
د.محمد حسين أبو الحسن يكتب : “أشباح أردوغان”.. والمسئولية الجنائية
يتحرك بندول الدراما السياسية التركية في المنطقة بصخب وعنف، ترعى تركيا منتخب العالم للإرهاب، تدفع بحشودهم لتدمير بلاد العرب، تحت بصر العالم، ومع ذلك يخرج الرئيس التركي- بلا خجل- ليصف دور مصر في ليبيا بأنه “غير شرعي”. جن جنون أردوغان عقب تفويض شيوخ القبائل الليبية الرئيس السيسي والجيش المصري حماية سيادة بلادهم وأمنها القومي، خاصة أن هذا التفويض سبقه تفويض مماثل من مجلس النواب الليبي- الجهة الوحيدة المنتخبة من الليبيين- للقوات المسلحة المصرية، بالتدخل عسكريا.
يطلق أردوغان الأكاذيب، للتغطية على احتلاله ليبيا ونهب ثرواتها وتحويلها قاعدة للاستحواذ على مفاصل الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بضوء أخضر أمريكي- بريطاني، وصمت إيطالي، للمشاركة في الكعكة وتطويق الحضور الروسي الذي يلعب بدوره على كل الحبال.
يسعى أردوغان لزعامة الشرق، دون أن يتخلى عن رغبته بأن تصبح بلاده جزءا من الاتحاد الأوروبي، يرى أن الغرب حرم تركيا خلال الحرب الباردة ثمار التقدم والمكانة، برغم دفعها الثمن (التبعية الكاملة)، يتلمس أردوغان طريق الشرق والجنوب، لإخراج تركيا من دورها الهامشي (سابقا) إلى بلد محوري إقليميا ومؤثر دوليا، عن طريق تغيير معادلات القوى وموازينها في الإقليم؛ ولأن مصر بعد 30 يونيو هي حائط الصد الأساسي بوجه أطماع تركيا واللاعبين الآخرين الساعين لتمزيق واستتباع الدول العربية وشفط ثرواتها، فإن الاستراتيجية التركية الراهنة تنبني على الضغط على مصر، من الداخل– عن طريق جماعة الإخوان الإرهابية- والخارج، بمحاولة تفتيت البلدان العربية الرئيسية كالعراق وسوريا، والتدخل في ليبيا ونشر القواعد العسكرية في قطر والصومال واليمن، ونسج العلاقات الاستراتيجية مع إسرائيل وإثيوبيا (معاهدة الدفاع المشترك)… إلخ. إن عقيدة أردوغان تجاه المنطقة تذكر بأفلام المخرج النمساوي مايكل هاينيكي التي صورت أجواء أوروبا، خلال الحرب الباردة، أشباحا للفاشية والعنصرية والفساد الأخلاقي والمالي تحلق فوق القارة العجوز، وذاك ما يفعله أردوغان، في ليبيا وغيرها، ينشر أشباح الإرهاب والخراب، يرعى شبكات نشر الإرهابيين، وهذا ما ينبغي فضحه والتصدي له.
طبول الحرب تدوي، في مشهد معقد تحكمه قوانين جيوستراتيجية لا قبل له بها، تُستباح الجغرافيا ويهزم أهلها مع تصدع بنية النظام العربي، وتنتج قوانين جديدة في الصراع على التاريخ والسياسة والأمن والاقتصاد، تعيد هندسة دول الإقليم وسياساتها؛ بما يجعل حاضرها مفتوحا على احتمالات مفزعة.
ولأنها القوة الرئيسية، تحتاج مصر لملء هذا الفراغ التكويني المزمن، داخل البناء الجيوبولتيكي في الإقليم، لمواجهة التحديات الوجودية، وفي هذا الإطار ينبغي التصدي لمخططات القوى المعادية، وعلى رأسها أردوغان وجماعات الإسلام السياسي. للمواجهة وجوه كثيرة، من بينها وجه لا يحظى بالاعتناء برغم أهميته الفائقة، ألا هو جر النظام التركي لمقصلة القانون الدولي، في ظل توافر الأدلة على ضلوعه في رعاية وتسليح المليشيات الإرهابية بتمويل قطرى، وتوظيفها في نزاعات الشرق الأوسط، نقل أردوغان 18 ألف مرتزق لليبيا.
الخبير القانوني المرموق المستشار محمود فوزي الأمين العام لمجلس النواب، يشدد- في العدد الأخير من مجلة “مجلس النواب” التي يرأس تحريرها الصحفي اللامع بهاء مباشر- على أنه بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وبالاستناد إلى قرار مجلس الأمن 2178، والقرار 1373 الذي ألزم الدول الأعضاء بتقديم أي شخص يشارك في تمويل أعمال إرهابية أو تدبيرها أو الإعداد لها… بوصفها جرائم خطيرة؛ بما يكفي لمقاضاة الجناة ومعاقبتهم. أي أن القوانين الدولية رتبت مسئولية قانونية على الدول، تجاه ممارسة أي أنشطة إرهابية، ومن ثمّ فإن ما خلص إليه المستشار فوزي بالغ الضرورة، إزاء السلوك التركي بالمنطقة ورعايته الإرهاب وتوظيفه، إذ تقع المسئولية القانونية على الدول التي تقوم بنقل المقاتلين الإرهابيين، وفق أي كيفية، ما يرتب مسئولية جنائية في شأن المسئول عن اتخاذ هذا القرار، ومسئولية مدنية توجب التعويض للمتضرر، كما يخول الدول المتضررة الدفاع الشرعي عن نفسها، بالقدر اللازم لكف الأذى عن حدودها ومواطنيها. إن الرؤية التي يطرحها الفقيه القانوني البارز محمود فوزى تكفل الإسهام في طرد أشباح أردوغان المحلقة، بملاحقته عن جرائمه الإرهابية أمام العالم، وتعويض الدول المتضررة جراء الأرواح والدمار المقيم. رؤية جوهرية تعالج نقصا فادحا في التعاطي مع البلطجة التركية، قلما جرى الالتفات إليها، تعزز بقية بدائل العرب الأخرى في مواجهة جرائم أردوغان وأمثاله؛ إنها فكرة قانونية جديرة بالرعاية في لحظة خطيرة من تاريخ المنطقة.


