أفريقيا

تفكيك مشروع “جمهورية السودان الوسطى”

شهدت جوبا عاصمة جنوب السودان يوم الاثنين 31 أغسطس 2020 اتفاقاً تاريخياً لإقرار السلام بين الحكومة السودانية وخمس حركات مسلحة في جنوب وغرب البلاد، هي:

1 – حركة العدل والمساواة بزعامة جبريل إبراهيم.

3 – حركة تحرير السودان – فصيل “ميني أركو مناوي”.

4 – حركة تحرير كوش بزعامة محمد داود 

5 – حركة المجلس الانتقالي.

2 – الحركة الشعبية لتحرير السودان – قطاع شمال – فصيل “مالك عقار”، المتمردة في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق

وتمثل الحركات الأربع الأولى أهم فصائل التمرد في دارفور غرب البلاد، والتي وصلت حسب إحصاء عام 2020 إلى 80 فصيلاً، بينما تمثل الحركة الخامسة في اتفاق جوبا 2020 أهم فصيل متمرد في الجنوب.

أما أبرز الغائبين عن اتفاقيات جوبا 2020:

1 – الحركة الشعبية لتحرير السودان – قطاع شمال – فصيل “عبد العزيز الحلو” من الجنوب.

2 – حركة تحرير السودان – فصيل “عبد الواحد نور” من الغرب أو دارفور.

شملت المعاهدات الموقعة الاتفاق على إنهاء عمليات دمج وتسريح القوات التابعة للحركات المُسلحة ضمن الترتيبات الأمنية، من خلال تفكيك الحركات المُسلحة وانضمام مقاتليها إلى الجيش النظامي الذي سيعاد تنظيمه ليكون مُمثلا لجميع مكونات الشعب السوداني يعكس التنوع في البلاد، إضافة إلى تشكيل قوة مُشتركة لحماية المدنيين في إقليم دارفور المكون من أربع ولايات (شرق ووسط وغرب وجنوب)، إلا أن البند الأهم هو إعطاء الحكم الذاتي والتشريع والحريات الدينية لمنطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان بتقسيم موارد المنطقتين بنسبة 60% للسلطة الفيدرالية و40% للسلطة المحلية.

وكان الصراع قد تفجر في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، في 5 يونيو 2011، بينما شعوب الشرق الأوسط تتابع تطورات الربيع العربي، وكانت الولايتان ضمن التمرد الجنوبي في الحرب الأهلية السودانية الأولى (1955 – 1972) والثانية (1983 – 2005) ولكن لم يشملها اتفاق إنهاء الحرب الأهلية والذي أفضى إلى انفصال عشر ولايات جنوبية لتشكل جمهورية جنوب السودان التي باشرت أعمال السيادة في 9 يوليو 2011 بعد استفتاء تقرير المصير في 9 يناير 2011.

وعلى ضوء تمرد 5 يونيو 2011، دعمت جنوب السودان وإثيوبيا التمرد الجديد، وبدأت الصحف العالمية تبشر بالجمهورية السودانية الثالثة، بعد سلخ جمهورية جنوب السودان من السودان الشمالي،  وخسارة السودان ثلثي ثروته النفطية التي كانت في الجنوب. وكان للصين اليد الطولى في هذه الثروات على ضوء العلاقة المميزة بين بكين والخرطوم، ولكن بعد الانفصال قامت جوبا بإدخال الشركات الغربية النفطية إلى تلك المناطق.

ومع اندلاع الحرب الأهلية في جنوب السودان (2013 – 2020) أرسل الرئيس الأمريكي باراك أوباما الجيش الأمريكي إلى العاصمة الجنوبية لتصل واشنطن للمرة الأولى عسكرياً الى عمق دول حوض النيل.

وللمفارقة فإن بعض أنصار المعارضة السودانية قد روجوا لفكرة قيام “جمهورية السودان الوسطى”، وأنه طالما قبل النظام السوداني بجمهورية جنوب السودان فلا مشكلة بقيام جمهورية وسط السودان!، ولم تكن المعالجة الخاطئة لنظام البشير لأزمة “الجنوب الجديد” هي أول أو آخر معالجاته لمؤامرات تقسيم السودان، إذ إن المعالجة الفاشلة لتمرد ولايات دارفور عام 2003 قد أدى إلى اقتراح دولي بإرسال الجيش البريطاني إلى غرب السودان لحفظ السلام،  وهو الاقتراح الذى أجهضته مصر عام 2005، بالإضافة إلى تفشي التمرد في بورسودان شرق السودان، وبدء الحديث عن جمهورية شرق السودان!

وتضم ولاية جنوب كردفان جبال النوبة السودانية، وتعتبر معقل النوبة التاريخي في وسط السودان والولاية غنية بالذهب، بينما ولاية النيل الأزرق ذات أهمية استراتيجية فيما يتعلق برحلة نهر النيل من الجنوب إلى مصر، إضافة إلى وجود سد الروصيرص.

وللمفارقة فإن اتفاق جوبا 2020 بين الحكومة السودانية ومتمردي النيل الأزرق وجنوب كردفان هو ذاته نص المبادرة الأمريكية التي عرضت على البشير ورفضها الأخير بحسب جريدة الحياة اللندنية عدد 4 نوفمبر 2011، ما أهدر قرابة تسع سنوات لكي تقر الخرطوم نفس المبادرة الأمريكية، ولكن بعد عزل البشير في 11 ابريل 2019 على وقع ثورة 19 ديسمبر 2018.

ورغم أن الإعلام سلط الضوء على اتفاقيات جوبا 2020 باعتبارها إقرارًا للسلام في دارفور، ولكن في واقع الأمر أن أهمية الاتفاقيات الأخيرة أنها أنهت التمرد الجنوبي، بينما لا يزال السلام هشاً في الشرق والغرب. وللمفارقة فإن السلام في النيل الأزرق وجنوب كردفان يأتي بعد انتهاء الحرب الأهلية في جنوب السودان في فبراير 2020، مما يبشر بتوقف حزام الحروب الأهلية في الجمهوريات السودانية.

+ posts

باحث سياسي

إيهاب عمر

باحث سياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى