كورونا

كيف أثرت العقوبات الأمريكية على القدرات الإيرانية لمكافحة فيروس كورونا؟

تفشى فيروس “كورونا” خلال الأيام الماضية في إيران وذلك في ظل تصاعد أعداد الإصابات والوفيات، وهو ما سلط الضوء على مدى تدهور القطاع الصحي في إيران، وعدم توافر الإمكانات اللازمة للتصدي لمثل هذا النوع من الأزمات الطارئة، وهو ما فتح الباب للتساؤل حول مدى تأثير العقوبات الأمريكية على قدرة طهران في مواجهة فيروس “كورونا”.  

روحاني يعلن تفشي كورونا

قال الرئيس الإيراني “حسن روحاني” في أثناء اجتماعه مع الحكومة اليوم أن فيروس كورونا قد أصاب جميع أقاليم إيران تقريبا البالغ عددها 31 إقليمًا، وأضاف “هذا المرض واسع الانتشار، لقد وصل إلى كل أقاليمنا تقريبا، وبشكل ما هو مرض عالمي أصاب العديد من بلدان العالم، ويجب علينا العمل معا لمعالجة هذه المشكلة في أسرع وقت ممكن”، وذلك بحسب ما ذكره موقع المركز الإعلامي للرئاسة الإيرانية.

كما أعلنت اللجنة الوطنية لمكافحة “كورونا” عن إلغاء صلاة الجمعة فى جميع المدن الإيرانية هذا الأسبوع، خشية انتشار الفيروس بين المصلين، وقال “حاج علي أكبري” رئيس مجلس تحديد السياسات العامة لأئمة الجمعة، إنه وفقا لقرار اللجنة الوطنية لمكافحة فيروس كورونا، لن تقام صلاة الجمعة فى جميع المحافظات هذا الأسبوع.

كما أكد “غلام حسين إسماعيلي” المتحدث باسم القضاء الإيراني، الإفراج عن أكثر من 54 ألف سجين بشكل مؤقت، وذلك خشية انتشار المرض بين المسجونين، موضحًا أن صحة السجناء مهمة بالنسبة للقضاء بغض النظر عن كونهم سجناء أمنيين أو عاديين، وأن عمليات الافراج تخضع لوزارة الصحة الإيرانية.

الصحة العالمية تعلن ترسخ الفيروس في إيران

قال المدير التنفيذي لبرنامج الطوارئ الصحية في منظمة الصحة العالمية “مايكل راين” في تصريحات صحفية بجنيف، أن فيروس كورونا بات مترسخًا في إيران مشددًا على أن القضاء على الفيروس في بلدان تفشى فيها “صعب” إنما “ليس مستحيلا”، وأن الاحتياجات والتجهيزات الوقائية تنفذ سريعاً وهناك حاجة أكبر لدى النظام الصحي الإيراني لها أكثر من غالبية الأنظمة الصحية في دول أخرى، ويذكر أن وصلت إلى إيران طائرة أرسلتها المنظمة على متنها فريق طبي ومساعدات، لمساندة الجهود الإيرانية في التصدي لتفشي كورونا.

وأعلنت وزارة الصحة الإيرانية عن ارتفاع حصيلة الوفيات بفيروس كورونا في إيران اليوم الأربعاء، إلى 92 شخصا، وبلغ إجمالي الإصابات 2922، وسط أنباء عن إصابة “إسحاق جهانجيري” النائب الأول للرئيس الإيراني أصيب بفيروس كورونا ويخضع للعلاج وذلك بحسب ما ذكره موقع “إيران واير” الاخباري، وبالإضافة إلى اصابة وزير الصناعة الإيراني “رضا رحماني” بالفيروس وتم نقله إلى غرفة العناية المركزة في أحد مستشفيات العاصمة طهران.

ونشرت وكالة إيسنا خريطة تكشف مدى تفشى فيروس كورونا المستجد فى أغلب المحافظات الإيرانية، وأوضحت الخريطة انتشار الفيروس فى 28 محافظة فى إيران من أصل 31 محافظة، وتعتبر العاصمة طهران ومدينة قم العاصمة الدينية، ومحافظة كيلان هي المناطق التي شهدت تسجيل أكبر عدد من حالات الإصابة وأعداد الوفيات، إذ سجلت طهران 253 حالة إصابة، وقم 101 حالة، وكيلان 35 حالة.

 القطاع الصحي الإيراني والعقوبات الأمريكية

يشير تصاعد عدد حالات الإصابة والوفاة وانتشار الفيروس من محافظة لأخرى، إلى عدم استعداد القطاع الصحي الإيراني لأية أزمات صحية طارئة، بجانب نقص الموارد اللازمة للتصدي لذلك، وهو ما أدى إلى تزايد الفوضى والارتباك وسرعة انتشار الفيروس كالنار في الهشيم، وقد أدت “حملة الضغط الأقصى” على إيران والتي أعلنتها الخارجية الأمريكية في إبريل الماضي، إلى أعاقة قدرة طهران على مواجهة أزمة كورونا، واستيراد أدوات مكافحة العدوى الضرورية.

وقد كشفت “مينو محرز”  عضو اللجنة الوطنية للأمراض المعدية في وزارة الصحة عن السبب الحقيقي وراء تأخر طهران في الكشف عن أولى الإصابات، وقالت “لم تكن لدينا كواشف معتمدة للكشف عن الفيروس، ورغم عدم وجود أي مشكلة عملية في البلاد لكشفه مبكرا، فإننا تأخرنا في تشخيصه بسبب انعدام مستلزمات الفحص”، مؤكدة أنه كان بالإمكان احتواء المرض أسرع مما نحن عليه في حال كشفه مبكرا، وألقت باللوم على العقوبات الأمريكية المفروضة على بلادها التي عرقلت استيراد بعض المستلزمات الطبية والمواد الأولية اللازمة لإنتاج نظيراتها داخل البلاد

وما عزز ذلك من فشل إيران على مواجهة فيروس كورونا، وضع مجموعة العمل المالي (FATF) ومقرها باريس أواخر الشهر الماضي، إيران على قائمتها السوداء بسبب عدم امتثالها للقوانين الدولية المتعلقة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب والجريمة المنظمة الدولية، وهو ما سيترتب عليه حرمانها من خدمات جزء كبير من البنوك والمؤسسات المالية الأجنبية، وتعرضها لسلسلة من التدابير العقابية التي أوصت بها “مجموعة العمل المعنية بالإجراءات المالية” في الدول الأعضاء، والتي تتعاون مع المنظمة، ما سيؤثر بشكل أكبر على القطاع الصحي في إيران.

وكان وزير الخارجية الإيراني “جواد ظريف” قد نشر تغريدة على موقع “تويتر” شكر فيها منظمة الصحة العالمية والدول الصديقة لتضامنها مع بلاده على الرغم مما أسماه “الإرهاب الاقتصادي الأمريكي”، وأعلن “ظريف” في تغريدته عن حاجة إيران الماسة لعدد من الأدوات والمهمات اللازمة لمواجهة تفشي الفيروس في بلاده، وهي كمامات N95 وكمامات ثلاثية الطبقات، وأجهزة تنفس صناعي، وقفازات جراحية، وأجهزة فحص فيروس كورنا، وأغطية واقية، وواقيات للوجه والجسم.

هل يمكن أن تخفف الولايات المتحدة قيودها المالية؟ 

أصبحت إيران تواجه “عزلة مزدوجة” جراء اغلاق عدد من الدول المجاورة لإيران للحدود معها، وفي مقدمتها العراق والكويت وتركيا، لمنع انتقال الفيروس لأراضيها، في نفس الوقت الذي تواجه فيه طهران عزلة دولية متصاعدة جراء العقوبات الأمريكية عليها، وتعقيبًا على ذلك قال “عباس موسوي” المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، أن إغلاق الحدود هو إجراء مؤقت وأن وزارته قد أجرت محادثات مع نظرائها بالدول المجاورة، من أجل طمأنتهم من عدم عبور حالات مشتبه في إصابتها للحدود.

ولكن في ظل ظاهرة تفشي فيروس كورنا في إيران وتحولها لبؤرة انتشار للمرض، وتصريح منظمة الصحة العالمية حول أن العقوبات تُؤثر سلباً في قدرة إيران على احتواء الفيروس عن طريق إعاقة حصولها على المعدات الطبية اللازمة، فإنه من المرجح أن ذلك سيحفز الاتحاد الأوروبي على مد يد العون على مستوى الدول الأعضاء، وإمداد إيران بسلع أساسية وتمويل لمكافحة الفيروس، وذلك على الرغم من العقوبات الأميركية.

وهو ما حدث بالفعل يوم الاثنين الماضي، إذ أرسلت بريطانيا وفرنسا وألمانيا 5 مليارات يورو لمكافحة الفيروس وذلك عبر المنظمات الدولية، وهو ما أكدته الخارجية الإيرانية اليوم في اجتماع مع السفراء الأجانب المقيمين في إيران، وممثلي المنظمات الدولية، بما في ذلك منظمة الصحة العالمية وبحضور ممثلون عن وزارة الصحة الإيرانية، وأعلن “عباس موسوي” عن بلاده تسلمت شحنة كبيرة من المساعدات الفعالة للغاية من قبل منظمة الصحة العالمية.

ويعد استقبال إيران وفد “منظمة الصحة العالمية” (WHO) الاثنين الماضي، هو علامة على استعدادها للعمل مع العالم الخارجي، وتبادل المعلومات معه حول مدى تفشي الفيروس معه، وهو أحد الاتهامات التي وجهتها الإدارة الأمريكية إلى إيران الأيام الماضية، إذ اتهمت إيران بإخفاء معلومات حيوية عن الفيروس ومدى انتشاره في إيران.

وفي ظل المؤشرات التي تشير إلى  انفتاح إيران، وبجانب الدور الذي يقوم به الاتحاد الأوروبي خلال الأيام الماضية، فإنه من المرجح أن تسمح الولايات المتحدة الأمريكية بالتساهل في بعض القيود المالية المفروضة على إيران، حتى وإن استمر شركاء إيران التجاريون والدول المجاورة لها في قطع صلاتهم التجارية مؤقتاً بها للحد من دون انتشار الفيروس، خاصة وأن بعض بنود العقوبات الأميركية تنص على السماح بحصول إيران على مساعدات إنسانية، لكن اعتماداً على مدى تفشّي الفيروس، وبالتالي فإن الولايات المتحدة قد تميل إلى مزيد من تخفيف بعض القيود التجارية.

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

صلاح وهبة

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى