إيران

قراءة في بنود الاتفاقية السرية بين طهران وبكين

أحدثت البنود المُسربة من اتفاقية التعاون بين إيران والصين لمدة 25 عامًا جدلاً واسعًا، حيث تضمنت الاتفاقية فقرات تشير إلى منح إيران جٌزر وقواعد عسكرية وجوية للصين إضافة لقيام بكين بشراء النفط الخام الإيراني، مقابل قيامها بالاستثمار في جميع القطاعات الاقتصادية والأمنية والعسكرية في إيران. 

أثار هذا الاتفاق جدلًا واسعًا بين الإيرانيين داخل النظام وخارجه، حيث قُوبلت تلك الاتفاقية برد فعل سلبي من قبل العديد من الرموز الإيرانية الذين وصفوا الاتفاقية بـ “المُذلة” و “المُخجلة” مٌبررين بأنها تسمح لبكين بنهب موارد طهران لمدة ربع قرن، والتخوف الأكبر من إرسال قوات عسكرية صينية لطهران لحماية المشاريع والاستثمارات الصينية.

على جانب أخر، أبدت واشنطن انزعاجًا كبيرًا من هذه الاتفاقية، مؤكدة على استمرار فرض العقوبات على الشركات الصينية التي تُساعد إيران، هذا الأمر يطرح عددًا من التساؤلات تتعلق بماهية هذه الاتفاقية؟ وأهم بنودها؟ وتأثيراتها على الطرفين؟ وأسباب مٌعارضتها من قبل البعض داخل طهران؟ وموقف الولايات المتحدة الأمريكية؟ وهذا ما سنحاول الإجابة عليه في السطور التالية.

فكرة الاتفاقية

ظهرت فكرة المشروع أثناء الزيارة التي قام بها الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى طهران في يناير 2016، إذ تعهد البلدان آنذاك في بيان مشترك ببدء مفاوضات من أجل “اتفاق تعاون موسع”، وفي الوقت الذي تحدث فيه المرشد الإيراني “علي خامنئي” عن “شراكة استراتيجية شاملة” أشار الرئيس الصيني إلى تعزيز التعاون الثنائي في إطار مبادرة “طريق الحرير الجديد”.

وبعد كثرة الحديث عن تلك الاتفاقية، ومدى سريتها، وتسريب أجزاء من بنودها الأولية إلى وسائل الإعلام، أعلن الرئيس الإيراني حسن روحاني في اجتماعه بمجلس الوزراء مطلع شهر يوليو 2020، عن تصديق الحكومة على خارطة الطريق، والمسودة المبدئية للشراكة الاستراتيجية بين طهران وبكين، وكلف محمد جواد ظريف وزير الخارجية، بإجراء المفاوضات الأخيرة مع المسؤولين الصينيين. 

وفي الأيام الأخيرة انتشر مٌقترح مكون من18 صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المحلية باللغة الفارسية، رجح البعض أن تكون بمثابة المسودة شبه النهائية، التي تٌقدمها إيران إلى الحكومة الصينية لوضع اللمسات الأخيرة على الاتفاقية، وتوقيع كلا البلدين عليها.

يرى البعض أن هذا الاتفاق يرسخ شكلًا من أشكال التبعية المتبادلة بين البلدين، فالصين اليوم هي المشتري الرسمي الوحيد للنفط الإيراني، وبكين تحتاج إلى طهران، لتحقيق طموحاتها في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، في إطار مُبادرة “طريق الحرير الجديد”.

أسباب قيام طهران بتوقيع هذا الاتفاق

العقوبات الأمريكية، لدى إيران أسباب كثيرة تجعلها تسعى بشكل حثيث لمثل هذه الاتفاقية؛ فهي تعاني من العقوبات الأمريكية وانخفاض أسعار النفط، وتواجه فيروس كورونا، كما تعرضت لسلسلة من الانفجارات الغامضة كان أخطرها في مفاعل “نطنز” المحوري في البرنامج النووي الإيراني، ومع رفعها لشعار “اقتصاد المقاومة” تحتاج إلى تعزيز آليات تماسكها أمام التصعيد الأمريكي. 

وبالتالي فإن الاتفاقية تٌعد بمثابة طوق نجاة للحياة الاقتصادية في إيران، فطهران تحتاج إلى الاستثمارات والتكنولوجيا، والصين تحتاج إلى الطاقة، والاتفاقية توفر هذا لكلا البلدين.

مكانة الصين، للصين مكانة خاصة في السياسة الخارجية الإيرانية، لعدة أسباب، أولًا: الصين ليست عدوًا ولا تمثل تهديدًا عسكريًا لإيران، وثانيًا: هذا البلد لديه علاقات طبيعية ومتنامية تزداد اتساعًا مع إيران. ثالثًا: الصين شريك اقتصادي مهم ومكمِّل اقتصادي لإيران. رابعًا: الصين قوة صاعدة كبيرة ومستقلة. خامسًا: الصين لديها منافسة جدية وطويلة الأمد نسبيًّا مع الولايات المتحدة الأمريكية.

ماذا تشمل هذه الصفقة؟ 

تشير الاتفاقية – وفقًا للبنود المٌسربة منها – عن استثمارات صينية بقيمة 400 مليار دولار في إيران على مدى ربع القرن المقبل، تنقسم إلى 280 مليار دولار موجهة لصناعة النفط والغاز، و120 مليار دولار ستستغل في مشاريع لتحديث البنية التحتية الإيرانية.

تشمل هذه الصفقة تطوير الصين لقطاعات إيرانية حيوية منها البنوك، الاتصالات، الموانئ، كما ستشمل أيضًا المشاريع بما في ذلك المطارات، السكك الحديدية عالية السرعة ومترو الأنفاق وتطوير مناطق للتجارة الحرة غرب إيران، كما تتعهد إيران بتزويد الصين بالنفط بأسعار مناسبة بشكل مٌنتظم ومُخفض للغاية طوال الـ 25 سنة المقبلة.

كما تشمل الصفقة أيضًا “تعاون عسكري” ما بين طهران وبكين، يتضمن تدريبات مُشتركة، وتطوير أسلحة، إضافة لتبادل المعلومات الاستخباراتية؛ وهو ما يتماشى مع طموحات الصين في توسيع نفوذها عبر أوراسيا من خلال “مُبادرة الحزام والطريق”.

كما تتضمن الاتفاقية مٌقترحات للصين لبناء البنية التحتية لشبكة الاتصالات (5G) وتقديم نظام تحديد المواقع العالمي الصيني الجديد، ومساعدة السلطات الإيرانية على فرض سيطرة أكبر على الفضاء الإلكتروني.

هذا هو المٌعلن من الاتفاقية حتى الاّن، لكن ربما يكون هناك مزايا أخرى ستحصل عليها الصين من وراء استثماراتها الضخمة في إيران، لم يتم الإعلان عنها حتى الاّن، إذ لم يتم نشر الوثيقة رسميًا، ولم يتم الإعلان عن البنود بشكل محدد مما جعل البعض ينتقد سرية الاتفاقية، وعدم مشاركة الشعب الإيراني. 

وفيما يتعلق بالجدل والإشاعات الذي أثارتها وسائل إعلام محلية إيرانية ووسائل إعلام غربية من أن حكومة طهران تبيع موارد الدولة بثمن بخس للصين، إضافة للشائعات التي تتردد بأن الصينيين سيحتلون الجُزر الإماراتية الهامة مثل “جزيرة قشم” ومناطق التجارة الحرة في “عبادان” بالقرب من نهر شط العرب، وسيسيطرون على “جزيرة كيش” التي تحتوي على مراكز تجارية هامة، علاوة على إرسال 5 اّلاف جندي صيني لحماية استثمارات بكين في إيران.

نفت إيران هذه الشائعات وأكدت أن أجهزة إعلام غربية تريد إثارة الرأي العام الإيراني، لتخريب تلك الصفقة الكبيرة والهامة، وهي الاتفاقية التي لم يتم التوقيع النهائي عليها حتى الاّن، ولم يتم مٌناقشتها في البرلمان بعد. وبالتالي كثير من البنود لاتزال قيد التفاوض.  

الموقف الأمريكي من الاتفاقية

 أبدت واشنطن انزعاجًا كبيرًا من هذه الاتفاقية، مؤكدة على استمرار فرض العقوبات على الشركات الصينية التي تُساعد إيران.

الموقف الصيني من الاتفاقية 

حرصت بكين على عدم التعليق على أي معلومات مرتبطة بالصفقة في الوقت الحالي، واكتفى المتحدث باسم الخارجية الصينية بإعلانه في السابع من شهر يوليو 2020 أن البلدين “على اتصال لتطوير العلاقات الثنائية”، مما يشير إلى أنه لم يتم توقيع أي اتفاق حتى اللحظة الراهنة.

ولم يكشف المسؤولون الصينيون عن شروط الاتفاقية وليس من الواضح ما إذا كانت الحكومة قد وقعت أو أعلنت عنها أو إذا تم تفعيلها، وبالتأكيد في حال تفعيلها ستزيد من صدع العلاقة المتدهورة بين بكين وواشنطن.

المعارضة الإيرانية

انتقدت المعارضة الإيرانية هذه الخطوة، مؤكدة أن الحكومة تبيع البلاد سرًا للصين كما وصفها الرئيس الإيراني السابق “محمود أحمدي نجاد” الذي وصف الاتفاق بـ “المريب” والذي لن يوافق عليه الشعب الإيراني. 

كما انتقد “رضا بهلوي” نجل شاه إيران الأخير الاتفاق مٌتهمًا القيادة الإيرانية بالسماح للصين بنهب “كنوز إيران”. 

كما قارن البعض هذا الاتفاق بمعاهدة “تركمانجاى” لعام 1828، والتي تنازلت بمقتضاها بلاد فارس “الجمهورية الإسلامية الإيرانية حاليًا” عن أجزاء كبيرة من أراضيها لصالح روسيا، مما اّثار مخاوف لدى البعض من أن تُصبح إيران في النهاية “مدينة للصين” كما حدث في العديد من البلدان الأفريقية التي شهدت استثمارات صينية. 

ملاحظات ختامية

  • لاتزال المعاهدة الاستراتيجية لـ25 عامًا بين إيران والصين، محاطة بالكثير من الإبهام ولا توجد وثيقة رسمية نهائية توضح بنودها، وكل النقاشات تدور حول البنود المُسربة منها. 
  • منذ الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، سعت طهران لاتباع سياسة مستقلة تمامًا لا تعتمد على الغرب أو الشرق، لكن ومنذ أن انسحبت الإدارة الأمريكية من الاتفاق النووي الإيراني، ولم تستطع الدول الأوروبية الوقوف في وجه العقوبات الامريكية، أو استمرار تعاونها التجاري والاقتصادي مع طهران، رأت القيادة الإيرانية أنه حان الوقت “للنظر إلى الشرق”، وقد كان الصعود الصيني القوي أمرًا جذابًا لإيران ما دفعها للتعاون معها، فمن مصلحة الدولتين التعاون المٌشترك بينهما، فكلاهما يُعاني في علاقاته مع الولايات المتحدة الأمريكية.
  • بالنسبة للصين فقد تكون هذه المعاهدة  – حال التوقيع النهائي عليها – حلقة من حلقات كثيرة ضمن خطة لتمهيد الطريق لانتقال الصين من مرحلة التجارة إلى مرحلة السيادة، خاصة مع صعودها كقوة منافسة للولايات المتحدة الأميركية.
  • ستجعل الاتفاقية إيران حجر الزاوية الإقليمي في مبادرة الحزام والطريق التي أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينغ في عام 2013.
+ posts

باحث أول بوحدة الدراسات الأسيوية

أحمد السيد

باحث أول بوحدة الدراسات الأسيوية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى