دول المشرق العربي

المصالح الاستراتيجية المشتركة.. عنوان القمة المصرية العراقية الأردنية

قمة ثلاثية جمعت الرئيس عبد الفتاح السيسي والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، والرئيس العراقي برهم صالح في نيويورك مساء أمس، استمرارًا للتعاون الثري بين البلدان الثلاثة في مختلف القضايا، السياسية منها أو الاقتصادية، وفق المسار الذي دشّنته القمة الثلاثية في شهر مارس الماضي.

ركّزت قمة الزعماء الثلاثة حسب البيان الختامي لها، على استعراض مسارات التعاون المشترك، وقضايا مكافحة الإرهاب والقضايا الإقليمية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، قضية العرب المركزية، مؤكدين أهمية حصول الشعب الفلسطيني على كافة حقوقه المشروعة، وأن حل الصراع هو السبيل الوحيد لتحقيق السلام الشامل والدائم في المنطقة، مدينين ضم أجزاء من الأراضي المحتلة، والتوسع الاستيطاني الإسرائيلي. كما أكدوا أهمية الحل السياسي الشامل لأزمات المنطقة، وخاصة الأزمات في سوريا وليبيا واليمن، معبّرين عن تضامنهم مع السعودية في مواجهة الاعتداءات التي تعرضت لها منشآتها النفطية.

مسار التعاون بين الأشقاء

مثّلت القمة الثلاثية التي عُقدت في القاهرة في مارس الماضي نقطة انطلاق جديدة لمسار العلاقات بين القاهرة وبغداد وعمّان، لتعزيز المصالح الاستراتيجية المشتركة، بدأ التحضير لها قبل أشهر، وخاصة في اجتماع وزراء خارجية الدول الثلاث في يناير الماضي ببيروت على هامش اجتماع القمة التنموية العربية.

تعاون يتوجه تنسيق المواقف في القضايا ذات الاهتمام المشترك، وتعزيز التكامل والتعاون الاقتصادي بين البلدان الثلاثة، عبر تعزيز وتطوير المناطق الصناعية المشتركة، والتعاون في قطاعات الطاقة والبنية التحتية وزيادة التبادل التجاري وتعزيز الاستثمارات المشتركة. مع تشكيل فريق عمل لمتابعة ذلك.

وقد ناقش وزراء خارجية مصر والعراق والأردن، في لقاء ثلاثي عقد ببغداد في أغسطس الماضي، عددًا من القضايا والملفات السياسية والاقتصادية، في مقدمتها ملف مكافحة الإرهاب، ودعم العراق في مرحلة ما بعد “داعش”.

وللوصول إلى التكامل الاقتصادي عقد وزراء التجارة والصناعة في الدول الثلاث اجتماعًا في مايو 2019، اتفقوا خلاله على وضع خطط وآليات جديدة لتنشيط التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري المشترك، وبمشاركة من القطاع الخاص المصري والعراقي والأردني.

مصر ومحددات الأمن القومي العربي

يأتي تحرك مصر في هذا المسار انطلاقًا من حرصها كركيزة الاستقرار في المنطقة العربية، على الحفاظ على الأمن القومي العربي، وتعزيز التنسيق المشترك في المواقف مع بغداد وعمّان، مما يسهم في صياغة رؤية عربية واحدة تجاه أزمات المنطقة، والمتغيرات التي تشهدها الساحة الإقليمية.

وفي مقدمة هذه الأزمات، القضية الفلسطينية، وما يتعلق بالخطة الأمريكية للسلام (صفقة القرن)، التي تتطلب موقفًا عربيًا موحدًا يحافظ على ثوابت الأمة العربية في هذه القضية وأهمها إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وهي الثوابت التي تحاول إسرائيل زعزعتها في الوقت الراهن عبر الإعلان عن ضم بعض الأراضي المحتلة، والتوسع الاستيطاني المفرط، ومحاولة تغيير الهوية الدينية والديموجرافية للقدس.

بالإضافة إلى الأزمة الأمريكية-الإيرانية وتجلياتها على أمن الخليج العربي، وخاصة بعد الهجمات الأخيرة على المنشآت النفطية السعودية، وما تمثله من تعدٍ على الأمن القومي العربي وتهديد لأمن المنطقة والعالم.

كما تريد مصر فتح آفاق جديدة للتعاون مع العراق والأردن، ولا سيّما في مجالات النفط والغاز، ضمن استراتيجية مصر لتكون مركزًا إقليميًا لتجارة وتداول الغاز والبترول، والتي وُقع في شأنها اتفاق مع عمّان وبغداد على إنشاء خط بترول يبدأ من البصرة جنوب العراق مرورًا بمدينة الزرقاء الأردنية ثم إلى مدينة العقبة، يتم عن طريقه نقل النفط الخام إلى مصر للتكرير أو التصدير. بجانب مجالات البنى التحتية، وخاصة دعم عملية إعادة الإعمار في العراق بالتعاون مع شركات المقاولات المصرية.

العراق يعود إلى محيطه العربي

كان وما يزال العراق قوة عربية وإقليمية كبرى، لها ثقلها في رسم سياسات المنطقة، ودورها الفعّال على الصعيدين العربي والإسلامي، ولكنّ ما ألمّ ببغداد في الآونة الأخيرة صاحبه تراجع في هذا الدور، إلا أن العراق بدأ يستعيد عافيته، ودوره وثقله في الساحات الإقليمية، بعد أن استطاع هزيمة تنظيم داعش الإرهابي، وتكوّنت لديه ملامح لسياسة داخلية مستقرة، ساهمت في عودته إلى محيطه العربي.

ودللت على ذلك تصريحات رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي الكثيرة حول اتباع العراق سياسة متوازنة مع الجميع، وهو ما ظهر جليًّا في محاولة العراق لعب دور الوسيط في الأزمة الأمريكية – الإيرانية، إلى جانب إعادة العلاقات الدافئة مع دول الخليج العربي، مثل السعودية، وما تم من زيارات متبادلة بين الجانبين، منها زيارة وفد اقتصادي سعودي رفيع يضم سبعة وزراء، والعشرات من ممثلي الوزارات والشركات الخاصة في مطلع إبريل 2019 إلى العراق، وما أتبع ذلك من إعادة افتتاح القنصلية السعودية في بغداد في الشهر ذاته.

بالإضافة إلى رغبة العراق في تعزيز التعاون مع كلًّا من الأردن ومصر، تجلّت في توقيع بغداد وعمّان اتفاقية للتجارة الحرة في مطلع العام الجاري، وحرص العراق على الاستفادة من الخبرات المصرية في مجالات البنى التحتية لإعادة إعمار البلاد بعد القضاء على تنظيم داعش.

تعميق المصالح الاقتصادية لعمّان

لم تختلف الثوابت الأردنية عن الثوابت المصرية والعراقية كثيرًا على المستويات السياسية والاقتصادية حيال قضايا المنطقة، وانطلاقًا من علاقة الجوار التي تربط الأردن بمصر والعراق، فتشهد العلاقات المصرية الأردنية تطورًا كبيرًا مع القيادة السياسية الحالية للبلدين، وتنسيقًا سياسيًا إزاء مختلف القضايا الإقليمية، وتعميق العلاقات الاقتصادية بين البلدين.

كما شهدت العلاقات الأردنية العراقية تطورًا ملحوظًا خلال العام الجاري، إذ زار العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني العراق في مطلع العام بعد عشر سنوات من آخر زيارة له، وقبلها زيارة رئيس الوزراء الأردني عمر الرزاز إلى العراق في ديسمبر 2018، والتي نتج عنها توقيع 15 اتفاقية لتعزيز العلاقات الاقتصادية، بالإضافة إلى بدء عمل البلدين بآلية النقل (Door To Door) بين البلدين والتي تقضي بدخول شاحنات النفط الأردنية إلى داخل العراق والعكس، كبديل عن الآلية السابقة التي تم فرضها نتيجة الأوضاع الأمنية في العراق في السنوات الماضية.

محمد عبد الرازق

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى