فرص اقتصادية وسياسية في المشاركة المصرية بالجمعية العامة للأمم المتحدة
تمثل اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ 74، فرصة أمام القيادة المصرية في دعم السياسة المصرية الخارجية ودورها الريادي في المنطقة، وعرض التجربة المصرية للاستفادة منها في المجالات المختلفة، وتوضيح الصورة المصرية أمام العالم، وظهر ذلك جلياً في اللقاءات التي عقدها الرئيس عبد الفتاح السيسي على هامش أعمال الدورة، وهي المرة السادسة له منذ توليه رئاسة الدولة المصرية، والتي تتزامن مع رئاسة مصر للاتحاد الإفريقي، مما يجعل كل لقاء يعطي دلالات واضحة لدورها في تحقيق رؤية مصر وعرض مواقفها المعلنة تجاه مجمل تطورات الأوضاع الإقليمية والدولية المطروحة علي الساحة السياسية العالمية خاصة في مجالات صون السلم والأمن العالميين، ومكافحة الإرهاب الدولي والفكر المتطرف وفي المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتنموية، وكذلك قضايا القارة الافريقية والعمل على نقل التجربة المصرية في تلك المجالات خلال الأعوام الاخيرة وما تحقق من إنجازات علي المستوي الوطني.
ويمكن تصنيف اللقاءات على أساس هدفين رئيسين متمثلين في دعم الإصلاح الاقتصادي وخلق فرص استثمارية، وتحقيق التكامل الإفريقي وعلى الصعيد السياسي دعم الدور الريادي لمصر في المنطقة وإفريقيا .
الموقف المصري والعربي الواضح تجاه القضية الفلسطينية:
جاء لقاء الرئيس السيسي والرئيس الفلسطيني محمود عباس، للتأكيد على الموقف المصري الواضح حول القضية الفلسطينية، والرد على المششككين في الموقف المصري، وإسكات الأبواق الإعلامية التي تندد بالموقف المصري فيما يسمى إعلامياً بصفقة القرن، وذلك من خلال التأكيد المستمر على أولوية القضية الفلسطينية لدى الدولة المصرية وبذل مصر جهودها لاستعادة الشعب الفلسطيني لحقوقه المشروعة وإقامة دولته المستقلة والتي يتم التأكيد عليها في كافة المشاركات المصرية داخل أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في المشاركات الخمس السابقة، وبدوره ثمن الرئيس محمود عباس المساعي المصرية لتحقيق المصالحة بين الفصائل الفلسطينية من أجل توحيد الصف الفلسطيني، وجمع الفرقاء لخلق موقف موحد.
وهو ما تم تأكيده أيضاً خلال أعمال القمة الثلاثية التي جمعت بين مصر والأردن والعراق، حيث التقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وملك الأردن عبد الله الثاني بن الحسين والرئيس العراقي برهم صالح، وأكدوا خلال اللقاء دعمهم للحل السياسي الشامل للقضية الفلسطينية، القائم على إقامة دولة مستقلة وعاصمتها القدس الشريف وفق قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية لتحقيق متطلبات الشعب الفلسطيني، والعمل على حل الصراع لتحقيق السلام الشامل والدائم في المنطقة، ونادوا المجتمع الدولي بالتحرك لوقف توسعات المستوطنات غير الشرعية والخطوات اﻷحادية التي تعمل على تغيير الوضع التاريخي والقانوني، وإدانة ضم أي أجزاء من ااﻷراضي الفلسطينية المحتلة، باعتبار ذلك شرطا ضروريا لاستعادة الاستقرار في المنطقة.
وجاءت القمة في إطار العلاقات الجيوسياسية بين دولتي العراق والأردن وقربهما من دول النزاع في المنطقة وما تتعرض له من تهديدات باعتبار الدول العربية كتلة واحدة تؤثر وتتأثر بالأحداث في المنطقة، فإلى جانب القضية الفلسطينية تناولت القمة الثلاثية لاستعراض مسار التعاون الثلاثي بين مصر والأردن والعراق، والذي دشنته القمة الثلاثية في 24 مارس 2019، ونتائج الاجتماعات القطاعية التي عقدت على مدار الأشهر الستة الماضية، وتناول اللقاء سبل مكافحة الإرهاب والعمل على القضاء على الدعم السياسي والإعلامي والمالي لهم، ومناقشة الأزمات التى تمر بها المنطقة وخاصة في اليمن وسوريا، ودعم أمن المملكة السعودية وتأمين حركة الملاحة في الخليج، ومواجهة التدخلات الخارجية التي تستهدف زعزعة الأمن القومي العربي، والاتفاق على الاجتماع بشكل دوري ودعم التعاون السياسي والاقتصادي والتجاري والاستثماري والثقافي بين الدول الثلاث، وبناء شراكات فعالة بين الحكومات والقطاع الخاص في الدول الثلاث لذلك الغرض.
“الاكتفاء الذاتي وسد الفجوة الغذائية” كأحد محددات التنمية:
جاء لقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي مع شو دونيو مدير عام منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة “فاو”، للتأكيد عل الأهمية التي توليها لمصر للارتقاء بالقطاع الزراعي كأحد المقومات الرئيسية لتحقيق النمو الاقتصادي، وذلك ضمن المنظومة المتكاملة لتحقيق التنمية المستدامة وفق استراتيجية مصر 2030، والمتمثلة في المشروعات القومية الكبرى التي تقوم بها مصر حالياً في مجالات الإنتاج الحيواني والاستزراع السمكي واستصلاح مليون ونصف مليون فدان، ومشروع الصوب الزراعية، والمشروعات المتنوعة للاستثمار الزراعي والريفي، والتي تهدف إلى نحقيق أعلى معدلات من الاكتفاء الذاتي للمحاصيل الاستراتيجية، وسد فجوة الغذاء، وخلق فرص عمل جديدة للشباب، ويهدف اللقاء للحصول على دعم منظمة الفاو في استقدام التكنولوجيا الزراعية الحديثة والعمل على تحسين ورفع الإنتاجية، والاستخدام الأمثل للأراضي الزراعية، وإصلاح نظم الري لترشيد استخدام المياه، ولم يقتصر اللقاء على دعم الجهود المصرية داخل مصر فقط، بل امتد لدعم أوضاع الأمن الغذائي في القارة الإفريقية لتحقيق التكامل والإندماج الإفريقي والذي يتفق وأجندة مصر كرئيس الاتحاد الإفريقي لتحقيق الأجندة الإفريقية 2063.
وهو ما ظهر جلياً في لقاء الرئيس السيسي والرئيس جوليوس مادا بيو، رئيس جمهورية سيراليون، وهو لقاء يمكن وصفه بتحقيق الهدفين السياسي المتمثل في دور مصر بإفريقيا، والاقتصادي في إطار تحقيق المصالح المشتركة ونقل الخبرات المصرية من خلال استقبال مصر للكوادر السيراليونية للمشاركة فى برامج بناء القدرات التي تشرف على تنفيذها الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية فى المجالات المختلفة، تطوير مجالات التعاون في مجالات التبادل التجاري والاستثمارات المصرية المباشرة والدعم الفني والأمني والعسكري.
فعلى الصعيد السياسي تمثل منطقة وسط وغرب أفريقيا أهمية خاصة لمصر باعتبارها امتداداً للعمق الاستراتيجي المصري جنوباً وغرباً، لا سيما في شقه الأمني، وذلك في ضوء ما تشهده منطقة دول الساحل والصحراء من تدهور للأوضاع الأمنية جراء نشاط التنظيمات الإرهابية (أفريقيا الوسطى، تشاد، نيجيريا، النيجر، الكاميرون) أو الحركات الانفصالية (مالي) أو محاولات الانقلاب كما يحدث في بوركينا فاسو، وهو ما يظهر الحاجة لعرض وجهات النظر والتشاور والتنسيق والعمل على خلق رؤية موحدة بين الدولة المصرية ودول هذه المنطقة، وتقوم مصر بالتركيز على مشروعات التنمية باعتبارها قاطرة النمو الاقتصادي والاجتماعي، مما يساعد على القضاء على المشكلات الأمنية التي تواجه المنطقة إلى جانب دعم العوامل الثقافية والاجتماعية في إطار استراتيجية المكافحة الشاملة التي تنتهجها الدولة المصرية، وعملت على دعمها خلال عضويتها بمجلس الأمن بالأمم المتحدة عام 2017، وتستمر مصر في دعم الموقف الأمني والخارجي للدول الإفريقية حيث شهد اللقاء مناقشات حول توسيع مجلس الأمن بالأمم المتحدة، في ظل دور الرئيس السيراليوني كمنسق للجنة العشرة الأفريقية المعنية بإصلاح وتوسيع مجلس الأمن، وإعادة تأكيد الموقف الأفريقي الموحد.
أما على الصعيد الاقتصادي، فيمثل التعاون مع دولة سيراليون من خلال زيادة الاستثمارات المصرية خاصة في مجالي الزراعة والاستزراع السمكي الذي يمثل أهمية قصوى لسد الفجوة الغذائية في مصر، خاصة أن 65% من مساحة دولة سيراليون تعتمد على الزراعة كما أشار موري فوفانا سفير سيراليون لدى مصر في يناير الماضي، وسعي بلاده لإيجاد آلية لزراعة الأرز لتحقيق الأمن الغذائي لسيراليون، مما يمثل فرصة أمام الدولة المصرية لزراعة المحاصيل الاستراتيجية المصرية داخل الأراضي السيراليونية، لتحقيق الأمن المائي والغذائي للبلدين، هذا إلى جانب الفرص الاستثمارية في مجالي الصيد والثروة السمكية، حيث تتمتع البلاد بشاطئ طوله 400 كيلومتر على المحيط الاطلسي، وتعتبر من أهم الدول في المنطقة في مجال تصدير الأسماك، وتحظى بوجود 7 أنهار على أراضيها، وتسمح الحكومة بالصيد من البحار والأنهار، وهو ما تقوم بالفعل مصر به هناك من خلال استثمار شركة مصرية في هذا المجال منذ 10 سنوات، كما قامت مصر بتوقيع مذكرتى تفاهم فى سبتمبر 2002 فى مجالى الزراعة والثروة السمكية، هذا إلى جانب الاتفاقات في مجالات الصحة ومكافحة الفساد وذلك في إطار دعم مصر لدولة سيراليون.
المواطن المصري والاصلاح الاقتصادي:
تساهم العلاقات الاقتصادية والتجارية في دعم العلاقات الدبلوماسية بين الدول، وتوسيع أطر التعاون بين الدول في كافة المجالات، وهو ما يوضح فلسفة مشاركة الرئيس عبد الفتاح السيسي في مأدبة العشاء التي أقامتها غرفة التجارة الأمريكية، بحضور كلٍ من النائب الأول لرئيس الغرفة التجارية الأمريكية ورئيس مجلس الأعمال الأمريكي المصري، وعدد كبير رؤساء وقيادات كبري الشركات الأمريكية، وذلك في إطار العمل على زيادة الاستثمار الخارجي، ودعم العلاقات الاقتصادية والتجارية بين مصر والولايات المتحدة ودعم الشراكة مع قطاع الأعمال الخاص والعام في مصر والولايات المتحدة، وتأكيد الرئيس السيسي على الدور الذي تقوم به غرفة التجارة الأمريكية ومجلس الأعمال الأمريكي المصري في دعم العلاقات الاقتصادية والتجارية بين مصر والولايات المتحدة.
ويأتي اللقاء لتعزيز الحوار والتعرف على المشكلات التي تواجه المستثمرين والعمل على حلها في إطار خطة مصر التنموية لجذب مزيد من الفرص الاستثمارية، وذلك من أجل تحسين مستوى معيشة الأفراد داخل المجتمع وجودة حياة المواطن المصري الذي ساهم في إنجاح خطة الاصلاح الاقتصادي كما صرح الرئيس السيسي، وهو ما اشار غليه في كافة لقاءاته، وبدورهم أشاد رؤساء وقيادات كبرى الشركات الأمريكية خلال اللقاء بنتائج برنامج الاصلاح الاقتصادي، والمشروعات التنموية وما خلقته من تحقيق الاستقرار والدور المصري في تحقيق الاستقرار في المنطقة؛ مما سيسهم في جذب مزيد الاستثمارات الخارجية إلى مصر.
وجاء اللقاء ليوضح ثقة المستثمر الأمريكي في البيئة الاستثمارية في مصر؛ مما يعطي صورة إيجابية للبيئة الإصلاحية في مصر والخطة التنموية التي تنتهجها الدولة المصرية على كافة الأصعدة لتحقيق التنمية الشاملة التي تقوم على البعد الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لتحقيق متطلبات واحتياجات الشعب المصري المختلفة.
مما سبق يتضح لنا إعطاء مصر القضية الفلسطينية أهمية خاصة على أجندتها خلال لقاء أعمال الدور الـ74 للأمم المتحدة، والتي ظهرت مسبقاً في المحافل الخمس للأمم المتحدة السابقة ولكنها تولت أهمية خاصة خلال اعمال هذه الدورة من خلال اللقاءات المنعقدة على هامش جدول الأعمال، كما أوضحت اللقاءات الرئاسية أن خطة الدولة المصرية تقوم على وضع الشعب المصري على رأس أولوية الخطة المصرية في إصلاحاتها الاقتصادية والتنموية، باعتباره العنصر الاساسي للتنمية فظهرت في استمرار الرئيس السيسي في عقد اللقاءات التي تدعم اطر خطة التنمية التي تنتهجها الدولة المصرية، والغشادة بدوره في الاصلاحات الاقتصادية، ولم تنس مصر دورها الإقليمي والإفريقي الذي يقوم على مبدأ تحقيق احتياجات الشعوب والمتمثلة في التأكيد على حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه وتحقيق استقرار الشعوب العربية في سوريا واليمن وتحقيق أمن الخليج، وتحقيق التكامل القاري من خلال العمل على تحقيق الأمن الغذائي في دول القارة الإفريقية وسد الفجوة الغذائية في مصر لتلبية احتياجات الشعب من خلال المشروعات التنموية المصرية، والمشروعات المشتركة مع الدول الإفريقية والتي ظهرت في لقاء منظمة الفاو ورئيس دولة سيراليون، ولم تبخل مصر على القارة من نقل الخبرات في كافة المجالات الامنية والعسكرية والتنمية من خلال الوكالة المصرية للتنمية الإفريقية.