إسرائيل

إسرائيل تذهب إلى انتخابات مبكرة عشية تنصيب بايدن

وافق الكنيست الإسرائيلي في قراءة أولية على الذهاب إلى رابع انتخابات برلمانية مبكرة في غضون عامين، وذلك على ضوء فشل ثلاث جولات انتخابية في حسم الصراع على الأغلبية البرلمانية وتوفير الكتلة البرلمانية اللازمة لتشكيل وزارة مستقرة.

وذهبت إسرائيل إلى الانتخابات المبكرة في أبريل 2019 دون حسم، وثانياً في سبتمبر 2019 وثالثاً في مارس 2020، وانحصرت المنافسة في الجولات الثلاث بين بنيامين نتنياهو رئيس حزب الليكود وبيني جانتس رئيس حزب الأزرق والأبيض.

ورغم ان كلا الحزبين داخل في ائتلاف حاكم منذ 17 مايو 2020 أسفر عن استمرار نتنياهو على رأس الوزارة الإسرائيلية مقابل تولي جانتس منصب نائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع، على أن يتولى جانتس رئاسة الوزارة في 17 نوفمبر 2021 وفق نظام رئاسي تبادلي متعارف عليه في إسرائيل.

ولكن ظلت الخلافات مشتعلة داخل الائتلاف الهش، وعلى ضوء المتغيرات الدولية عبر خسارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لانتخابات الرئاسة في نوفمبر 2020، بدأت الدوائر الصهيونية تتململ من عدم استقرار الحكومة الإسرائيلية قبل أن تعطي الضوء الأخضر للذهاب إلى رابع جولات الانتخابات المبكرة من أجل حسم أكبر أزمة سياسية تمر بها إسرائيل منذ التأسيس عام 1948.

وينظر الغرب، سواء الحكومات الأوروبية أو إدارة جو بايدن المرتقبة، إلى نتنياهو باعتباره حليف ترامب المنتهية ولايته، بل وكانت إدارة باراك أوباما تفضل خسارة نتنياهو في انتخابات الكنيست عامي 2013 و2015 إلا أن الصهيونية العالمية كانت تفضل بقاء نتنياهو لأنه أكثر قدرة على التعامل مع أوباما من منافسيه الضعفاء في حزب العمل.

السيناريوهات المحتملة

وعلى ضوء القراءة الأولية في الكنيست، فإن إسرائيل ذاهبة إلى أربع سيناريوهات:

1 – فوز حزب الأزرق والأبيض برئاسة بيني جانتس: يميل الحزب إلى مجموعة أفكار سياسية ليبرالية وتقدمية، ما يجعله قريب من أفكار اليسار الليبرالي صاحب الصوت الأعلى في إدارتي باراك أوباما وجو بايدن، كما أن جانتس يحظى بدعم أوروبا واحترامها، على ضوء عمله المطول في الجيش الإسرائيلي، ما بين عامي 1977 و2015، حيث شارك في اجتياح لبنان الأول عام 1979 والثاني عام 1982 وإدارة الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان ما بين عامي 1982 و2000، كما شارك في قمع الانتفاضة الفلسطينية الأولى والثانية، والحرب اللبنانية الإسرائيلية الثالثة عام 2006، وحروب غزة أعوام 2006 و2008 و2012 و2014، وأصبح رئيس أركان الجيش الإسرائيلي ما بين عامي 2011 و2015 معاصراً سنوات الربيع العربي.

وإلى جانب تأسيسه حزب الأزرق والأبيض في فبراير 2019، ووجوده اليوم داخل الائتلاف الحاكم، ترأس جانتس الكنيست الإسرائيلي ما بين مارس ومايو 2020.

وقد يحتاج جانتس مد يد العون من اليسار الإسرائيلي لتشكيل ائتلاف حكومي، حيث تم فض ائتلاف البيت الصهيوني اليساري وتعمل الأحزاب اليسارية بشكل مستقل أو في إطار تحالفات ضيقة، وقد تخلص حزب العمل عام 2019 من رئيسه آفي جاباي الذي حاول تغير الحزب من اليسار الاشتراكي إلى اليمين القومي خلال فترة ترأسه الحزب ما بين عامي 2017 و2019 على ضوء أن يعود حزب العمل إلى مقعد رئاسة الوزارة الإسرائيلية بعد أن أصبح حكراً على اليمين الإسرائيلي ما بين حزبي كاديما والليكود منذ عام 2001.

ويرأس حزب العمل حالياً اليساري العتيد عمير بيرتس ذو الأصول المغربية، وتضم جعبة اليسار حزب ميرتس بزعامة الناشط نيتزان هورويتز، وحزب الجسر بقيادة الناشطة النسوية اورلي ليفي القادمة من اليمين القومي وحزب إسرائيل بيتنا، ولعل تأرجحها ما بين اليمين واليسار الصهيوني هو ما جعلها تقبل الانخراط في الائتلاف الحاكم الهش وحصولها على مقعد وزاري. 

ومثلما جرى في السنوات الأخيرة، ما أن يعلن عن انتخابات جديدة حتى تبدأ الأنظار تتوجه إلى اثنين من ساسة إسرائيل الموجودين خارج الحكومة، إيهود باراك رئيس الوزراء الأسبق ومهندس الائتلافات الحزبية، وقد أسس عام 2019 الحزب الديموقراطي الإسرائيلي بعد تفكيك حزب الاستقلال الذي أسسه وترأسه ما بين عامي 2011 و2012، وكذا تسيبي ليفني نائبة رئيس الوزراء الأسبق ووزيرة الخارجية والعدل، والتي تحاول منذ سنوات العودة إلى الأضواء.

وهكذا نجد ان خيارات بيني جانتس كبيرة من اليمين لليسار الإسرائيلي، على ضوء دعم أوروبي وأمريكي قادم من الإدارة المقبلة لجو بايدن.

2 – فوز حزب الليكود بزعامة بنيامين نتنياهو: حصل نتنياهو على دعم الصهيونية العالمية لترأس الوزارة الإسرائيلية عام 2009 رغم أن حزب كاديما بزعامة تسيبي ليفني كان الفائز بالانتخابات التي عقدت في العام نفسه، ولكن تقارب ليفني مع سياسات أوباما جعل الصهيونية العالمية ترى في نتنياهو حائط صد قوي حيال بعض أفكار أوباما الخاصة بالشرق الأوسط والتي لا تأتي على هوى إسرائيل مثلما حدث لاحقاً من اتفاقية الوفاق النووي بين إيران والغرب، أو عدم تحرك الولايات المتحدة للقيام بعمل عسكري في سوريا على وقع فوضى الربيع العربي كما جرى عبر حلف الناتو في ليبيا.

وللمفارقة فإن العكس حدث حينما صعد ترامب إلى البيت الأبيض، فإذا كان التضاد بين نتنياهو واوباما هو ما زكى استمرار نتنياهو على رأس الحكومة الإسرائيلية عبر انتخابات 2009 و2013 و2015، فإن التقارب بين آل نتنياهو وآل ترامب على ضوء علاقة فريدريك ترامب والد الرئيس الأمريكي مع أسرة نتنياهو حينما كانت في نيويورك الأمريكية هو ما جعل الصهيونية العالمية ترى في نتنياهو خير ممثل لإسرائيل في سنوات ترامب.

ولعل السؤال هنا، هل أصبح نتنياهو كارت محروق بعد أن كان أفضل اختيار للصهيونية العالمية أمام باراك أوباما ودونالد ترامب، أم يثبت أنه لا يزال الحصان الرابح وسط النخبة الإسرائيلية الحاكمة ويقدم أوراق اعتماده لكي يصبح النظير الإسرائيلي في المعادلة الأمريكية الإسرائيلية في سنوات جو بايدن؟

نتنياهو هو أكثر من ترأس الوزارة في تاريخ إسرائيل، حيث فاز في الانتخابات العامة عام 1996 بالولاية الأولى التي استمرت حتى انتخابات عام 1999، قبل أن يعود بعد عشر سنوات من خروجه من رئاسة الوزراء ليبدأ الولاية الثانية عام 2009 والثالثة عقب انتخابات 2013 والرابعة عقب انتخابات 2015 والخامسة بعد انتخابات أبريل 2019 والسادسة عقب انتخابات سبتمبر 2019 والسابعة بعد انتخابات العام 2020، ليرأس الوزارة الإسرائيلية لمدة 14 عاماً منهم 11 عاماً متصلة مرشحة للزيادة في إطار سعيه في انتخابات العام 2021 للولاية الثامنة.

3 – استمرار الأزمة السياسية: رغم أن الحركة الصهيونية العالمية هي التي تدير دولة إسرائيل ولكنها فشلت خلال ثلاث انتخابات برلمانية في إنتاج برلمان مستقر ووزارة مستدامة، ومع الذهاب إلى الانتخابات المبكرة الرابعة فإن شبح عدم الاستقرار لا يزال حاضراً في المشهد الإسرائيلي.

وتستمر ولاية الكنيست الإسرائيلي أربع سنوات، ومع ذلك يعتبر طقس الانتخابات المبكرة أمراً معتاد في إسرائيل حيث من النادر في السنوات الأخيرة أن يكمل الكنيست ولايته كاملة، وأن كانت انتخابات 2021 هي الرابعة في عامين، فأنها الخامسة في أقل من ست سنوات على ضوء حقيقة ان انتخابات مارس 2015 كانت أيضاً انتخابات مبكرة.

4 – تأجل الانتخابات المبكرة: لا يزال التصويت الأولى بحاجة إلى ثلاث جولات للتصويت داخل الكنيست قبل الإقرار بالانتخابات المبكرة، ويحاول نتنياهو الذهاب إلى أطراف أخرى داخل الكنيست من أجل تشكيل ائتلاف حكومي جديد يضمن له استمرارية الولاية السابعة.

وحتى لو لم تذهب إسرائيل إلى انتخابات مبكرة في الأشهر المقبلة فإن كافة الائتلافات الحكومية الناتجة عن الكنيست الثاني والعشرين الحالي غير قادرة على الاستمرار والبقاء، وهو أمر معلوم ومحسوم منذ عقب الانتخابات الأخيرة في مارس 2020 وان عدم الذهاب لانتخابات مبكرة خلال العام 2020 كان مفاده هو انتظار ما سوف تسفر عنه انتخابات الرئاسة الأمريكية نوفمبر 2020.ختاماً.. تعيش إسرائيل أزمة سياسية داخلية وتأتي الخسارة المفاجئة لترامب في الانتخابات الأمريكية لتعيد هيكلة المشهد الإسرائيلي في الأشهر القليلة المقبلة.

+ posts

باحث سياسي

إيهاب عمر

باحث سياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى