أوروبا

الانتخابات الألمانية وسط سياسة شديدة الاستقطاب

تشهد ألمانيا مرحلة سياسية حاسمة مع اقتراب الانتخابات العامة “المبكرة” المقررة في 23 فبراير 2025، والتي تأتي في ظل ظروف استثنائية تخللتها أزمات سياسية واقتصادية داخلية وخارجية أدت إلى انهيار الائتلاف الحاكم بقيادة المستشار “أولاف شولتز” وفشله في الحصول على ثقة البرلمان في ديسمبر 2024، مما أدى إلى تفاقم الأزمة السياسية وزيادة الضغوط نحو حلول جديدة.

جاء انهيار الائتلاف الألماني الحاكم المكون من “الحزب الاشتراكي الديمقراطي”، و”تحالف الخضر”، و”الحزب الديمقراطي الحر” على خلفية عدم التوافق حول السياسة المالية للبلاد، الأمر الذي كشف لاحقًا عمق الصراع الأيديولوجي بين الأحزاب الثلاثة وأنه لا يمكن التوفيق بينها لتحقيق نهج متنوع وشامل.

فقد تعثر الائتلاف في التوصل لاتفاق حول الميزانية الاقتصادية، حيث رغب المستشار الألماني “أولاف شولتز” وحزبه الديمقراطي بجانب حزب الخضر في التمتع بحريّة مالية أكبر مما تسمح به الميزانية في واقع الأمر، ومخالفة سياسة “كبح الديون” الدستورية المانعة للاقتراض، وذلك من أجل زيادة الإنفاق العام لمعالجة التفاوتات الاجتماعية وتكاليف المعيشة المرتفعة وتسريع التحول إلى الطاقة الخضراء وزيادة الإنفاق الدفاعي لدعم أوكرانيا في حربها مع روسيا، وهو ما تعارض مع سياسة الحزب الديمقراطي الحر، تحت قيادة وزير المالية كريستيان ليندنر، التي تشدد على المحافظة المالية وخفض الدين العام.

وعليه، أقدم “شولتز” على إقالة “ليندنر” من منصبه، ما دفع الحزب الديمقراطي الحر إلى الانسحاب من الائتلاف، لتنهار الحكومة معلنة عن فشلها وعدم فعاليتها لمعالجة القضايا الملحة، وهو الأمر الذي انعكس بالسلب على ثقة المواطنين في أحزاب الائتلاف، كما جعل الاختيارات للحكومة القادمة أكثر تعقيدًا في ظل التباين بين المنافسين حول الملفات المختلفة، ومحاولة بعض الأحزاب المنبوذة الاستفادة من حالة الاستقطاب أكثر من أي وقت مضى.

توجد مجموعة من الملفات المتشابكة التي تلعب دورًا مهمًا في تحديد خيارات الناخب الألماني في الانتخابات المقبلة، وهي على النحو التالي:

الاقتصاد: كان ملف الاقتصاد المتسبب الرئيس في انهيار الحكومة السابقة، ولذلك سيمثل الاستقرار الاقتصادي أولوية قصوى للناخبين في انتخابات 2025؛ فألمانيا حاليًا تعاني من الركود للعام الثاني على التوالي بعد أن كانت المحرك الاقتصادي لأوروبا، فقد تراجع إجمالي الناتج المحلي بواقع 0.2% عام 2024، بعد انكماش بنسبة 0.3% في 2023، وفقًا للأرقام الصادرة عن مكتب الإحصاء الاتحادي الألماني “ديستاتيس”.

ولم يكن التعافي من الركود سهلًا بعد جائحة كورونا، التي أثرت على سلاسل التوريد وأدت إلى تباطؤ الطلب العالمي على الصادرات الألمانية، فضلًا عن أزمة الطاقة جراء الحرب الروسية الأوكرانية. ومن المتوقع أن تشهد برلين ركودًا هذا العام أيضًا، وفقًا لمجلة “الإيكونوميست” البريطانية، حيث ترى أن ألمانيا تشهد أطول فترة ركود منذ الحرب العالمية الثانية.

وتعد المشاكل الاقتصادية التي تقع على عاتق ألمانيا ليست سهلة الإصلاح؛ كون برلين تعتمد على الصناعات التحويلية (كالسيارات والصناعات المعدنية وصناعة الورق) التي تستهلك كمًا كبيرًا من الطاقة عالية التكاليف، في ظل وجود منافس قوي وهو الصين، مع الاعتماد على أسواق التصدير مثل الصين والولايات المتحدة. وهذه نقطة ضعف تجعلها أكثر عرضة للتهديدات الخارجية بالاستغناء على الواردات الألمانية. وفي نفس الوقت، تعاني ألمانيا من تقادم البنية التحتية ونقص الإسكان وتدهور الخدمات العامة وضعف الحد الأدنى للأجور بواقع 12.82 يورو/ساعة، في ظل الالتزام الدستوري بـ “مكابح الديون” الذي يحد من قدرة الحكومة على الاقتراض، وهو الأمر الذي أثر على تلبية برلين لهذه المتطلبات الملحة. 

الهجرة: يرى الكثير من المواطنين الألمان أن قضايا الهجرة واللجوء من أهم الموضوعات التي تحتاج إلى تركيز سياسي، خاصة بعد حادثة الدهس بـ “ماجدبورج” ومن بعدها حادثة الطعن في “بافاريا”، التي قتل خلالها طالب لجوء أفغاني طفلًا ووالده، ذلك وصولًا إلى حادث الدهس في ميونيخ في 13 فبراير قبيل انعقاد مؤتمر ميونيخ للأمن والذي نفذه طالب لجوء أفغاني أيضًا ما أدى إلى إصابة نحو 28 شخصًا. ما دفع الأحزاب السياسية لاتخاذ مواقف أكثر صرامة تجاه القضية.

التفاوت الاجتماعي: إلى جانب قضايا الهجرة والاقتصاد، تظهر تحديات أخرى تتعلق بمستوى التفاوت بين الطبقات الاجتماعية والصراعات الثقافية، حيث تشير النتائج إلى أن 24% من الألمان يشعرون بأنهم مهمشون مقارنة بالآخرين، وهي نسبة شهدت ارتفاعًا كبيرًا منذ عام 2018، وظهر تأثيرها في الانتخابات المحلية الأخيرة التي عكست حالة الاستقطاب الشعبوي بين الناخبين وتفضيلاتهم.

السياسة الخارجية: على الصعيد الخارجي، فمن الأمور التي تشغل اهتمامات الناخبين هو دور ألمانيا في الاتحاد الأوروبي، ويتعلق هذا الدور بالمساهمات المالية في الاتحاد، والتضامن مع الدول الأعضاء عبر الأزمات، وتحقيق التوازن بين السيادة الوطنية وسيادة الاتحاد الأوروبي، بما لا يؤثر على الاهتمام بالشأن الداخلي، حيث أدت التبعيات السلبية للحرب الروسية الأوكرانية والانشغال الأوروبي بها إلى استياء شعبي كبير. 

كل ذلك بجانب تأثير عودة ترامب على الاتحاد الأوروبي وألمانيا على وجه الخصوص، إذ سيتعين على برلين التكيف مع القرارات غير المتوقعة من قبل الرئيس الأمريكي وسياسته الخارجية الصارمة تجاه الاتحاد الأوروبي، لاسيما بشأن زيادة الإنفاق الدفاعي داخل حلف الناتو إلى نسبة 5%، وتطوير القدرات العسكرية الألمانية بشكل أسرع، بجانب القرارات الاقتصادية التي يريد “ترامب” فرضها على الواردات الألمانية والأوروبية إلى الولايات المتحدة، وهو ما سينتج عنه فصل جديد من التوترات بين البلدين.

ستكون هذه الانتخابات بمثابة اختبار لقوة الأحزاب السياسية الرئيسة وقدرتها على تقديم رؤية واضحة لقيادة البلاد في مرحلة مليئة بالتحديات، خاصة وأن الإحباط المتنامي من الائتلاف السابق قد خلق إحساسًا بين الناخبين بأن الأحزاب التقليدية باتت عاجزة عن تلبية توقعاتهم، ويمكن استنتاج ذلك من صعود الأحزاب الصغيرة والحركات الشعبوية وتقدمها في استطلاعات الرأي، بسبب الرغبة المتنامية في إيجاد حلول للفوضى التي لم يستطع الائتلاف السابق حلها.

ومن المقرر أن يشارك 60.4 مليون ألماني -فوق سن 18 عامًا- من أصل 83.1 مليون مواطن في الانتخابات القادمة. ويقوم قانون الانتخاب الألماني على التمثيل النسبي والشخصي، وهذا النظام -في كثير من الأحيان- يؤدي إلى حكومات ائتلافية. وفي كل دائرة من 299 دائرة انتخابية يتم انتخاب شخصية بشكل مباشر، عبر الصوت الأول، ومن خلال الصوت الثاني يمكن انتخاب أحد الأحزاب، وبهذه الطريقة يتم شغل 733 مقعدا في البرلمان الألماني “البوندستاج”. 

ومن الجدير بالذكر أن المشاركة تقتصر على الأحزاب التي تحقق نسبة 5% على الأقل من أصوات الناخبين، ومن ثمّ يتم اختيار رئيس الحكومة من خلال أعضاء البرلمان، وعادة ما يكون مرشح الحزب الذي يحظى بالغالبية. وبالنظر إلى استطلاع رأي أجرته مؤسسة “YouGov” حول أبرز الأحزاب المشاركة في الانتخابات وبرامجها ومرشحيها لمنصب المستشار الاتحادي نجد أننا أمام: 

  • حزب “الاتحاد المسيحي” “CDU/CSU” 

فريدريش ميرتس، CDU/CSU يجمع بين اتحاد “الحزب الديمقراطي المسيحي”/”الاتحاد الاجتماعي المسيحي”، والذي يعد الكتلة المعارضة في البلاد، والتي استفادت من إخفاقات الحكومة السابقة. ويقود الحزب فريدريش ميرتز، الذي تشير الاستطلاعات إلى أنه يتمتع بأفضل الفرص ليصبح مستشار ألمانيا الجديد بنسبة 30% من الأصوات وحصول حزبه على أكبر عدد من الأصوات، كونه الأقوى بين المرشحين للتعامل مع “ترامب”، بجانب تركيزه في المقام الأول على إنعاش الاقتصاد الألماني المتعثر عبر برنامجه الذي يحمل اسم “أجندة 2030″، والذي يَعِد بخفض الضرائب على الشركات والأسر، و”تفكيك” البيروقراطية، وتعزيز الاستثمار في البحث والتطوير، وكذلك إلغاء القيود التنظيمية الخضراء وخفض مزايا الرعاية الاجتماعية.

ولكن مع ذلك وبسبب حادثة الطعن في بافاريا في يناير 2025، قدم حزب “ميرتز” اقتراحًا–غير ملزم- يدعو إلى تشريعات أكثر صرامة بشأن الهجرة، بما في ذلك إصلاحات محتملة للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان؛ لتحقيق مزيد من السيطرة على عمليات اللجوء، وقد حصل هذا المقترح على أغلبية ضئيلة في البرلمان بفضل أصوات حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني، والاتفاق مع هذا الحزب تواجهه معارضة شرسة في عرف السياسة الألمانية.

وقد تسبب هذا الأمر في حالة من الغضب الشديد في الوسط الألماني تُرجم إلى أرض الواقع إلى تظاهرات تضم مئات الألاف من المواطنين المعترضين على التعاون بين الحزبين، بجانب هجوم الأحزاب التي كانت متوقعة أن تتحالف مع حزبه عليه، الأمر الذي دفع “ميرتز” إلى الدفاع في البداية ثم التبرير والوعد بمنع أي تعاون رسمي مع حزب “البديل من أجل ألمانيا” في المستقبل، وتم رفض مشروع القانون عقب رفض 12 نائبًا من الحزب، وهذا مؤشر على الانقسامات الداخلية بين أعضائه، وأن القدرة على تشكيل حكومة مستقرة أمر غير مؤكد.

  • حزب “البديل من أجل ألمانيا” “AFD”

أليس فايدل، AfDهو حزب يميني ، تقوده “أليس فايدل”. استغل الاستقطاب السياسي الحالي في ألمانيا واستياء الرأي العام من الأحزاب الرئيسة لصالحه ليشهد توسعًا في قاعدته الشعبية ويحتل المرتبة الثانية في استطلاعات الرأي، خاصة في بعض المناطق شرق ألمانيا وبين المتضررين من الفوارق الاقتصادية والانقسامات الثقافية المتعمقة في المجتمع، ما عزز مكانته كقوة سياسية رئيسة.

ويركز الحزب في المقام الأول على “سياسة مكافحة الهجرة”، وهو أهم أهداف اليمين تحت ذريعة الحفاظ على الهوية الوطنية والأمن، بجانب التشكك في الاتحاد الأوروبي وسياساته، وإعطاء الأولوية للداخل بدلًا من القضايا الخارجية والصراعات العالمية، فضلًا عن رفض السياسات الخضراء شكلًا وموضوعا كونها تشكل تهديدا للصناعات والاقتصاد.

ولكن مع تلك الشعبية، تتضاءل فرص الحزب في المشاركة في الحكومة، حيث ترفض جميع الأحزاب الأخرى التحالف معه، وتعقد –ضمنيًا- اتفاقًا يقتضي عزل اليمين حتى ولو على سبيل التضامن أو موافقته في الرأي. ولهذا تشير التوقعات إلى أن الحزب سيكون قوة “المعارضة” الكبرى الضاغطة في البرلمان، وسيكون قادرًا على إثارة القضايا اليمينية وإشعال الرأي العام وإبطاء العمليات التشريعية داخليًا وخارجيًا فيما يتعلق بالاتحاد الأوروبي، ما قد يعزز فرصه الانتخابية في انتخابات 2029.

  • الحزب الاشتراكي الديمقراطي “SPD” 
أولاف شولتس، SPD

يعد هذا الحزب من أقدم الأحزاب في ألمانيا، وكان في البداية حزبًا عماليًا اشتراكيًا، ليتحول بعد ذلك إلى حزب جماهيري يساري مقرب من النقابات، يركز في المقام الأول على تحقيق العدالة الاجتماعية. وكان هذا الحزب مشاركًا في الائتلاف الأخير بقيادة المستشار “أولاف شولتز”، والمرشح كمستشار عن الحزب في هذه النسخة من الانتخابات.

ولكن استطلاعات الرأي الأخيرة تشير إلى أن “شولتز” وحزبه لا يتمتعان بفرصة كبيرة للفوز، بسبب عدم القدرة على القيادة وإدارة الاقتصاد، وتحمل الحزب مسؤولية تردي الأوضاع في ألمانيا، بجانب اتسام قراراته بكونها “ردود أفعال” بدلًا من كونها استباقية، فضلًا عن عدم توفيقه بين أولويات الحزب في إطار الائتلاف مع الأحزاب الأخرى، وهو ما تسبب في تراجع ثقة الناخبين.

وحاليًا، يحاول الحزب إعادة بناء الثقة مع قاعدته الانتخابية من رجال الأعمال والمحافظين ماليًا، عبر التأكيد على الإصلاحات المالية للأعمال التجارية، وخفض الضرائب، ورفع الحد الأدنى للأجور بواقع 15 يورو/ساعة، وتمويل مشاريع البنية التحتية، فضلًا عن تأييد العودة الطوعية للمهاجرين وترحيل المجرمين. أما خارجيًا، يدعم الحزب مواصلة تسليم الأسلحة إلى أوكرانيا بحكمة وتناسب، مع معارضة تسليم صواريخ كروز من طراز “توروس” التي طلبتها أوكرانيا، إلا في ظروف استثنائية. 

  • حزب الخضر “Grüne” 

روبرت هابيك، الخضر يقوده “روبرت هابيك”، وزير الاقتصاد الحالي، الذي يمتلك فرصة ضئيلة في الوصول إلى منصب المستشار. ويركز الحزب في المقام الأول على التغيير البيئي في الاقتصاد والمجتمع بجانب خفض الضرائب وفرض ضرائب أعلى على الأثرياء، مع تأييد سياسة الهجرة التي تدور حول التوزيع العادل والملزم والقائم على التضامن للأشخاص الذين يطلبون الحماية في أوروبا.

وتعتبر “سياسة المناخ” حجر الزاوية للحزب، ولكنها لا تحظى بقبول مجتمعي للغاية، فهناك نسبة تؤيد اتخاذ إجراءات جريئة لمكافحة تغير المناخ، ولكنها ترى أن الحزب لم يفعل ما يكفي أثناء مشاركته في الائتلاف الحكومي، وهناك فئة أخرى لديها تحفظات على الآثار الاقتصادية لتلك الإجراءات التي قد تؤدي إلى تعثر قطاع الصناعة.

وتشير التوقعات إلى أن حزب “الخضر” قد يواجه نوعًا من التهميش في الحكومة الجديدة، في ظل حالة الاستقطاب الشديدة وعدم وضع قضايا البيئية في أولويات القضايا التي تهم الناخبين، وهذا أمر قد يتطلب مجهودًا كبيرًا من حزب الخضر لإعادة قضاياه نحو الصدارة.

  • الحزب الديمقراطي الحر “FDP”
كريستيان ليندنر، FDP

هو حزب ليبرالي يقوده “كريستيان ليندنر”، وزير المالية السابق الذي أقاله شولتز من الائتلاف السابق وتسبب انسحاب حزبه في انهيار الحكومة. ويعد “ليندنر” ليبراليًا اقتصاديًا يركز على الإصلاحات الهيكلية بخفض الضرائب على الشركات إلى أقل من 25%، ويدعو إلى “سن مرن” للتقاعد، مع جعل الهجرة إلى ألمانيا “أكثر تنظيمًا”. 

وخارجيًا، ينص برنامج الحزب على ضرورة أن تكون أوكرانيا قادرةً على الدفاع عن نفسها ضد قواعد الإطلاق وخطوط الإمداد على الجانب الروسي بأسلحة بعيدة المدى، بما في ذلك صواريخ توروس. ولكن مع ذلك، تشير استطلاعات الرأي إلى أن هناك مخاوف من عدم حصول الحزب على نسبة الـ 5% اللازمة لدخول “البوندستاج”.

  • حزب اليسار “Die Linke”

يان فان أكين وهايدي رايشينيك، اليساريقوده “يان فان أكين” و”هايدي رايشنيك”، ويدعو الحزب إلى مواقف اشتراكية مناهضة للفاشية، ويركز اقتصاديًا على الإسكان غير الربحي، وخفض ضريبة القيمة المضافة وفرض ضرائب على الأثرياء فقط، ورفع الحد الأدنى للأجور، مع خفض سن التقاعد إلى 65 عامًا وتحسين استحقاقات المعاشات، هذا بجانب رفض اتباع نهج متشدد إزاء المهاجرين، وعدم فرض قيود على اللجوء. وتستند احتمالات عودتهم إلى “البوندستاج” إلى الأمل في وجود بعض الممثلين المنتخبين بشكل مباشر، كما تشير استطلاعات الرأي إلى أن الحزب سيحصل على نسبة 5% فقط.

  • حزب “BSW” تحالف سارة فاجنكشيت 

سارة فاغنكنيشت، BSWوهو حزب جديد منشق عن حزب اليسار في أوائل عام 2024، وسيشارك في الانتخابات للمرة الأولى، وحقق في الانتخابات المحلية بشرق ألمانيا نتائج تتراوح بين 11.8%- 15.8% متفوقًا على حزب اليسار، كما حقق تقدمًا لافتًا في الانتخابات الأوروبية في يونيو 2024، حيث حصل على نسبة 6.2% بسبب خطابه الشعبوي الذي يجذب شرائح ناخبين غاضبين من التحديات الاقتصادية والاجتماعية.

وتشير استطلاعات الرأي إلى أنه من الممكن أن ينجح في دخول “البوندستاج” بتحقيق عتبة الـ 5% اللازمة، وسط احتمالات أخرى بصعوبة تحقيق ذلك؛ كون الحزب لا يحظى بدعم كبير في غرب البلاد حيث يعيش أكثر من 80% من الناخبين.

أما عن الاهتمام بالقضايا المطروحة، يعارض الحزب السياسات الخضراء ويدعو إلى استيراد المزيد من الوقود الأحفوري، كما يدعو إلى فرض ضرائب أعلى على الأثرياء ورفع الحد الأدنى للأجور وتحسين استحقاقات المعاشات، وتطبيق إجراءات مشددة ضد الهجرة كإتمام معاملات طلبات اللجوء خارج الاتحاد الأوروبي إلى دول ثالثة “آمنة” وترحيل اللاجئين المجرمين.

أما على مستوى السياسة الخارجية، فيصف الحزب نفسه كحزب “السلام الوحيد” في البرلمان الألماني؛ إذ يرفض بحزم التسلح المتزايد وإرسال المزيد من الدعم إلى مناطق الحرب، كما أن له تصورًا واضحًا في كيفية إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، وهو الوقف الفوري لإطلاق النار من دون شروط مسبقة واتباع نهج التفاوض مع إزالة العقوبات عن روسيا. وعن السابع من أكتوبر، يرى الحزب أن جميع القوى الكبرى في المنطقة تخوض صراعاتها على حساب الشعوب، وأن إسرائيل حولت الدفاع عن نفسها ضد حماس إلى حملة انتقام وإبادة مستهترة ضد النساء والأطفال في قطاع غزة.

سيناريوهات شكل الائتلاف الحكومي القادم

لا شك أن الاختلافات السياسية بين الأحزاب ستؤدي إلى أن تتبع عملية الانتخابات محادثات ائتلافية صعبة ومطولة من أجل تشكيل حكومة يلعب التوافق بين أحزابها دورًا محوريًا. ومن الممكن أن يوفر الائتلاف المكون من حزبين حكومة أكثر استقرارًا وأسرع في اتخاذ القرار، في حين قد يؤدي الائتلاف المكون من ثلاثة أحزاب إلى عدم الاستقرار وإطالة أمد حالة عدم اليقين السياسي على المستوى المحلي وداخل الاتحاد الأوروبي. وعليه، نحن أمام عدة تصورات للشكل الذي ستكون عليه الحكومة الألمانية القادمة:

  1. حصول التكتل المحافظ المسيحي (CDU/CSU) على غالبية الأصوات، ما يجعل الائتلافات إما ثنائية أو ثلاثية مع:
  • (أسود-أصفر) مع الحزب الديمقراطي الاجتماعي “FDP” 
  • احتمال تشكيل الائتلاف ضعيفة، نظرًا لاحتمالية عدم قدرة “FDP” على تحقيق نسبة الـ 5%، وكذلك الانسحاب من الحكومة السابقة أضعف موقفه كشريك موثوق.
  • الحكومة ستبني أجندة أكثر محافظة ماليًا، ما يعني إعطاء الأولوية لخفض الضرائب وإلغاء القيود التنظيمية لتعزيز النمو والاستثمار للقطاع الخاص، ومقاومة إصلاحات نظام كبح الديون، ما قد يؤدي إلى إبطاء مشاريع الاستثمار العام.
  • سوف تشدد سياسات الهجرة، ولكن التغييرات الجذرية ستظل غير مرجحة بسبب التعارض مع برنامج الحزب الديمقراطي الاجتماعي.
  • من غير المرجح أن تعود ألمانيا إلى الطاقة النووية التقليدية القائمة على الانشطار، وسيستمر تفكيك محطات الطاقة النووية المتوقفة عن العمل.
  • استمرار الحذر بشأن العلاقات مع الصين، سعيًا لمنع أي نزاع تجاري قد يهدد الصناعات الألمانية، مع معارضة التعريفات الجمركية التي يفرضها الاتحاد على الصين.
  • قد تتخذ الإدارة الألمانية موقفًا أقل حزمًا فيما يتعلق بدعم أوكرانيا.
  • (أسود- أخضر) مع حزب الخضر “Grüne”
  • يعتبر حزب “الخضر” بديلًا أقل احتمالًا؛ وذلك تخوفا من فرض أجندته البيئية والليبرالية والاجتماعية على حكومة المسيحيين المحافظة، والتي تؤثر على ارتفاع أسعار الطاقة.
  • مع ذلك، ستركز الحكومة على القدرة التنافسية الاقتصادية وأمن الطاقة، وبالتالي ستكون أكثر طموحًا في سياسة المناخ، وتسريع الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة والبنية الأساسية الخضراء.
  • هذا من شأنه أن يعزز الاستثمار ولكنه يؤجج التوترات بشأن تقليل الموازنة المخصصة للحماية الاجتماعية.
  • إقامة علاقات أوثق مع إدارة ترامب للتخفيف من خطر رفع الرسوم الجمركية الأميركية، وزيادة الاستثمار في تصنيع السيارات الأميركية، وزيادة واردات الغاز الطبيعي المسال الأميركي، لمواصلة جهود التنويع بعيدًا عن الغاز الروسي.
  • قد تتخذ ألمانيا موقفا أكثر حزما في السياسة الخارجية بشأن دعم أوكرانيا بينما تتصرف بشكل أكثر تشددا تجاه روسيا والصين، بما يتماشى مع المصالح الأمنية الأمريكية مع تعزيز جهود الدفاع الألماني على مستوى الاتحاد الأوروبي والناتو.
  • (أسود- أحمر) مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي “SPD”
  • هذا الائتلاف أقل احتمالًا بسبب تراجع شعبية الحزب الاشتراكي الديمقراطي، وخوفا من تعطل عمليات الإصلاحات الهيكلية.
  • تعطي الحكومة الأولوية إلى تحفيز الاقتصاد الألماني وتعزيز القدرة التنافسية، بما في ذلك إصلاح حدود الاقتراض الدستورية لخلق مساحة إضافية للتحفيز والاستثمار في البنية التحتية والدفاع.
  •  سيتم التركيز على التخفيضات الضريبية المعتدلة والإعانات الصناعية المستهدفة، والحفاظ على برامج الرعاية الاجتماعية الرئيسية مع إبقاء مستويات الديون تحت السيطرة.
  • تنفيذ سياسة هجرة أكثر صرامة، والتركيز على الأمن وضوابط الحدود، وهذا قد ينتج عنه مخاوف تتعلق بزيادة تهديدات الهجمات الانتقامية من قبل جهات متشددة.
  • اتباع سياسة مناخية أقل طموحًا، مع التركيز على أمن الطاقة والقدرة التنافسية الاقتصادية، وتقديم دعم متزايد للصناعات التقليدية مثل قطاع السيارات والقطاعات كثيفة الاستهلاك للطاقة.
  • ائتلاف ثلاثي مع الأحزاب السابقة
  • وهذا النوع من الائتلافات من شأنه أن يضعف القيادة السياسية في ألمانيا، حيث تعمل الانقسامات الداخلية حول السياسات المالية والاقتصادية والدفاعية على تعقيد مفاوضات الميزانية والتنسيق الاقتصادي في بروكسل، فضلًا عن تأجيج الاستياء الشعبي.
  • الاتفاق على تخفيف القيود الدستورية المفروضة على الديون (عدا FDP) لتحفيز الاقتصاد وتمويل البنية الأساسية والتحول الرقمي ومشاريع التحول في مجال الطاقة ودعم الاستثمار المؤسسي.
  • ستظل السياسة المالية حول الاقتصاد والقضايا الاجتماعية مصدرا للتوتر داخل الائتلاف، نظرًا للانقسامات الأيدلوجية حول أولويات الانفاق. وعليه سيتم البحث عن حلول وسط تحد من الزيادات الضريبية، مما يجبر الحكومة على إعادة تخصيص الإنفاق بطرق تخلق حالة من عدم اليقين الاقتصادي.
  • سيتبنى الائتلاف سياسة مناخية أكثر عملية، ويحافظ رسميًا على أهداف طويلة الأجل مثل صافي الصفر بحلول عام 2045، ولكن مع تأخير أو تقليص أو تعديل تدابير المناخ والاستدامة الرئيسية للحد من الضغوط التنظيمية على القطاع الصناعي المتعثر.
  • إعطاء الأولوية لأمن الطاقة وتنويعها، وتوسيع وارداتها من الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة وقطر مع الاستثمار في محطات الغاز الطبيعي المسال.
  • سيقدم الائتلاف تنازلات بشأن سياسة الهجرة، بما يوازن بين مطالب الشركات بتوسيع القوى العاملة، وترحيل المجرمين وطالبي اللجوء المرفوضين.
  • زيادة الإنفاق الدفاعي مع التركيز على التزاماتها تجاه حلف شمال الأطلسي، وإعطاء أولوية لتعاون دفاعي أكبر بين الاتحاد الأوروبي، وتعزيز مشاريع الدفاع الأوروبية المشتركة.
  • تبنّي برلين موقفًا أكثر صرامة تجاه روسيا وزيادة دعمها لأوكرانيا، ما يعزز من التوافق مع إدارة ترامب بشأن قضايا الدفاع، وبالتالي تخفيف التوترات التجارية مع الولايات المتحدة، ورفع احتمالات إنشاء مهمة حفظ سلام أوروبية في أوكرانيا بعد انتهاء الحرب.
  • تشديد فحص الاستثمارات مع الصين في القطاعات الحيوية مع تجنب فرض تعريفات جمركية على الواردات الصينية على مستوى الاتحاد الأوروبي لحماية الصناعات الألمانية من الانتقام.
  • ائتلاف مع “البديل من أجل ألمانيا ADF”
  • سيناريو ضعيف بسبب التقليد القوي للأحزاب السائدة في ألمانيا في تجنب التعاون مع اليمين. وحال تحققه، سيمثل تحولًا جذريًا نحو القومية، ليس فقط داخل ألمانيا ولكن عبر الدول الأوروبية الأخرى، بما يعطي الأولوية لسياسات الهجرة الصارمة، وعكس القواعد البيئية، وتحدي الالتزامات تجاه الاتحاد الأوروبي.
  • فيما يتعلق بالسياسة المالية، يعترض حزب البديل لألمانيا على أي تعديل لكبح الديون، وستتجه الحكومة بدلًا من ذلك للتخفيضات الضريبية وإلغاء القيود التنظيمية لتحفيز النمو وتقليص إعانات الرعاية الاجتماعية والتحول في مجال الطاقة لتمويل الاستثمار في البنية التحتية والرقمنة.
  • سيؤدي التحالف إلى إثارة الاضطرابات الداخلية، وعدم اليقين الاقتصادي، مما يزيد من استقطاب المشهد الاجتماعي والسياسي.
  • قد تتجاوز برلين عبر هذا الائتلاف قواعد التجارة الخاصة بالكتلة الأوروبية، وتقوم بالتفاوض وحدها على صفقاتها الخاصة على أساس ثنائي لحماية الصادرات الألمانية من الرسوم الجمركية المتزايدة، وهذا قد يواجه رد انتقامي من بروكسل.
  1. تشكيل ائتلاف يساري متعدد الأحزاب بقيادة “الحزب الاشتراكي الديمقراطي”، ويضم حزب “الخضر”، وتحالف “سارة فاجنكنيخت”، وحزب “اليسار”:
  • من شأن هذه الحكومة أن تدفع باتجاه توسيع الإنفاق العام على البنية الأساسية والبرامج الاجتماعية والتحول الأخضر، ونموذج اقتصادي أكثر توجها نحو الدولة، ما يغذي مخاوف الشركات والمستثمرين.
  • ستشهد تلك الحكومة تصادمات عدة فيما يتعلق بملف الهجرة، ما يعقد عملية اتخاذ القرار.
  • ستشهد السياسة الخارجية انقسامات عدة، خاصة فيما يتعلق بمعارضة اليسار وحزب “BSW” التزامات حلف الناتو والمساعدات العسكرية لأوكرانيا، وتفضيلهم المفاوضات الدبلوماسية مع روسيا، وهو ما قد يضعف الموقف الأمني لألمانيا داخل حلف الناتو.
  • تبني خطاب معادي للولايات المتحدة، والدفع نحو مزيد من الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي يفرض ضغوطا على العلاقات عبر الأطلسي.
  • معارضة التعريفات الجمركية التي يفرضها الاتحاد الأوروبي على السلع الصينية، مع إعطاء الأولوية للعلاقات التجارية لحماية الصادرات الألمانية، وهذا سيضعف من تحالف ألمانيا مع جهود واشنطن وبروكسل لمواجهة النفوذ الاقتصادي للصين.
  • هذا السيناريو من شأنه أن يدفع نحو تأخير اتخاذ القرارات التشريعية الرئيسية ووضوح القواعد التنظيمية، وإطالة أمد المفاوضات وزيادة عدم اليقين السياسي، وبالتالي ضعف زعامة ألمانيا داخل الاتحاد الأوروبي.

ختامًا، تعد هذه الانتخابات ذات أهمية بالغة، حيث تتجاوز نتائجها الحدود الألمانية لتؤثر على المشهد الأوروبي والعالمي، كونها توضح الدور القيادي الألماني داخل الاتحاد الأوروبي وطريقة التعامل مع التحديات العالمية. ومع ذلك، تظل التوقعات حول القيادة الألمانية القادمة غامضة، حيث لا يمكن الجزم بشكل تكوينها في ظل مشهد سياسي متقلب وشديد الاستقطاب.

  1. “انهيار الائتلاف الحاكم”، Deutschland.de، https://tinyurl.com/ymt3zn7
  2. ” Federal Statistical Office of German”، Destatis،  https://tinyurl.com/mr3px5f3
  3. ” Germany’s economy goes from bad to worse”، The Economist، https://tinyurl.com/pzswepub
  4. “حقائق عن ألمانيا: البرلمان والأحزاب”، Deutschland.de، https://tinyurl.com/ba3wm4m
  5. “المعركة الانتخابية في ألمانيا: ماذا تريد الأحزاب؟”، Deutschland.de، https://tinyurl.com/3cbku5hk
  6. “Scholz hardens rhetoric on migrants after fatal knife attack”، Politico، https://tinyurl.com/3zfbcjz6
  7. “أوروبا بمفردها.. ترامب يبدأ معركة زيادة الإنفاق الدفاعي لـ”الناتو””، القاهرة الإخبارية، https://tinyurl.com/36vx722p
  8. “أبرز المرشحين في انتخابات البوندستاغ”، Deutschland.de، https://tinyurl.com/mwh25hns
  9. ” Das zweite MRP-Wahlmodell von YouGov sieht 6 Parteien im Bundestag”، Yougov، https://tinyurl.com/4m4r3mxa
  10. ” German election 2025: What’s in the party programs?”، DW، https://tinyurl.com/47p6733p
  11. ” Merz doubles down on gambit with German far right in combative speech”، The Guardian، https://tinyurl.com/4w94c2jz
  12. ” Germany’s Christian Democrats lift ‘firewall’ against far right”، Le monde، https://tinyurl.com/yj7m9khx
  13. ” Can Friedrich Merz still fix Germany?”، Financial Times، https://tinyurl.com/yxjvct24
  14. ” الانتخابات الألمانية 2025: سارة فاغنكنيشت أمام تحدي مفصلي”، DW، https://tinyurl.com/ds8rnhht
  15. “Germany’s Election: Potential Outcomes and Their Implications”، Straftor، https://tinyurl.com/pwahdpf
Website |  + posts

باحثة بالمرصد المصري

مي صلاح

باحثة بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى