قراءة في تسجيل البغدادي الأخير … “خطاب البغدادي الأخير: دعوة لمزيد من الإرهاب”
نشرت مؤسسة “الفرقان” الجناح الإعلامي التابع لتنظيم “داعش” الإرهابي مقطع صوتي تصل مدته إلى 30 دقيقة منسوب لزعيم التنظيم “أبو بكر البغدادي”. ويعد هذا الخطاب الثالث “للبغدادي”، إذ سبق أن ألقى خطابين، الأول حين ظهر معلنا دولة الخلافة الإسلامية في الموصل عام 2014، والثاني في تسجيل فيديو نهاية أبريل الماضي، توعد فيه بـ “الثأر” بعد “معركة الباغوز”. ومن ثمّ يُثير ذلك عدد من الملاحظات المُهمة، والتي سوف يتم تناولها في النقاط التالية:
- دلالات التوقيت: يأتي هذا التسجيل في ظل توارد أنباء عن سوء الحالة الصحية للبغدادي، وذلك في ضوء اعترافات “رباح علي إبراهيم علي البدري” ابن عمه أمام القضاء العراقي بحجم المشاكل الصحية التي يعاني منها “البغدادي”، كذلك تعالي الأصوات بوجود انشقاقات وخلافات داخل التنظيم. ومن ثمّ، يأتي هذا التسجيل للتأكيد على قدرة “البغدادي” على قيادة التنظيم وتوحيد الجبهة الداخلية له، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، يأتي التسجيل في أعقاب ذكرى أحداث الحادي عشر من سبتمبر لعام 2001 بغرض الإشارة إلى أن من الممكن استهداف الولايات المتحدة مرة أخرى ولا سيما وأن” البغدادي” قام بمهاجمتها قائلا “واشنطن قد غرقت في الوحل وأعلنت عجزها عن حماية شركائها”، متحدثًا عن “الوعود الفارغة” التي تقدمها واشنطن لحلفائها. وعلى صعيد ثالث، تجدر الإشارة إلى مرور نصف عقد على تدشين دولة الخلافة المزعومة، وقد أكد البغدادي على ذلك بتكرار جملة “نص عقد مضى على قيامها” حوالي ثمان مرات.
- معركة وليست الحرب: أطلق التنظيم اسم “وقل اعملوا ……” على هذا التسجيل الصوتي، وتستخدم الآية الكريمة بوضوح داخل التسجيل وهذا يتسق مع مضمونه والدعوة لاستمرار العمليات إلى ان تتحقق “الغاية الأسمى”، وهي إقامة دولة الخلافة، فهو يؤكد أن التنظيم ما زال على هدفه ولا تعد هزيمة مشروع الخلافة إلا حالة مؤقتة. وبمعنى آخر ينطلق التنظيم في تعامله مع خسائره من قناعةٍ مفادها “أنها معركة وليست الحرب”، إذ يرى تراجعه بوصفه مرحلة مؤقتة في الطريق الطويل للنصر. وفى هذا السياق، استخدم “البغدادي” عبارات تفيد هذا المعنى “فمهما يطول الأمد، ومهما تتعقد الأمور، ومهما تتقلب الأسباب فلا سبيل للتخاذل والركون” كذلك قال “دولة الخلافة تزاحم الأمم، ماضية بضربها، موقنة بنصرها”. وقد أكد على أن التنظيم “لا يزال موجودا”، واصفًا “توسع داعش ومن ثم الانكماش” بأنه “اختبار من الله”، وتبين دراسة تاريخ تنظيم داعش قدرته على تجاوز خسائره، والعودة إلى العمل والسيطرة مرة أخرى.
- استمرار معارك الاستنزاف: استعرض “البغدادي” نشاط التنظيم فتحدث عن “غزوة الشام” التي استهدفت 8 دول، وبلغ عدد العمليات حوالي 92 عملية خلال 4 أيام، كذلك “غزوة الاستنزاف” واستهدافها لأحدي عشر دولة وبلغ عدد العمليات 61 عملية خلال 3 أيام، كذا عرف “عمليات البهاليل”، “بغزوة الاستنزاف الثانية” وبلغ مجموعها 152 عملية خلال عشرة أيام. وكرر البغدادي في التسجيل الصوتي دعوته المقاتلين إلى مضاعفة جهودهم، وأكد ضرورة استمرار عمليات “الاستنزاف” في مختلف الجبهات. ونجد أن الهزيمة الجغرافية والعسكرية التي تعرض لها التنظيم دفعته إلى تبنيه تكتيكات بديلة عن التي اعتمد عليها أثناء فترة تمدده؛ إذ أدرك أن تواجده الجغرافي والعسكري داخل مساحات ممتدة من الأرض سهّل من استهدافه. وعليه، لجأ لتغيير تكتيكاته عبر توجيه ضرباتٍ مباغتهٍ لقوات تأمين المدن في المناطق الضعيفة مع تجنب الدخول في معركةٍ حاسمة مع الجيوش النظامية، وذلك في إطار ما يعرف بتكتيك “حرب الاستنزاف”
- البيعات الجديدة: ذكر البغدادي وجود “وفودًا” من المجندين الجدد، رغم أنه من غير الواضح ما إذا كان يعني تجنيد المتطرفين للانضمام إلى “داعش” أو تعهد مجموعات مسلحة بالولاء للتنظيم. وهنا تجدر الإشارة إلى، قيام عناصر “داعش” في ليبيا في يوليو الماضي بنشر مقطع فيديو لإعلان تجديد مبايعتهم “للبغدادي”. كذلك أعلنت جماعة “بوكو حرام” في 18 يونيو 2019 تجديد مبايعتها “للبغدادي” ودعوتها جميع المسلمين للانضواء تحت ولاية التنظيم. وفي 22 يونيو 2019 أعلنت مجموعة من العناصر أطلقت على نفسها اسم “ولاية شرق آسيا” تجديد البيعة “للبغدادي” والعمل تحت لواء التنظيم. وفي 26 يونيو 2019 قامت عناصر داعشية بإطلاق فيديو مصور لإعلان الولاء للبغدادي وتجديد مبايعته، وذلك تحت مسمى “ولاية القوقاز”، علاوة على قيام ما تعرف بـ”ولاية أذربيجان” بإعلان البيعة أيضًا للخليفة الداعشي في 2 يوليو 2019.
- التأثر بأدبيات الاخوان: عكس التسجيل الصوتي للبغدادي حجم تأثر تنظيم “داعش” بأدبيات الإخوان، خاصة كتابات “سيد قطب” الذي أسس إيديولوجيا تكفيرية شاملة، بدأت بمفهوم الحاكمية، وتعنى الحكم بما أنزل الله ومن يخرج عن هذا تعد “ردة”، ولتحقيق الحاكمية لا بد من الجهاد لتصبح الألوهية لله وحده في الأرض، أي التوحيد بالله وحده، ولكي يكون التوحيد حق، يجب الثورة على الأنظمة التي يضعها البشر. وقد نتج عن مفهوم الحاكمية مفهومًا آخر هو الجاهلية، إذ نظر “قطب” إلى المجتمع المسلم الموجود على أنه مجتمع جاهلي. فيقول “سيد قطب” في كتابه “معالم الطريق” “إن العالم يعيش اليوم كله في جاهلية، جاهلية تقوم على أساس الاعتداء على سلطان الله في الأرض وعلى أخص خصائص الألوهية وهي الحاكمية”. وفي هذا السياق، استلهم البغدادي كلمات تعكس هذا التأثر” أهل الأوثان، وأرباب الجاهلية”، “الجهل الذي عصف بالأمة”،”انتشار الشرك والبدع والخرافات”، “تقتل الناس وتباد بغير هدي من الله من أجل الوطنية والديمقراطية يعاذ بالله”، “غربة الدين وأهله”.
- الربط بين الخارج والداخل: فهو يعتبر أن المكافحة الدولية لداعش بقيادة أمريكية حملة صليبية، تدعمها بعض الدول العربية، وبالتالي يعتبر هذه الدول كافرة وجاهلة ويجب محاربتها. وقد سمى بعض هذه الدول في التسجيل الصوتي، وربما كانت هذه دعوة لعناصر التنظيم بالقيام بعمليات فيها.
- استهداف السجون: طالب “البغدادي” أنصاره بالهجوم على السجون لإطلاق سراح أتباعه وإنقاذ مقاتليه وعائلاتهم المحتجزين في السجون والمخيمات متوعداً بـ”الثأر” لهم، قائلا “السجون السجون يا جنود الخلافة.. إخوانكم وأخواتكم جدّوا في استنقاذهم ودكّ الأسوار المكبلة لهم”. كذلك دعا أيضا إلى “استهداف رجال الأمن والمحققين والقضاة في السجون”، التي يقبع بها عناصر داعش، إذ يوجد الآلاف من عناصر تنظيم “داعش” في سجون مكتظة في العراق ومناطق سيطرة المقاتلين الأكراد في شمال شرق سوريا حيث تأوي مخيمات أيضاً عشرات الآلاف من أفراد عائلات الإرهابيين، السوريين والعراقيين والأجانب.
- الداعشيات والصحابيات: شبة “البغدادي” زوجات الدواعش بصحابيات جليلات، إذ قال: “فاثبتى واتقي الله يا أخت صفية، ويا أم عمارة” وبالنظر إلى هؤلاء الصحابيات فنجد أن “صفيّة بنت عبد المطلب بن هاشم” -رضي الله عنها- من اللواتي قد شاركن المجاهدين يوم أحُد، كذلك أم عمارة “نسيبة بنت كعب” فقد جاهدت جنبًا إلى جنب مع الصحابة الأوائل. ومن ثمّ، يعكس ذكر أسماء تلك الصحابيات بالتحديد دعوة “البغدادي” نساء”داعش” إلى الانخراط في القتال. وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى تنوع مهام النساء داخل التنظيم، بدايةً من دعم الأزواج وتربية جيل جديد من المتطرفين، إلى مجال الدعاية والترويج لأيديولوجيا التنظيم وأفكاره المتطرفة عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي. ومع الضغط العسكري على التنظيم، وفقدانه أعدادًا كبيرة من مقاتليه، لجأ إلى الاعتماد على النساء في العمليات الانتحارية خلال معركة الموصل في العراق، ومعركة “الباغوز” في سوريا.
مجمل القول، يهدف هذا الخطاب إلى رفع الروح المعنوية للعناصر الداعشية في ظل تواتر الأنباء المختلفة حول تدهور الحالة الصحية “للبغدادي”، ناهيك عن تصاعد الحديث عن تصدع داخلي للتنظيم. ومن ثمّ، عمد البغدادي لإصدار هذا التسجيل لاجتذاب وتجنيد عناصر متطرفة جديدة ولا سيما في ضوء فقدان التنظيم العديد من مقاتله، كذلك توحيد الجبهة الداخلية للتنظيم، وقد تشهد المرحلة القادمة تولى “البغدادي” تجديد خطاب التنظيم ليجتذب عناصر جديدة، وقيام “عبد الله قرداش” (نائب البغدادي) بإعادة البناء الهيكلي للتنظيم.