أفريقيا

مشروع سد ومحطة كهرباء جوليوس نيريري: شراكة استراتيجية بين مصر وتنزانيا

يعد استقرار إمدادات الطاقة محورًا حاسمًا في تعزيز الأمن القومي وتحسين مستويات رفاهية المواطنين في جميع الدول ومحورًا للتنمية والتعاون الإقليمي؛ إذ إن التعاون الإقليمي في مجال الطاقة يمكن أن يُسهم في تعزيز قدرتها على مواجهة التحديات المستقبلية في قطاع الطاقة. وعليه، تُشكل مشروعات الطاقة المتجددة والنظيفة في أفريقيا فرصًا واعدة لتنويع مصادر توليد الكهرباء وضمان أمن الطاقة في القارة التي تحظى بموارد طبيعية هائلة ومتنوعة. وفي إطار حرص مصر على تعزيز العلاقات الثنائية بينها وبين مختلف الدول الأفريقية، تركز على الجانب التنموي، خاصة في قطاع البنية التحتية، وتنفذ عدة مشروعات في دول القارة من خلال شركات مصرية وطنية،

وفي ضوء العلاقات المتميزة بين مصر وتنزانيا، وفي إطار تعزيز العلاقات بين مصر وتنزانيا، أعلنت تنزانيا عن تنفيذ مشروع ضخم لبناء سد ومحطة كهرباء على نهر روفيجي، بالشراكة مع تحالف يضم شركتين مصريتين هما:

  • المقاولون العرب (المتخصصة في البناء والبنية التحتية).
  • السويدي إليكتريك (المتخصصة في مشاريع الطاقة).

ويعد سد جوليوس نيريري من بين أكبر السدود الكهرومائية في منطقة شرق إفريقيا، ويُنفّذ المشروع بتكلفة حوالي 2.9 مليار دولار من خلال شراكة بين شركة تنزانيا للتوريدات الكهربائية واثنتين من أكبر الشركات المصرية في قطاع البناء – المقاولون العرب والسويدي إليكتريك. ويهدف بناء السد إلى تشجيع تنفيذ مشاريع أخرى بين البلدين في مجالات الكهرباء والطاقة المتجددة.

يتضمن المشروع إنشاء الجزء الخرساني من السد الرئيس، بالإضافة إلى أربعة سدود تكميلية تشكل خزان المياه بسعة 33 مليار متر مكعب، بالإضافة إلى محطة توليد الطاقة الكهرومائية بطاقة إنتاجية 2115 ميجاوات. لتصل إجمالي الطاقة المولدة من السد نحو 6 آلاف و307 آلاف ميجاوات/ساعة سنويًا بما يكفي استهلاك نحو 17 مليون أسرة تنزانية، ويضمن الحفاظ على الثروة المائية في تنزانيا.

وبدأت الشركتان المصريتان أعمال البناء في منتصف عام 2019. وقد أعلن التحالف عن تحقيق تقدم ملحوظ في المشروع، حيث وصلت نسبة الإنجاز إلى مستوى متقدم. ومنذ بدء عملية الملء الأول في ديسمبر 2022، تم تخزين حوالي 10 مليارات متر مكعب من المياه في البحيرة التي تم إنشاؤها أمام السد. هذا الإنجاز يعد خطوة كبيرة نحو استكمال بناء السد، والذي يُعد من المشاريع الحيوية التي تسهم في تعزيز قدرة تنزانيا على توليد الطاقة الكهرومائية وتخزين المياه للاستفادة منها في مجالات الزراعة والإنتاج. تعد هذه المرحلة من المشروع جزءًا من عملية بناء السد الذي سيُسهم في تحسين الطاقة الكهربائية، وزيادة الأمن المائي، وتعزيز التنمية الاقتصادية في المنطقة.

ويضمن السد توافر المياه بشكل دائم على مدار العام لأغراض الزراعة، والحفاظ على الحياة البرية المحيطة في واحدة من أكبر الغابات في قارة إفريقيا والعالم. كما يحمي المشروع المنطقة المحيطة من مخاطر الفيضانات والسيول. ويبلغ الحد الأدنى لمنسوب تشغيل التوربينات 163 من سطح البحر وقد وصلت المياه حاليا إلى منسوب 169.5 متر من سطح البحر. ويُعد الكوبري، الرابط بين ضفتي نهر روفيجي، الأكبر في تنزانيا من حيث الحمولة، بسعة 300 طن. يبلغ طول الكوبري 250 مترا وهو مقام على عمودين فقط بارتفاع يتجاوز 50 مترا فوق سطح النهر، وسيكون أحد الأجزاء الرئيسية في الطريق الدولي الرابط بين تنزانيا وموزمبيق.

تعد مياه نهر النيل من أهم الموارد الطبيعية التي يعتمد عليها ملايين البشر في دول حوض النيل، حيث يتوزع النهر بين 11 دولة إفريقية، أبرزها مصر والسودان وإثيوبيا. وتُعد مصر واحدة من أبرز الدول التي تعتمد بشكل رئيس على مياه النيل، لذلك فإن مسألة الاستفادة من هذه المياه تتعلق بالأمن القومي المصري.

وعملت مصر على تعزيز حضورها في دول حوض النيل عبر مشاريع تنموية مشتركة تهدف إلى تحقيق التكامل الإقليمي . ويمثل بناء سد جوليوس نيريري ومحطة الطاقة الكهرومائية في تنزانيا خطوة استراتيجية تعكس التوجه المصري نحو تعزيز التعاون متعدد الأوجه مع دول حوض نهر النيل، وخاصةً في تنزانيا التي تعد إحدى الدول المهمة في تلك المنطقة. المشروع ليس فقط بمثابة خطوة قوية نحو تعزيز التعاون الثنائي، بل يعكس قدرة مصر على استعادة قوتها الناعمة في القارة الإفريقية. حيث تُعتبر هذه الخطوة سابقة عمل قوية على مستوى القارة. من خلال هذا المشروع، تُظهر مصر قدرتها على تنفيذ مشروعات ضخمة في دول حوض النيل وإفريقيا بشكل عام، ما يعزز مكانتها كداعم رئيسي للتنمية المستدامة في القارة.

وتأتي مصر، التي تمتلك خبرات هائلة في بناء السدود وتنفيذ مشاريع كهرومائية، كداعم رئيس لهذا المشروع الكبير. ومن خلال مشاركتها في مثل هذه المشاريع، تعزز مصر وجودها السياسي والاقتصادي في تنزانيا، وتُظهر التزامها بدعم المشاريع التنموية في القارة الإفريقية. ولا تعد مشاركة مصر في هذا المشروع مجرد تمويل أو استثمار، بل أيضًا مشاركة حقيقية في تقديم المعرفة التقنية والقدرة على إدارة مشاريع الطاقة المتجددة على نطاق واسع، ما يساعد تنزانيا على تحسين بنيتها التحتية للطاقة بطريقة مستدامة.

وتتمتع مصر وتنزانيا بعلاقات دبلوماسية تاريخية تمتد منذ تأسيس دولة تنزانيا في عام 1964. هذه العلاقة الطويلة تعد أساسًا قويًا يعزز من فرص التعاون المستقبلي بين البلدين. منذ ذلك الوقت، كانت مصر دائمًا حريصة على دعم تنزانيا في مختلف المجالات، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي. يُعد سد جوليوس نيريري من أبرز مشاريع التعاون بين البلدين، ويعكس التزام مصر المستمر بدعم التنمية في تنزانيا.

كما يعد تنفيذ مثل هذا المشروع الضخم في تنزانيا جزءًا من استراتيجية مصر لإعادة بناء قوتها الناعمة في القارة الإفريقية. القوة الناعمة هي القدرة على التأثير من خلال الجذب، وليس من خلال القوة العسكرية أو الاقتصادية. عندما تقدم مصر مشاريع ضخمة كإسهامات حقيقية في مجال التنمية، فإنها تقوي مكانتها في إفريقيا، وتبرز كداعم رئيس للمشروعات التنموية في دول حوض النيل وفي باقي الدول الإفريقية. المشروع يُظهر للعالم أن مصر ليست فقط مهتمة بمصالحها المائية، ولكنها تسعى أيضًا إلى تحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي في الدول الإفريقية التي تواجه تحديات تنموية كبيرة.

وبناء على ذلك، تكمن المكاسب الحقيقية لمصر من بناء سد جوليوس نيريري في تعزيز العلاقات مع تنزانيا في إطار سياسة مصر المستمرة لدعم التنمية في إفريقيا. إن مصر تستفيد بشكل غير مباشر من خلال خلق علاقات شراكة استراتيجية مع دولة تنزانيا في مجالات متعددة، بداية من الطاقة، مرورًا بالتجارة، وصولًا إلى التعاون السياسي. كما أن هذه المشاريع الكبرى توفر منصة مثالية لمصر لتعزيز مشاركتها في القضايا الإفريقية الكبرى، وتتيح لها التأثير في الشؤون السياسية والتنموية على مستوى القارة.

والجدير بالذكر إن زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى تنزانيا في أغسطس 2017 كانت حدثًا بالغ الأهمية في تاريخ العلاقات بين مصر وتنزانيا؛ إذ شكلت هذه الزيارة نقطة تحول استراتيجية؛ كونها أول زيارة لرئيس مصري إلى تنزانيا منذ عام 1967، أي ما يقرب من 50 عامًا من انقطاع الزيارات الرئاسية بين البلدين. هذا الحدث لم يكن مجرد زيارة بروتوكولية، بل كان بمثابة إعادة تفعيل وتحفيز للعلاقات الثنائية بين البلدين في عدة مجالات، بما في ذلك الاقتصاد والتعاون الفني والمشروعات التنموية، وهو ما يعكس التوجه المصري نحو تعزيز وجودها في منطقة شرق إفريقيا وتوطيد علاقاتها مع دول حوض النيل.

يعد سد يوليوس نيريري في تنزانيا مشروعًا مهمًا له العديد من الأهداف الاستراتيجية والاقتصادية التي تسهم في تعزيز التنمية الوطنية. ومن أبرز أهدافه:

توليد الطاقة الكهربائية: من المقرر أن يتم ملء البحيرة الواقعة خلف السد بحجم يصل إلى حوالي 33 مليار متر مكعب من المياه. مع هذه الكمية من المياه المخزنة، سيكون السد قادرًا على توليد طاقة كهربائية بقدرة 2115 ميجاوات. وهذا سيسهم بشكل كبير في تحسين إمدادات الكهرباء في تنزانيا، وتلبية احتياجات الدولة من الطاقة، ودعم النمو الاقتصادي والصناعي.

تحكم في تصرفات المياه: بشكل عام، سيوفر السد القدرة على التحكم في تصرفات المياه طوال العام، بما في ذلك خلال أوقات الفيضانات. حيث يمكن للسد تخزين المياه خلال فترات الأمطار الغزيرة وتحريرها بشكل منظم خلال فترات الجفاف، مما يسهم في الحفاظ على استقرار المياه في الأنهار والمصادر المائية الأخرى.

إدارة الفيضانات: يُعد السد جزءًا من استراتيجية للحد من تأثيرات الفيضانات، والتي قد تضر بالزراعة والمنازل والبنية التحتية. من خلال التحكم في تصرفات المياه، سيساعد السد في تقليل المخاطر المرتبطة بالفيضانات، مما يساهم في حماية المناطق المجاورة.

توفير المياه للري: السد سيعزز من إمكانية توفير المياه اللازمة للزراعة. عن طريق تخزين المياه، سيمكن المزارعين من الحصول على الموارد المائية في أوقات الحاجة، وبالتالي دعم الزراعة وتحقيق الأمن الغذائي في البلاد.

تعزيز التنمية الاقتصادية: توليد الكهرباء بشكل مستدام سيسهم في توفير الطاقة اللازمة للعديد من الصناعات والمشاريع التجارية في تنزانيا، مما يعزز من التنمية الاقتصادية ويوفر فرص عمل جديدة.

خلاصة القول، يعد مشروع سد ومحطة كهرباء جوليوس نيريري في تنزانيا نموذجًا متميزًا للشراكة الاستراتيجية بين مصر وتنزانيا. يعكس هذا المشروع ليس فقط التزام مصر بتقديم الدعم التنموي للدول الإفريقية، بل أيضًا دورها الفاعل في تعزيز الاستقرار والطاقة المستدامة في منطقة حوض النيل. من خلال هذا التعاون، تسهم مصر بخبراتها في مجالات البنية التحتية والطاقة لدعم تنزانيا في مواجهة تحديات الطاقة، ما يفتح آفاقًا جديدة لمستقبل مشترك يعزز من التقدم الاقتصادي والاجتماعي للبلدين. وفي الأخير، إن تنفيذ هذا المشروع الضخم يعكس رؤية استراتيجية ترمي إلى تحقيق التكامل الإقليمي وتعزيز العلاقات بين دول القارة، مع التأكيد على أن التعاون بين مصر وتنزانيا سيكون له آثار إيجابية على مستوى تعزيز الأمن الطاقي وتحقيق التنمية المستدامة. يثبت المشروع أن الشراكة بين الدول الإفريقية، عندما تستند إلى التكامل والتعاون البناء، يمكن أن تثمر عن نتائج فعالة تخدم مصالح الشعوب وتحقق أبعادًا سياسية واقتصادية مهمة، وتُسهم في تعزيز القوة الناعمة المصرية في إفريقيا.

+ posts

دكتور مهندس متخصص في شؤون النفط والطاقة

د. أحمد سلطان

دكتور مهندس متخصص في شؤون النفط والطاقة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى