“سجون تركيا”….الاستثمار الأكبر لـ”أردوغان” للبقاء في السلطة
يمتلئ سجلّ نظام الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” فيما يتعلق بملف السجون بالتجاوزات الخطيرة , التى تُجرى فيها من تعذيب وتنكيل وعمليات قتل تطلق عليها السلطات التركية صفة الانتحار للهروب من المساءلة, فى الوقت الذى تسعى فيه تركيا للالتحاق بركب الاتحاد الأوروبى والانضمام إليه, كانت الفريضة الغائبة وراء رفض الاتحاد قبول تركيا هى ملف حقوق الإنسان والحريات ومعاملة المهاجرين, وبتوارد الحديث عن الملف الحقوقى فى تركيا جدير بالذكر تسليط الضوء على السجون فى تركيا, أوضاع المسجونين والمعتقلين الأتراك وغير الأتراك, زيادة أعداد السجون التركية ومستقبل الحريات فى تركيا, أعداد المسجونين والأسباب الكامنة والمعلنة لسجنهم, موقف الأمم المتحدة من توسّع تركيا فى تشييد وبناء السجون فى كافة أرجاء البلاد.
وهكذا باتت تركيا فى ظل رئاسة “أردوغان” خلال العامين الأخيرين، ثالث أكبر دولة فى أوروبا من حيث عدد السجناء مقارنة بالسكان، ونقل مركز “ستوكهولم للحريات” إحصائيات صادرة عن وزارة العدل التركية، قالت فيها إن 260,144 شخصاً مسجونون فى مختلف أنحاء البلاد, وذكر بيان وزارة الخارجية المصرية أمس ونقله موقع “سى إن إن العربى” أن (هناك ما يزيد عن 75 ألف مُعتقلاً سياسياً فى سجون تركيا بين مدنيين وعسكريين، وهو ما يُبرر التوسع الكبير الذى يقوم به النظام الحاكم فى تركيا فى إنشاء عشرات السجون الجديدة مؤخراً, وقوع عشرات حالات وفاة بين المسجونين نتيجة ظروف مشبوهة أو تحت التعذيب أو بسبب المرض جراء الأوضاع السيئة داخل السجون التركية.فصل أكثر من 130 ألف موظفاً تعسفياً من وظائفهم الحكومية, مُصادرة أكثر من 3000 جامعة ومدرسة ومؤسسة تعليمية مع فصل آلاف الأكاديميين, حبس وسجن المئات من الصحفيين والعاملين بالمجال الإعلامى، حيث أصبحت تركيا أكثر دول العالم سجناً للصحفيين والإعلاميين وفقاً للعديد من التقارير الدولية, فرار عشرات الآلاف من المواطنين الأتراك إلى الخارج نتيجة الحملات القمعية فى البلاد.
إحصاءات وتقارير حول أعداد السجون فى تركيا
أفادت مصلحة ورش السجون التى يعمل بها السجناء وتتبع وزارة العدل فى بيانٍ لها صادر لعام 2019 م، أنه تم البدء فى تشييد 43 سجناً جديداً بتكلفة إجمالية 4 مليارات ليرة فى الوقت الذى تواصل فيه وزارة العدل تشييد 48 سجناً جديداً بتكلفة 9 مليارات ليرة, ونشرت صحيفة ” سوز ” المعارضة تفاصيل خبر نشره موقعها الإلكترونى أن السلطات التركية تقوم بإنشاء (91) سجناً جديداً خلال عامين بتكلفة 13 مليار ليرة, وأوضحت الصحيفة أنه “مع تزايد عدد السجناء فى تركيا بشكل يومى باتت عمليات إنشاء السجون تشكل قاطرة قطاع الإنشاء فى البلاد”، ولفتت إلى أن السلطات التركية افتتحت خلال الفترة الممتدة بين عامى 2006-2019 م (166) سجناً جديداً, وكشفت الصحيفة أن مصلحة ورش السجون التى تقوم بتوظيف السجناء تعمل على إقامة 43 سجناً حالياً فى مدن تركية مختلفة، ومن المنتظر أن يتم الانتهاء من هذه السجون بحلول عام 2021 م، على أن تصل تكلفتها إلى 4 مليارات و59 مليون ليرة , وتشير إدارة مصلحة السجون إلى وصول عدد السجون إلى (396) ابتداء من مارس عام 2019 م، من بينها 75 سجناً مكشوفاً و313 سجناً مغطى و9 سجون نسائية مغطاة و8 سجون نسائية مكشوفة و7 سجون مغطاة للأطفال و5 إصلاحيات للأطفال, وتبلغ الطاقة الاستيعابية لهذه السجون ما يقرب من 220 ألف مسجون، وفى يناير 2019 م كشف مركز ” ستوكهولم للحريات ” إحصائيات صادمة بشأن عدد الأشخاص القابعين فى السجون التركية، كما سلط الضوء على المعاناة التى يعيشونها خلف القضبان, وأوضح المركز نقلاً عن إحصائيات أصدرتها وزارة العدل التركية ، أن 260,144 شخصاً مسجونون فى مختلف أنحاء البلاد، مشيراً إلى أن السجون التركية البالغ عددها (385) تشهد اكتظاظاً كبيراً.
أوضاع المسجونين داخل السجون التركية
تقدمت مؤسسة حقوقية عربية ببلاغ للأمم المتحدة خلال الشهور الماضية حول وفاة المواطن الفلسطينى “زكى مبارك “ داخل السجون التركية نتيجة التعذيب أثناء التحقيق معه, وصرّح شقيق القتيل الفلسطينى أنه سوف يُقاضى أردوغان دولياً, وأعلنت مؤسسة “ماعت” للسلام والتنمية وحقوق الإنسان، التى تتخذ من القاهرة مقراً لها، أنها تقدمت ببلاغ إلى المقررة الخاصة المعنية بالإعدام خارج إطار القانون “أجنيس كالامارد ” والمقرر الخاص المعنى بمسألة التعذيب بالأمم المتحدة ” نيلس ميلزر” حول وفاة الفلسطينى زكى مبارك داخل السجون التركية نتيجة التعذيب أثناء التحقيق معه, وقُتل المحتجز الفلسطينى فى 28 أبريل 2019 م فى سجون المخابرات التركية فى ظروف غامضة وسط ادعاءات السلطات بانتحاره، بينما اتهمت أسرته نظام أردوغان بتصفيته بعد فشلها فى انتزاع اعترافات بجريمة تجسس لم يرتكبها,
وحذر ناشطون ومنظمات مدنية من الأوضاع الصحية المتدهورة للسجناء فى بعض السجون التركية المكتظة بالنزلاء ، إذ لقى منذ صيف 2016 م عدد كبير من السجناء مصرعهم فى ” ظروف غامضة ” ، بعد تعرضهم لسوء المعاملة أو من جراء عمليات تعذيب وحشية ارتكبت فى حقهم , وسلط ” مركز ستوكهولم للحريات ” فى إحدى تقاريره الذى حمل عنوان ” حالات وفاة مريبة وانتحار فى تركيا “، الضوء على تنامى أعداد الوفيات الغامضة فى السجون ومراكز الاحتجاز التركية بسبب التعذيب , ونشر المركز أن 120 حالة وفاة وانتحار مشبوهة على الأقل سجلت بين المعتقلين فى تركيا خلال العامين الأخيرين , وصنفت الجهات المعنية تلك الحالات على أنها ” انتحار” ، دون أن تتكلف عناء إجراء تحقيقات مستقلة فى تلك الحالات .
ولم تقتصر حالات الوفاة المشبوهة بالموت داخل السجون، وإنما ضمت أيضا حالات سجلت خارج أسوارها بسبب الضغوط النفسية والتهديدات التى مورست بحق المعارضين قبل اعتقالهم أو عقب الإفراج عنهم, وفى واحدة من أحدث حالات الوفاة التى سجلت داخل السجون التركية، فارق المدرس المفصول عن عمله “مظفر أوزينجز” الحياة بأحد معتقلات مقاطعة “تشوريم” بعد إصابته بأزمة قلبية، علما أنه أمضى آخر 14 شهراً من فترة سجنه فى حبس انفرادى, وإلى جانب أوزينجز سجلت حالات وفاة كثيرة ” مشبوهة ” مثل الأكاديمى التركى المتقاعد ” ىصبرى كولاك” الذى حكم عليه بالسجن 7 سنوات ونصف بسبب صلات مزعومة بحركة رجل الدين المقيم فى الولايات المتحدة “فتح الله غولن” الذى تتهمه أنقرة بتدبير محاولة الانقلاب، حيث توفى بسجن مشدد الحراسة فى إقليم فان بسبب أزمة قلبية .
وحذرت النائبة عن حزب الشعوب الديمقراطى ” عائشة باشاران “ من أنه إذا استمرت الحكومة التركية فى ممارساتها الحالية، فإن 1154 سجيناً مريضاً بما فى ذلك أكثر من 402 سجيناً فى حالة خطرة قد يتعرضون للموت .
ولا تقتصر الممارسات الجائرة واللاإنسانية التى ترتكبها السلطات التركية بحق النزلاء على الكبار فقط ، حيث أعلنت جمعية “حقوق الإنسان التركية” فى تقريرها لعام 2019 م, أن السجون التركية تضم 743 طفلاً بجانب أمهاتهم، فيما اعتبر تقرير المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة أن وجود معتقلات قبل الوضع بفترة قصيرة أو بعده مثير للقلق, وفى نوفمبر الماضى تسلمت ” زليخة محمد عقيل ” المعتقلة فى السجون التركية ، طفلتها ” دجلة ” البالغة من العمر عامين لتكمل حياتها داخل السجن، بعد أن فارقتها عدة أشهر حيث لم ينجح جدها فى توفير مكان لها بجانب سجن أمها, وبحسب صحيفة ” زمان ” ، اعتقلت زليخة محمد عقيل وزوجها محمد عقيل كاراداش فى نوفمبر2017 م بتهمة عمل دعاية ودعم لتنظيم حزب العمال الكردستانى والانتماء له ، ودخلت الأم مع طفلتها إلى السجن بينما لم تتجاوز عامها الأول .
كشفت المحامية والناشطة البارزة فى حقوق الإنسان ” إيرين كيسكين ” عن زيارة قامت بها لأحد السجون رفقة محامين آخرين، حيث أتيحت لهم الفرصة للتحدث مع السجناء ومعرفة أوضاعهم المعيشية في محبسهم، حسبما أفاد مركز ستوكهولم للحريات, وقالت كيسكين : “التقينا سيدة مسجونة تحاكم بتهمة الانتماء لحركة فتح الله غولن” ، الداعية التركى المقيم فى الولايات المتحدة الذى تتهمه أنقرة بتدبير محاولة الانقلاب فى صيف عام 2016 م, وأضافت أن السيدة تعرضت للتفتيش الذاتى أثناء الحمل بالإضافة إلى التعذيب عبر ” الجلوس المعلق”، وهو أحد أساليب الضغط البدنى والنفسى المتبع فى السجون التركية ضد المعتقلين.
وقالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” فى تقرير صدر فى 2019م، إن مزاعم التعذيب وسوء المعاملة والمعاملة القاسية اللا إنسانية أو المهينة فى أماكن الاحتجاز والسجون، تزايدت بشكل ملحوظ فى غياب أى تحقيق ذى معنى , حيث تم سجن عشرات الآلاف فى تركيا من بينهم 10 آلاف سيدة على الأقل من جميع أنحاء البلاد، في أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة, وكشفت شبكة ” إن بى سى نيوز“ الأمريكية أن حملة تطهير ضد آلاف المنشقين والمعارضين ملأت سجون تركيا، وأن الرئيس رجب طيب أردوغان يخطط لبناء المزيد من السجون, وبيّنت الشبكة أن تركيا التى تعدّ حليفًا رئيسًا لحلف الشمال الأطلسى اعتقلت عشرات الآلاف من المعلمين والمحامين والطلاب والقضاة وغيرهم من المسؤولين وسط حملة لقمع المعارضة تشنها حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان منذ الانقلاب الفاشل فى 2016 م .
ملف المعتقلين السياسيين ومسجونى الرأى والعسكريين
أعدت جمعية ” العدالة للضحايا ” تقريراً أوضحت فيه معلومات حول العسكريين الذين تعرّضوا للاعتداء فى السجون , وقد كشف ” سليمان صويلو “ وزير الداخلية التركى عن توقيف 511 ألف شخص، فى إطار العمليات التى ستهدفت جماعة غولن وحزب العمال الكردستانى منذ المحاولة الانقلابية المزعومة, وأعلنت الداخلية التركية أن عدد المعتقلين فى عام 2018 م بلغ 750 ألفاً و239 شخصاً، بينهم أكثر من 52 ألفاً فقط بشبهة الانتماء إلى “غولن”, فى حين أنه أدين خلال الفترة الماضية ما يقرب من 44,930 شخصاً بعقوبات بالسجن بموجب قوانين مكافحة الإرهاب، من بينهم 31,442 سجيناً سياسياً متهمين بالانتماء إلى جماعة رجل الدين فتح الله غولن ، الذى تتهمه أنقرة بتدبير المحاولة الانقلابية عام 2016 م , وتم القبض على نائبة تركية ووضعها فى سجون أردوغان فقط لأنها غنّت بالكردية فعاقبوها .
فيما قضت محكمة تركية بحبس صحفى لمدة تقترب من عام بتهمة ” إهانة الرئيس” رجب طيب أردوغان، بعد أسابيع من تعرضه لضرب مبرح من قبل مجهولين بمضارب ” بيسبول ” ، حسبما ذكرت ” سكاى نيوز عربية ” نقلاً عن صحف محلية ، وذكرت صحيفة ” أحوال “ أن حكماً بالسجن لمدة 11 شهرا و20 يوماً صدر بحق الصحفى ” يافوز سليم ديميراج ” وهو كاتب عمود فى صحيفة ” ينيزاك “ الوطنية التركية، لإهانته الرئيس التركى, وذكرت سكاى نيوز أن الصحفى التركى كان الضحية الثالثة لموجة من الاعتداءات التى استهدفت 4 صحفيين فى مايو الماضى، علما أنه كان من معتادى انتقاد سياسات أردوغان .
وأصدرت جمعية الصحفيين الأتراك بيانًا عقب الحادث تطالب فيه بمحاكمة الجناة، وأشارت إلى المناخ القمعى الذى نشره أردوغان، ورغم إلقاء القبض على الستة المشتبه فى تورطهم بالواقعة، ونقلهم إلى السجن بتهمة الاعتداء على ديميراج، وبدوره أكد مركز “جيتستون” الأمريكى للأبحاث تصعيد نظام الرئيس التركى “أردوغان” ضد الصحفيين الأتراك، ووقوف الحكومة وراء أعمال عنف استهدفت الصحفيين مؤخراً, وقالت وكالة ” فرات الكردية “ أن تركيا تمثل أكبر سجن للصحفيين فى العالم خلال السنوات الماضية، وفقًا لجمعيات الدفاع عن حماية الصحفيين, وقد تم التحقيق مع عشرات الآلاف بتهمة إهانة الرئيس، وتم سجن مالكى وكبار محررى الصحف المعارضة البارزة أو محاكمتهم .