“الأخوات”.. قطعة الشطرنج الأخيرة لدى “الإخوان”
أدركت جماعة الإخوان الإرهابية مبكرًا أهمية ومحورية دور المرأة في التنظيم، وهو ما ظهر جليًا بقيام “حسن البنا” بتأسيس أول فرقة للأخوات المسلمات عام 1933. وقد تطور دور “الأخوات” في التنظيم بداية من العمل الدعوى، مرورًا بالتجنيد، وصولًا إلى مواجهة الأمن المصري عقب ثورة 30 يونيو، والمشاركة في العمليات الإرهابية وذلك بالتحريض على العنف، وتوفير التمويل، ونقل المعلومات. وفي ظل حسم الدولة المصرية في التعامل مع تلك الجماعة الإرهابية، من المرجح أن تزيد الجماعة من اعتمادها على “الأخوات” كورقة أخيرة لديها، في محاولة مستميتة لاستهداف أمن واستقرار الدولة المصرية. ومن ثمّ، يُثير ذلك تساؤلات مُهمة حول خطورة انضمام المرأة للتنظيمات الإرهابية، كذلك تطور دور “الأخوات” داخل جماعة الإخوان الإرهابية، و مدي تصاعد إرهابهن بعد ثورة 30 يونيو.
خطورة انضمام المرأة للتنظيمات الإرهابية
تتمثل الخطورة الحقيقية انضمام المرأة للتنظيمات الإرهابية في العلاقة المركزية التي تربط المرأة بالمجتمع، إذ تُشكل المرأة شبكة هي مركزها. وتلعب أدوارًا متعددة منها دور الأم أو الأخت أو الابنة أو الزوجة. كما أن لديها القدرة على التواصل مع نصف المجتمع، والتأثير فيه. وتعد النساء أكثر ميلاً لقبول الأفكار المتشددة أو المتطرفة من الرجال، نظرًا لاعتمادهن على العاطفة المحركة للثأر لديهن والرغبة في الانتقام.
تعي الجماعات الإرهابية الأهمية الرمزية والاستراتيجية للنساء، فعمدت إلى توظيفهن بالشكل الأمثل، وذلك بالقيام بأدوار متعددة كالتجنيد، وجمع التبرعات، ونقل المعلومات، واحيانًا حمل السلاح. وتنصرف الأهمية الرمزية للنساء في إضفاء الشرعية للجماعات الإرهابية، وذلك لنجاحها في استقطاب أعدادٍ كبيرة من النساء. بينما تتجلى الأهمية الاستراتيجية للنساء في احتضان المرأة لأفكار التنظيم، وهو ما يعنى الانتقال الأيديولوجي لتلك الأفكار. ناهيك عن سهولة حركتهن لتجنبها كثير من نقاط التفتيش التي يتعرض لها الرجال، بفعل معاملة الأمن المغايرة لهن، وذلك لاعتبارات دينية وثقافية واجتماعية، ففي المجتمعات العربية والإسلامية تحظى المرأة بالخصوصية التي تبعدها عن الشبهات.
ويجادل الخبراء أنه من بين أهم أسباب بقاء جماعة الإخوان الإرهابية، رغم كل ما تعرضت له من ضربات أمنية وسياسية، منذ إسقاطها بمصر في 30 يونيو 2013، هو وجود كتلة كبيرة من نساء الجماعة، تمثل عصب التنظيم، إذ أن صفوفهن لم تشهد أي انشقاقات تذكر. وبعبارةٍ أخرى، على الرغم من حدوث كثير من الانشقاقات التاريخية والمعاصرة بين صفوف جماعة الإخوان المسلمين، إلا أنها لم تنصرف إلى صفوف الأخوات المسلمات، أخدًا في الاعتبار دورهن المحوري في التنظيم من ناحية، وتزايد أعدادهن من ناحيةٍ أخرى.
“الأخوات”…مسار موازي
تشكل “الأخوات” قطاعًا كبيرًا من جماعة الإخوان الإرهابية، غير أنه لا توجد إحصائياتٍ حول أعدادهن، لكن بعض التقديرات ذكرت أنهن يشكلن ما يقرب من 30% من أعضاء الجماعة، بينما أشارت تقديرات أخرى إلى أنهن يزيدن عن 40% من أعضاء الجماعة.
وبتتبع بمراحل تطور دور الأخوات داخل التنظيم نجد أن أول “فرقة للأخوات” تأسست عام ١٩٣٣من نساء الإخوان وبناتهن وقريباتهن، برئاسة “لبيبة أحمد”، وتعاقب على رئاسة الفرقة بعد ذلك كلا من: “آمال العشماوي”، و”نعيمة الهضيبي”، و”فاطمة عبد الهادي”، ثم “زينب الغزالي”. ومع بداية تأسيس “فرقة الأخوات” اقتصر دور المرأة على تربية الأولاد ورعاية الأسرة، غير أن هذا الدور شهد تطور لاحق نحو العمل السياسي في عام 1944 الذي شهد إطلاق أول لجنة تنفيذية “للأخوات المسلمات”، التي لعبت دور فعال في امتداد دعوة “الأخوات” إلى الأماكن العامة، والشوارع، والمؤسسات، والهيئات الحكومية، وغير ذلك.
وفى هذا السياق تجدر الإشارة إلى إحدى أهم القيادات الإرهابية النسائية داخل التنظيم في ذلك الوقت، وهي “زينب الغزالي” التي رفعت شعارًا ظاهريًا للعمل الخيري، لكنها شاركت في تنفيذ عدد من العمليات الإرهابية، كان أبرزها تأسيس “تنظيم 65 “، الذي اتهم بالتخطيط لاغتيال الرئيس المصري الراحل “جمال عبد الناصر”، وضرب والمنشآت الحيوية بهدف الاستيلاء على السلطة. وحُكِم عليها بالإعدام شنقا في هذه القضية، إلا أن الحكم خفف عليها للمؤبد، ثم أفرج عنها في عهد الرئيس الراحل محمد السادات.
وقد مثلت مرحلتي الخمسينيات والستينيات فترتي من أصعب فترات تاريخ الإخوان، نتيجة الاعتقالات التي طالت أهم قيادات الجماعة، وهنا تحوّل دور “الأخوات” إلى جمع التبرعات وإيصالها إلى بيوت الإخوان المحبوسين أو الهاربين. إذ ساهم النشاط الاجتماعي “للأخوات” في إنشاء شبكة قوية وعميقة بين الأسر الاخوانية، وفرت تأمين الدعمين المادي والمعنوي لأُسَر المحبوسين.
وفي مرحلتي التسعينيات وأوائل الألفية الثانية، برز دور “الأخوات” في حشد السيدات للتصويت الانتخابي، والوقوف أمام اللجان للدعاية لمرشحيهم. كما عملت “الأخوات” على محاولة استقطاب كل الفتيات الاتي يحق لهم التصويت، ولا شك أن عام 2005 شهد تبلورًا لدور “الأخوات”. وهو الدور الذي أفضى إلى حصد الإخوان المسلمين لعدد 88 مقعدًا في انتخابات مجلس النواب. ومع أحداث يناير2011، بدأ الظهور الكاسح “للأخوات”؛ حيث رأى مكتب الإرشاد حتمية الدفع بالنساء واستغلالهن في فترات الانتخابات البرلمانية والمحلية، نظرٍا لارتفاع نسبتهن التي تقترب من ضعف الكتلة التصويتية للرجال. ومع مطلع عام 2011 تقدم عدد كبير منهن لانتخابات مجلس الشورى، ونجح منهن عدد ليس بالقليل إلى جانب مشاركة ما يقرب من ثلاث سيدات إخوانيات في الجمعية التأسيسية لإعداد دستور 2012، ناهيك عن مشاركة بعضهن في برلمان 2012 الذي تم حله فيما بعد.
مما سبق، وباستقراء دور “الأخوات” في مراحل تاريخية ممتدة من عمر الجماعة الإرهابية، نجد أن هذا الدور يتم توظيفيه طبقا للسياق الحاكم والظروف الراهنة التي تمر بها الجماعة، إذ تحول من رعاية الأسرة في بداية تأسيس التنظيم، إلى الدعوة والحشد في التمدد، وتطور إلى الدعم المعنوي والمادي في أوقات المحن، وبرز بشدة في الحشد للانتخابات في مرحلة الصعود السياسي للتنظيم، وتبلور مؤخرًا في المشاركة في عمليات إرهابية في مرحلة ما بعد إسقاط حكم جماعة الإخوان الإرهابية.
“أخوات الدم”
في أعقاب ثورة 30 يونيو، برز عنف “الأخوات”، إذ بدء توظيفهن في عمليات إرهابية ضد الدولة المصرية، وقد تبلورت مهامهن في أدوار عدة يمكن الوقوف عليها في النقاط التالية:
- العنف والتحريض: في أعقاب عزل “محمد مرسي”، تصاعد عنف “الأخوات” بشكل كبير، وظهر ذلك من خلال نشاطهن المكثف بالجامعات، ولاسيما جامعة الأزهر؛ إذ قامت “الأخوات” بعديد من مظاهر العنف داخل الجامعة، كان أبرزها: محاصرة مكاتب عمداء الكليات، وإغلاق بوابات الجامعة الرئيسي بالسلاسل، ومهاجمة رجال الشرطة، والاشتباك مع عدد من الأكاديميات. كذا قيام المدعوة “سامية شنن” بالمشاركة في “مذبحة كرادسة” وذلك بالاعتداء على جثث ضباط مركز شرطة كرداسة، وتشجيع المسلحين في تخريب مدرعات الشرطة وإشعال النيران بالقسم. وفى فبراير من عام 2015 أصدرت محكمة جنايات القاهرة حكما بمعاقبتها بالإعدام، إلا أن المحكمة قبلت الطعن وخفف الحكم إلى السجن المؤبد. ناهيك عن تجديد حبس “عائشة خيرت الشاطر” في أغسطس 2019 وذلك للتحريض على أعمال عنف وتخريب ضد الدولة، والتحريض على ضرب الاقتصاد القومي.
وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى تصريح “عزة توفيق”(زوجة خيرت الشاطر) عقب ثورة 30 يونيو “أن أمام الجيش المصري 20 ساعة، تبدأ من الآن، للعمل على إعادة قيادات جماعة الإخوان إلى الحكم، وإلا ستتحول مصر إلى بركة من الدماء.” وأشارت إلى إن “هناك 20 ألف مجاهد على الحدود المصرية سيتحركون لاقتحامها.”
- اللجان الإلكترونية
سعت “الأخوات” إلى استهداف مؤسسات الدولة وتشويها عبر ترويج الشائعات. وقد كشفت التحقيقات في القضية رقم 485 لسنة 2015 أمن الدولة العليا، والمعروفة إعلاميا بقضية “اللجان الإلكترونية والإعلامية لتنظيم الإخوان الدولي”، والمتهم فيها عدد من نساء الإخوان، اتفاق قيادات بتنظيم الإخوان الدولي الهاربين خارج البلاد على التحريض على مؤسسات الدولة ومنشآتها العامة، بهدف إسقاط النظام القائم. وفي إطار ذلك، جرى تفعيل عمل اللجان الإلكترونية للتنظيم، لتنفيذ ذلك المخطط عن طريق نشر الشائعات لتكدير السلم والأمن العام والتحريض على تنفيذ عمليات إرهابية ضد القضاة، وأفراد، وضباط الشرطة، والقوات المسلحة، والمنشآت العامة والحيوية.
- حلقات وصل: تعمل “الأخوات” في الفترة الحالية من تاريخ الجماعة كحلقات وصل بين عناصر التنظيم الإرهابي في الداخل والخارج، وذلك لنقل التكليفات والمعلومات، كذلك تتولى “الأخوات” مهمة التنسيق بين الكوادر الإخوانية في خارج السجون والقيادات القابعة داخل السجون. وفى هذا السياق تجد الإشارة إلى دور “سند عصام شلبي” ابنه القيادي الإخوانى “عصام شلبي” التي حُكم عليها بالإعدام في قضية التخابر.
- تمويل الإرهاب: تقوم “الأخوات” بدور محوري في عملية جمع التمويل اللازم للعمليات النوعية تحت غطاء أعمال الخير، وتلقى التمويلات من الخارج عبر حسابات بنكية بعيدة عن أجهزة الأمن. وفى هذا السياق، تم القبض على عدد من العناصر النسائية النشطة داخل التنظيم، أبرزهن “علا القرضاوي” المتهمة بتمويل التنظيم الإرهابي، والمشاركة في تنفيذ مخطط أعدته جماعة الإخوان لتمويل جماعات العنف داخل مصر. وكشفت التحقيقات التي أجرتها نيابة أمن الدولة العليا بمصر بالقضية رقم 316 لسنة 2017 أنها كانت تتولى الدعم المباشر لعناصر الجماعة وتمويل تسليحهم؛ إذ كانت تتلقى تكليفات مباشرة تتصل بالقوائم المالية، وأرقام الحسابات البنكية غير المعروفة لعدد كبير من قيادات الجماعة.
- مدارس إرهابية: تحولت الأمهات الإخوانيات إلى “مدارس إرهابية” ترعى التطرف في عقول أبناءهن وتغرس بذور الإرهاب في نفوسهن، ويحركهن في ذلك مشاعر كراهية الدولة، والرغبة في زعزعة استقرارها وأمنها. فبعد عزل “محمد مرسي”، ظهرت أمهات إخوانيات يثنين على أبنائهن المشاركين في عمليات إرهابية عد أبرزهن، والدة الإرهابي “عبد الرحمن خالد محمود”(المنفذ لعملية معهد الأورام) التي خلفت أكثر من 20 شهيدًا وقرابة 50 مصابًا، إذ كشفت وزارة الداخلية عن فيديو رصد لقاء بين الإرهابي “عبد الرحمن خالد محمود” ووالدته، وهي تشد من أزره لتنفيذ العملية الإرهابية. كذلك قيام والدة الإرهابي “أحمد محمد الدجوى” بالثناء على دوره في عملية اغتيال النائب العام السابق المستشار “هشام بركات”، عبر مداخلة هاتفية مع إحدى القنوات الإخوانية. وهناك غيرهن من النماذج المختلفة التي باركت قيام أبنائهن بعمليات إرهابية وانتحارية.
مجمل القول: تلجأ التنظيمات الإرهابية للتعويل على المرأة عندما تمر بفترة انحسار وتراجع. وقد اتبعت جماعة الإخوان خلال الفترة الماضية أسلوب الاعتماد على النساء في تنفيذ المخططات الإخوانية الإرهابية داخل المجتمع المصري. ومن المرجح أن تزيد جماعة الإخوان من اعتمادها على العنصر النسائي في الحشد ضد الدولة المصرية خلال الفترة المقبلة؛ وذلك بتأسيس عديد من الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، تقوم من خلالها بالتحريض على مؤسسات الدولة، والدعوة للحشد في الشوارع. ومن الممكن أن يرفعن شعار: “الدفاع عن العفيفات”، بغرض شحن الشباب وتحريضهم للنزول، والترويج لوقائع الانتهاكات المفبركة، في حق نساء الإخوان في محاولة، لاستعداء المجتمع الدولي ضد مصر.” فالأخوات” هن قطعة الشطرنج التالية لدى “المحظورة”.