الانتخابات الأمريكية

“رهانات بايدن” : دلالات اختيار “أوستن” وزيراً للدفاع

وسط ضغوط تمارس على الرئيس الأمريكي المنتخب “جو بايدن” لترشيح المزيد من الشخصيات من الأقليات لمراكز في إدارته المقبلة، تعهد بايدن باختيار حكومة تعكس تنوع البلاد، وتولي عدد أكبر من الشخصيات ذوي الأصول الأفريقية وغيرها من الأقليات في مناصب رفيعة، والاعتماد على شركاء موثوق بهم منذ فترة طويلة في الحكومة الأمريكية، وهو ما يفسر مبدئيا سبب اختيار “لويد أوستن” الجنرال المتقاعد من أصول أفريقية لمنصب وزير الدفاع، والذي يرى بايدن أنه مؤهل بشكل فريد لمواجهة التحديات والأزمات التي تواجهها البلاد في الوقت الحالي.  

إذا ما تم تأكيد تعيين أوستن من قبل مجلس الشيوخ، فسوف يصنع بذلك التاريخ باعتباره أول أمريكي من أصل أفريقي يقود قوات الخدمة الفعلية البالغ عددها 1.3 مليون جندي أمريكي، والتي يشكل  الضباط والجنود الأمريكيين من أصل أفريقي، نحو 43% من أفراد الخدمة الفعلية. وسيكون أحد الرجال السود النادرين الذين كسروا الحاجز الزجاجي، الذي أبقى على الرتب العسكرية الكبيرة، حكرا على البيض إلى حد كبير. وعلى الرغم من الوجود الكبير للأقليات داخل الجيش الأمريكي، وبالأخص ذوي الأصول الأفريقية، إلا أن وصول ضباط من هذه الفئة إلى قمة المؤسسة العسكرية وشغلهم مناصب قيادية كبرى هو أمر نادر جدا.

ظهر اسم “ميشل فلورنوي” التي شغلت منصب وكيل وزارة الدفاع الأمريكية للشؤون السياسية في عهد باراك أوباما، لقيادة الوزارة، لكن أسباباً عدة ربما لعبت دوراً في استبعادها، على رأسها علاقتها الوثيقة بهيلاري كلينتون واحتمال أن تلقى معارضة شديدة في مجلس الشيوخ والضغوط التي مورست على بايدن لزيادة عدد السود في إدارته. واستقر اختيار بايدن على أوستن الذي تجمعه علاقة وطيدة معه منذ فترة عمله الطويلة كنائب للرئيس السابق.

وواجه بايدن انتقادات لعدم تعيين فلورنوي حيث كان بإمكانها تعزيز الموقف المتشدد تجاه الصين. فقد سبق وأن أكدت على حاجة الولايات المتحدة إلى تعزيز قدرتها – ورغبتها – في ردع الصين، مشيرة بشكل واضح إلى أن الجيش يجب أن يكون قادرًا على “إغراق جميع” السفن الصينية “في غضون 72 ساعة” في بحر الصين الجنوبي.

وتمت معارضة اختيار فلورنوي بسبب دورها في التدخلات العسكرية الأمريكية في ليبيا والشرق الأوسط في المناصب الحكومية السابقة، فضلاً عن علاقاتها بصناعة الدفاع بمجرد تركها للحكومة، وخدمت فلورنوي في مجلس إدارة Booz Allen Hamilton، كما شاركت في تأسيس شركة الاستشارات WestExec Advisors، ولكن أوستن أيضا هو حاليًا عضو في مجلس إدارة شركة Raytheon مقاول دفاعي رئيسي ومصنع رائد للقنابل الذكية المستخدمة في العراق وسوريا واليمن.

وأثار اختيار أوستن جدلا متصاعدا بسبب غياب شرط السنوات السبع، حيث اعتمد الكونجرس قاعدة تنص على أن أي عسكري سابق كان مرشحا لتولي وزارة الدفاع، يجب أن يكون متقاعدا منذ سبع سنوات على الأقل. وبما أن أوستن متقاعد منذ فترة أقل، سيكون على النواب منحه إعفاء. وهي خطوة غير عادية في تاريخ الولايات المتحدة. وتم منح هذا الإعفاء لإثنين فقط من الجنرالات السابقين قبل أوستن، هما رئيس أركان الجيش الأمريكي السابق جورج مارشال الذي تم اختياره لقيادة الوكالة خلال إدارة ترومان في عام 1950، وجيمس ماتيس الذي اختاره الرئيس دونالد ترامب في عام 2017 وزيراً للدفاع.

دوافع اختيار أوستن

اختار بايدن زميلًا سابقًا يعرفه جيدًا منذ سنوات العمل خلال إدارة أوباما، وهي الفترة التي شهدت قيادة أوستن للقيادة المركزية الأمريكية، وعمل كنائب لرئيس أركان الجيش، وقائدًا عامًا للقوات الأمريكية في العراق. وكان أول ضابط أمريكي من أصل أفريقي يقود فيلقًا عسكريًا في القتال وأول أمريكي من أصل أفريقي يقود مسرحًا كاملًا للحرب. نقاط القوة التي يتمتع بها أوستن ومعرفته الوثيقة بوزارة الدفاع والحكومة تتوافق بشكل فريد مع التحديات والأزمات التي تواجهها الولايات المتحدة.

وينتمي “أوستن” إلى مدرسة قادة البنتاجون العسكريين المعروفين باعتدالهم إزاء النزاعات الدولية، وهو أقرب إلى توجهات رئيس أركان القوات المشتركة الأمريكية سابقا الأدميرال مايكل مولن، ووزير الدفاع الأسبق جيمس ماتيس، وكلاهما عارض خروج إدارة الرئيس دونالد ترامب من الاتفاق النووي مع إيران، بحجة أنه “يتيح لواشنطن إمكانية مراقبة نشاط طهران النووي وضبطه”.

وبالتالي فإن اختيار أوستن حكمه عدد من الدوافع أبرزها:

مواجهة التحديات المستقبلية: يرى بايدن أن الولايات المتحدة تواجه عددا من التهديدات تختلف عن تلك التي كانت قائمة منذ عشر سنوات أو حتى خمس سنوات. ولابد من الاستعداد لمواجهة تحديات المستقبل، وليس الاستمرار في خوض حروب الماضي. وضرورة بناء سياسة خارجية تقاد  بالدبلوماسية وتنشط التحالفات الأمريكية، وتعيد القيادة الأمريكية إلى الطاولة وتحشد العالم لمواجهة التهديدات العالمية، من الأوبئة إلى تغير المناخ، ومن الانتشار النووي إلى أزمة اللاجئين. وبالتالي سيكون لويد أوستن جزءًا أساسيًا من هذا التوجه، باعتباره جزءًا من فريق القيادة المتنوع للأمن القومي الذي يعكس التجارب الحية لجميع الأمريكيين، وأن وزارة الدفاع، تحت قيادته، لن تفشل أبدًا في تعزيز أمن الشعب الأمريكي بطرق تحترم قيمنا ومثلنا العليا.

استعادة التحالفات التقليدية: يأتي تعيين أوستن، في وقت تؤكد فيه الإدارة الأمريكية المقبلة، سعيها لاستعادة تحالفاتها التقليدية، في أوروبا، ومواجهة الصين، لا سيما عبر تعزيز الشراكة العسكرية مع دول الجوار الصيني، ومنها اليابان والهند، كما تعزيز الترسانة البحرية، والهجومية، والصاروخية، واستعادة اتفاقات للحد من أنواع من الأسلحة، واستمرار التفوق الردعي. وداخلياً، يواجه أوستن مهمة تكييف الموازنات الحربية وموازنة الدفاع، مع تخفيض الإنفاق العسكرية.

خبرة واسعة بقضايا الشرق الأوسط: يحظى أوستن بشعبية كبيرة بين القيادات العسكرية والأمنية في المنطقة، جعلته محل اختيار لبايدن الذي يهتم بشؤون الشرق الأوسط. قاد القوات الأمريكية لدخول بغداد عام 2003، وترأس القيادة المركزية (سنتكوم). وعمل  بايدن مع أوستن في عهد باراك أوباما، حين أشرف على عملية سحب 50 ألف عسكري أمريكي من العراق في عام 2011. وتولى القيادة الوسطى الأمريكية المسؤولة عن منطقة الشرق الأوسط بين عامي 2013-2016. وتولى أبرز المهمات العسكرية في حربي العراق وأفغانستان، وتحت قيادته تمت عملية الفجر الجديد، التي انسحب على إثرها آخر جندي أمريكي من العراق. قاد الحرب ضد تنظيم داعش في سوريا والعراق، وساعد في بناء تحالف من الشركاء والحلفاء يضم أكثر من 70 دولة لمحاربة التنظيم.

التعامل مع القوى المحلية: معروف عن أوستن دفاعه الشديد عن استراتيجية “التعامل مع القوى المحلية” لحل الخلافات الداخلية للدول التي تنتشر فيها قوات أمريكية، كما حدث في محافظة الأنبار العراقية عبر “مجالس الصحوات”، ومع قوات سوريا الديمقراطية. وهو مؤيد للتعاون الدائم مع الحلفاء التاريخيين للولايات المتحدة. وكان معارضا لخروج إدارة الرئيس دونالد ترامب من الاتفاق النووي الإيراني، لأنه اعتبر أن الانسحاب يحرم واشنطن فرصة من مراقبة النشاط النووي الإيراني وضبطه التي يتيحها الاتفاق. وخلال جلسة استماع في الكونجرس في 2015، كان أوستن أول مسؤول عسكري أمريكي يعترف بدعم بلاده لوحدات حماية الشعب الكردية، في سوريا.

الرغبة في دور أوسع للمؤسسة العسكرية: سيتولى أوستن مؤسسة تواجه عددا من التحديات بسبب التوترات السياسية على مدى السنوات الأربع الماضية، وهي مؤسسة تتعامل مع التهديدات المتزايدة، مثل الصين، والمخاطر المستمرة من كوريا الشمالية، والحاجة إلى تطوير قدرات جديدة في مجال الإنترنت، الفضاء والذكاء الاصطناعي، وإدارة توزيع لقاح كوفيد-19، حيث سيحتاج وزير الدفاع المقبل إلى القيام على الفور بعملية لوجستية ضخمة للمساعدة في توزيع لقاحات كوفيد-19 على نطاق واسع ومنصف.

التصدي للعنصرية في الجيش الأمريكي: يأتي صعود أوستن إلى أعلى منصب في البنتاجون في وقت يستمر فيه الجيش في التصدي للعنصرية في الرتب، وهي قضية أخذت اهتماماً متزايدًا منذ الاحتجاجات العرقية التي عمت جميع أنحاء البلاد بعد مقتل جورج فلويد.

وتظهر بيانات وزارة الدفاع أنه في حين أن أفراد الخدمة السود يمثلون 19٪ من جميع المجندين، إلا أنهم يشكلون 9٪ فقط من الضباط الذكور. و كان أوستن الشخص رقم 200 على الإطلاق الذي حصل على رتبة جنرال أربع نجوم في الجيش، لكنه كان سادس أمريكي من أصل أفريقي.

ولكن دوافع اختيار بايدن للجنرال أوستن واجهها عدد من الانتقادات أبرزها:

أولاً: أن الولايات المتحدة كانت تحتفل بالجنرالات لانتصارهم في المعارك والحروب، وليس الانسحاب منها بطريقة منظمة. وبالتالي فإن نجاح أوستن في انسحاب القوات الأمريكية من العراق ليس بالإنجاز.

ثانيًا:  ثبت أن انسحاب إدارة أوباما من العراق وسوريا كان كارثيًا، مما مهد الطريق لصعود داعش، التي استقطبت عشرات الآلاف من المقاتلين من جميع أنحاء العالم، واستولت على أراض بحجم بريطانيا العظمى، وأعلنت أن دولتها الوليدة هي خلافة جديدة. وأجبر هذا التهديد إدارة أوباما على التدخل في العراق مرة أخرى ، وكذلك في سوريا في عام 2014.

ثالثًا: على الرغم من وصف بايدن للجنرال أوستن بأنه قام بعمل عظيم ببناء تحالف دولي ضد تنظيم داعش، تعرضت قيادة أوستن لبعض التدقيق، حيث انتقد رئيس لجنة القوات ‏المسلحة في مجلس الشيوخ آنذاك الراحل جون ماكين ، شهادته حول التقدم المحرز في مكافحة ‏داعش ووصفها بأنها “منفصلة عن الواقع”.‏ وتعرض أوستن لاستجواب شديد في جلسة استماع شهيرة في مجلس الشيوخ عام 2015، حين اعترف بأن برنامج وزارة الدفاع بقيمة 500 مليون دولار لتشكيل جيش من المعارضين السوريين، لم يؤد إلى أي نتيجة.

رابعًا: اختيار بايدن يعني أن المنافسة بين الولايات المتحدة والصين هي في الأساس منافسة اقتصادية وتكنولوجية وليست عسكرية. وبالتالي فإن اختيار شخص ما كوزير دفاع يفتقر إلى فهم الصين والمحيط الهندي والمحيط الهادئ يدعم هذا التصور. واختياره في عصر تنافس القوى العظمى في منطقة المحيطين الهندي والهادئ يعني ضمناً إعطاء الأولوية للقضايا المحلية على الاهتمامات الأمنية الإقليمية. وأن الإدارة القادمة قد تكون أقل استعدادًا لمواجهة بكين، خاصة وأن واشنطن تركز في الوقت الحالي على الوباء وتداعياته. والتزام فريق بايدن الصمت بشأن الصين في دفاعه الأولي عن ترشيح الرئيس المنتخب لأوستن يشير إلى أن الحزب الشيوعي الصيني ليس على قائمة أولوياتهم كما هو الحال بالنسبة لكبار مسؤولي إدارة ترامب.

خامسًا: وجود أوستن في المنصب من شأنه أن يثير مخاوف بعض الخبراء الأمنيين الذين كانوا قلقين بالفعل بشأن اتجاه العلاقات المدنية العسكرية في البنتاجون في عهد ترامب، عندما شغل ماتيس منصب وزير دفاع ترامب، شعر بعض المدنيين بأنهم محرومون من القرارات العسكرية والسياسية الرئيسية. وفي برنامج الديمقراطيين للعام 2020، وعد الحزب بالمساعدة في إصلاح حالة العلاقات المدنية-العسكرية، التي رأوا أنها تضررت بشدة في عهد ترامب.

من هو لويد أوستن؟

ولد جيمس لويد أوستن في مدينة موبيل بولاية ألاباما جنوب الولايات المتحدة في 8 أغسطس عام 1953. ونشأ بمدينة توماسفيل في ولاية جورجيا.

  • حصل على شهادة في العلوم من أكاديمية “ويست بوينت” العسكرية في يونيو عام 1975. كما حصل على شهادة ماجستير في التعليم من جامعة أوبورن، وأخرى في إدارة الأعمال من جامعة ويبستر.
  • بعد تخرجه من “ويست بوينت” بدأ مشواره العسكري برتبة ملازم ثانٍ في كتيبة المشاة الثالثة في ألمانيا، ثم بدأ تدرجه في المناصب العسكرية.
  • عام 1981 انتقل إلى مدينة إنديانابوليس بولاية إنديانا ليتولى منصب ضابط عمليات في إدارة التجنيد لمنطقة إنديانابوليس في الجيش الأمريكي.
  • بين عامي 2003 و2005 شغل منصب القائد العام للشعبة العسكرية الجبلية العاشرة للمشاة الخفيفة في أفغانستان، وكذلك كان نائب القائد العام للشعبة العسكرية الثالثة، وقاد القوات الأمريكية لدخول بغداد عام 2003.
  • في فبراير عام 2008 تولى قيادة القوات متعددة الجنسيات في العراق. ثم في 1 سبتمبر 2010 تم تعيينه قائدا عاما للقوات العسكرية الأمريكية في العراق.
  • شغل منصب القائد الثاني عشر للقيادة المركزية للقوات العسكرية الأمريكية بين عامي 2013 و2016، وكان أول أمريكي من أصل أفريقي يتولى هذا المنصب المهم، إذ كان مسؤولا عن العمليات العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط ووسط وجنوب آسيا، وكان المهندس والمشرف على الحملة ضد تنظيم داعش في العراق وسوريا.
  • تقاعد في 1 مايو 2016 ووضع حدا لمسيرته العسكرية الحافلة التي امتدت قرابة 41 عاما، والتي حصل خلالها على الكثير من الأوسمة، وتم تكريمه عدة مرات.
  • أبرزت شبكة “سي إن إن” استشهاد الجنرال المتقاعد لويد أوستن، مرشح جو بايدن لتولي حقيبة الدفاع في إدارته، بحديث للرئيس المصري الراحل أنور السادات في مناسبة جرت قبل 7 سنوات.

مصادر:

Five things to know about Lloyd Austin, Biden’s Pentagon pick https://thehill.com/policy/defense/529893-five-things-to-know-about-lloyd-austin-bidens-pentagon-pick

Biden picks retired general Lloyd Austin to run Pentagon https://www.politico.com/news/2020/12/07/lloyd-austin-biden-secretary-defense-frontrunner-contender-443479

Why I Chose Lloyd Austin as Secretary of Defense https://www.theatlantic.com/ideas/archive/2020/12/secretary-defense/617330/

BIDEN DEFENSE SECRETARY NOMINEE LLOYD AUSTIN COMES UNDER FIRE FOR INDUSTRY CONNECTIONS https://theintercept.com/2020/12/08/biden-defense-secretary-lloyd-austin-raytheon/

Joe Biden’s Curious Defense of Gen. Lloyd Austin https://www.fdd.org/analysis/2020/12/09/joe-bidens-curious-defense-of-gen-lloyd-austin/

قاد القوات الأمريكية لدخول بغداد… من هو الجنرال لويد أوستن الذي اختاره بايدن وزيرا للدفاع؟ https://www.france24.com/ar/%D8%A3%D9%85%D8%B1%D9%8A%D9%

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى