الصحافة المصرية

مصر والسودان علاقات مصيرية وروافد اقتصادية

الروابط تاريخية ومشروعات مستقبلية.. يمكن أن تكون عنوان لقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي وعبد الله حمدوك رئيس وزراء السودان، وحضر اللقاء مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، ومحمد شاكر وزير الكهرباء والطاقة المتجددة، وسامح شكري وزير الخارجية، ومحمد معيط وزير المالية، بقصر الرئاسة بالقاهرة، ويأتي اللقاء للتأكيد على المصير المشترك للبلدين، والسياسة المصرية تجاه اشقائها من الدول العربية والإفريقية، والسياسة المصرية الواضحة تجاه دعم الدولة المصرية لمؤسسات الدول الشقيقة وتحقيق رغبات شعوبها، والتوافق بين الرؤى المصرية والسودانية ودعم العلاقات والمصالح الاقتصادية بين البلدين، مما يعطي مؤشرات جديدة نحو العلاقات الثنائية المستقبلية بين البلدين.

الزيارة الأولى لدولة عربية لإظهار الوجه الجديد للسودان

تأتي زيارة حمدوك للقاهرة كأول زيارة له لدولة عربية عقب توليه منصبه في اغسطس الماضي، وتشكيل حكومة انتقالية سودانية، وأوضح حمدوك أن تتلخص خطته في ثلاث محاول أساسية وهي تحقيق السلام بين الجماعات المسلحة والنمو الاقتصادي ورفع العقوبات عن السودان التي تم فرضها باعتبارها دولة راعية للإرهاب.
وجاءت زيارة حمدوك إلى جوبا للقاء رئيس جنوب السودان سيلفا كير، كأول زيارة خارجية لحمدوك، حيث تباحثا حول الخلافات الحدودية بين بلديهما وقضايا التجارة وحركة المواطنين وتجارة النفط، في زيارة استغرقت يومان، لتوضح الزيارة الاتجاه نحو السلام ومحاولات ايقاف الحرب من خلال رسم الحدود ومناقشة القضايا التي لم تحل منذ اتفاق عام ٢٠٠٥ للسلام الذي مهد الطريق للانفصال بين الدولتين، فإلى جانب أن عملية السلام هي أولوية لحكومة حمدوك، فهي ايضاً تعد شرط أساسي لرفع البلاد من قائمة الولايات المتحدة للدول الراعية للإرهاب كما جاء في تقرير نشرته دويتش فيليه، وقامت الدول الإفريقية الثلاث الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، وهي جنوب إفريقيا وساحل العاج وغينيا الاستوائية، بمطالبات نحو رفع العقوبات المفروضة على السودان.
وعن زيارته الأولى لدولة عربية فجاء لقاؤه مع الرئيس السيسي والتي يمكن وصفها بأنها زيارة “سياسية اقتصادية”، فإلى جانب العلاقات التاريخية والمصير المشترك باعتبارهما جزءا من دول حوض النيل والروابط التي تجمع بين الشعبين، فقد جاءت للدفع نحو سرعة تنفيذ المشروعات التنموية المشتركة، كالربط الكهربائي وخط السكك الحديدية، وذلك في إطار ثابت من الاحترام المتبادل والمصلحة المشتركة كما صرح المتحدث الرسمي لرئيس الجمهورية السفير بسام راضي.
ومن المقرر أن يغادر حمدوك القاهرة متوجهاً منها إلى العاصمة الفرنسية باريس، تلبية لدعوة تلقاها من الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون قبل أن يتوجه إلى نيويورك للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، بما يوضح ترتيب الاجندة السودانية الخارجية الحالية لدعم أجندة الحكومة الجديدة والمتمثلة في ثلاث محاور “السلام .. الاقتصاد.. التواجد الخارجي لرفع العقوبات”.

أجندة اللقاء الأول بين الرئيس السيسي وحمدوك

تناول اللقاء نقاشات حول الملفات محل الاهتمام المتبادل والرغبة المصرية نحو عودة السودان لدوره الطبيعي في محيطه الإقليمي والعربي والأفريقي، وخطة الدفع نحو عجلات التنمية الاقتصادية وتحقيق آمال الشعب السوداني، والاستعداد لتقديم كافة سبل الدعم للأشقاء في السودان في هذا الخصوص.
وجاء اللقاء للتأكيد على التقارب بين مصر والسودان، وإشادة رئيس الوزراء حمدوك على الدور المصري في الحفاظ على سلامة واستقرار السودان ودور مصر خاصة في ظل رئاستها للاتحاد الإفريقي إلى صدور قرار رفع تعليق عضوية السودان داخل الاتحاد، مما يشير إلى مؤازرة الدولة المصرية لعودة السودان إلى دورها الإقليمي ؛ إلى جانب التطلع للاستفادة من الخبرات المصرية في مجال المشروعات التنموية والإصلاح الاقتصادي وإعادة الهيكلة.
وقد تم التوافق بين الجانبين خلال اللقاء حول استمرار التنسيق المتبادل لرفع سبل التعاون خاصة في المجالات التجارية والاقتصادية بين البلدين لتحقيق الاندماج والتكامل بين البلدين في الأجندة الإفريقية 2063، ودعم وبناء القدرات السودانية في كافة القطاعات، وكذا الربط الكهربائي والربط السككي.

مشروع الربط الكهربائي والسكك الحديدية


وجاء اللقاء ليلقي الضوء على المشروع الذي يربط بين مصر والسودان وهو مشروع السكة الحديد، ويمكن وصفه في الآتي:

  • تم طرح فكرة المشروع في زيارة سابقة للرئيس السيسي إلى الخرطوم.
  • يمتد المشروع من الإسكندرية إلى أسوان ومن أسوان حتى الخرطوم، ويتخذ مسار المشروع فى الأراضى السودانية بأطوال حوالى 250 كم، ويبلغ طول المشروع بالبلدين حوالى 900 كم.
  • تم تشكيل لجنة تنسيق عليا برئاسة وزيرى نقل مصر والسودان لمتابعة تنفيذ المشروع.
  • جاء المشروع عقب وجود أكثر من مقترح للربط بين البلدين، سواء بالشبكة القديمة بين محطة قطارات السد العالي ومحطة وادي حلفا بالسودان بطول 280 كيلو مترا، أو بناء خط سريع جديد يربط ميناء الإسكندرية بمدن 6 أكتوبر ثم الأقصر ثم يمتد إلى مدينة حمد السودانية.
  • تم الاتفاق على تغيير خط سكة حديد السودان القديم واستبداله بخط جديد يناسب المواصفات المصرية.
  • تم الانتهاء من الدراسات الفنية والتصميمات الخاصة بالمشروع.
  • اختلفت الراء حول مصادر التمويل والذي اقتصر إما أن يكون خليجي أو صيني وهو الاكثر ترجيحاً.
  • سيسهم المشروع في تسهيل التبادل التجاري ونقل الركاب والبضائع.
  • من المتوقع أن تبلغ التكلفة الأولية للمشروع 500 مليون دولار.
  • يمثل نقلة حضارية تربط موانئ مصر في الإسكندرية بمدن السودان.

أما عن مشروع الربط الكهربائى بين مصر والسودان يمكن تناول أهم المعلومات التي تم الإعلان عنها ومميزاته في التالي:

  • ينفذ على ثلاث محاور، وتبلغ قدرة المرحلة الأولى من المشروع 300 ميجا وات، ويدرس الجانبان التوسع فى هذا المشروع ليصل إلى 3 آلاف ميجا وات فى المرحلة الثانية من المشروع.
  • يضم خط الربط 300 برج على الأراضى المصرية.
  • تبلغ التكلفة الاستثمارية المتوقعة لمشروع الربط الكهربائى مع السودان حوالى 56 مليون دولار التى تخص الجانب المصرى، ويسمح خط الربط مع السودان لمصر بالربط مع باقى الدول بأفريقيا وتقديم لهم ما يحتاجونه من الكهرباء.
  • مدة تنفيذ المشروع قد لم تستغرق 6 أشهر.
  • المشروع جاهز على إطلاق تجارب التشغيل للخط تمهيداً لربطه بالشبكة القومية المصرية وبالخرطوم.
  • تم الإنتهاء من خط الربط الهوائى المزدوج الدائرة توشكى (2) / وادى حلفا جهد 220 ك.ف ، ويبلغ الجهد الكهربائي للمحطة 220/66 فولت وتعمل بنظام العزل بالهواء أو AIS ، حيث بلغت التكلفة الاستثمارية للتوسعات حوالى 32,550 مليون جنيه، وأعلنت سيمنز الانتهاء من بناء محطة توشكى.
  • حصول مصر على اللحوم وفول الصويا وعباد الشمس من السودان مقابل قيمة الربط الكهربائي.
  • تتمثل فائدة الربط في توفير التكاليف وقيمة الوقود المستخدم في المحطات والاستفادة من أوقات الذروة وتحقيق عائدات مالية للدول التي تمر بها خطوط الربط الكهربائي.
  • خلق المناخ المناسب لجذب استثمارات القطاع الخاص.

ومن خلال الربط بين زيارات رئيس وزراء الحكومة السودانية والمتمثلة في مصر ومن قبلها جنوب السودان ويعقبها زيارتين إلى فرنسا والولايات المتحدة، إلى جانب دعوة المملكة السعودية لزيارتها ربما جاءت لتحقق أهداف الحكومة الانتقالية التي سبق الحديث عنها ودعم ما أسماه الإعلام “الوجه الجديد للسودان” لتصنف اللقاءات ضمن هذه المحاور و والمتمثلة في “السلام والاصلاح الاقتصادي ورفع العقوبات عن السودان”، وهو ما يضع خطاواضحاً لسياسة السودان الخارجية الدولية والإقليمية، وتوضيح خريطة علاقتها طبقا لما تقتضيه المصلحة العامة للشعب السوداني، بما لا يعطي مجالاً للشك في تعميق العلاقات المصرية السودانية بعيدأ عن الأبواق التي تحاول تعكير صفو هذه العلاقات الممتدة تاريخياً خاصةً مع الدولة المصرية، مدللاً على ذلك مستوى التمثيل واللقاءات وهو عكس التمثيل الدبلوماسي من خلال إعلان الإعلام التركي عن وجود زيارة لوكيل وزارة الخارجية السودانية للاتفاق على المشروعات الزراعية، فربما مستوى التمثيل يوضح أكثر خريطة سياسة السودان الخارجية
وعلى الجانب المصري، فبدأ الدعم بداية من رعاية التوقيع بين قوى الحرية والتغيير والمجلس الانتقالي العسكري على وثيقة الاتفاق الدستوري والعمل على تحقيق الاستقرار والسلام بين الجهات المختلفة في السودان من خلال محادثات القاهرة، كما شهدت الخرطوم زيارة من سامح شكري كأول وزير خارجية يزور الخرطوم عقب إعلان تشكيل الحكومة الانتقالية، وعودة السودان لعضوية الاتحاد الإفريقي، وعلى الصعيد الاقتصادي، يؤكد مشروعي الربط الكهربائي والسكك الحديدية بين مصر والسودان على السعي المصري نحو تحقيق التكامل والاندماج القاري القائم على المصالح المشتركة خاصة في ظل رئاسة مصر للاتحاد الإفريقي، كما تمثل فرصة فريدة من نوعها لإطلاق الإمكانيات الهائلة لقطاع الطاقة والتجارة الإفريقية خاصة في ظل دخول اتفاقية التجارة الحرة الإفريقية حيز التنفيذ، والعمل على تنمية البية التحتية للقارة فتسعى أيضاً مصر للربط السككى مع تشاد وأثيوبيا، كما تسعى لتنفيذ المشروعات المدرجة ضمن أولويات الاتحاد الأفريقي، كمشروع ربط القاهرة بريًا بكيب تاون، ومشروع الربط الكهربائي بين الشمال والجنوب، وربط البحر المتوسط ببحيرة فكتوريا، الأمر الذي يسهم في تخفيض أسعار الكثير من السلع، ويزيد من تنافسية القارة الأفريقية على المستوى العالمي، ويخلق مزيد من فرص العمل لأبناء القارة .
 

كاتب

رحمة حسن

باحثة بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى