
عزت إبراهيم يكتب: الأساطير المؤسسة لنفوذ “الجماعة” في واشنطن
هناك تفاعلات وكتابات تستحق الرد والخروج عن الصمت في قصة وهمية تؤسس لأوهام وتخلق أشباحا من لا شيء.
لا تبني دولة سياستها الخارجية علي مواجهة أوهام عودة جماعة عنصرية وطائفية تشجع وتمارس العنف والقتل وتضعها محورا لسلوكها الخارجي، ولو حدث ذلك فهذا يعني أن الدولة لا تقف علي أرض صلبة وأنها تنتظر دعما أو سندا من هذا أو ذاك. بلورت الانتخابات الأمريكية عن مفارقة أو مبالغة غير عادية، فقطاع عريض من المصريين يرون أن ذهاب رئيس أمريكي مؤيد لموقف الدولة المصرية من جماعة الإخوان هو أمر جلل لا يجب أن يمر وأن هناك مؤامرة كبرى ضد الرجل وأن غرفة العمليات ضده ربما تكون في عاصمة معادية.
النظرة الضيقة التي يتم تناول الأمر بها لا يمكن أن نلوم الناس العادية عليها ولكن عند النخب السياسية أو الفكرية أو الإعلامية يكون الأمر مختلف يحتاج إلي وقفة . فقد كان ترامب صديقا لمصر، نعم، ولكن لا صداقة تدوم ولا عداوة تطول في السياسة العالمية ولا مكان لعلاقات لا يشوبها تغيير أو تطور أو حتي لمحة من توتر . في الفترة التي سبقت صعود جماعة الإخوان إلى الحكم في مصر رأيت تطورات الموقف الأمريكي في واشنطن تجاه الجماعة- وقلت ذلك قي لقاء علي قناة Ten قبل يومين- أن واشنطن استقبلت الكل وجلس مسئولين من الإدارة مع نشطاء مدنيين معروفين في وقتها ثم جاءت وفود الجماعة في ظل اهتمام غير عادي بالشركاء المحتملين وطالت فترة جس النبض عدة شهور، وكان الإخوان خلالها يستعجلون الإدارة الأمريكية أن تحدد موقفها من الحوار العلني مع الجماعة، ثم جاء الإعلان المنشود في صيف ٢٠١١ علي لسان هيلاري كلينتون في مؤتمر بالعاصمة المجرية. يومها، تلقيت اتصالا من إحدى مساعدات “هيلاري كلينتون” في الخارجية الأمريكية تطلب توضيح الأمر علي صفحات الأهرام، وبالفعل دار بيننا حوار سريع خرجت منه بتصريحات مفادها أن الإدارة الأمريكية ترى أن هناك مصلحة مع الجماعة، لأنها قوة منظمة ويبدو أنها ستعلب دور علي المسرح السياسي في الفترة المقبلة. وامتنعت المسئولة الأمريكية عن الحديث عن طبيعة المشاورات الداخلية التي خرجت منها البيت الأبيض والخارجية بتصور الحوار مع الجماعة . وسارت الأمور في مصلحة الجماعة حتي حدث الإعلان الدستوري لمحمد مرسي، وقتها انقسمت الأصوات بين مؤيد ومعارض داخل المجموعة المصغرة في مجلس الأمن القومي لما يقوم به مرسي وجماعته، لكن وقتها كانت السفيرة الأمريكية في القاهرة صاحبة نفوذ قوي وكانت علي خلاف مع بعض أقطاب التيار المدني المعارض بشراسة للإخوان، وراحت تروج لمواقف الجماعة وتقلل من قدر الصدام بين مرسي والمعارضين لبواكير دكتاتورية الجماعة وتغيير هوية البلاد. ولم تفلح السفيرة في إنقاذ الجماعة باتصالاتها الأخيرة قبل ٣٠ يونيو، ثم أفلت الزمام من واشنطن نتيجة سوء التقدير ووصول تقديرات أن الحكم سوف يستتب للإخوان لمدة غير معلومة. وعلي حسب كلام مسئولة بالإدارة وقتها قبل مغادرتي واشنطن في فبراير ٢٠١٣، أن علي المعارضة تقبل مسألة أن مزاج المصريين يصب في صالح الجماعة وأن عليكم التأقلم معها لمدة ٣٠ عاما علي الأقل. كانت صدمة ٣٠ يونيو مؤلمة لتيار مؤيد للتغيير الشامل في السياسة المصرية حتي لو جاء بجماعة سياسية دينية، وتدخلت تلك المجموعة لتجميد المساعدات والتلويح بعقوبات لكن الموجة الشعبية العارمة أدت إلي تقليل حد الصدام تدريجيا . كانت الجماعة قد بنت من خلال شبكة متكاملة ومترامية الأطراف في أمريكا الشمالية اتصالات مع أطراف كثيرة في واشنطن، ووظفت فيها الجيل الثاني أو الثالث من أبناء القيادات الإخوانية في الخارج الذين تلقوا تعليما في بريطانيا وأمريكا وكندا ويتحدثون اللغة بطلاقة ويبدون في تفكيرهم أقرب للعقل الغربي، وهي الخطة التي نفذت بدقة وبراعة شديدة في فترة قصيرة، وأصبح كثير من هؤلاء الشباب محل ثقة صحف كبرى ومراكز أبحاث باعتبارهم موجة التجديد في هيكل الجماعة في مقابل غياب التيار المدني عن التواصل أو انحسار التواصل في شخصيات قليلة تواجدوا سنوات في دهاليز واشنطن دون أن يلعبوا أي دور في التحول السياسي في مصر. ومن هنا لم تعد تلك الشخصيات ينظر إليها بنفس قدر الاهتمام بجيل جماعة في طريقها للاستحواذ علي السلطة لسنوات قادمة.
وهكذا نمت العلاقة واستمرت بعد الثورة الشعبية وبقي جيل من الجماعة والهاربين يلعبون دور شهداء الحرية والديمقراطية مدعومين بمساندة باحثين وصحفيين. عندما ذهب وفد غير رسمي من الجماعة لزيارة قبل سنوات قليلة لمقابلة مسئولين في نهاية حكم أوباما قامت الدنيا ولم تقعد ولم تكررها الخارجية الأمريكية في العلن علي الأقل .
قراءة فريق بايدن للسياسة الخارجية لا تنبيء بأن قصة الجماعة والمظلومية المزعومة ستشكل أهمية . معظم أفراد فريق السياسة الخارجية في الصف الأول أقرب للمتخصصين في السياسة الإيرانية وهو ما يؤكد أن قضية إيران مازالت تمثل أهمية حقيقية في علاقات أمريكا بالخليج خاصة بعد التقارب “الإسرائيلي – الخليجي” الدافيء وبدء المعاملات التجارية علي نطاق غير مسبوق في علاقات إسرائيل بالعالم العربي.
أمر آخر، أن الذين ينزعجون من وصول بايدن للحكم يتناسوا نمو العلاقات الاقتصادبة بين مصر والولايات المتحدة في السنوات الأخيرة، وقد شاهدنا في زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى الأخيرة قبل ١٤ شهرا لنيويورك حجم التطور في الاستثمارات الأمريكية، والتي لا يجرؤ أي سياسي امريكي أن يضحي بها اليوم خاصة بعد أن أصبح لمصر مكانة جديدة مرموقة علي خريطة الغاز الطبيعي في شرق المتوسط.
الدولة المصرية قادرة علي المضي في علاقة ندية مع أية إدارة في واشنطن طالما تقوم علي المصالح وأيضا المجتمع المدني من مراكز الأبحاث والإعلام مطالبين بالقيام بدور مكثف في التواصل مع المراكز الأمريكية التي ستعود لممارسة نفوذها من جديد تحت قيادة الديمقراطيين.
أخيرا، الخوف والهلع من شبح جماعة يؤسس لأسطورة لا وجود لها ويعطي لها قبلة حياة لا تستحقها خاصة في عقول المواطن العادي، فلا تمنحوهم قبلة حياة جديدة!.
رئيس وحدة دراسات الإعلام