لبنانإسرائيل

جدل التمديد: هل ستنسحب إسرائيل من جنوب لبنان بنهاية مهلة اتفاق وقف إطلاق النار؟

أعلنت إسرائيل في 26 يناير الماضي 2025 رفضها الانسحاب من جنوب لبنان، مخالفةً بذلك اتفاقية وقف إطلاق النار الموقعة مع لبنان، والتي دخلت حيز التنفيذ في 27 نوفمبر الماضي، وتبرر إسرائيل موقفها بوجود ثغرات في تنفيذ الاتفاق من الجانب اللبناني. على إثر ذلك، أعلنت واشنطن عن تمديد قصير للاتفاق حتى 18 فبراير الجاري، وهو ما وافقت عليه بيروت أيضًا.

ومع اقتراب نهاية فترة التمديد، تصاعدت حدة التصريحات المتضاربة بين الطرفين؛ فقد أكد الجيش الإسرائيلي حصوله على موافقة أمريكية للبقاء في خمس نقاط بجنوب لبنان حتى 28 فبراير، وتشير مصادر أخرى إلى احتمالية تمديده إلى نهاية مارس، فيما نفت الرئاسة اللبنانية تلك الادعاءات، مشددةً على تمسكها بانسحاب كامل للقوات الإسرائيلية ضمن المهلة المحددة. وفي ظل هذا التوتر، تبرز تساؤلات عن مستقبل الوضع في جنوب لبنان، بما في ذلك هل ستنسحب إسرائيل فعلًا في الموعد المحدد؟ أم أن التمديد الحالي ليس سوى مقدمة لتوسيع وجودها العسكري على الأرض؟ هذا ما تحاول الورقة تحليله من خلال السطور التالية.

مع اقتراب نهاية مهلة التمديد لوقف إطلاق النار تثار تساؤلات حول الأسباب التي تدفع إسرائيل إلى التمسك بالبقاء في جنوب لبنان، رغم الضغوط الدولية والدعوات اللبنانية للانسحاب الكامل، ويبدو أن هذه الرغبة لا تنبع فقط من اعتبارات عسكرية آنية، بل تعكس أهدافًا أعمق تمتد إلى الأبعاد الأمنية والعسكرية والاستراتيجية، وحتى السياسية الداخلية. تنطلق دوافع إسرائيل من قناعة بأن انسحابها قبل تحقيق أهدافها قد يؤدي إلى إعادة التهديدات التي كانت سببًا رئيسًا لعملياتها العسكرية في الجنوب، ويتضح أن هذه الدوافع تتوزع على عدة مستويات.

من الناحية الأمنية، تبرر إسرائيل رغبتها في تمديد وجودها العسكري في جنوب لبنان لمنع السكان من العودة إلى المناطق الحدودية؛ إذ تخشى أن يوفر التوطين بيئة حاضنة لحزب الله، ما يعزز قدراته على إعادة التمركز جنوبًا. كما ترى إسرائيل أن حزب الله لم يلتزم بشروط وقف إطلاق النار، حيث أشار وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، إلى استمرار وجود قوات الحزب جنوب الليطاني، وهو ما يبرر من وجهة نظر إسرائيل استمرار وجودها لضمان أمن مستوطنات الشمال.

كما تربط إسرائيل استمرارها في الجنوب بغياب الانتشار الكامل للجيش اللبناني وتتذرع به، مؤكدةً أن قواتها لن تنسحب ما لم يتسلم الجيش اللبناني السيطرة التامة على المناطق التي أخلتها، وفي نفس الوقت يصر الجيش اللبناني على أن انتشاره يتوقف على انسحاب إسرائيل. وقد وثقت قاعدة بيانات النزاعات المسلحة (ACLED) وقوع 330 غارة جوية إسرائيلية و260 عملية تدمير ممتلكات منذ بدء الاتفاق حتى منتصف يناير، وتبرر إسرائيل استمرار وجودها بفشل الجيش اللبناني في السيطرة الكاملة على الجنوب لمنع إعادة بناء بنية حزب الله العسكرية.

إلى جانب ذلك، تواصل إسرائيل عملياتها العسكرية بذريعة استهداف البنية التحتية لحزب الله، عبر غارات جوية تقول إنها تستهدف مستودعات الأسلحة وطرق تهريبها. ويأتي هذا ضمن استراتيجية إسرائيل لإضعاف قدرات الحزب العسكرية. وقد تُظهر هذه الدوافع حرص إسرائيل على ربط بقائها بمفهوم “الدفاع الوقائي”، حيث ترى أن أي انسحاب قبل تحقيق السيطرة الأمنية الكاملة قد يعيد تهديد حدودها الشمالية.

كما تبرز أيضًا مجموعة من الدوافع الاستراتيجية للوجود الإسرائيلي وتمديده تتمثل في: الاحتفاظ بخمس نقاط استراتيجية على الأراضي اللبنانية وهي مناطق (العويضة والحمامص والعزية واللبونة وجبل بلاط)، التي من شأنها أن تمكن الجيش الإسرائيلي من مراقبة التحركات وقطع الطرق الحيوية التي تربط بين المدن الحدودية اللبنانية، من ناحية أخرى فإن تلك المواقع تطل على مساحات شاسعة من لبنان، وترى إسرائيل أن هذه المنطقة تشكل خط دفاع استراتيجي هام لها.

كما يظهر البعد الاستراتيجي في رغبة إسرائيل في إنشاء منطقة عازلة بعمق 3 إلى 10 كيلومترات، ما يبعد حزب الله عن الحدود ويخلق حاجزًا أمنيًا بين جبهتي غزة ولبنان. ورغم أن الاتفاق الأخير طالب الحزب بالرجوع خلف نهر الليطاني، فإن إسرائيل تسعى إلى تعزيز هذه المنطقة العازلة مستقبلًا. فرغم استعداد الجيش اللبناني للانتشار في الجنوب بعد الانسحاب الإسرائيلي، تظهر التطورات محاولات إسرائيل الحصول على موافقة أمريكية للاحتفاظ بخمس نقاط كوجود دائم، ما يكشف عن توجهها لإنشاء منطقة عازلة غير منصوص عليها في اتفاق نوفمبر، مع إبقاء هامش من السيطرة يمنع عودة حزب الله للحدود. 

من الناحية العسكرية، تسعى إسرائيل إلى ترسيخ وجودها عبر إنشاء مواقع عسكرية جديدة على طول الحدود اللبنانية، بل والتخطيط لإقامة بعضها داخل الأراضي اللبنانية، مما يشكل انتهاكًا مباشرًا لشروط اتفاق وقف إطلاق النار. ترتبط هذه التحركات باستراتيجية إسرائيلية أوسع تهدف إلى تقويض تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1701، الذي ينص على نزع سلاح الفصائل غير الحكومية في جنوب لبنان وتكريس سيطرة الدولة اللبنانية وحدها على المنطقة، وهذا البقاء العسكري لا يمثل خرقًا للهدنة فحسب، بل يقوض الأسس القانونية التي يرتكز عليها القرار الدولي.

كما تنعكس الأبعاد السياسية بشكل واضح في موقف القيادة الإسرائيلية التي تفضل استمرار الوجود العسكري في لبنان، حيث كشفت الخلافات السياسية الإسرائيلية عن تباين في الرؤى تجاه اتفاق وقف إطلاق النار الذي وافق عليه “الكابينت” الإسرائيلي في 27 نوفمبر 2024، وقد برزت معارضة قوية من وزير الأمن القومي المستقيل إيتمار بن جفير، إلى جانب رفض رؤساء المستوطنات الشمالية ومقاتلي الاحتياط الذين انتقدوا الاتفاق لأنه لا يتضمن إقامة منطقة عازلة على بعد عدة كيلومترات شمال الحدود. ووصفوا الاتفاق في بيان رسمي بأنه يمثل “إهمالًا إجراميًا”، معتبرين أنه يعرض أمنهم للخطر من خلال السماح لحزب الله بالعودة إلى مناطق قريبة من الحدود.

إذا تمكنت إسرائيل من ترسيخ وجودها العسكري في جنوب لبنان، سيترك ذلك تداعيات على عدة مستويات، أبرزها الداخل اللبناني. على المستوى الشعبي، سيؤدي الوجود الإسرائيلي إلى تفاقم معاناة آلاف المواطنين الذين لن يتمكنوا من العودة إلى قراهم الحدودية، وسط تهديدات أمنية مستمرة، حيث تتعرض حياة المدنيين للخطر بفعل استهداف القوات الإسرائيلية لأي تحركات قريبة من المنطقة. أما على الصعيد السياسي، فإن الحكومة اللبنانية الجديدة برئاسة نواف سلام تواجه تحديات داخلية ضخمة، أبرزها الإصلاحات الأمنية والاقتصادية، ما يجعل الوجود الإسرائيلي عاملًا يشتت تركيزها عن أولوياتها الملحّة. ويمثل هذا الوضع اختبارًا حقيقيًا للعهد الجديد، سواء على مستوى الرئاسة أو الحكومة، إذ سيكشف عن مدى قدرتهما على مواجهة المخاطر، وإثبات التزامهما بالدفاع عن سيادة لبنان وحماية مصالحه الوطنية.

من زاوية عسكرية وأمنية، قد تحقق إسرائيل مكاسب على الجبهة اللبنانية، لكنها تواجه في المقابل استنزافًا حادًا لمواردها؛ إذ تضع قواتها تحت ضغط عمليات عسكرية ممتدة، مع تصاعد أزمة تراجع مشاركة جنود الاحتياط المنهكين بعد عام من القتال. وسياسيًا يواصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو توظيف الخيار العسكري لصرف الأنظار عن الأزمات الداخلية وتعزيز موقفه السياسي، مستندًا إلى دعم الأوساط المقربة منه التي تؤيد القضاء على حزب الله وإنشاء منطقة عازلة، إلا أن تعدد جبهات الحرب التي تخوضها إسرائيل يلقي بظلال ثقيلة على اقتصادها، ما يفاقم أعباءها الاستراتيجية ويختبر قدرتها على الموازنة بين الطموحات العسكرية والضغوط الداخلية المتصاعدة.

رغم انحياز الولايات المتحدة التاريخي لإسرائيل، فإنها تلعب دورًا مزدوجًا يجمع بين الدعم العسكري والتنسيق السياسي مع محاولة الحفاظ على صورة “الوسيط المحايد”، فقد كان لواشنطن دور حاسم في التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان رغم كونها المورد الرئيسي للأسلحة لإسرائيل وحليفها الأول. فعلى المستوى الرسمي أبلغت الولايات المتحدة إسرائيل بوجوب الانسحاب من جنوب لبنان بحلول 18 فبراير، وأعلن المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، برايان هيوز، أن “الانسحاب لا يزال ضمن الجدول الزمني المحدد، ولم يُطلب أي تمديد”. ومع ذلك، تواصل إسرائيل محادثاتها مع الولايات المتحدة في محاولة لتغيير المعادلة على الأرض، ما يعكس هامشًا من المرونة في الموقف الأمريكي غير المعلن.

إضافة إلى ذلك، جاءت زيارة نائبة المبعوث الأمريكي الخاص للشرق الأوسط، مورجان أورتاجوس، إلى لبنان وإسرائيل، حيث جددت دعم بلادها لوقف إطلاق النار، لكن تخللت هذه الفترة تصعيدات عسكرية في جنوب لبنان؛ إذ استهدفت إسرائيل مواقع في لبنان وصفتها بأنها مراكز ذخيرة وإطلاق صواريخ لحزب الله مما قد يعكس دعمًا ضمنيًا أمريكًا لاستمرار الوجود الإسرائيلي. كما تشير التوقعات إلى أن “أورتاجوس”، التي ستعود إلى بيروت قريبًا، قد تستخدم ملف “المواقع الخمسة” كورقة ضغط على المسؤولين اللبنانيين، ما يوحي بوجود تفاهم ضمني بين واشنطن وتل أبيب على إبقاء نقاط المراقبة الإسرائيلية بعد الانسحاب الرسمي.

وفي ذات السياق، ذكرت هيئة الإذاعة والتلفزيون الإسرائيلية أن الولايات المتحدة وافقت على وجود عسكري إسرائيلي “طويل الأمد” في جنوب لبنان، وهو ما أكدته مصادر “رويترز” التي أشارت إلى سعي إسرائيل للحصول على تمديد لموعد الانسحاب، وهو ما قد يبرز ازدواجية واشنطن، حيث تتولى رئاسة اللجنة المشرفة على تنفيذ وقف إطلاق النار، ما يضعها في موقع الحكم، لكنها تبقي مصالح إسرائيل في الاعتبار. وبذلك يمكن القول إن واشنطن تدير موقفًا مركبًا يجمع بين الحفاظ على مصالح إسرائيل الاستراتيجية في الجنوب اللبناني وإدارة التوازنات مع لبنان والقوى الإقليمية، وهو ما يضمن استمرار حالة “اللا حرب واللا سلم” التي تسمح للولايات المتحدة بإبقاء نفوذها الإقليمي وتعزيز مكانتها كوسيط لا يمكن تجاوزه.

بعد استعراض الدوافع الإسرائيلية لتمديد الاتفاق والإشارة بصورة واضحة إلى تداعيات التمديد على الأطراف الفاعلة الأساسية، يمكن وضع مجموعة من السناريوهات التي تتمحور في ثلاثة تصورات محددة، وهي على النحو التالي: 

يقوم هذا السيناريو على فرضية التزام إسرائيل بجدول الانسحاب وفق ما أعلنته الولايات المتحدة، مستندًا إلى عدة مؤشرات تدفع نحو إنهاء الوجود العسكري الإسرائيلي في جنوب لبنان. أبرز هذه المؤشرات يتمثل في تنامي دور الجيش اللبناني، حيث تشير التحركات الأخيرة إلى تعزيز قدرته على فرض السيطرة في الجنوب، إلى جانب ذلك تلعب الضغوط الأمريكية دورًا محوريًا، إذ أكدت إدارة “ترامب” في تصريحاتها الأخيرة رفض أي تمديد للوجود الإسرائيلي، ما يزيد من احتمالات انسحاب تل أبيب التزامًا بالموقف الأمريكي، خاصة مع كون واشنطن الراعي الأساسي لاتفاق وقف إطلاق النار.من الناحية العسكرية، يعاني الجيش الإسرائيلي من إنهاك ميداني كبير بعد أكثر من عام من العمليات المتواصلة، وهو ما ألقى بثقله على قوات الاحتياط وأحدث استنزافًا اقتصاديًا واضحًا، مما قد يجعل الانسحاب مصلحة إسرائيلية لتخفيف هذه الأعباء العسكرية والمالية.

ومع ذلك فإن تحقق هذا السيناريو يظل ضعيفًا بالنظر إلى العوامل التي تدفع إسرائيل إلى التمسك بوجودها العسكري، أولها المخاوف الأمنية من عودة حزب الله إلى الجنوب، خاصة في ظل عدم وجود مؤشرات على انسحاب قواته من المناطق الحدودية، كما أن إسرائيل تعتبر الاحتفاظ بالنقاط الخمس الاستراتيجية، مثل “العويضة” و”جبل بلاط” جزءًا من أمنها القومي، نظرًا لدورها الحيوي في مراقبة التحركات ومنع تهريب الأسلحة إلى حزب الله. إضافة إلى ذلك، فإن التوازنات السياسية داخل إسرائيل، لا سيما المعارضة الشديدة من أوساط المستوطنين الشماليين وقيادات عسكرية نافذة، تجعل من الانسحاب الكامل خيارًا صعبًا سياسيًا. 

ورغم وجود مبررات قوية قد تدفع إلى الانسحاب الكامل، فإن السيناريو يظل ضعيف الاحتمال في ضوء المعطيات الأمنية والاستراتيجية التي تجعل إسرائيل أكثر ميلًا إلى تمديد وجودها العسكري، سواء عبر منطقة عازلة غير معلنة أو بالاحتفاظ بنقاط مراقبة استراتيجية.

يعتمد هذا السيناريو على مجموعة من المؤشرات التي تعكس ميل إسرائيل نحو البقاء لفترة أطول في جنوب لبنان، سواء عبر تمديد الاتفاق الحالي أو توسيع نطاق عملياتها العسكرية. من أبرز هذه المؤشرات، تزايد الحديث عن دعم أمريكي غير مباشر للوجود الإسرائيلي، حيث يُتوقع أن تحمل زيارة المبعوثة الأمريكية مورجان أورتاجوس رسالة بشأن السماح لإسرائيل بالاحتفاظ بالنقاط الخمس الاستراتيجية التي تطالب بها (العويضة، الحمامص، العزيزية، اللبونة، وجبل بلاط). حتى في حال لم تمنح واشنطن موافقة صريحة على التمديد، فإن دعمها السياسي والعسكري المستمر لإسرائيل يبقي هذا السيناريو مطروحًا بقوة.

على الجانب الإسرائيلي، لم تحقق تل أبيب بعد أهدافها الرئيسة التي دفعتها إلى التوغل جنوب لبنان، وعلى رأسها إنشاء منطقة عازلة تمتد لعدة كيلومترات، والتي كانت ضمن أولوياتها خلال اتفاق وقف إطلاق النار في نوفمبر 2024 ولم تتم الموافقة عليها. وتتمسك إسرائيل بوجودها لتحقيق ما تسميه “الأمن الوقائي”، من خلال رصد تحركات حزب الله وتعطيل خطوط إمداده. 

إضافة إلى ذلك، تسعى إسرائيل إلى استخدام وجودها العسكري كأداة ضغط طويلة المدى؛ بهدف إضعاف قدرات حزب الله، ومنع الحكومات اللبنانية المستقبلية من فرض سيادتها الكاملة على المناطق الحدودية. وترى إسرائيل أن استمرار وجودها سيبقي حزب الله في حالة استنزاف أمني وعسكري، مما يعرقل أي محاولات لإعادة تمركزه جنوب الليطاني.

لكن لهذا السيناريو –رغم أنه الأكثر قابلية للتحقيق- تداعيات خطيرة على الداخل اللبناني، فمن المرجح أن يؤدي استمرار الوجود الإسرائيلي إلى تصعيد التوترات الداخلية، خاصة مع تجدد عمليات حزب الله، وتصاعد الضغوط السياسية على الحكومة اللبنانية بقيادة نواف سلام، التي ستواجه اختبارًا حقيقيًا في التعامل مع الانتهاكات الإسرائيلية. كما أن استمرار الاحتلال قد يؤدي إلى زيادة وتيرة العنف المباشر، كما حدث في 26 يناير 2025 عندما أطلق الجيش الإسرائيلي النار على مدنيين حاولوا العودة إلى قراهم، ما أسفر عن مقتل 24 شخصًا، وهو من شأنه أن يدفع حزب الله إلى الرد، مما قد يعيد إشعال المواجهة العسكرية على نطاق أوسع.

يعد هذا السيناريو هو الأكثر ترجيحًا في ظل استمرار الدوافع الأمنية والسياسية الإسرائيلية، خاصة مع غياب ضغط دولي حاسم يجبرها على الانسحاب الكامل. ومع ذلك، فإن استمراره يحمل مخاطر كبرى، حيث قد يتسبب في انفجار الأوضاع من جديد، ويدخل المنطقة في دوامة من التصعيد يصعب احتواؤها.

يقوم هذا السيناريو على احتمال التوصل إلى تسوية سياسية جديدة تعيد ترتيب الأوضاع الأمنية في الجنوب اللبناني، عبر اتفاق مؤقت يمنع التصعيد دون أن يشمل انسحابًا إسرائيليًا كاملًا أو بقاءً عسكريًا دائمًا. تستند هذه الفرضية إلى الدور الأمريكي الذي يسعى إلى تحقيق توازن بين دعم إسرائيل ومنع تفجر الوضع الإقليمي، خاصة مع تصاعد التوترات على الحدود. كما تعكس زيارة المبعوثة الأمريكية مورجان أورتاجوس إلى بيروت مؤشرًا على جهود أمريكية لطرح تسوية تشمل حلًّا وسطًا بشأن النقاط الخمس التي تطالب بها إسرائيل، عبر ترتيبات أمنية مشتركة، مثل نشر قوات دولية مرجح أن تضم وحدات من الجيش الفرنسي بالتنسيق مع قوات اليونيفيل والحكومة اللبنانية.

رغم تمسك إسرائيل بموقفها، فإن استمرار محادثاتها مع الولايات المتحدة حتى بعد تحديد موعد الانسحاب يوحي بانفتاحها على حلول وسط، مثل الإبقاء على وجود أمني محدود أو آليات مراقبة مشتركة بمساعدة دولية، خاصة مع استنزاف جيشها ورغبتها في تخفيف الأعباء العسكرية. يمكن أن يتضمن الاتفاق تسليم بعض المواقع للجيش اللبناني مع بقاء وجود محدود في النقاط الاستراتيجية تحت إشراف دولي، وزيادة صلاحيات اليونيفيل لمنع التصعيد، مع تعهد لبناني بتكثيف الانتشار العسكري جنوب الليطاني للحد من أنشطة حزب الله، إلى جانب التزام متبادل بوقف الاستفزازات على الحدود.

مع ذلك، تبقى فرص تحقق هذا السيناريو محدودة بعض الشيء؛ إذ يتطلب تنازلات متبادلة يصعب على الأطراف تقديمها في ظل الظروف السياسية والعسكرية الحالية. لا تبدو إسرائيل مستعدة للتخلي عن أهدافها الأمنية المتعلقة بالمناطق العازلة، كما أن لبنان وحزب الله يرفضان أي ترتيبات تمس السيادة الوطنية. إضافةً إلى ذلك، تضعف التعقيدات الإقليمية وغياب الثقة بين الأطراف فرص الوصول إلى اتفاق جديد، مما يجعل هذا السيناريو نظريًا أكثر منه عمليًا في المرحلة الراهنة.

خلاصة القول، يبدو أن سيناريو تمديد الوجود الإسرائيلي في جنوب لبنان واردٌ للغاية، خاصة في ظل الدعم الأمريكي غير المباشر الذي يمنح تل أبيب مساحة أكبر للمناورة على الأرض. فرغم التصريحات العلنية الأمريكية التي تؤكد ضرورة الانسحاب وفق الجدول الزمني فإن استمرار المحادثات بين الجانبين يشير إلى احتمالات لصيغة وسطية تسمح لإسرائيل بالحفاظ على موطئ قدم أمني ولو محدود لكن بشكل مستمر. كما أن المصالح الأمريكية في استقرار المنطقة، مع ضمان أمن إسرائيل، قد تدفع واشنطن إلى تبني حلول تتيح لإسرائيل تحقيق بعض أهدافها الاستراتيجية دون إشعال مواجهة شاملة (اللا حرب واللا سلم). في ظل هذه المعطيات، يبقى تمديد الوجود الإسرائيلي، سواء عبر ترتيبات أمنية أو تسوية جزئية، السيناريو الأكثر ترجيحًا في المرحلة الراهنة.

المراجع

Website |  + posts

باحثة بالمرصد المصري

مريم صلاح

باحثة بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى