وداعا شيراك صديق العرب
قضى الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك نحبه، وهو السياسيٌ الفرنسي الذي وُلد في 29 نوفمبر 1932 في مدينة باريس الفرنسية الخميس الماضي الموافق عن عُمر يُناهز 86 عاما.
شغل فيها العديد من المناصب السياسية الهامة والحيوية في تاريخ فرنسا.
قضى شيراك 12 عاما تقريبًا من حياته رئيسا لفرنسا حيث نجح في الانتخابات الرئاسية الفرنسية عام 1995 وبقي في منصبه حتى عام 2007. اتسمت مسيرة شيراك الرئاسية بزخم واضح من الأحداث، والتي كان من أبرزها موقفه تجاه حرب العراق، والتي كانت بمثابة نقطة تحول كبيرة في تاريخ العلاقات الفرنسية العربية.
في تأبين جاك شيراك وصفه زعيم اليسار المتطرف جان لوك ميلنشون بأنه أحب فرنسا أكثر ممن جاءوا بعده، بينما وصفت زعيمة التجمع الوطني اليميني المتطرف مارين لوبان موقفه من واشنطن تجاه الحرب على العراق بأنه قادر على معارضة الحرب والجنون في العراق. في حين وصفته المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والتي عاصرت شيراك في فترة حكمه من 2005 إلى 2007 بأنه شريك وصديق مُقرّب، فيما وصفه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنه رجل سياسي مُحنك وأشاد بذكائه وسعة درايته ودهاءه.
السياسة في حياة جاك شيراك
بدأ جاك شيراك مسيرته المهنية مبكرًا، حيث التحق بوظيفة مدنية في عام 1950 وفي نفس الوقت كان يُتابع دراسته لنيل درجة علمية من معهد باريس للعلوم السياسية عام 1953، لم يتوقف عند هذا الحد، بل أخذه الطموح للدراسة في جامعة هارفارد ومدرسة نورمال للإدارة وهو ما أهله فيما بعد بالالتحاق بعدد من المناصب السياسية، والتي يُعد أبرزها: وزير الزراعة ووزير التجارة الداخلية، وعمدة باريس، ورئيس وزراء فرنسا، ثم انتهاء برئيس الجمهورية الفرنسية.
ارتسم النجاح في طريق جاك شيراك منذ بدايات دخوله للحياة السياسية، حيث حصل عام 1962 على منصب مدير مكتب رئيس الوزراء الفرنسي جورج بومبيدو والذي أطلق عليه لقب الجرافة أو Le Bulldozer، لمهارته وسرعة بديهته التي تميز بها. ثم دعمه بومبيدو عام 1967 ليحصل على مقعد في الجمعية الوطنية ممثلًا للحزب الديجولي، ثم ارتقى ليصبح سكرتير لوزير الاقتصاد في الفترة من 1968 وحتى 1971، ومن ثم انطلق ليُعين كوزير مُفوض للعلاقات مع البرلمان الفرنسي لعامين، ثم انتُخب كوزير للزراعة والتنمية الريفية عام 1972، ثم وزير التجارة الداخلية عام 1974. تولى شيراك منصب رئيس الوزراء لحكومة جيسكار ديستان الذي تولى حكم فرنسا بعد وفاة بومبيدو، ثم استقال من منصبه عام 1976.
بعد استقالته قام بتغيير اسم الحزب الديجولي الديمقراطي ليُصبح حزب التجمع من أجل الجمهورية، مما أهله ليُصبح عُمدة باريس عام 1977 وعمل على توسيع علاقاته السياسية بشكر كبير، واستقر في منصبه هذا حتى عام 1995، حتى قرر خوض أولى تجاربه الانتخابية كمُرشح لرئاسة فرنسا عام 1981 مقابل المرشح فرانسوا ميتيران والذي انتهى بفوز منافسه، فيما عاد مرة أخرى للسباق الانتخابي عام 1988 ولم ينجح كذلك.
لم تفتر محاولات شيراك في خوض الانتخابات الرئاسية، حتى فاز بالانتخابات عام 1995 وهو يحظى شعبية كبيرة عمل عليها طوال الفترات التي سبقت حُكمه، وفي عام 2000 تمكن شيراك من الفرار من الكارثة الجوية في كونكورد والتي أودت بحياة 113 شخصًا في مطار شارل ديجول، بينما خاض الانتخابات مرة أخرى عام 2002 وفاز بجولته الانتخابية بنسبة ساحقة وصلت إلى 82 % من إجمالي الأصوات، وتميزت فترة ولايته الثانية بأعمال الشغب ومعارضته للحرب في العراق، في حين أنه خسر الجولة الانتخابية مقابل نيكولاي ساركوزي عام 2007.
لم تمر ولايته الثانية بهدوء، بل شابتها بعض الأحداث والاضطرابات منها محاولة اغتياله التي تلت مباشرة فوزه بالانتخابات عندما أطلق مُسلح يميني متطرف عليه النار مما أدى إلى غياب شيراك عن عرض اليوم الوطني الفرنسي في الباستيل.
علاقات شيراك بالدول العربية
كانت أبرز المواقف التي اتخذها جاك شيراك مع الدول العربية هو معارضته للولايات المتحدة بشأن غزو العراق عام 2003، حيث وصف التدخل العسكري بدون دعم مجلس الأمن هو تدخل غير قانوني. فيما كان شيراك من المقربين لرئيس الوزراء العراقي صدام حسين وزادت هذه العلاقة ترابطًا في موقف فرنسا الداعم لبغداد ضد طهران في الحرب العراقية الإيرانية التي قامت في الفترة من 1980 وحتى 1988.
على الرغم من مشاركة فرنسا في التحالف الدولي لتحرير الكويت من غزو العراق لها عام 1990، في حين وصف هذه الحرب بأنها ستؤدي إلى دمار في الشرق الأوسط، وفي وقت لاحق قام الرئيس الإيراني محمد خاتمي عام 1997 بأول زيارة من نوعها لرئيس إيراني إلى فرنسا منذ قيام الثورة الإسلامية، وهو ما أدى بإيران إلى اعتبار وفاته بأنها نهاية لقادة العالم الذين يتمتعون بالسلوكيات الرفيعة والعلاقات الدبلوماسية.
على الجانب الآخر وقف شيراك موقف الاعتراض للانتهاكات الإسرائيلية التي تقوم بها ضد الفلسطينيين، وأبدى تخوفه نت السياسة التي ينتهجها نتنياهو فيما طالب بضرورة التوصل إلى سلام ثنائي فلسطيني – إسرائيلي، ولم يلبث حتى نادى بضرورة تأسيس الدولة الفلسطينية.
في حين قدم جاك شيراك دعمه للبنان في القضايا الاقتصادية والأمنية التي طرأت عليها مع بداية الألفية الجديدة، وصنع من لبنان حليف استراتيجي في المنطقة، وعبر عن غضبه الشديد إزاء اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري الذي كان يعده صديق مُقرب عام 2005. لم يتوقف عند هذا فحسب، وإنما هاجم نظام الأسد في سوريا ووصف الرئيس السوري بشار الأسد بأنه طاغية ومغرور.
جمعت بين شيراك والملك المغربي الراحل الحسن الثاني علاقة صداقة كبيرة دامت ثلاثة عقود، ومثلها مع مؤسس الإمارات الشيخ زايد والعائلة السعودية الحاكمة، وخاصة الملكين الراحلين عبد الله بن عبد العزيز وفهد بن عبد العزيز، والعديد من الزعماء العرب وأبرزهم الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك، حيث أطلق من القاهرة عام 1996 السياسة العربية المتوسطة لفرنسا من خلال خطابه الذي ألقاه في القاهرة، وقدم كافة علاقاته بالشرق الأوسط في مذكراته “زمن الرؤساء”.