كورونا

التداعيات السياسية لكورونا.. هل تطلب إيطاليا الخروج من الاتحاد الأوروبي؟

ترجم ساسة إيطاليا حالة الغضب الشعبي من مؤسسات الاتحاد الأوروبي، على ضوء ضعف المساعدات التي قدمها الاتحاد للدولة الأوروبية التي أصبحت أكبر بؤرة انتشار لوباء كورونا لتتجاوز الصين مهد الوباء، بحسب اعلان منظمة الصحة العالمية.

الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا أصدر بيانًا انتقد فيه “بيانات التضامن حيث كانت روما تتوقع تحركات إيجابية لا تعرقل خطوات الحكومة الإيطالية”، بحسب صحيفة بوليتيكو الإيطالية واسعة الانتشار، التي صنفت بيان الرئيس الإيطالي المؤيد القوي للاتحاد الأوروبي باعتباره الرد الرسمي على رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاجارد بسبب تعليقاتها التي تسببت في هبوط في بورصة ميلانو بنحو 17 %، وهي أسوأ جلسة يومية في تاريخ البورصة الإيطالية بحسب الصحيفة.

وفى سياق متصل، كتب مندوب إيطاليا الدائم لدى الاتحاد الأوروبي، ماوريتسيو ماساري، مقالًا افتتاحيًا في بوليتيكو يوم الثلاثاء 10 مارس 2020، أبرز ما جاء في المقال: “إيطاليا طلبت بالفعل تفعيل آلية الاتحاد الأوروبي للحماية المدنية لتوفير المعدات الطبية لحماية الأفراد. لكن لسوء الحظ، لم تستجب دولة واحدة من دول الاتحاد الأوروبي لدعوة المفوضية. ردت الصين فقط على المستوى الثنائي. بالتأكيد، هذه ليست علامة جيدة على التضامن الأوروبي”.

وكرّست صحيفة بوليتيكو صفحاتها طيلة الأسبوع الماضي لانتقاد آليات الاتحاد الأوروبي في مساعدة إيطاليا، إذ اعتبرت الإشادة الواسعة لوزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو بوصول طائرة صينية محملة بالمعدات الطبية والأطباء للمساعدة بأنه توبيخ واضح للاتحاد الأوروبي. 

وفى تقرير آخر شددت الصحيفة الإيطالية على أن وعود الاتحاد الأوروبي الخاصة بمكافحة الهجمات الكيميائية والإرهاب البيولوجي عام 2009 أثناء تفشي أنفلونزا الخنازير قد أثبتت عدم جدواها.

ولكن عبر وسائل التواصل الاجتماعي أخذت الغضبة الشعبية منحنى جديد، تمثل في موجة جديدة هي الأكبر من التدوين والتغريد عبر وسم #ITEXIT الذي يطالب بخروج إيطاليا من الاتحاد الأوروبي على غرار بريطانيا.

C:\Users\m.abdelrazik.ecss\Downloads\44667521_10213573869486589_4207066319226404864_n.jpg

هذا الوسم الذي بدأ عام 2016، وينشط كل فترة على يد الحركات والنشطاء والساسة والشخصيات العامة الداعية للانفصال الإيطالي، أصبح خير مقياس لمدى غضب الشعب الإيطالي مما سمّاه النشطاء “خذلان الاتحاد الأوروبي للأمة الإيطالية”.

أحزاب الخروج من الاتحاد الأوروبي

وكانت الأزمة الاقتصادية العالمية (2008 – 2013) قد صنعت حركات سياسية جديدة على مستوي العالم، تمثلت في اليمين القومي واليسار المتشدد وجيل جديد من حركات الانفصال/الاستقلال، وأصبحت تلك القوى السياسية الجديدة تنافس القوى السياسية التقليدية في أوروبا وأمريكا، تلك القوي التي حكمت الدول الغربية بالتناوب منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وطيلة سنوات الحرب الباردة وما بعدها.

ومنذ ذلك الحين وهنالك صراع سياسي شرس بين القوى التقليدية والقوى الجديدة، راحت الجماهير تترجمه عبر صناديق الاقتراع، فصعدت التيارات القومية والانفصالية، بينما راحت القوى التقليدية تتوارى شيئًا فشيئًا، مثل انهيار الحزبين الكبيرين في فرنسا، الحزب الديجولي والحزب الاشتراكي، مقابل صعود حزبي إيمانويل ماكرون ومارين لوبان.

وشهد العالم صعود حزب البديل الألماني وحزب الاستقلال البريطاني ثم حزب بريكست البريطاني، وحزب بودميوس في إسبانيا وحزب سيريزا في اليونان، وحزب فوكس الإسباني وحزب رابطة الشمال، وحركة النجوم الخمس في إيطاليا، وحركات الاستقلال في كتالونيا واسكتلندا، كما أن التيار القومي داخل حزب المحافظين بقيادة بوريس جونسون هزم التيار المحافظ التقليدي بزعامة ديفيد كاميرون وتريزا ماي.

وربما ما يجمع بين اليمين القومي واليسار المتشدد الجديد ويميزهم عن اليمين واليسار التقليدي في أوروبا هو النظر الى الاتحاد الأوروبي باعتباره فكرة فاشلة، لذا نجد ان الفكرة التي تجمع بين البديل الألماني ومارين لوبان في فرنسا وعصبة الشمال في إيطاليا وحزب فوكس الإسباني هو الرغبة في تنظيم استفتاءات مماثلة لما جرى في بريطانيا؛ من أجل خروج ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا من الاتحاد الأوروبي!

جذور الخروج الإيطالي

وعلى ضوء فشل اليسار الإيطالي في الحشد لاستفتاء التعديل الدستوري في 4 ديسمبر 2016، دخلت إيطاليا أزمة سياسية أفضت إلى خسارة الحزب الديمقراطي الحاكم –ممثل اليسار الإيطالي التقليدي– في الانتخابات البرلمانية في 4 مارس 2018، ما أدى إلى صعود حزب رابطة الشمال بقيادة ماتيو سالفيني.

C:\Users\m.abdelrazik.ecss\Downloads\19756666_301261197011054_6713974938886019492_n.jpg

هذا السياسي القادم من ميلانو (مواليد 9 مارس 1973)، تولى رئاسة الحزب في 15 ديسمبر 2013 ويعتبر المنظر الذي يقف خلف تطوير اليمين القومي الإيطالي، حيث دمج ما بين الأفكار الوطنية القومية والأفكار الدينية الكاثوليكية الرومانية مستغلًا دراسته الأكاديمية للعلوم السياسية ثم التاريخ، ليعبر عن ثقافة شعبوية إيطالية خالصة.

قدم سالفيني للرأي العام الإيطالي أمرين رغب الإيطاليون في رؤيتهما طويلًا بالسياسة، خطاب وطني ممزوج بالرموز الدينية، حيث يعتبر سالفيني أول سياسي إيطالي يشهر سبحته وصليبه في مناسبات سياسية علنًا منذ عقود، بعد أن كان هنالك تحريم علماني ونيوليبرالي لهذا الإجراء.

زلزال فوز رابطة الشمال في انتخابات 2018 واقتراب حلم تنظيم استفتاء إيطالي على الانفصال عن الاتحاد الأوروبي عرقله عدم قدرة رابطة الشمال على تشكيل الحكومة بشكل منفرد او ترؤس الائتلاف الحكومي، وهكذا قبل نمر اليمين القومي الإيطالي أن يدخل في ائتلاف حكومي، مكتفيًا بمنصب نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية في 1 يونيو 2018.

طبّق سالفيني رؤية اليمين القومي المناهض للاتحاد الأوروبي والعولمة بشكل كامل أثناء توليه وزارة الداخلية الإيطالية، إذ أغلق الحدود والسواحل الإيطالية أمام حركة اللجوء الشرعية والمهاجرين غير الشرعيين، وناصب مؤسسات الاتحاد الأوروبي العداء، وتشابك مع حكومة فرنسا المؤيدة للاتحاد الأوروبي في أشرس خلاف بين إيطاليا وفرنسا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

ولكن وزير الداخلية القوي لم يستطع أن يفرض باقي أجندة اليمين القومي، لذا لجأ إلى لعبة سياسية تتمثل في تقديم استقالة حزبه من الوزارة في 5 سبتمبر 2019 والنزول إلى الشارع في مظاهرات مطالبة بإجراء انتخابات برلمانية مبكرة، راهن سالفيني على أنه سيكتسحها ويشكل الوزارة الإيطالية بتوجه قومي خالص.

ونظرًا لمخاوف النخبة السياسية الإيطالية من هذا الانتصار، وفى خطوة غير متوقعة وأتت خارج حسابات سالفيني، قبلت الأحزاب الإيطالية الانضواء في ائتلاف حكومي برجماتي، وتنحية الأيديولوجيات السياسية من أجل قطع الطريق أمام انتصار اليمين القومي في الانتخابات المبكرة.

وهكذا جرى تعديل وزاري تضمن ائتلافًا جديدًا بين حركة النجوم الخمس والحزب الديموقراطي، وقبل حزب ثالث في البرلمان هو “فيفا إيطاليا” أن يكمل الكتلة التصويتية اللازمة لتمرير تشكيل التعديل الوزاري دون الذهاب إلى انتخابات مبكرة، ليقبل اليسار الإيطالي تحالفًا غير منسجم مع أفكاره، مقابل ألا يصعد اليمين القومي إلى سدة الحكم في روما.

صيف سياسي ساخن ينتظر روما

واجهت الحكومة الإيطالية الجديدة فيضان هو الأقوى منذ 50 عامًا أطاح بعروس البحر المتوسط الإيطالية فينسيا، وسحق الحركة السياحية هنالك، وما إن بدأت الحكومة الإيطالية تتنفس الصعداء حتى اجتاح وباء كورونا الأقاليم الإيطالية بشكل شامل، وبدأت متلازمة فايمار تضرب الشعب الإيطالي.

هذه المتلازمة تنسب إلى الشعب الألماني المهزوم عقب الحرب العالمية الاولي حينما تطلع إلى تولى رجل قوي سدة الحكم من أجل إنهاء الفوضى، وبالفعل فإن ما يجري اليوم عبر وسم الانفصال الإيطالي شديد الشبه بمتلازمة فايمار، وأصبح ماتيو سالفيني هو الحل في نظر العديد ممن غرد ودوّن عبر هذا الوسم، وأصبحت صور سالفيني هي الأكثر تداولًا على هذا الوسم.

من المؤكد أن إيطاليا بعد كورونا ليس كما كانت قبله، وهنالك حقائق سياسية واتجاهات جديدة في الرأي العام سوف تتضح عقب انتهاء الحجر الطبي الشامل وبدء عودة الشعب للحياة الطبيعية والعمل العام، وعلى ما يبدو أن اليمين القومي وماتيو سالفيني يحضّران لفعاليات على الأرض من أجل المطالبة بانتخابات برلمانية مبكرة، واستثمار الكوارث التي ضربت إيطاليا في موسم الشتاء سواء فيضان فينسيا أو وباء كورونا. مما ينذر بصيف سياسي ساخن في معقل الحضارة الرومانية.

+ posts

باحث سياسي

إيهاب عمر

باحث سياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى