الانتخابات الأمريكية

العلاقات المصرية الأمريكية في ظل حكم “بايدن”

توصف العلاقات بين القاهرة  وواشنطن بكونها “شراكة استراتيجية” تحوي أبعادا متعددة (سياسيا واقتصاديا وتجاريا وأمنيا)، بطريقة تحفز الجانبين لدفع هذه الشراكة نحو آفاق أوسع على أسس من التنسيق والتعاون، بما يسهم بفعالية في تحقيق الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط.

وفي هذا السياق، مثّل وصول الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” لسدة الحكم دفعة جديدة للعلاقات بين الطرفين، حيث استطاعا أن يبنيا أرضية من التفاهمات المشتركة بشأن عدد من القضايا لاسيما المتعلقة بالشرق الأوسط. الأمر الذي يستدعي ضرورة النظر في مستقبل هذه العلاقات في ظل حكم الديمقراطي “جو بايدن”، الذي شغل منصب “نائب الرئيس” خلال حقبة خيم عليها التوتر في العلاقات المصرية الأمريكية.

ترامب” واتساع نطاق التفاهمات:

تجمع مصر والولايات المتحدة علاقات استراتيجية وثيقة استمرت على مدى العقود الأربعة الماضية، وظل التنسيق والتشاور المصري الأمريكي قائمًا بشأن معظم – إن لم يكن كل – قضايا المنطقة، لا سيما ما يتعلق بالقضية الفلسطينية والأوضاع في سوريا ولبنان والسودان والعراق واليمن وليبيا وأيضًا مكافحة الإرهاب .

وحرصت الدولتان على وضع ثلاثة أهداف كبرى لتعاونهما، وهي: السلام والاستقرار الإقليمي، التصدي للإرهاب، والإصلاح الاقتصادي. كما عملت الدولتان على إيجاد إطار مؤسسي يتسم بصفة الاستمرارية، وهو ما يُطلق عليه “الحوار الاستراتيجي”.

في أعقاب حرب أكتوبر 1973، تم إدراج مصر في برنامج المساعدات الأمريكية الخارجية، والتأكيد على الالتزام الأمريكي بتقديم المساعدات لمصر مع توقيع مصر وإسرائيل على معاهدة السلام عام 1979، إذ مثلت المساعدات الأمريكية أبرز صور التعاون الاقتصادي بين البلدين، وبلغت ذروتها في عقد الثمانينيات، إلا أنها اتجهت نحو التقليص مع استمرار المساعدات المخصصة للتعاون العسكري، التي تقدر بنحو مليار و300 مليون دولار سنويًا، وتعد مصر أكبر دول المنطقة – بعد إسرائيل – في تلقي مساعدات واشنطن.

وفي هذا السياق، مثّل وصول الرئيس ” ترامب” لسدة الحكم دفعة جديدة للعلاقات بين الطرفين، حيث استطاعا أن يبنيا أرضية من التفاهمات المشتركة بشأن عدد من القضايا لاسيما المتعلقة بالشرق الأوسط؛ بعدما شهدت العلاقات المصرية الأمريكية حالة من التوتر في ظل حكم الرئيس الأمريكي “باراك أوباما” في أعقاب قيام الثورة الشعبية في  30 يونيو 2013، وإزاحة الإخوان عن السلطة.

شهدت فترة حكم “ترامب” حالة أكبر من التقارب تمثلت في تبادل الزيارات، ففى أبريل 2017، قام الرئيس عبد الفتاح السيسي بزيارة واشنطن، حيث استقبله نظيره الأمريكى بالبيت الابيض. وفي يوليو 2018، قررت إدارة “ترامب” السماح لمصر باستخدام قيمة مساعدات عسكرية أمريكية تم حجبها في السابق بسبب مخاوف تتعلق بالملف الحقوقي(قانون الجمعيات الأهلية). وفي أبريل 2019، زار الرئيس السيسى العاصمة واشنطن تلبيةً لدعوة الرئيس “ترامب”، بهدف تعزيز علاقات الشراكة المتبادلة التى تربط بين البلدين فى كل المجالات، ووصف الرئيس الأمريكى الرئيس السيسي بأنه “رئيس عظيم يؤدى مهامه الرئاسية بشكل رائع”.

وفيما يتعلق بأبرز القضايا الساخنة التي تهم الدولة المصرية، فقد شهدت حالة من التقارب في وجهات النظر بين القاهرة وواشنطن؛ يأتي في مقدمتها أزمة “السد الإثيوبي” التي شهدت توافقًا واضحًا وبالأخص بعد دعوة القاهرة لواشنطن للدخول كراعِ للمفاوضات، هذا التوافق الذي اعتبرته أديس أبابا ميلًا أمريكيًا للسردية المصرية وحاولت – استنادًا إلى ذلك – تصوير واشنطن كراعٍ منحاز. وكنتيجة لتعنت إثيوبيا، قررت واشنطن حجب بعض المساعدات التي تمنحها لإثيوبيا، ووصل الأمر إلى ما اعتبره بعض المحللين ظهور ضوء أخضر أمريكي، في أكتوبر الماضي، للقاهرة لاستهداف السد.

أما فيما يتعلق بالأزمة الليبية، يتضح بشكل جلي قدرًا من التوافق بين الرؤيتين الأمريكية والمصرية بشأنها، انطلاقًا من رؤية البلدين حول ضرورة مكافحة الإرهاب والقضاء على المليشيات ووقف حالة التناحر والاقتتال الداخلي، ووضع تسوية سياسية سلمية للأزمة. كما يبدو أن سياسية واشنطن تعني في مضمونها تقبلا لدور مصري كبير في ليبيا، فخلال شهر أغسطس 2019، ناقش “بومبيو” مع وزير الخارجية “سامح شكري” الوضع في ليبيا، واتفقا على ضرورة إيجاد حل سياسي للأزمة، وهو ما تأكد مجددًا خلال لقاء مستشار الأمن القومي الأمريكي “روبرت أوبراين”، ووزير الخارجية المصري في 12 فبراير 2020، أثناء وجوده بواشنطن.

أما عن تطورات الوضع في شرق المتوسط، فبعد الإعلان عن تدشين “منتدى غاز شرق المتوسط”، في يناير 2019، في إطار الجهود الحثيثة التي قامت بها مصر لحفز وتعزيز التعاون بين الدول المشاطئة؛ قد حاز المنتدى على دعم وتشجيع من أغلب الدول، يأتي في مقدمتها الولايات المتحدة، إذ أبدى نائب مساعد وزير الطاقة الأمريكي رغبة بلاده في الانضمام إلى المنتدى كمراقب بصفة دائمة. كما أكد “ريك بيرى”، وزير الطاقة الأمريكى، دعم بلاده لجهود مصر فى إعادة رسم خريطة الطاقة محليًّا وإقليميًّا. وبالتوازي مع ذلك، تم طرحت واشنطن مشروع قانون (شراكة الأمن والطاقة  لشرق المتوسط)، الذي يهدف في مضمونه إلى إحباط وتحجيم التهديدات التركية في شرق المتوسط.

إلى أين ستتجه بوصلة العلاقات؟

تتجه بعض التحليلات إلى اعتبار وصول إدارة ديمقراطية قد يضر بالعلاقات المصرية الأمريكية ويدفعها في اتجاه التراجع، مستندين في هذا التحليل إلى التوترات التي ضربت العلاقات بين البلدين في ظل إدارة “أوباما” وفي أعقاب الثورة الشعبية في 30 يونيو 2013، جراء الدعم الذي قدمته الإدارة الأمريكية آنذاك للإخوان ورفض إزاحتهم عن السلطة؛ إلا أنه يمكن النظر إلى تأثير وصول الديمقراطي “جو بايدن” لسدة الحكم وفق 3 اعتبارات:

أولًا: الوضع الداخلي بالولايات المتحدة:

  • أولويات الإدارة الجديدة: من المتوقع أن تستحوذ الأزمات الداخلية على أكبر قدر من اهتمام الإدارة الجديدة، لاسيما الوضع الإقتصادي ومواجهة جائحة كورونا؛ أما فيما يتعلق بالملفات الخارجية فيبدو أن تركيز إدارة “بايدن” سينصب بشكل كبير على ترميم العلاقات عبر الأطلسي وعودة واشنطن إلى المنظمات الدولية التي انسحبت منها إدارة “ترامب”، ما يعني أنه من غير المتوقع أن يحظى الشرق الأوسط بقدر هائل من الاهتمام، وبالأخص خلال الشهور الأولى للإدارة الجديدة.   
  • رؤية الرئيس “بايدن”: يمكن القول إن رؤية “بايدن” ستضع الملامح العامة لسياسته الخارجية لاسيما مع تاريخه السياسي الطويل كونه سيناتور بمجلس الشيوخ كعضو ثم رئيس لجنة الشؤون الخارجية، ثم نائبا للرئيس “أوباما”، ما يعني أنه شاهد عن قرب وأدرك جيدًا الدور المهم الذي تقوم به مصر وأهميتها في المنطقة.
  • تشكيل الإدارة الجديدة: من خلال نظرة أولية لتشكيل الإدارة الديمقراطية الجديدة يتضح أنها ستضم بعض الرموز التقدمية، لا سيما وأن الجناح التقدمي لعب دورا كبيرا في دعم حملة “بايدن”، وبعض رموز إدارة “أوباما” أو حملة “هيلاري كلينتون”، ما يعني أن تشكيل الإدارة قد يساهم في اضطراب العلاقات، وبالأخص بسبب الأفكار الحالمة التي يحملها الجناح التقدمي، أو بسبب الصورة السلبية المغلوطة الموجودة عند بعض رموز إدارة “أوباما” بسبب الخلافات التي طالت العلاقات آنذاك.
  • التوازنات على الساحة الأمريكية: بالنظر إلى طبيعة السياسة الداخلية الأمريكية يتضح أن البيت الأبيض ليس المسؤول الوحيد عن رسم السياسة وتنفيذها، وإنما لدى الكونجرس بغرفتيه دور أيضًا، لذا، فإنه حال استمرت سيطرة الجمهوريين على مجلس الشيوخ سيتحقق قدرا من التوازن وتحجيم الطموح الواسع للأجندة التقدمية، ما سينعكس على ملفات السياسة الخارجية وطريقة التعاطي معها.

ثانيًا: استحالة تطابق الرؤى:

  • وفي سياق موازٍ، لابد من التأكيد على أنه في أكثر الفترات تقاربًا في العلاقات لم تصل رؤى البلدين لحالة التطابق، ومن غير المتوقع أو من غير المنطقي أن تصل لهذه الحالة نتيجة لحجم التباين في المصالح وطريقة تحقيقها. ويمكن التدليل على ذلك بتباين مواقف إدارة “ترامب” بشأن القضايا السابق الإشارة إليها.
  • فيما يتعلق بموقف واشنطن من سد النهضة، لم يكن الضغط الأمريكي بالقدر المطلوب الذي يؤثر في السلوك الإثيوبي حتى مع اتجاهها لتعليق جزء من المساعدات، ويمكن النظر لذلك في إطار  إدراك إدارة “ترامب” لضرورة تعزيز نفوذها لمواجهة التمدد الصيني في القارة الأفريقية، لذا، اتجهت لتأسيس مؤسسة تمويل التنمية الدولية الأمريكية في أواخر عام 2019 التي تساعد الشركات الأمريكية في الحصول على موطئ قدم في إفريقيا، ولا سيما إثيوبيا،  التي خصصت لها مبلغ 1.55 مليون دولار أمريكي، لمشروع محطة “تولو موي” لتوليد الطاقة الحرارية الأرضية.
  • أما الأزمة الليبية، فإن الموقف الإمريكي غلفته الضبابية في أوقات كثيرة، فبالرغم من إعلان الرئيس “ترامب” تأييده المبادرة المصرية المعروفة باسم “إعلان القاهرة”، إلا أن الإدارة الأمريكية لم تبذل جهدًا كافيًا لتثني أنقرة عن دورها المؤجج للصراع والداعم للإرهاب، كما جرى اتصال هاتفي بين “ترامب” و”أردوغان” شهد توافق بينهما حول “بعض الملفات” المتعلقة بالتطورات في ليبيا. ويأتي ما يمكن اعتباره كأرضية للتفاهم بين واشنطن وأنقرة – بوصفها المعسكر المناويء لمصر – في الأزمة الليبية كنتيجة لخوف واشنطن من التمدد الروسي في ليبيا.
  • وأخيرًا، يحمل ملف شرق المتوسط هو الآخر قدرًا من التباين في الرؤى بين القاهرة وواشنطن؛ فعلى الرغم من الترحيب الأمريكي بمنتدى غاز شرق المتوسط، إلا أن قانون (شراكة الأمن والطاقة  لشرق المتوسط) قد طرح صيغة تعاون موازية للصيغة التي طرحتها الدولة المصرية، ما قد يعني تحجيم الدور المصري في شرق المتوسط، وإعطاء أنقرة هامش حركة أكبر حال استطاعت واشنطن احتواء الخلافات بين تركيا من جانب واليونان وقبرص من جانب آخر.

ثالثًا: انحسار موجة الإسلام السياسي:

  • وأخيرًا، تركز  بعض التحليلات على يمكن ما يمكن تسميته بـــــ”استعادة بايدن لميراث أوباما” فيما يتعلق بعلاقته بالإسلام السياسي لا سيما تنظيم الإخوان،  إذ سارع التنظيم إلى تقديم التهنئة لـ”بايدن”، مقترنة بآمال لتغيير واشنطن سياساتها تجاه النظام المصري، مستشهدة بتصريح سابق لـــ”بايدن” بعدم منح الرئيس السيسي “صكوكًا مجانية”؛ إلا أن التحليل عبر الاسقاط المباشر بهذه الصورة يبدو في غير محله، وبالأخص مع تغير الأوضاع والظروف المحيطة بالتنظيم داخل مصر وخارجها.
  • بداية تشير بعض التحليلات والكواليس المتعلقة بإدارة “أوباما” إلى أن “بايدن” لم يكن ميالًا لوجود الإسلاميين في الحكم عند مقارنته برموز أخرى في الإدارة الأمريكية آنذاك، كما أن وصول “بايدن” للحكم الآن يأتي في توقيت يحمل ملامح ضعف عديدة للتنظيم، حيث لفظه المجتمع المصري، واستطاعت كذلك الدولة المصرية أن تقضي عليه وتقطع ذيوله بطريقة صعبت من قدرته على إعادة بناء نفسه مجددًا، فضلًا عن البيئة الإقليمية الرافضة للتنظيم – باستثناء قطر وتركيا – إذ اتجهت بعض الدول إلى حظر التنظيم واجتثاثه وتجفيف منابعه؛ ما يعني تراجع فرص التقارب الأمريكي مع هذا التنظيم – بقدر ما – لكونه أصبح كارت خاسر.
  • واستنادًا إلى ذلك، ترى بعض التحليلات أن “بايدن” لن ينشغل كثيرًا بالسياسة الداخلية في مصر، إدراكًا منه بأهمية الحفاظ على العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، ولن يقدم على التلويح بتجميد المساعدات أو فرض عقوبات، لكنه قد يتجه صوب التصريحات الإعلامية التي ترضي المعارضة وتوحي بتغيير نسبي، لكن الأمر قد يتجه نحو قدر أكبر من التصعيد حال تصدرت الرموز التقدمية الإدارة الأمريكية الجديدة، الأمر الذي قد يتسبب في وجود قدر من التوتر في العلاقات بين البلدين، وبالأخص وأن الدولة المصرية لا تقبل أي تدخل في شؤونها الداخلية.

مجمل القول، أن الحديث عن تغير سلبي حتمي في العلاقات بين القاهرة وواشنطن يبقى في غير محله كونه يتأثر بمعادلة تحوي عددا من المتغيرات المترابطة التي تتعلق بكلا البلدين والظروف الداخلية فيهما، وكذا الظروف الإقليمية والمتغيرات العالمية؛ فضلًا عن كون قوة الدولة المصرية ودورها النشط تمثل رقمًا مهمًا في معادلة العلاقات، لذا، فإن وضع أولويات المصالح المصرية على أجندة العلاقات بشكل واضح ومباشر، مع الاعتماد على الحوار كآلية رئيسة لتعزيز العلاقات ورفض المساومة على المساعدات أو فرض العقوبات، يمثل المنهج المناسب لتعزيز العلاقات.

+ posts

رئيس وحدة الدراسات الأمريكية

د. مها علام

رئيس وحدة الدراسات الأمريكية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى