظاهرات، مما أدى إلى إصابة العشرات من المتظاهرين وقوات الشرطة نتيجة للاشتباكات العنيفة بينهم.
شابت التظاهرات المؤيدة للديمقراطية في تايلاند مؤخرًا تزايد العنف. وقد بدأ الكثير منها من قبل المتظاهرين المواجهين على وجه الخصوص باستخدام تكتيكات من بينها إلقاء قنابل محلية الصنع على قوات الشرطة، كرد فعل منهم على الاستخدام المفرط للعنف من قبل قوات الأمن.
وحث المتظاهرين الضباط العاديين على الانضمام إليهم والتخلي عن القوة، وطالب المتظاهرون قوات الشرطة بخدمة الناس لا أن يكونوا أدوات في خدمة أسيادهم.
رد النظام التايلاندي على الاحتجاجات
يُعد الانتقاد العلني للملك غير قانوني في تايلاند، حيث يُعاقب على الإهانات للنظام الملكي بالسجن لمدة تصل إلى 15 عامًا بموجب القانون الصارم الخاص بالذنب في الملكية.
لذا قُوبل الطلب الأخير للمتظاهرين، والمتعلق بفرض ضوابط وتوازنات على النظام الملكي بغضب من قبل التايلانديين المحافظين.
وحاولت الحكومة إضعاف الاحتجاجات من خلال اعتقال قادتها وإعلان حالة الطوارئ في العاصمة، ومنع التجمعات بالإضافة إلى إغلاق محطات النقل الجماعي. ورغم ذلك امتدت المظاهرات إلى محافظتين جديدتين واندلعت اشتباكات مع قوات الأمن في العاصمة.
كما أصدرت تايلاند مرسوم طوارئ يهدف إلى حظر الاحتجاجات، وأعلنت الحكومة أن هناك حاجة لاتخاذ إجراءات عاجلة “للحفاظ على السلم والنظام”، وقد بررت الحكومة قرارها بأن المحتجين كانوا يحرضون على نشر “الفوضى والاضطراب العام”. وتم اعتقال أكثر من 20 شخص من بينهم ثلاثة من قادة الاحتجاجات في أكتوبر الماضي.
وبالإضافة إلى ذلك، قصر المرسوم التجمعات على أربعة أشخاص، كما وضع قيودًا على وسائل الإعلام، وحظر نشر أخبار “من شأنها إثارة الذعر أو تشويه المعلومات عن عمد، مما قد يسبب سوء فهم يمكن أن يؤثر على الأمن القومي أو السلم والنظام”. كما يسمح المرسوم للسلطات بمنع المواطنين من دخول “أي منطقة تحددها”.
سيناريوهات مُرجحة
- تشديد القبضة الأمنية للنظام الحاكم في تايلاند: من المحتمل أن تقوم السلطات الأمنية بتعزيز تواجدها، وإقامة الحواجز على الطرق الرئيسية والميادين، على أن تقوم قوات الشرطة بتفريق أي تظاهرات من قِبل المواطنين، باستخدام كافة أشكال القوة.
- استمرار الاحتجاجات: فقدت حركة الاحتجاج قوتها عندما توقفت في ديسمبر ويناير عندما تعرضت البلاد لموجة ثانية من الإصابات بفيروس كورونا المُستجد. وهي تحاول الآن إعادة تنشيط نفسها، وردًا على سجن بعض قادة الحركة، يُتوقع استمرار الاحتجاجات ما سيترتب عليه اشتباكات محتملة بين الجماعات المتنافسة، وكذلك بين المتظاهرين وأفراد الأمن، وققد تحدث اعتقالات جماعية، حيث ستعتبر الحكومة أن هذه الاحتجاجات تنتهك القيود المفروضة على التجمعات للوقاية من وباء “كوفيد-19″، وستعتبرها تظاهرات غير مُصرح بها، وستعمل على اخمادها بكل حسم. كما ستستند الحكومة للقوانين الداعمة للنظام الملكي والذات الملكية، والتي تحظر توجيه أي إهانات ضد النظام الملكي.
- الانقسام في صفوف المحتجين: يخشى البعض من أن الانقسام التقليدي في تايلاند بين كبار السن المحافظين والشباب ذي العقلية الإصلاحية، سوف يستهلك الحركة قبل أن تٌحقق المرجو منها وتقوم بإجبار الحكومة على الاستقالة، حيث تعرضت الحركة الديمقراطية للانقسامات حول اتجاهها – مع الانقسام الرئيسي حول ما إذا كان سيتم تخفيف الهجوم على النظام الملكي القوي والتركيز بدلاً من على إجبار الحكومة على تقديم استقالتها.
وفي الأخير، يُتوقع أن تستمر الحركة في الحفاظ على زخمها من خلال النشر والرسائل على وسائل التواصل الاجتماعي، حتى تتمكن من تحقيق الأهداف التي تسعى إليها.
باحث أول بوحدة الدراسات الأسيوية