
كيف ترى إسرائيل التصعيد الأمريكي الإيراني في المنطقة ؟
عجّل رئيس حكومة تصريف الأعمال الإسرائيلية بنيامين نتنياهو عودته إلى تل أبيب أثناء زيارة إلى العاصمة اليونانية أثينا لتوقيع اتفاقية إنشاء خط أنابيب الغاز الطبيعي (بين الثلاثي اليونان وإسرائيل وقبرص) فور تلقي أنباء باغتيال قائد فيلق القدس الإيراني”قاسم سليماني” في العراق.
وعلى الرغم من أن إسرائيل ربما تحتل المرتبة الأخيرة في قائمة الأهداف التي تعتزم إيران استهدافها كرد انتقامي على عملية الاغتيال التي أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية “بنتاجون” مسؤوليتها عنها، إلا أن تل أبيب رأت حادث الاغتيال بقلق بالغ، واعتبرت الاغتيال حادثا يمس الامن القومي الإسرائيلي بشكل مباشر، كون أن وكلاء إيران في المنطقة، على رأسهم حزب الله اللبناني؛ هدد باستهداف إسرائيل، كذلك حركتا حماس والجهاد الإسلامي اللتان نددتا بعملية الاغتيال وأكدتا على الرد الانتقامي دون تحديد للتوقيت. خاصة بعد أن سمح إسماعيل هنية لنفسه بالظهور في جنازة قاسم سليماني في طهران.
مراقبة إسرائيلية حذرة
أمر نتنياهو حكومته بعدم الادلاء بأي تصريحات تتعلق بحادث الاغتيال، واقتصار الرد الرسمي من إسرائيل على مكتب رئيس الوزراء فقط إذا اقتضت الضرورة، ويعود ذلك إلى أسباب عدة من أهمها: هو عدم استفزاز الطرفين الإيراني والأمريكي وجرهما إلى توتر متصاعد قد ينذر بمواجهة مسلحة في الإقليم،
أولا: عدم استفزاز الطرف الإيراني وبالتالي ارتقاء إسرائيل في قائمة الأهداف المحتملة بالصواريخ الإيرانية أو الشيعية في المنطقة. ثانيا: حتى لا يتنامى لإدراك البيت الأبيض أن إسرائيل توجه الولايات المتحدة للبقاء في المنطقة وتوريطها في ساحات مشتعلة تنذر بخسائر فادحة. يستدل على ذلك تصريح نتنياهو (7 يناير) الذي أكد فيه أن “اغتيال سليماني هو عمل أمريكي لا يخص إسرائيل”.
واستمرت المراقبة الإسرائيلية الحذرة بعد عملية الاغتيال بـ 72 ساعة كاملة، لم يصدر عن نتانياهو أي تصريحات لاذعة أو مسببة في توتر مع إيران ووكلائها. ولكن في الاثناء انتبهت تل أبيب إلى مجموعة من التحركات التي وصفت الموقف الإسرائيلي بما يحدث في العراق، وهي:
أولا: تأهب عسكري: أنهى الجيش الإسرائيلي (8 يناير 2020) مناورة تحاكي احتلال قرى لبنانية جنوبية تكتظ بالعناصر التابعة لحزب الله، بمشاركة دبابات ومدرعات وطائرات مسيرة، وهدفت المناورة بمداهمة مراكز تدريب ومنصات إطلاق صواريخ. تدخل المناورة في إطار الحرب النفسية الموجهة ضد حزب الله والجبهة الشمالية.
أما فيما يتعلق بالجبهة الجنوبية، فأعلن الجيش الإسرائيلي عن مناورات مفاجئة بمنطقة غلاف غزة بمشاركة طائرات مروحية، تحت تقدير عام باقتراب اندلاع مواجهة مسلحة مع حماس والجهاد الإسلامي.
ثانيا: تأهب أمني: رفعت أجهزة الأمن حالة التأهب عند الحدود اللبنانية وهضبة الجولان، وسارعت إلى إغلاق منطقة جبل الشيخ، المحاذية للحدود السورية واللبنانية، في وجه الإسرائيليين والسياح.
ثالثا: حرب نفسية مضادة: نشرت إسرائيل العمليات العسكرية التي نفذها الجيش الإسرائيلي على مواقع عسكرية في سوريا خلال عام 2019، فإن الجيش الإسرائيلي هاجم حوالي 54 هدفا داخل الأراضي السورية، خلال العام الماضي 2019، كما دمر 6 أنفاق لحزب الله اللبناني.
معول استقرار في المنطقة وضعف استراتيجي عام
لم تمنع درجات التأهب والاستنفار الأمنية والعسكرية في إسرائيل دوائر صنع القرار السياسية والعسكرية من اعتبار عملية اغتيال سليماني بواسطة الطائرات الامريكية في بغداد هو عمل إيجابي بالنسبة لها، كما سيكون له تأثير كبير على حيز وشكل الصراع بين إيران والولايات المتحدة. سيما وأن القيادة الإسرائيلية تشارك القيادة الإيرانية رؤيتها لسياسة ترامب في المنطقة على أنها افتقار للإرادة السياسية من جانب الإدارة الأمريكية في الشرق الأوسط. خاصة أنها تتنافى مع مؤشرات عدم الاستقرار والمحاولات الإيرانية لتهديد إسرائيل يتسق ذلك مع المعلومات التي قدمتها أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية للإدارة الامريكية والتي تؤكد أن قاسم سليماني كان يخطط لهجمات صاروخية لأهداف إسرائيلية في 11 فبراير (أي الذكرى السنوية للثورة الإسلامية الإيرانية).
لكن يبدو أن الإدارة في تل أبيب لم تقتنع كثيرا بالتفاعلات العسكرية الأمريكية في الثلاثة أيام الأخيرة (أي من 5 يناير إلى هذه اللحظة) إذ ترى أن الولايات المتحدة وإيران في سباق الضغط على مواطن الألم لكلا منهما وليس في معرض مواجهة مسلحة. كما ترى الحكومة الإسرائيلية اغتيال سليماني جاء كقرار تشغيلي يخدم تكتيكات الولايات المتحدة في مواجهة إيران وليس كقرار استراتيجي ينبئ بمستقبل إيجابي للوجود الأمريكي في المنطقة. فلا زالت تل أبيب ترى أنه إذا استمر “الضعف الاستراتيجي” فإن الولايات المتحدة ستخسر العراق وسوريا، وبالتالي سيهدد ذلك الأمن القومي الإسرائيلي.
لذلك من المتوقع أن يبدأ نتانياهو في خطاب سياسي حاد يحذر قادة إيران من المس بالأراضي الإسرائيلية، وإيجاد “بديل آمن” يقدم لإسرائيل فرصة ضرب مواقع إيرانية من خلال أدوات إسرائيلية خالصة (أي بدون مساعدة من الولايات المتحدة).
لماذا مينائي حيفا ودبي؟
هدد الحرس الثوري الإيراني فجر الأربعاء بضرب موانئ حيفا ودبي، وقال الحرس الثوري الإيراني في بيان: “إذا تحركت المقاتلات الأمريكية من قاعدة الظفرة لقصف إيران فعلى الإمارات أن تودع عهد الانتعاش الاقتصادي والسياحي”.
ربما تفسر تلك البيانات الدوافع التي تحرك إيران في تهديدها “حكومات حليفة” للولايات المتحدة في المنطقة، وأنه كما شهدت الموجة الأولى من صواريخ إيران أهدافا أمريكية في العراق، فستنتقل هذه الأهداف لتشمل حكومات حليفة للولايات المتحدة، خاصة إسرائيل والإمارات.
يعد ميناء حيفا قاطرة تنموية للاستراتيجية الإسرائيلية في التطوير حتى 2028، إذ يشهد مشاريع ربط غاز طبيعي محلية وعالمية، كما يضم بنى تحتية حساسة مثل مستودعات غاز الأمونيا السام.
وربما هذه الأهداف لا يمكن أن تصلها صواريخ إيرانية من أراضي إيرانية، وإنما هي إشارة ضمنية لوكلاء طهران في المنطقة مثل حزب الله اللبناني وحركة أنصار الله الحوثية؛ بالاستعداد للانضمام إلى عملية الانتقام لقاسم سليماني.
يستدل على ذلك البيان السريع الذي أطلقه نتانياهو بأن الرد على إيران سيكون قاسيا في حال تعرضت إسرائيل لأي تهديد صاروخي، تبعه تصريح فوري من زعيم تنظيم حزب الله اللبناني بأن حزب الله لا تفصل إسرائيل عن عملية الاغتيال وستهجم بالصواريخ على تل أبيب في حال ردت الولايات المتحدة على ضرب إيران لقاعدة عين الأسد .
انتقام غير مكتمل
ربما يدفعنا ذلك إلى القول بأن إيران ترى “انتقاما غير مكتمل”، وتخطط لتحركات تخدم توجهاتها الاستراتيجية، أي استمرار المساعي للتموضع العسكري في سوريا وعلى الحدود الإسرائيلية من الجهتين اللبنانية والسورية. ولكن على أقل تقدير لن يكون الانتقام الكامل في المستقبل القريب، فمن خلال رصد لأهم العمليات الانتقامية الإيرانية ردا على اغتيال قادتها على يد إسرائيل، تكون نمطا يوضح أن الرد ربما يطول لفترة عامين على الأقصى.
لذا تتوقع إسرائيل أن يستمر التهديد الإيراني لها على طول الجبهة الشمالية، ولكن بعد إعادة ترتيب للأوراق. يمكن الإشارة في هذا السياق إلى أن أبرز قادة جهاز الأمن الخارجي التابع لحزب الله فرّ من مقراته على الحدود الجنوبية واتجه صوب المدن والقرى السكنية، خوفا من غارات جوية إسرائيلية وتمهيدا لعمليات نوعية مستقبلية على إسرائيل.
باحث ببرنامج العلاقات الدولية