السياسة الخارجية الأمريكية: من إجماع الحرب الباردة إلى الجدل و الارتباك
المؤلف :توماس فينجار
عرض: نسرين الصباحي
الدورية: المراجعات الأمريكية المعاصرة (جامعة ستانفورد)
أوضح الكاتب في بداية دراسته النهج المُتبع منذ عام 1991 من قبل الدبلوماسين والمهنيين العسكرين بإتباع النهج نفسه في الشئون الدولية الذي حقق النجاح في الحرب الباردة. وكانت النتيجة سياسة خارجية مٌستقرة ويمكن التنبؤ بها تحت إدارة “ترامب”. في حين حَمل هذا النهج الولايات المتحدة مسؤولية غير مُتناسبة للحفاظ على النظام الليبرالي في إطار “العالم الحر”. ولكن مع تغيير التوجهات أصبح الأمر مُقلق. و يأمل البعض أن تعود السياسة الخارجية الأمريكية قريبًا إلى الوضع السابق. و يعتقد البعض الآخر أن الحاضر يدل على تراجع غير مُتوقع في قيادة الولايات المتحدة العالمية في المستقبل.
أوضح الكاتب في بداية دراسته النهج المُتبع منذ عام 1991 من قبل الدبلوماسين والمهنيين العسكرين بإتباع النهج نفسه في الشئون الدولية الذي حقق النجاح في الحرب الباردة. وكانت النتيجة سياسة خارجية مٌستقرة ويمكن التنبؤ بها تحت إدارة “ترامب”. في حين حَمل هذا النهج الولايات المتحدة مسؤولية غير مُتناسبة للحفاظ على النظام الليبرالي في إطار “العالم الحر”. ولكن مع تغيير التوجهات أصبح الأمر مُقلق. و يأمل البعض أن تعود السياسة الخارجية الأمريكية قريبًا إلى الوضع السابق. و يعتقد البعض الآخر أن الحاضر يدل على تراجع غير مُتوقع في قيادة الولايات المتحدة العالمية في المستقبل.
جادل فينجار بأن السياسة الخارجية الأمريكية سوف تصبح مُستقرة مرة أخرى حيث يمكن التنبؤ بها، لكنها لن تعود إلى سياسات حقبة ماضية الآن. في حين ينسب أنصار ونقاد الرئيس ترامب على حد سواء اللوم على الحالة الراهنة للسياسة الخارجية الأمريكية لرفضه قبول منطق السياسات التي أقرها أسلاف الجمهوريين والديمقراطيين. و أصبح استعادة الوضوح والتماسك والقدرة على التنبؤ بالسياسة الخارجية الأمريكية هدف عاجل وقابل للتحقيق لكن صياغة رؤية للنظام الدولي في القرن الحادي والعشرين ووضع استراتيجية لتحقيق هذه الرؤية وصياغة إجماع جديد لدعم تلك الاستراتيجية أكثر صعوبة وبعداً في الوقت الراهن.
عوامل استمرار السياسة الخارجية للولايات المتحدة
لعقود عديدة ، كان يُنظر إلى الولايات المتحدة على أنها مَعقل الاستقرار والقدرة على التنبؤ في عالم مضطرب. و لفهم لماذا ظلت السياسة الخارجية مُستقرة وتطورت بطرق يمكن التنبؤ بها؟ى وعليه ذكر الكاتب التطورات في أربعة مجالات:
النظام الدولي ، الاقتصاد الأمريكي، الظروف الاجتماعية في الولايات المتحدة ، والأداء الحكومي
النظام الدولي
أشار الكاتب إلى أن التنافس بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتى حقيقة لا تنتهي أبداً و كان لا بد من إدارته من خلال الردع و الإنفراج. كما ذكر أن الفعالية المُتصورة لسياسات الأمن القومي الأمريكي تدعمها حوافز لعزل السياسة الخارجية عن تقلبات السياسة الداخلية و المنطق وراء هذه السياسات توافق الآراء بتفويض المسؤولية لإدارة قضايا الأمن القومي إلى السلطة التنفيذية.
أرجع الكاتب نجاح الحرب الباردة إلى تَحسن العلاقات مع الصين عندما طرح الرئيس الأسبق نيكسون ووزير خارجيته هنري كيسنجر تصوراً بشأن تقييد الاتحاد السوفيتى، بالإضافة إلى رؤية الرئيس الأسبق أيضا جيمي كارتر لتقييد موسكو من خلال دعم استراتيجية دنغ شياو بينغ للإصلاح والانفتاح من خلال التحديث والنمو الذي تقوده الصادرات الأمريكية مرة أخرى ولكن حتى عام 1992 كل ما حدث لا يزال مقيدًا بمعايير الحرب الباردة.
الاقتصاد والطبقة المُتوسطة
أشار الكاتب إلى مدى استفادة الشعب الأمريكي من عقود النجاح الاقتصادي والاستثمارات في البنية التحتية والتعليم في1950و 1960و الاستثمار الحكومي في البحث والتطوير. فضلاً عن نجاح الشركات الأمريكية وثقافة تقاسم الأرباح المتزايدة مع العمال والمستثمرين وعلاوة على ذلك انتقال عشرات الملايين من العائلات إلى شريحة الطبقة المتوسطة و تحسن أنماط المعيشة.
ولكن بعد عام 2000 وصلت الاضطرابات الاجتماعية أقصاها من أجل إجراء تغييرات على السياسات المحلية، علاوة على ذلك التناقض الواضح فى السياسة الخارجية. كما خَلقت الظروف الاقتصادية ضغوطاً على حق التصويت، والعدالة الاجتماعية ، والمياه النظيفة ، والرعاية الصحية لكبار السن ، والتخفيف من الظروف الأخرى التي تتعارض مع القيم الأمريكية.
المجتمع الأمريكي
ذَكر الكاتب القضايا الداخلية مُتمثلة في المساواة العرقية والحقوق المدنية التي لم يكن لها بعد دولي. بإستثناء واضح للحركة المُناهضة لحرب “فيتنام”. هذا يعني أنه يمكن الضغط من خلال الشارع وعبر صندوق الاقتراع دون خوف من أن يؤدي ذلك إلى تعريض أمن الأمة للخطر. و لكن لم تتلائم هذه الانقسامات في معظم القضايا مع الانتماء الحزبى. كما استندت بعض الانقسامات إلى المصلحة الذاتية الاقتصادية على عكس الوضع الذي ظهر بعد الحرب الباردة.
أداء الحكومة
طَرح الكاتب غموض التعميمات الإجمالية عن الأداء الحكومي وثقة المواطن في النظام السياسي ولكن لإبراز الاختلافات بين العقود الخمسة الماضية من القرن العشرين وما يحدث اليوم في السياسة الأمريكية. أشار إلى فترة الثقة المتنامية في السلطة ما بين 1950-2000 حيث كانت أعلى مما هي عليه الآن، حيث الثقة كبيرة في السياسيين والبيروقراطيين لإدارة القضايا الكبرى التي تتضمن قضايا الأمن القومي أيضاً.
و ما يُؤكد صحة تلك الثقة حقيقة تجنب الصراع مع الاتحاد السوفيتي، وينطبق نفس الشيء فيما يتعلق بالاقتصاد حيث كانت الإجراءات الحكومية ينظر إليها على أنها تعزز وتنظم النشاط الاقتصادي بطرق تنتج فوائد ملموسة لعشرات الملايين من الأسر ويبدو أن الثقة في الحكومة والنظام السياسي قد تم تبريرها حتى في الساحة الاجتماعية.
حُقبة جديدة للسياسة الخارجية الأمريكية
يختلف الوضع اليوم تمامًا عما كان عليه في الفترة من 1945 إلى 2000 لا تزال تقيد الأسلحة النووية خيارات القادة. كما شهد عام 2016 مُفارقة في الانتخابات الرئاسية الأمريكية. لقد أصبح العالم أكثر ازدهارًا بنهوض الصين و الهند والبرازيل و العديد من الدول الأخرى ، لكن رخاء الآخرين جاء على حساب الولايات المتحدة و الشركات الأمريكية و معظم المواطنين الأمريكيين- حسب الكاتب.
النظام الدولي
أشار الكاتب إلى تغير بنية النظام الدولى بوصفه أكثر ازدهارًا و تكاملاً وسلمية من أي وقت مضى. فرغم الاضطرابات في الشرق الأوسط ، فقد تغيرت الساحة الدولية بطرق أخرى منها شيخوخة ما بعد الحرب العالمية الثانية وفقدان فعالية المؤسسات والأنشطة خارج الأنظمة الدولية.
الاقتصاد والطبقة المتوسطة
ذهبت زيادة الأرباح إلى شريحة أصغر من السكان. بينما أصبح الأغنياء أكثر ثراءً في ظل ركود دخل الطبقة المتوسطة. وعلاوة على ذلك جاء قرار ترامب والجمهوريين في الكونغرس بتغيير قانون الضرائب في أواخر عام 2017 بطرق مَنحت الأثرياء فوائد أكبر.
وعليه، أرجع الكاتب أسباب التغييرات في الاقتصاد الأمريكي إلى أوجه القصور في برامج التعليم والتدريب التقني و منافسة الشركات العاملة في بلدان أخرى ، ولكن الشركات والحكومات المحلية والحكومة الفيدرالية كلها جزء من المشكلة ويجب أن تكون جزءًا من الحل. لكن من السهل إلقاء اللوم على المنافسين في البلدان الأخرى والاتفاقيات التجارية لتبرير الفشل.
المجتمع الأمريكي
أصبحت المشكلات الاقتصادية للأسر الفقيرة والطبقة المتوسطة سمة رئيسية للحملات الانتخابية داخل الولايات المتحدة الأمريكية فضلاً عن عدم المساواة فى الدخل. و لذا شكلت الدورة الانتخابية الأخيرة عام ٢٠١٦ حالةً من عدم اليقين حول حكمة وفعالية السياسات الخارجية والأمنية بالإضافة إلى عدم اليقين الاقتصادي و تدنى مستويات المعيشة لكثير من الناخبين وزيادة السخط لفشل الحكومة في تخفيف قائمة المشكلات الاجتماعية المتزايدة. ما أدى إلى فقدان الناخبين الثقة في كلا الحزبين داخل الكونغرس وكافة الأطياف الإيديولوجية.
الآثار المترتبة على آسيا
بعد سلسة من الاتجاهات والأحداث للسياسة الخارجية الأمريكية التي بدأت منذ عشرين عاماً. أصبح ما يحدث أمر مُحير بالنسبة للكثيرين في آسيا وأماكن أخرى عن كيف سيكون النظام العالمي مختلفًا عما كان عليه في أواخر القرن العشرين والسنوات الأولى من القرن الحادى والعشرين.
وجادل الكاتب حول جدوى وضرر التغييرات وقال أن الأمر سيعتمد على تصرفات وردود أفعال الدول بالإضافة إلى قرارات السياسين في الولايات المتحدة. وإذا كان يتوجب على الآسيويين الاستجابة بفعالية للتطورات في الولايات المتحدة ، فهم بحاجة إلى فهم دقيق لما يحدث؟ لماذا يحدث؟ وما الذي يحدد مُستقبل الولايات المتحدة متضمنة أولوياتها وسياساتها؟
نقاش مُكثف: علامة قوة وليس تراجع
يعتقد الكثير في آسيا أن الولايات المتحدة ليست في حالة تراجع، فلا يزال الاقتصاد الأمريكي الأقوى في العالم، وتمثل الشركات الأمريكية أكبر حصة من الإنتاج العالمي والأرباح، ولكن تحولت القوة إلى الصين في إطار الهيمنة الإقليمية الجديدة. وهناك وجهة نظر مُتأرجحة حول قوة صعود الصين ودول أخرى تثبت أن الولايات المتحدة في تراجع وهناك نظرات أخري تعبر عن القلق بشأن التنافس بين الصين والولايات المتحدة وأيضاً القلق بشأن إرادة الولايات المتحدة وقدرتها على الوفاء بالتزاماتها الأمنية بالإضافة إلى القلق من فشل الولايات المتحدة الأمريكية في التفوق علي الصين والتداعيات الاقتصادية لتلك الفرضية.
وتَساءل الكاتب حول تغير تفضيلات الناخبين وصناع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية. أما من خلال المُبادرات أو استجابات الدول الإقليمية؟
و تَكُمن الحقيقة الأساسية في بقاء الولايات المتحدة منخرطة بعمق في آسيا من أجل إعادة “توازن أوباما” ولكن بإنسحاب ترامب من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ ستكون المشاركة الأمريكية أو الإنخراط في الفضاء الأسيوي ليست كما كانت عليه منذ عدة عقود.
دوافع التوجه الأمريكي تجاه آسيا
تَدفع المصالح الأمريكية حكومة الولايات المتحدة إلى التعامل مع آسيا وتشمل الأهداف الرئيسية الحفاظ على السلام والازدهار، ليس من خلال مُمارسة الهيمنة من قِبل الولايات المتحدة أو أي دولة أخرى ولكن من خلال الإنضمام إلى نظام قائم على قواعد مقبولة.
ستواصل الولايات المتحدة علاقاتها مع بعض البلدان أكثر من غيرها ، لكن ليس على أساس تقسيم المنطقة إلى مجموعة من الحلفاء والخصوم، ويوجد تصور بشأن السياسة الأمريكية تجاه المنطقة بأنها مدفوعة بالتنافس مع الصين.
وتحدث الكاتب عن سعى معظم صانعى السياسة الخارجية إلى إدارة الاختلافات داخل بنية مُشتركة، وليس إعادة الانقسام السائد إبان الحرب الباردة، لكن مخاوف الناخبين الأميركيين بشأن إلقاء اللوم على الصين وغيرها من البلدان فيما يخص مشكلات السياسة الخارجية في إزدياد اليوم.
انتهت الحرب الباردة منذ خمسة وعشرين عامًا ولكن مازال إرثها في تشكيل المفاهيم والسياسات والأولويات للولايات المتحدة مثل توفير ضمانات أمنية من جانب واحد لبعض الحلفاء، ومنح مزيد من الدعم للوصول إلى السوق الأمريكي أكثر من بلدان أخرى.
وختاماً ، ما زال الجدل والنقاش يدور حول ماذا يريد الشعب الأمريكى أن يكون عليه عالم ما بعد الحرب الباردة؟ وما ينبغي أن يكون عليه دور الولايات المتحدة في النظام الجديد ؟ وكيفية الإصلاح؟ وماذا عن استبدال أو استكمال المؤسسات القائمة من أجل تلبية مُتطلبات القرن الحادي والعشرين؟ وكيفية العمل مع الدول الأخرى لتصميم وبناء أكثر عدالة و فعالية للنظام القائم على القواعد؟