
صراع “الحرس الثوري” والجيش النظامي” في إيران.. هل يستفيد الجيش من مقتل “سليماني”؟
فقد قادة النظام الإيراني الجديد عقب الثورة الخمينية الثقة في الجيش، بسبب حياده وولاء بعض قادته لحكم الشاه، وهو ما استدعى ضرورة إيجاد قوة كبيرة تكون ملتزمة بمبادئ وقيم الثورة الإسلامية وتتعهد بالذود عنها وحمايتها، وتعمل على إقامة توزان مع الجيش التقليدي، الذي لم يكن الخميني يثق به، فكان بزوغ فكرة الحرس الثوري الذي وظف الإمكانيات الهائلة التي وضعها النظام تحت تصرفه لبسط سيطرته وهيمنته على معظم المؤسسات السياسية والأمنية والاقتصادية بالبلاد، هذا الدور الذي ظل الحرس الثوري يلعبه منذ انتصار الثورة وحتى الآن، أسهم إلى حد كبير في ابتلاع الجيش الإيراني وتهميشه وابعاده عن مسرح الأحداث السياسية والاقتصادية.
البحث عن قوة لحماية النظام
بعد انتصار الثورة عام 1979 ووصول قائدها الخميني إلى طهران من منفاه في فرنسا، أصدر الخميني مرسوماً بتأسيس الحرس الثوري بهدف إنشاء قوة تجمع القوات العسكرية التي نشأت مع الثورة في كيان واحد موال للنظام، ولإقامة توزان مع الجيش التقليدي الذي وقف محايداً أثناء الثورة.
ونتيجة لحالة عدم الثقة في الجيش، رأى حاكم إيران الجديد ضرورة إيجاد قوة كبيرة تكون ملتزمة بمبادئ وقيم الثورة وتتعهد بالذود عنها وحمايتها، ومن هذا المنطلق أعد قادة النظام قانوناً جديداَ عام 1981 لكل من الجيش النظامي الذي وكلت إليه مهمة الدفاع عن حدود البلاد وحفظ الأمن الداخلي، وقوات الحرس الثوري التي كلفت بحماية النظام، وهذا ما يميزها على الجيش، وأصبح الحرس الثوري الإيراني منذ ذلك الحين المؤسسة الأكثر نفوذا في النظام الإيراني.
وتميزت السنوات الأولى لتأسيس الحرس الثوري حتى تعيين محسن رضائي في سبتمبر 1981 قائداً للحرس، بحركة تنقلات وتغييرات سريعة في قيادته، وبعد عام 1988 تمتع الحرس الثوري بقيادة مستقرة إلى حد ما، مع استثناء واحد تمثل في عزل وزير الحرس الثوري محسن رفيق دوست عام 1988 وحلول نائبه علي شمخاني محله.
يأتي الإيمان والطاعة لمبدأ ولاية الفقيه شرطاً للعضوية في الحرس الثوري وهو الأمر الذي يؤسس الولاء المطلق للمرشد الأعلى، ويشبه الحرس الثوري إلى حد كبير الجيوش التقليدية، لكنه يظل مميزاً عليها بالنظر إلى طبيعته الإيديولوجية وإمكانياته الضخمة ودوره داخلياً وخارجياً الذي لايقتصر على حماية البلاد من المخاطر الخارجية فحسب، بل يشمل الدفاع عن النظام وتصدير أفكاره وقمع خصومه، كما يختلف عن الجيوش التقليديه في تبعيته المباشرة للولي الفقيه.
ويختلف الحرس الثوري اختلافاً أساسياً عن الجيش الرسمي وذلك لرؤيته العقائدية وطريقة إدارة عملياته ودوره الوظيفي في المجتمع والسياسة، فضلاً عن تطور نشأته، مما يجعل تحليل أوضاعه امراً صعباً في ضوء الأطروحات التقليدية لعلم التحليل السياسي – العسكري.
فالقوات النظامية في الغالب ليس لها توجه سياسي محدد، وهو الأمر الذي يجعلها لا تدين بالولاء لأي نظام كان، نظراً إلى توجهها القومي، وهذه الطبيعة أعطت الجيش الإيراني القدرة إلى حد كبير على البقاء رغم اضعاف نظام الخميني ووضعه تحت الرقابة السياسية المشددة، وفي المقابل فإن الحرس الثوري يرى أن دوره السياسي ليس فقط أمراً مسموحاً به، بل هو جزء من رسالته للدفاع عن الثورة الإسلامية، حسبما ينص دستور الجمهورية الإسلامية.
وفي مقارنة لدور الجيوش بعد الثورات التي شهدها العالم فنجد أن الجيش الإيراني قد خسر الكثير من نفوذه الذي كان يتمتع به قبل الثورة بسبب تعرضه للتطهير وسياسة التخلص من بقايا نظام الشاه داخل صفوفه.
القدرات الاقتصادية والعسكرية
أصبحت للحرس الثوري خطط ضخمة داخل البلاد تتمثل في إقامة مشروعات كبرى لصالح خزينته، كما يبني مؤسسات اجتماعية وتعليمية وصحية ومشروعات في قطاعات أخرى مثل السياحة والنقل والطاقة والسيطرة على حصة كبيرة من الاقتصاد الإيراني كسيطرته على شركة “جهاد البناء” خاتم الأنبياء)، وعلى مشروعات تطوير حقول الغاز وعلى أسهم شركات الاتصالات.
فضلاً عن امتلاكه عتاداً عسكرياً خاصاً به يتضمن طائرات ودبابات وصواريخ، وتشير التقديرات إلى أن عدد أفراد الحرس الثوري يتكون من قرابة 200 ألف مقاتل ولاتعد هذه القوات من الناحية التنظيمية جزءا من القوات المسلحة، اذ اعتبرتها القيادة الإيرانية حامية لنظام “ولاية الفقيه” وبات ينظر إليها على أنها القوة الأساسية والحرس الوفي للمرشد الأعلى.
وسعى الحرس الثوري خلال السنوات الماضية لتطوير قدراته إضافة إلى تنفيذه مناورات عسكرية من وقت إلى أخر يختبر خلالها صناعاته العسكرية من طائرات وصواريخ، ومن بينها صواريخ شهاب 1 و 2و و3 بالإضافة إلى منظومات الدفاع الجوي والحرب الإلكترونية.
البنية التنظيمية للحرس الثوري
1- قوات الباسيج:
تتألف من متطوعين مدنيين وتتلقى دعمها من الحرس الثوري، وكان الهدف من إنشائها تنفيذ مهام أمنية داخل إيران وفي سنوات لاحقة وكلت إليها مهام أخرى كقمع الحركات الاحتجاجية، وكان لها الدور الأكبر في قمع الاحتجاجات في نهاية التسعينيات من القرن الماضي والتي كانت تدعو للتحرر السياسي، بالإضافة إلى قمع الثورة الخضراء التي أعقبت الانتخابات الرئاسية في 2009، وتنتشر تلك القوات بشكل سري في المدارس والجامعات والمؤسسات الحكومية، ويقدر عددها بـ2500 كتيبة تضم كل منها 300 شخص.
2- فيلق القدس:
وحدة النخبة في الحرس الثوري وتعمل كرأس حربة لتصدير الثورة وتنفيذ العمليات في الخارج، وتمثل الهيئة العسكرية والأمنية الأقوى في إيران وتعتبر ركيزة أساسية للنظام، وتم أنشائها من أجل بناء إطار تنظيمي مرتب للنشاطات التنفيذية والسياسية التي تتم لتطبيق فكرة “تصدير الثورة” خارج حدود إيران، وتحول فيلق القدس مع الأيام إلى ذراع إيران السري التي تعمل خارج الحدود لمواجهة أعدائها.
وينفذ فيلق القدس المهام التالية :
– مراقبة تحركات الدول المعادية للنظام الإيراني وجمع المعلومات الاستخبارية في الشرق الأوسط وأنحاء العالم.
– تعزيز القوة العسكرية لمعسكر ما يسمى بالمقاومة في الشرق الأوسط كسوريا والعراق والعراق وحزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن.
– إنشاء خلايا نائمة في أنحاء العالم طبقاً لاعتبارات استراتيجية واستخباراية لمعرفة أي تحرك يستهدف إيران من هجمات عسكرية أو مبادرات هجومية.
– مساعدة المنظمات والميليشيات المسلحة والشخصيات السياسية لتنفيذ نشاطات في دول ومناطق تسعى إيران لزيادة تأثيرها فيها وتقليل النفوذ الغربي والعربي ولاسيما في الدول التي يقطنها الشيعة.
– متابعة المعارضين الإيرانيين للنظام في الخارج.
مقارنة بين ميزانيني الجيش والحرس الثوري
يتضح من الجدول التالي مدى التفاوت الكبير بين الميزانيات المخصص لكل من الحرس الثوري وقوات الجيش النظامي، إذ تبلغ ميزانية الحرس في أغلب الأحيان أضعاف ميزانية الجيش النظامي، ولكن تأثرت تلك الميزانية في عام 2018 نتيجة العقوبات الأمريكية على طهران، ولكن زادت مرة أخرى عام 2019 نتيجة تزايد النشاط الخارجي الإيراني.
الجيش الإيراني “مكوناته وإمكانياته”
يتكون الجيش الإيراني من هيئة الأركان المشتركة إضافة إلى أربع قوى رئيسية: القوات البرية والقوات البحرية والقوات الجوية ومقر خاتم الأنبياء للدفاع الجوي، ومرشد الجمهورية علي خامنئي هو القائد العام للقوات المسلحة.
1 – مكانة الجيش قبل الثورة:
كان الجيش خلال فترة الشاه كيانا تابعا لا مستقلا ذاتيا، واتهمت قياداته بالولاء للشاه الذي حاول تعزيز هذا الولاء عبر المكافآت المادية والترقيات، وقد قُتل وأُعدم وسُجن عدد كبير من أفراد الجيش في أثناء الثورة لمحاولتهم الدفاع عن الشاه ومنع سقوط نظامه، في حين كسب آخرون ثقة واحترام النظام الجديد نتيجة تعاونهم مع الثورة ورفضهم قمعها، إلا أن النظام ظل يراقبهم لفترة طويلة بسبب فرضية أن عددا كبيرا من الضباط والجنود تظاهروا بتأييد الثورة والوقوف معها، إلا أنهم يتحينون الفرصة المناسبة للإطاحة بنظام ولاية الفقيه.
هذه الفرضية كانت دافعًا قويا لتطهير الجيش النظامي من بقايا العناصر التابعة للشاه وبالمقابل التفكير في إيجاد مؤسسة عسكرية تتبع مباشرة لقائد الثورة وتتمتع باحترام وقبول مبادئها، بل تقديس الأهداف التي جاءت من أجلها والعمل على حمايتها والدفاع عنها واستمرار بقائها.
خلال الشهور الخمسة عشر الأولى بعد انتصار الثورة، حتى بداية الحرب الإيرانية العراقية شهد الجيش الإيراني إقالة عدد كبير من قادته ورؤساء هيئة أركانه، ومن بين 13 قائدًا من قادة الجيش، أُبعد ثمانية عبر السجن والإعدام والطرد، في حين تمكّن عدد آخر من الهروب خارج البلاد.
وصل الجيش إلى حالة أشبه بالتفكك بعد الإعدامات التي طالت عددا من قادته وهروب عدد آخر، إضافة إلى إعفاء وإقالة قادة هيئة الأركان واحدًا تلو آخر في أقل من سنتين، وهم اللواء فريد واللواء شادمهر والعقيد شاد، وأخيرًا العقيد فلاحي.
2 – مكانة الجيش بعد الثورة:
بعد اشتعال الحرب الإيرانية – العراقية اشتد حرص أبو الحسن بني صدر (أول رئيس لإيران بعد الثورة، 1980-1981) على إعادة بناء وتقوية الجيش وتعزيز سلاحه من الولايات المتحدة، وإسناد مهمة الدفاع عن البلاد إلى القادة والخبراء العسكريين، ومن ثمّ كان بحاجة إلى إعادة القيادات العسكرية المرموقة التي فصلت من الجيش عند اندلاع الثورة، وذلك لحاجة القوات المسلحة إلى خبراتهم، إلا أن قادة النظام رفضوا ذلك بحجة أن مهمة الجهاد ضد العراق تقع على عاتق الحرس الثوري وحده، وإن كان عديم الخبرة، وأن الطهارة الأخلاقية لها الأولوية في الجهاد دفاعًا عن حصن الإسلام.
ورغم محاولات تضييق الخناق على الجيش وانشغال قادته وجنوده بالحرب مع قوات صدام حسين في جبهات القتال المختلفة، حاول عدد منهم بعد أٌقل من 3 سنوات من عمر الثورة تدبير عدة انقلابات عسكرية ضد النظام الإيراني، لكنها فشلت، وكان أهمها المحاولة التي أُحبطت في نهاية عام 1982 وراح ضحيتها 160 من القيادات العسكرية التي اتُهم فيها وزير الخارجية الأسبق صادق قطب زاده، وبمساعدة رئيس أركان الجيش والقوات الخاصة، وبعد فشل الانقلاب العسكري أُعدم صادق قطب زاده. وفي عام 1983 شهدت إيران محاولة انقلابية أخرى أعلن عنها رفسنجاني وأُعدم بسببها عدد آخر من قادة الجيش بتهمة محاولة الإطاحة بالنظام.
بعد اشتداد الحرب خفف النظام حدة إضعافه للجيش، وذلك لحاجته الماسة إليه فيها، إذ عمل الجيش جنبا إلى جنب مع الحرس الثوري لتحرير المدن الإيرانية التي احتلتها قوات صدام، وحدث تنسيق كبير بين هاتين القوتين في هذه الفترة.
وأدى دمجهما في وزارة واحدة، إلى فرض مزيد من الرقابة على المؤسسات التابعة للجيش وتحركات قادته، ومنذ ذلك التاريخ تراجع دور الجيش وازدادت قوة ونفوذ الحرس الثوري في مختلف مؤسسات الدولة، ومن أهم الأسباب التي أسهمت في تحييد الجيش النظامي وإبعاده عن مسرح الحياة السياسية طوال السنوات التي تلت الحرب الإيرانية العراقية تولي المرشد الأعلى للثورة علي خامنئي القيادة العامة للقوات المسلحة الإيرانية، الأمر الذي مكنه من ممارسة رقابة محكمة على الجيش عبر تعيين الثقات من قادته لشغل المناصب العليا في هذه المؤسسة.
خلافات الجيش والحرس الثوري
ظل الجيش الإيراني منذ انتصار الثورة يشعر بكثير من الظلم والإجحاف بحقه، إلا أن طبيعة النظام القمعية وولاء كبار قادته المطلق له والخوف من الفصل والحرمان من الامتيازات القليلة التي تقدم للضباط الجنود، دفعت كثيرا من منسبيه على التزام الصمت حيال حال التهميش والإهمال التي ظلت تلازم مؤسستهم العسكرية طوال السنوات الماضية.
وقد اشتكى عدد كبير منهم سوء الوضع الاقتصادي وضعف المرتبات وعدم نيل حظهم من التعليم، في حين اشتكى آخرون عدم ترقيتهم بعد حصولهم على شهادات أكاديمية في الوقت الذي يحصل فيه اقرانهم في الحرس الثوري على ترقيات بعد نيلهم أي درجة علمية، وحصولهم على ترقيات كل 3 سنوات، في حين يحصل الجيش على ترقياته كل 4 سنوات، هذه الشكاوى تظهر بعضا من حالة السخط التي تنتاب جل المنضوين تحت لواء الجيش.
وأدى حصول الحرس الثوري على نصيب الأسد من الموارد المتاحة والسلطة والاهتمام السياسي من النظام إلى تململ كبير في أوساط الجيش على مدى سنوات، ومن ثمّ بات الجيش يرى أن الحرس الثوري تجاوز كل حدود سلطته إلى الحد الذي يتصرف فيه على أنه كيان عسكري منفصل، وفوق القوات المسلحة، مما حد بالرئيس الإيراني حسن روحاني إلى الدعوة لمنح وزارة الدفاع مزيدا من الدعم وتنفيذ إصلاحات هيكلية في الجيش عبر تحسين نوعية التدريب والمعدات والأسلحة.
وخلال السنوات الأخيرة بدأت بعض الجهات في النظام الإيراني ومنها الحرس الثوري توجيه انتقادات حادة إلى الجيش واتهامه بالضعف، بدأت هذه الانتقادات بصورة علنية بعد الفيلم الوثائقي الذي بثته قنوات تلفزيونية وإذاعية حول دور الجيش والحرس الثوري في أثناء الحرب الإيرانية العراقية، والذل قلل من دور الجيش خلال السنة الأولى من الحرب، وتطرق الفيلم إلى فشل الجيش في أربع معارك خاضتها القوات الإيرانية ضد القوات العراقية.
وردًا على ذلك وجّه قادة الجيش الإيراني انتقادات شديدة إلى مؤسسة الإذاعة والتلفزيون واتهموها بمحاولة التقليل من شأن ودور مؤسستهم العسكرية، فأكد قائد القوات البرية بالجيش الإيراني أحمد رضا بوردستان أن الجيش لم يكن ضعيفا في فترة الحرب الإيرانية العراقية، لكن أطرافا لم يسمها حاولت حله عندما رأت صموده في الحرب، كذلك انتقد نائب القائد العام لقاعدة “خاتم الأنبياء” اللواء محمد حسن حسني سعدي مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية واتهمها بالتشكيك في قدرات الجيش، في حين اتهم آخرون الحرس الثوري بإعطاء المؤسسة الضوء الأخضر لبث هذا الفيلم.
ومن المؤشرات اتي تدل على وجود اختلافات وصراع بين الحرس الثوري والجيش الإيراني، كلمة المسؤول السابق في القوات البحرية التابعة للحرس الصوري وأحد أبرز المنظرين الأصوليين في النظام الإيراني حسن عباسي، التي وجهها إلى الولايات المتحدة وقال فيها إنه “في حال تعرضت البلاد للغرق وجرفتها المياه، فإن الجيش لن يحرك ساكنا ولن يُسمع له صوت ولن يتخذ موقفا” في إشارة إلى ضعف الجيش وأن الحس الثوري والباسيج هم الذين واجهوا الاضطرابات التي تلت انتخابات 2009، كما وجه اتهاما ضمنيًا إلى الجيش باللا مبالاة في تعاطيه مع الأزمات والأحداث التي تمر بها البلاد.
ووجه هذا الاتهام والتصريح بانتقادات عنيفة من بعض قادة الجيش، فاعتبر قائد القوات البرية بالجيش الإيراني أحمد رضا بوردستان تصريحات عباسي غير موزونة وغير مدروسة، وهدد بتقديم شكوى ضد عباسي في حال عدم اعتذاره إلى الجيش، في حين أكد قائد القوات البحرية في الجيش حبيب الله سياري أن كلام عباسي عن الجيش لن يخدم النظام والأمن القومي للبلاد.
هذه التصريحات وهذا الفيلم الوثائقي يكشفان عن خلافات شديدة بين الحرس الثوري والجيش النظامي، ولكن النظام استطاع التستر عليها والتخفيف من حدتها، عن طريق إرضاء قادة الجانبين، مع الحرص على تمكين الحرس الثوري قدر المستطاع، حتى برز عدد من المؤشرات التي تشير إلى تفاقم حدة الخلاف والصراع بين الجيش والحرس، منها إقالة اللواء حسن فيروز قائد أركان القوات المسلحة الإيرانية المقرب من روحاني، وتعيين جنرال من الحرس الثوري مكانه ينفذ رغبات خامنئي دون تردد، وقد كشف موقع “تابناك” المقرب من أمين مجلس تشخيص مصلحة النظام الإيراني الجنرال محسن رضائي، أن فيروز آبادي أُقيل بسبب تأييده الاتفاق النووي ودعمه الرئيس حسن روحاني، ومن ثمّ خشية خامنئي من أن يؤثر هذا الدعم على سياسات إيران العسكرية في الداخل والخارج.
وفي محاولة من النظام لإجراء بعض الإصلاحات في المؤسسة العسكرية، كشف رئيس الأركان الجديد محمد باقري عن مهمته المكونة من أربعة أجزاء، والتي رسمها المرشد علي خامنئي وتتمثل في تحديد قطاعات القوات المسلحة الإيرانية خلال السنوات الخمس القادمة، وتعزيز الحشد الشعبي في قطاعي الدفاع والأمن، وتقوية القدرات الدفاعية، إضافة إلى إدماج الحرس الثوري والجيش النظامي في قوة واحدة.
ويبدو أن الهدف من هذه الخطط هو معالجة النظام حالة عدم التوازن والفجوة الكبيرة في القدرات التي أحدثها التجاهل النسبي للجيش النظامي، والتوسع الضخم للحرس الثوري وتورطه في صراعات متعددة في منطقة الشرق الأوسط، كما ترمي هذه الخطط إلى جعل الجيش النظامي قادرًا على إثبات قدرته في سد الثغرات الداخلية، من أجل إفساح المجال للحرس الثوري حتى يتمكن من تحقيق أهدافه داخل البلاد وخارجها.
هل يستفيد الجيش من مقتل سليماني؟
مما سبق يتضح أن الحرس الثوري يمثل الركيزة العسكرية والاستخباراتية والاقتصادية للنظام الإيراني، وأن تخوف النظام من حدوث انقلاب عسكري والتي حدث عدداً منها فعلياً، ساعدت على المزيد من عمليات التهميش لقوات الجيش، وأن سياسة التهميش تأتي كسياسة عامة ينتهجها النظام تجاه قوات الجيش، وبالتالي فقد لاتمثل وفاة “سليماني” أستفادة كبيرة للجيش الإيراني في ظل استمرار تلك السياسة المنهجية، ولكن من الممكن أن تتغير تلك الأوضاع مستقبلا في حال تزايد الضغط الدولي على طهران، وتسليط الضوء على جرائم الحرس الثوري، بجانب تحرك الشعب الإيراني في مظاهرات مناهضة للنظام بشكل أوسع من المظاهرات التي حدثت في نهاية 2017 ومطلع 2018 والتي عمّت 75 مدينة في مختلف أنحاء البلاد، وما تزال الاحتجاجات مستمرة بين الحين والآخر، خاصة الاحتجاجات العمالية.
باحث أول بالمرصد المصري