الصحافة العربية

ضرب صناعة النفط.. وسيناريوهات محتملة

حرائق مستعرة، اندلعت في أحد أكبر مراكز إنتاج الطاقة في العالم وأهمها، بالمملكة العربية السعودية. بعد أن أعلن المتمردون الحوثيون المدعومون من إيران أنهم شنوا هجوما منسقاً استهدف حقلي نفط “بقيق وخريص” التابعتين لشركة أرامكو. باستخدام 7 صواريخ و18 طائرة مسيرة، مما أدى إلى خفض إنتاج النفط الخام في السعودية إلى النصف، وخفض إنتاج العالم من النفط بنسبة 5%.
سواء شن الهجوم على المؤسسات النفطية الحوثيون في اليمن أو داعموهم الإيرانيون، فإن ضرب الشرايين التي يتدفق عبرها نفط السعودية، إلى المستهلكين في جميع أنحاء العالم، لا يضر السعودية فقط، بل الاقتصاد العالمي كله. ما جعل منها هدفا للجماعات الإرهابية، فقد شن تنظيم القاعدة في 2006 هجوما فاشلا على الموقع من خلال استخدام انتحاريين بشكل أدى لرفع أسعار النفط بدولارين للبرميل في حينه. إلا أن الهجمات الأخيرة كانت أكثر قوة وتركت أضرارا فادحة، إذ اندلعت النيران في ستة أماكن من المنشأة، وارتفعت أعمدة الدخان في بعضها إلى 30 قدما.

وتعد السعودية ثالث أكبر منتج عالمي للنفط الخام، بعد كل من الولايات المتحدة وروسيا، بمتوسط إنتاج يومي 9.8 ملايين برميل يوميا. لكن المملكة، هي أكبر مصدر للنفط الخام في العالم، بمتوسط 6.4 ملايين برميل يوميا، فيما تعتبر أسواق دول شرق وجنوب شرق آسيا، أكبر أسواقها للخام.

دلالات الهجوم على منشآت النفط

هجمات متكررة: لم يكن الهجوم الذي استهدف منشآت النفط السعودية هو الأول، فكانت حادثة استهداف خط أنابيب النفط الرابط بين شرق السعودية وغربها في محافظة الدوادمي وسط السعودية بطائرات مسيرةٍ، ثم استهدفت منشأة نفطية في حقل الشيبة النفط. واللافت في هذا السياق، هو أنه إلى جانب تلك الهجمات، وقعت عمليات إرهابية أخرى حيث دأب المتمردون الحوثيون في اليمن، على إطلاق الطائرات المسيرة إلى جانب الصواريخ على المطارات السعودية ومحطات تحلية مياه البحر، ومخازن النفط خلال الثمانية عشر شهرا الأخيرة.
تطور التدريب والعتاد: بدأت جماعة أنصار الحوثي نشاطها الإرهابي كقوة ضعيفة ومهلهلة، إلا أنها تلقت تدريبا عسكريا من إيران وجماعاتها الوكيلة، خاصة حزب الله، وكذا تدريبا على الأسلحة القتالية مثل الصواريخ والطائرات المسيرة المتقدمة والقادرة على الوصول إلى مسافة 930 ميلاً، وتحولت هجمات الحوثيين من العشوائية إلى دقة التصويب، خاصة ضد البنى التحتية السعودية مثل المطارات والمنشآت النفطية في العمق السعودي.
تصاعد أسلوب الهجوم: ما يميز تلك الهجمات في هذه المرة هو طبيعة الأسلحة المستخدمة فيها وحجم الخسائر التي نتجت عنها. فقد تم استهداف منشأت أرامكو النفطية من ثلاثة أماكن مختلفة باستخدام طائرات من نوع “قاصف” و “صماد” وأخرى نفاثة. وكان الهجوم عبارة عن عملية مشتركة بين الطائرات المسيرة والصواريخ المجنحة، وكانت الطائرات تحمل رؤوسا انشطارية وتستطيع إصابة الهدف من عدة زوايا. الأمر الذي يؤكد على وجود عسكرين مختصين للقيام بمثل هذه العملية. ومن بين 7 صواريخ تم إطلاقها لم تصل ثلاثة صواريخ الهدف، أما الأربعة الأخرى فقد أصابت الهدف وبدقة متناهية.
طبيعة الأسلحة المستخدمة: تم الهجوم باستخدام 25 قطعة مقاتلة إيرانية (7 صواريخ كروز من نوع “يا علي”، و 18 طائرة مسيرة من نوع “دلتا وينج”). وقد كشفت إيران عن صاروخ كروز “يا علي” في مايو 2014. وهو أول صاروخ “بري” ينتجه الحرس الثوري الإيراني، بمدى 700 كيلومتر. ويمكن أن يطلق الصاروخ من منصات أرضية وساحلية وسفن وطائرات مقاتلة. وهو قادر على حمل رؤوس حربية بوزن 200 كيلوجرام. أما “دلتا وينج” فهي طائرة مسيرة مجنحة ثلاثية الشكل شبيهة بطائرات “ميج 21”. لها مزايا هيكلية فريدة وخصائص ديناميكية هوائية. وهذه التركيبة الهيكلية تجعلها تتسم بالسرعة الجامحة وخفة الحركة. كما تتسم بحجم داخلي أكبر لتخزين الوقود، دون الحاجة لزيادة كبيرة في قوة السحب.
ثغرات أمنية: تشير التقديرات، إلى أنه تم الإعداد للهجوم على منشآت النفط من قبل، حيث سبق وأن قامت قوات الحوثي بعدة ممارسات أي قامت بتجارب واختبارات عدة وضرب العمق السعودي على عدة مراحل، حيث تم استهدف الخط الناقل في بقيق وخريص سابقا قبل بضعة أشهر أي كانت هناك عملية اختبار للاستهداف لكن لم ينتبه إليها أحد. وذلك بسبب أن الحرب غير المنسقة التي تخوضها الميليشيات معتمدة على أسلحة رخيصة تؤدي إلى مفاجأة قوة عسكرية مسلحة بشكل جيد ولديها معدات متفوقة.
صعوبة المواجهة: تعد الطائرات المسيرة رخيصة الثمن وخفيفة الحركة يسهل عليها الافلات من أجهزة المراقبة، لذلك فإنها تشكل تحديا كبيرا ليس للسعودية فقط ولكن لبقية دول الشرق الأوسط. بالإضافة إلى أن أنظمة الدفاع المضادة للطائرات المسيرة باهظة الثمن، وتتطلب برامج تشويش جوي، وبرامج تحديد مواقع الطائراتثم صواريخ لتدميرها في الجو. ونصب هذه الأنظمة عملية معقدة ويصعب تجديدها مع التطور المستمر لتكنولوجيا هذه الطائرات وما يمكن أن تفعله.

سيناريوهات محتملة

لا أحد يمكنه التنبؤ اليوم بما آلت إليه الأوضاع في منطقة الخليج بعد ضرب منشآت ارامكو السعودية، لكن الثابت أن السيناريوهات المحتملة يلفها الكثير من الغموض والأكيد أن المربع الأمني والاستراتيجي الذي يتشكل حاليا لن يكون عاديا. وعلى ضوء ذلك، يمكن طرح سيناريوهين رئيسيين: يتمثل الأول، في تمكن القوات السعودية من تحصين المنشآت الحيوية، وتزويدها بالقدرات العسكرية القادرة على التنبؤ بالهجمات، خاصة تلك القادمة من على بعد مئات الأميال. خاصة أن الرياض هي من أكبر الدول إنفاقا على شراء الأسلحة المتقدمة، بل ولديها رغبة ببناء صناعة عسكرية ضخمة. وينصرف الثاني، إلى استمرار هجمات الحوثي خاصة أن الهجمات الأخيرة كشفت أن البنية التحتية للسعودية لا تزال عرضة لهجمات الحوثيين المتخصصين في حرب العصابات.
بيد أن السيناريو الأول يتطلب من قبل السعودية إعادة النظر في خطط الإعداد العسكري، وخريطة التحالفات، والحصول على مزيد من الدعم الدولي والإقليمي. وعلى ما يبدو، فإن فرص تحقق السيناريو الثاني ربما تكون أقل كثيراً، في ظل تزايد الضغوط على إيران بعد توجيه الاتهامات لها بالتورط في الهجمات على منشآت أرامكو، وفرض عقوبات اقتصادية جديدة عليها من قبل الولايات المتحدة، الأمر الذي دفع ميليشيات الحوثي إلى إعلان وقف جميع هجماتها على الأراضي السعودية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى