سورياإسرائيل

انتهاز الفرصة: تمدد الوجود العسكري الإسرائيلي في سوريا

مثّل سقوط النظام السوري في 8 ديسمبر 2024 فرصة لإسرائيل التي كانت تراقب العمليات الميدانية لهيئة تحرير الشام عن كثب بداية من 27 نوفمبر، حيث اتخذت قرارًا باختراق الحدود في 8 ديسمبر مستغلة سقوط النظام؛ لتحقيق أكبر المكاسب الاستراتيجية التي كانت تريد الحصول عليها من حرب عام 1967 غير أن صمود وقوة الجيش العربي السوري آنذاك كان الفيصل في حرب عام 1973. ولكن اليوم لم يعد هناك الجيش السوري ولا ترسانته العسكرية، وهو ما أتاح فرصة ناجحة للجيش الإسرائيلي للسيطرة على الأرض وتأسيس قواعد دفاعية في الجنوب السوري لتكون كضامن لإجهاض أي هجمات مستقبلية من أي خصم في الجبهة الشمالية.

وفقاً لمصادر إسرائيلية ، “تخطط إسرائيل لإقامة “منطقة سيطرة” تمتد 15 كيلومترًا (9.3 أميال) داخل سوريا ومنطقة “نفوذ استخباراتي” تصل إلى 60 كيلومترًا” تتجاوز العاصمة السورية دمشق من الشرق وشواطئ لبنان من الغرب. وبناء عليه تم تنفيذ الخطة بدقة وعلى مراحل متدرجة.

بدأ التنفيذ بالضربات الجوية في 8 ديسمبر، والتي حيّدت أكثر من 80٪ من قدرات الجيش العربي السوري. ثم، بمجرد اقتراب الفصائل السورية من مدينة حضر، تقدمت قوات الفرقة 210 الإسرائيلية على الفور في 6 محاور تحت تغطية سلاح الجو مدعومة بالقوات الخاصة ” سييرت متكال” ذات التاريخ الطويل للعمل على الجبهة السورية، و كثّف الطيران ضرباته على مواقع الجيش السوري في درعا والسويداء خلال اليومين التاليين. بدأت الدبابات من اللواء السابع المدرع و 188 في السيطرة على النقاط المتقدمة، ودخلت المركبات الهندسية خلفها لإنشاء مواقع دفاعية. هذا أجبر الفصائل على الانسحاب، دون نية للتصادم مع القوات الإسرائيلية التي وصلت إلى مسافة 20 كيلومترًا فقط من دمشق من الغرب.

ويشير مفهوم “منطقة النفوذ الاستخباراتي” إلى قاعدة تشمل وسائل الاستطلاع النشطة والسلبية، مثل الرادارات والأنظمة الكهروضوئية، التي يمكنها الكشف عن التهديدات الجوية أو البرية في سوريا ولبنان من مسافة كافية لتنبيه أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية المحلية. تتولى هذه الأنظمة مهمة صد الأهداف التي عادة ما تكون صعبة الاعتراض، مثل الطائرات بدون طيار أو الصواريخ المنخفضة الطيران. بالإضافة إلى ذلك، يمكن استخدام هذه الارتفاعات لتنفيذ هجمات باستخدام أنظمة صواريخ متعددة مثل PULS، التي يمكنها إطلاق صواريخ تكتيكية تصل إلى 300 كيلومتر.

  • قاعدة قرص النفل شمال غرب بلدة حضر
  • قاعدة تلول الحمر شمال شرق بلدة حضر
  • قاعدة في المحمية الطبيعية في جباثا الخشب بالقرب من برج الزراعة
  • قاعدة شمال شرق بلدة الحميدية
  • قاعدة جنوب غرب سد المنطرة ام العظام
  • قاعدة تل احمر غربي جنوب بلدة كودنة
  • قاعدة في مدينة القنيطرة المهدمة مبنى العلاقات العامة سابقًا
  • قاعدتي فوق جبل الشيخ

ونظرًا لأهمية هذه القواعد، كان من الضروري إنشاء قواعد دفاعية ثانوية متقدمة أسفل هذه التلال لتأمين الطرق المؤدية إليها. ولكن عملية إنشاء القواعد تحتاج لبعض الوقت، لذلك تقدمت القوات البرية الإسرائيلية عبر الدبابات إلى مسافة أبعد من مواقع القواعد الثانوية لتأمينها. بالإضافة إلى ذلك، تم تنفيذ عمليات أمنية بواسطة قوة خفيفة دخلت القرى وطلبت من سكانها نزع السلاح أو تسليم الأسلحة، وهي خطوة يمكن اعتبارها تهدف إلى تفادي أي مقاومة محلية في المستقبل. لتخفيف الضغط على السكان، لم يتم السيطرة الكاملة على القرى والمدن، بل تم تطويقها فقط، وإغلاق مداخلها ومخارجها.

جدير بالذكر أن إسرائيل تريد الآن الحفاظ على وجودها في خمس نقاط في لبنان، ولكن أيضًا من خلال مواقع استراتيجية مهمة على التلال لتأمين الفجوات الرادارية المتبقية من القواعد داخل سوريا: تل اللبونة، جبل بلاط، تل العزيزية، تل العويضة، تل الحمامص.

توزع هذه المواقع في الشمال بالقرب من نهر الليطاني، في الجنوب بالقرب من الساحل، وفي الشرق بالقرب من مرتفعات الجولان لتعمل على رصد وتتبع أي مجهودات هجومية مستقبلية سواء من البر او الجو بمدى بعيد يسمح باتخاذ التدابير الوقائية عبر تنبيه الدفاعات الجوية في الخلف او حتى تنفيذ ضربات استباقية لتحييد/عرقلة أي مجهود هجومي.

لا يبدو أن هناك أي نية من الإدارة السورية الجديدة بزعامة هيئة تحرير الشام للاشتباك مع الجيش الإسرائيلي، حيث يتم التركيز الآن على توطيد الحكومة وإعادة تشكيل الجيش السوري، حيث يجري حاليًا بناء هذا الجيش من خلال دمج جميع الفصائل المسلحة، ولكنها لديهم الكثير من التحديات في ظل وجود اختلافات مع بعض الفصائل التي تريد أن تظل ككيان مسلح غير ممتزج بالجيش السوري الجديد ومحتفظًا بسلاحه ولكن يخضع لقيادة وزارة الدفاع الجديدة، وذلك مثل الفصائل المسلحة في جنوب سوريا وقوات سوريا الديمقراطية المسيطرة على أجزاء واسعة من الشمال الشرقي.

يضاف إلى ذلك استمرار العمليات الأمنية لملاحقة فلول الجيش السوري السابق وهم المتبقون من الفرقة 25 مكافحة الإرهاب أو التي كانت تعرف سابقا بقوات “النمر” وقد كانوا من النخبة الذين قاموا بالمساعدة في تحييد عناصر تنظيم داعش. ولكن على الرغم من احترافهم وعملياتهم الأخيرة لقتل بعض العناصر فإنهم لا يملكون القدرة أو الزخم المناسب للقيام بهجوم متعدد ليقدم تأثيرًا واضحًا ميدانيًا.

وكذلك لا يمكن إغفال الدور التركي في المشهد السوري الجديد، حيث تعمل أنقرة لتأسيس موطئ قدم قوي لها هناك، ليس فقط عبر دعم الفصائل المسلحة والحكومة، ولكن بشكل مباشر، مع وجود تقارير عن الإعداد لتوقيع اتفاقية دفاع مشترك بين تركيا وسوريا، بما في ذلك إنشاء قواعد جوية تركية في صحراء وسط سوريا وتدريب الجيش السوري الجديد.

وقد يمثل وجود المقاتلات التركية في الأجواء السورية، خصوصًا في المنطقة الجنوبية عبر قاعدتين “التيفور” و”تدمر”، عقبة أمام سلاح الجو الإسرائيلي في أي خطط مستقبلية لمهاجمة إيران أو حتى للتحليق الاستطلاعي او لتغطية القوات الموجودة في القواعد الموجودة في سوريا مما سيتطلب ذلك تنسيقًا وثيقًا مع الجانب التركي والأمريكي، مما يزيد من النفوذ الجيوسياسي لتركيا في سوريا لضمان وجودها على طاولة المفاوضات بشكل مماثل للتفاهمات التي كانت تتم مسبقا مع الجانب الروسي.

وقد يكون ذلك الخيار الأفضل لدمشق وبالأخص بعد أن أرسلت إسرائيل رسائل إلى هيئة تحرير الشام عبر أطراف وسيطة، محذرة إياها من الاقتراب من الحدود الإسرائيلية، مؤكدة أن ‘أي محاولة للاقتراب من الحدود ستؤدي إلى رد فعل من القوات الإسرائيلية. حسب مصادر إعلامية.

أحد العوامل التي يجب اخذها بالاعتبار هي المواطنين السوريين المتأثرين سلبًا من وجود القواعد الإسرائيلية التي تعوق تحركاتهم ومراعاة محاصيلهم الزراعية التي تشتهر بها هذه المنطقة الخصبة؛ فهذه القواعد ترتكز على مفترقات الطرق والنقاط الحيوية، مما دفع المواطنين بعمل تظاهرات وتم الإبلاغ عن اعتقال بعضهم وحالة واحدة لإطلاق النار بسبب تعامل القوات الإسرائيلية بمبدأ فرض القوة، ولكن حاليا تقوم القوات الإسرائيلية بتغيير طريقتها من خلال عرض مساعدات إغاثية وفرص عمل داخل إسرائيل بمرتبات مجزية.

ختاما، يبدو أن دخول القوات الإسرائيلية إلى الأراضي السورية بعد سقوط نظام “الأسد” والسيطرة على هذه المواقع الاستراتيجية كان سيناريو أعدته الإدارة الإسرائيلية مسبقًا، مع استغلال الفرصة للقضاء بشكل كامل على قدرات الجيش السوري. ومن المحتمل أن هذه الفرصة قد تتعزز مع الإدارة الأمريكية الحالية للرئيس دونالد ترامب الذي صدق على تزويد إسرائيل بواحدة من أكبر صفقات الذخائر التي أُبرمت في تاريخ إسرائيل بقيمة 7 مليارات دولار، مع دعم استخباراتي وعسكري مباشر إذا لزم الأمر، وهو السيناريو الأفضل لإسرائيل حاليًا في ظل تفادي الإدارة السورية التصادم.

  1. David Israel, Israeli Tanks Cross into Syria to Fight Off Islamist Rebels, Jewish Press ,8 December 2024.

Israeli Tanks Cross into Syria to Fight Off Islamist Rebels | The Jewish Press – JewishPress.com | David Israel | 7 Kislev 5785 – Sunday, December 8, 2024 | JewishPress.com

  • Itamar Eichner, Israel plans to set zone of control in Syria amid new regime worries, Ynet,10 January 2025.

Israel plans to set zone of control in Syria amid new regime worries

  • The New Arab Staff, Satellite images reveal Israel building illegal military bases in Syria, New Arab, 04 February, 2025.

Satellite images reveal Israel building military bases in Syria

  • AFP correspondent, Syrian mayor says Israel collected arms from locals in Golan buffer zone, France 24, 7 January 2025.

Syrian mayor says Israel collected arms from locals in Golan buffer zone

  • Emanuel Fabian. IDF to remain in five strategic posts in south Lebanon after Tuesday withdrawal, Times of Israel,17 February 2025.

IDF to remain in five strategic posts in south Lebanon after Tuesday withdrawal | The Times of Israel

  • Press TV, Turkey plans to establish military bases in Syria: Report, 3 February 2025

Turkey plans to establish military bases in Syria: Report

  • Barak Ravid, Israel warns HTS: Stay away from border or face consequences, shafak news,12 December 2024.

Israel warns HTS: Stay away from border or face consequences – Shafaq News

+ posts

باحث بالمرصد المصري

مينا عادل

باحث بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى