
تسريع انتقال الطاقة الخضراء ضمن المرحلة الثانية لممر الصين-باكستان الاقتصادي
يُعد مشروع الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان أحد أبرز المبادرات الاقتصادية في منطقة جنوب آسيا، ويهدف إلى تعزيز التعاون بين البلدين في مختلف المجالات، بما في ذلك البنية التحتية والطاقة والتجارة. ومع تطور هذا المشروع في مرحلته الثانية، أصبحت قضية الانتقال إلى الطاقة الخضراء جزءًا أساسيًا من أجندته الاستراتيجية؛ إذ يتطلب التحدي العالمي المتمثل في التغير المناخي تحولات كبيرة في مصادر الطاقة، وهذا ما يستدعي تحولًا عاجلًا نحو مصادر الطاقة المتجددة والمستدامة.
إن تسريع انتقال الطاقة الخضراء ضمن المرحلة الثانية من الممر يشكل خطوة محورية نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة في باكستان والصين على حد سواء. من خلال تعزيز استخدام الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، والطاقة المائية، وابتكار تقنيات الطاقة النظيفة، يمكن تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، وبالتالي تقليل الانبعاثات الكربونية وتحقيق استدامة بيئية. بالإضافة إلى ذلك، فإن الاستثمار في هذه القطاعات سيعزز توفير فرص العمل ويعزز الاستقرار الاقتصادي على المدى الطويل.
كما أن الشراكات بين القطاعين العام والخاص، إلى جانب الدعم الحكومي والتعاون المستمر بين الوزارات المعنية في كلا البلدين، ستكون أساسية لتحقيق هذا التحول. إن توافر بيئة تنظيمية محفزة للاستثمار في الطاقة المتجددة وتوفير الحوافز اللازمة للمستثمرين سيعزز من نجاح هذا الانتقال. وبالتالي، يتيح الممر فرصةً كبيرةً لتسريع التحول نحو الطاقة الخضراء، بما يعود بالنفع على البيئة والاقتصاد والمجتمعات المحلية.
في المرحلة الأولى من ممر الصين-باكستان الاقتصادي، استُثمر حوالي 34 مليار دولار أمريكي في قطاع الطاقة، والذي يشمل مشاريع في مجالات الفحم، والغاز الطبيعي المسال، والطاقة الكهرومائية، والطاقة النووية، والطاقة الشمسية، ومزارع الرياح. باستثمار تقديري قدره 15 مليار دولار أمريكي (8020 ميجاوات، خط نقل عالي الجهد مباشر واحد)، أُنجز 14 مشروعًا للطاقة، ويوجد مشروعان تحت الإنشاء باستثمار تقديري قدره 2.5 مليار دولار أمريكي (1184 ميجاوات)، فيما المشاريع المتبقية في مراحل التخطيط. في عام 2023، بلغت استثمارات الصين في الطاقة الخضراء 7.9 مليار دولار أمريكي، أي ما يعادل 28% من مشاركتها في قطاع الطاقة، مع استثمار إضافي قدره 1.6 مليار دولار أمريكي (6%) في الطاقة الكهرومائية. وهذا يعدّ السنة الأكثر خضرةً منذ انطلاق مبادرة الحزام والطريق في عام 2013. تهدف باكستان، التي تتمتع بإمكانات كبيرة في الرياح والطاقة الشمسية، إلى زيادة حصّتها من الطاقة المتجددة من أقل من 5% إلى 30% بحلول عام 2030، مستخدمةً الخبرات الصينية كما هو موضح في سياستها للطاقة البديلة والمتجددة لعام 2019.
مشروعات الطاقة في ظل ممر الصين-باكستان الاقتصادي
تهدف المشاريع تحت ممر الصين-باكستان الاقتصادي إلى إضافة كمية كبيرة من الكهرباء إلى الشبكة الوطنية، بقدرة إجمالية تبلغ حوالي 17,000 ميجاوات من خلال مصادر متنوعة، منها الفحم والرياح والطاقة الشمسية والطاقة الكهرومائية. تمتلك محطات توليد الطاقة بالفحم في الممر قدرة إجمالية تقدر بحوالي 4320 ميجاوات، بتكلفة تقديرية تبلغ 5.8 مليار دولار أمريكي عبر مختلف محافظات باكستان. في عام 2024، طورت شركات صينية وحدة جديدة لمحطة توليد طاقة بالفحم بقدرة 380 ميجاوات، كما وافقت الحكومة الباكستانية السابقة على بناء محطة طاقة بالفحم بقدرة 300 ميجاوات في جوادر، ليتم إنشاؤها بواسطة الصين.
أيضًا، هناك بعض المشاريع الأخرى قيد النظر، مثل مشروع كوهالا الكهرومائي (1124 ميجاوات)، ومشروع أزاد باتان الكهرومائي (700.7 ميجاوات)، ومشروع كاشو لطاقة الرياح (50 ميجاوات)، ومشروع طاقة الرياح الغربي (خاص) (50 ميجاوات).
سوق التمويل الأخضر في الصين:
تسهم هذه التحولات في الاقتصاد منخفض الكربون في تعزيز التنمية المستدامة في الصين، حيث تلتزم الحكومة الصينية بتوفير التمويل اللازم لمشاريع الطاقة المتجددة. في إطار الحزام والطريق، تسعى الصين إلى زيادة مشاركتها في أسواق الطاقة النظيفة عالميًا. في عام 2022، وصلت استثمارات الصين في الطاقة المتجددة إلى حوالي 50% من إجمالي استثمارات الطاقة، مقارنة بـ 32% في 2020، مما يبرز التحول الكبير نحو الطاقة النظيفة.
عند الانتقال إلى هذا النموذج، ستكون سوق التمويل الأخضر في الصين حاسمة في تسريع التنمية الصناعية وتوفير البنية التحتية اللازمة لدعم هذا التحول في قطاع الطاقة. تساعد الصين في تعزيز دعم هذا النمو من خلال تمويل مشاريع الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، مع التركيز على تحفيز الاستثمارات في الصناعات ذات الانبعاثات الكربونية المنخفضة، وتسريع خطط التحول الصناعي. وتُظهر البيانات أن ما يقرب من 59% من سندات التمويل الأخضر في الصين أُصدرت لدعم مشاريع الطاقة المتجددة منذ عام 2016، بما في ذلك الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
تعزيز التجارة الثنائية بين الصين والشرق الأوسط
إن منطقة الشرق الأوسط هي أكبر مورد للنفط الخام والغاز الطبيعي إلى الصين، وفي الوقت الحاضر، يُنقل هذه الموارد بشكل رئيسي عن طريق الطرق البحرية إلى شرق الصين، حيث توجد معظم أنشطتها الصناعية. وبمجرد إنشاء السكك الحديدية وخطوط الأنابيب الخاصة بممر الصين الاقتصادي، سيصبح نقل السلع الأساسية، مثل النفط والغاز الطبيعي، إلى ميناء جوادر، ومن هناك إلى غرب الصين، مجدياً اقتصاديًا.
كما يتوافق المشروع مع استراتيجية تنمية غرب الصين للحكومة الصينية، التي تدعو إلى نقل بعض الأنشطة الصناعية كثيفة الطاقة من المناطق الشرقية المكتظة بالسكان إلى المقاطعات الغربية (بالقرب من باكستان). ستكون تكلفة نقل منتجات الطاقة هذه إلى المناطق الغربية في الصين عبر ممر الصين الاقتصادي أقل من استخدام الطريق البحري الحالي عبر المحيط الهندي إلى الساحل الشرقي للصين، يليه نقل بري (بالأنابيب والسكك الحديدية) إلى المناطق الغربية.
الفرص والتحديات لباكستان في ضوء ممر الصين-باكستان الاقتصادي
مع تطور المرحلة الثانية من ممر الصين-باكستان الاقتصادي، تتاح لباكستان فرصة للاستفادة من التمويل الأخضر الذي تقدمه الصين لدعم تحولها نحو الطاقة المتجددة والمستدامة. في حين أن مشاريع الممر كانت أساسية في معالجة أزمة الطاقة في باكستان، إلا أن الفحم لا يزال يشكل الجزء الأكبر من قدرة توليد الكهرباء في البلاد، حيث يمثل حوالي 80.3% من إجمالي القدرة التوليدية للطاقة في إطار مشاريع الممر. هذا الاعتماد على الفحم كان ضروريًا لتحقيق أمن الطاقة في باكستان، حيث يساعد في توفير الطاقة اللازمة للنمو الصناعي والاقتصادي.
مع ذلك، هناك تحول تدريجي في السياسات، حيث تعمل الحكومة الباكستانية على تقليل الاعتماد على الفحم والانتقال إلى مصادر طاقة أكثر استدامة، مثل الطاقة الشمسية والرياح والطاقة الكهرومائية. كما تُبذل جهودٌ منسقة لتوجيه الاستثمارات نحو مشاريع الطاقة المتجددة، وتحقيق التوازن بين تأمين احتياجات الطاقة الحالية والتوجه نحو مستقبلٍ أكثر استدامة بيئيًا.
يتيح التمويل الأخضر من الصين فرصةً لباكستان لتنفيذ هذه المشاريع البيئية، بما في ذلك تطوير بنيتها التحتية للطاقة المتجددة، مع الاستفادة من الخبرة الصينية في هذا المجال. لتنويع مصادر الطاقة، يركز أكثر من ٥٠٪ من المشاريع الجديدة للممر على الطاقة المتجددة والطاقة الكهرومائية. وهذا يتماشى مع شراكة الاستثمار والتمويل الأخضر الصينية، التي أُعلنت في المنتدى الثالث لمبادرة الحزام والطريق. وقد تعهد الرئيس الصيني بتخصيص ١٠٠ مليار دولار سنويًا لتمويل انتقال الطاقة النظيفة بين الدول المشاركة في مبادرة الحزام والطريق.
تتطلب عملية انتقال الطاقة في باكستان 115.7 مليار دولار، منها 15.12 مليار دولار و20.5 مليار دولار لمشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح على التوالي. يمكن سدّ فجوة التمويل هذه باستثمارات من القطاع الخاص الصيني، في إطار المرحلة الثانية من ممر الصين-باكستان الاقتصادي. كانت المرحلة الأولى أكثر تركيزًا على التعاون الحكومي، بينما تقوم المرحلة الثانية على التعاون بين الشركات.
علاوة على ذلك، فإن تحفيز التمويل للمستثمرين الصينيين في باكستان يواجه العديد من التحديات:
- محدودية الفرص الاستثمارية المحلية تعيق التعاون وتنويع محافظ الاستثمار، وقلة الشركاء المحليين المؤهلين تحدّ من المبادرات الاستثمارية طويلة الأجل، مما يزيد من الاعتماد على الموارد الخارجية.
- الصعوبات في إدارة المعاملات بالعملات الأجنبية في باكستان تشكل عوائق، حيث تعرقل القيود التنظيمية والإجراءات البيروقراطية حركة رأس المال بشكل فعال.
- تضيف السياسات الضريبية الصارمة، التي تتميز بالتنظيمات المعقدة وارتفاع معدلات الضرائب، عبئًا ماليًا وحالة من عدم اليقين التشغيلي، مما يقوض ثقة المستثمرين.
- التغيرات المتكررة في سياسات الطاقة من الحكومة الفيدرالية وحكومات المقاطعات تُقلل من ثقة المستثمرين، من خلال خلق حالة من عدم اليقين في البيئة التنظيمية. تفتقر السياسة الحكومية للوضوح، خاصة في تحديد صناع القرار الرئيسيين، مما يؤدي إلى ارتباك وتأخير موافقات المشاريع.
- تُضيف العملية المعقدة للموافقة على مشاريع الطاقة المتجددة، إلى جانب القوانين والسياسات غير الواضحة، مزيدًا من عدم اليقين للاستثمارات. كما أن نقصَ التحقيق وفهم خلفيات وخبرات المستثمرين الصينيين يعيق قدرة باكستان على جذب شراكات استثمارية مفيدة للطرفين.
الطريق إلى الأمام:
تحتاج باكستان إلى اتخاذ عدة خطوات لتسريع الاستثمارات في الطاقة المتجددة ولتعزيز ثقة المستثمرين الصينيين، من خلال:
- ضمان التناسق في السياسات والتنظيمات، حيث يجب على وزارة الطاقة أن تقود تطوير خطة شاملة لتطوير الطاقة المتجددة. يجب أن تتضمن هذه الخطة الأطر التنظيمية والتدابير المالية، مع المشاركة الفعالة من السلطات المحلية.
- من الضروري ضمان تناسق الأهداف المتعلقة بالطاقة المتجددة عبر السياسات المختلفة، مثل سياسة الطاقة البديلة والمتجددة لعام 2019، وخطة التوسع المحتملة للطاقة الإنتاجية، والمساهمات المحددة وطنياً، بما يضمن التوافق مع إطار تنظيمي موحد.
- ينبغي إعادة هيكلة ديون الممرّ إلى استثمارات في المناطق الاقتصادية الخاصة، وتسهيل تبادل الديون للطاقة الخضراء. وذلك بدعم من وزارة التخطيط والتنمية والمبادرات الخاصة، ووزارة التجارة، وجمهورية الصين الشعبية، ولجنة التنمية الوطنية والإصلاح الصينية. سيساعد ذلك في معالجة قضايا الديون المتزايدة.
علاوة على ذلك، فإن وجود إطار سياسة طويل الأمد واضح ومُوجز أمر بالغ الأهمية لتوفير الاستقرار واليقين للمستثمرين، مما سيؤدي إلى تقليل المخاطر وعدم اليقين وتعزيز ثقة السوق.
- إنشاء شراكات بين القطاعين العام والخاص في مشاريع الطاقة المتجددة، وتعزيز السياسات التجارية الداعمة لاستيراد تقنياتها، وضمان قنوات اتصال واضحة ومتسقة، خطوات حيوية.
- إن التعاون بين الوزارات المعنية، بما في ذلك وزارة الطاقة ووزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والمبادرات الخاصة، والمجلس الوطني للتنمية والإصلاح، أمر ضروري لضمان النمو المستدام والشامل الذي يقوده مشروع الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان.
- يجب إنشاء قنوات تواصل مفتوحة بين الهيئات الحكومية ومطوري المشاريع لضمان التوافق بشأن المواضيع الحاسمة مثل الوضع المالي لشركات توزيع الكهرباء، وأولويات مشاريع الطاقة المتجددة، وضمانات الدفع، والعقوبات على التأخيرات.
مجمل القول، على مدى العقد الماضي، لعب الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني دورًا مهمًا في تغيير المشهد الاجتماعي والاقتصادي في باكستان، مساعدًا على تعزيز العلاقات التي وصفت بأنها صداقة وطيدة، ويُعتقد أن المشروع الرائد في إطار مبادرة الحزام والطريق هو نموذج للتنمية المستدامة. ومنذ عام 2013، سلط الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني الضوء على التعاون في مجالات النقل والطاقة والصناعة.
وفي الختام، إن مشروع الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان من شأنه أن يعزز بشكل كبير قدرة الصين على توسيع علاقاتها الاقتصادية والاستراتيجية مع دول الشرق الأوسط الغنية بالطاقة. وعلى الرغم من العديد من التحديات والمخاطر، يبدو أن باكستان والصين ملتزمتان بمشروع الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان، ومع دخول المرحلتين الثانية والثالثة من هذه المبادرة حيز التنفيذ في السنوات العشر المقبلة، فمن المرجح أن تشارك معظم دول الشرق الأوسط وتستفيد من شبكة النقل فيها، ومشاريع الطاقة الضخمة.
دكتور مهندس متخصص في شؤون النفط والطاقة