أسواق وقضايا الطاقة

منتدى الأعمال المصري- اليوناني- القبرصي: تعزيز الشراكة الثلاثية وآفاق جديدة لأمن الطاقة الإقليمي

يُعد منتدى الأعمال المصري-اليوناني-القبرصي منصة استراتيجية مهمة للتعاون الاقتصادي بين ثلاث دول لها دور محوري في منطقة البحر الأبيض المتوسط. حيث يشهد هذا المنتدى تناميًا ملحوظًا في شراكات تجارية واقتصادية بين الدول الثلاث، ويعد بمثابة جسر لتعزيز التعاون الثنائي والمتعدد الأطراف في العديد من المجالات، بما في ذلك: الطاقة، والتجارة، والسياحة، والصناعة. من بين المشاريع البارزة التي تركز عليها دول المنتدي مشروع الربط الكهربائي بين مصر واليونان وقبرص، والذي يعد خطوة محورية نحو تحقيق الاستفادة القصوى من مصادر الطاقة المتجددة في المنطقة.

في خضم الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، وسعي المجتمع الدولي بكافة مكوناته ومنظماته لتحقيق التنمية المستدامة، يبرز تعزيز أمن الطاقة بكافة أوجهه ومفاهيمه وأهدافه ومتطلباته كمحور للعمل الإقليمي المشترك. حيث يتطلب ضمان وصول المستهلك إلى خدمات الطاقة بشكل آمن ومستدام اقتصاديًا واجتماعيًا وبيئيًا، إدارة الموارد الطبيعية بكفاءة، وتوظيف عائداتها المالية في عملية التنمية المستدامة في الدول المنتجة لضمان استمرار استخراج هذه الموارد واستخدامها على نحو مستدام. ولا يؤثر استقرار إمدادات الطاقة فقط في النمو الاقتصادي لدول منطقة شرق المتوسط، ولكنه يُشكل دورًا حاسمًا في تعزيز الأمن القومي وتحسين مستويات رفاهية المواطنين؛ إذ إن التعاون والتكامل في مجال الطاقة بين دول شرق المتوسط يمكن أن يُسهم في تعزيز قدرتها على مواجهة التحديات المستقبلية في قطاع الطاقة. 

تضع الدولة المصرية آمالًا عريضة على مشروعات الربط الكهربائي؛ بهدف تحقيق حلم التحول إلى مركز عالمي لتجارة وتداول الطاقة. صاغت مصر توجهاتها وأهدافها من خلال استراتيجية التنمية المستدامة 2030، وبالأخص في قطاع الطاقة والتي كانت من ضمن أهدافها الرئيسة تحويلها لتكون مركزًا محوريًا للطاقة، حيث تتصدر أولويات قطاع الكهرباء المصري في الفترة الحالية، واستكمال الإجراءات الخاصة بمشروعات الربط الكهربائي مع دول الجوار، ومنها قبرص واليونان، وكذلك الربط العربي مع المملكة العربية السعودية، كما هو موضح في الشكل التالي.

وعليه، بدأت الدولة المصرية خلال السنوات الماضية في تطوير وتوسعة شبكات نقل الكهرباء وتوزيعها، وذلك حتى تتمكن من استيعاب القدرات المنتجة من مشروعات الطاقة المتجددة، بالإضافة إلى تبادل الكهرباء مع دول الجوار، وسعت إلى تدعيم وتطوير الشبكة القومية الموحدة لدعم مشروعات الربط الإقليمي القائمة مع الأردن وليبيا والسودان، وكذلك مشروعات الربط المخطط تنفيذها مع المملكة العربية السعودية وقبرص واليونان وهيئة الربط الخليجي.

أمام ما تقدم، تعد مشروعات الربط الكهربائي من العوامل الرئيسة التي تؤثر بشكل مباشر في تحقيق النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة؛ وذلك لأنها تسهم بشكل كبير في ضمان توافر الطاقة الكهربائية بشكل موثوق وفعال، فعندما تتوفر الكهرباء بكفاءة وبتكلفة معقولة، يزداد نطاق الأعمال التي يمكن إقامتها، مما يعزز الاستثمارات في مختلف القطاعات الاقتصادية مثل: الصناعة، والتجارة، والخدمات. وبالنظر إلى أهمية الكهرباء في تسريع وتيرة النمو، فإن مشروعات الربط الكهربائي تؤدي إلى العديد من الفوائد الاقتصادية، مثل تحسين الكفاءة التشغيلية للقطاعات الصناعية، وتشجيع الابتكار في الصناعات الجديدة، ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة.

من جانب آخر، تُعد مشروعات الربط الكهربائي من الاستثمارات الاستراتيجية التي تدعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية للدولة، إذ تعمل على تعزيز الأمن الطاقي وتوفير الإمدادات الكهربائية بشكل مستمر ومستدام، مما يسهم في استقرار الاقتصاد الوطني. وبالنسبة لمصر، فإنها تلعب دورًا محوريًا في هذا السياق، حيث تسعى إلى أن تصبح مركزًا إقليميًا ودوليًا للطاقة، من خلال تعزيز وتوسيع شبكات الربط الكهربائي مع الدول المجاورة والعالمية. لقد تم إنشاء العديد من الخطوط الدولية والشبكات التي تربط مصر بدول أخرى، وهو ما يتيح لها ليس فقط تأمين احتياجاتها من الكهرباء ولكن أيضًا تصدير الفائض من الطاقة إلى دول أخرى. كما أن هذه المشروعات تُسهم في تعزيز التعاون الدولي وبناء علاقات اقتصادية قوية مع دول أخرى، مما ينعكس إيجابيًا على الاقتصاد المصري على المدى الطويل.

في 2021، أبرمت مصر وقبرص مذكرة تفاهم لدراسة إنشاء مشروع الربط الكهربائي بين البلدين، الذي يوفر الربط المباشر لتبادل الكهرباء بينهما. يهدف المشروع إلى إنشاء شبكة ربط قوية بين مصر وقبرص من شأنها تحسين أمن إمدادات الطاقة في المنطقة، وتعزيز التعاون الإقليمي لتحقيق الازدهار الاقتصادي المشترك. يتضمن المشروع إنشاء خطوط لنقل كميات كبيرة من الطاقة الكهربائية التي يتم توليدها باستخدام مصادر الطاقة المتجددة، مما يسهم في تعزيز قدرة البلدين على الاستفادة من هذه المصادر النظيفة والمستدامة. بالإضافة إلى ذلك، يعزز المشروع تطوير هذه المصادر المتجددة، ويزيد من مشاركة الكهرباء المولدة من طاقات مثل الشمس والرياح في أسواق الطاقة.

يعد هذا المشروع أيضًا من مشاريع البنية التحتية المهمة التي تحقق منافع عامة مشتركة للبلدين والمنطقة ككل، حيث يُسهم في تعزيز التعاون بين مصر وقبرص، وفي تحسين الكفاءة في إدارة الطاقة بما يعود بالنفع على الاقتصادين المحليين، وكذلك على البيئة العالمية من خلال تقليل الاعتماد على الطاقة التقليدية الملوثة.

وبالنسبة لقبرص، يعد الربط الكهربائي مع مصر، التي تُعد واحدة من أبرز حلفائها الاستراتيجيين في المنطقة، فرصة مهمة للتحول نحو اقتصاد أخضر. وتعتقد قبرص أن هذا التعاون يمكن أن يكون حجر الزاوية لجهودها في تحقيق هذا التحول البيئي والاقتصادي. ومن خلال تعزيز شبكاتها الكهربائية، ستتمكن قبرص ومصر من تحقيق تكامل أكبر في مجال الطاقة المتجددة، مما يسهم في تحسين أمن إمدادات الطاقة. كما سيكون لهذا الربط الكهربائي دور كبير في تمكين قبرص من أن تصبح مصدرًا للطاقة، وهو جزء من سلسلة من الفوائد الملموسة التي ستعود على البلدين في المستقبل.

يجدر بالذكر أن هذا المشروع يُعد جزءًا أساسيًا من العلاقات الاستراتيجية المستمرة بين مصر وقبرص، ويُسهم بشكل كبير في تسريع تطوير ممر الطاقة بين البلدين. من خلال زيادة إمدادات الطاقة الكهربائية لكلا البلدين، سيسهم المشروع في تحقيق التوازن في الطلب على الطاقة، ويحفز الاستجابة للتحديات المرتبطة بتغير المناخ. 

ويأتي هذا التعاون في إطار علاقات الصداقة المتميزة بين مصر وقبرص، التي تعززها الروابط الجغرافية والثقافية بين البلدين، حيث تتمتع العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية والدبلوماسية بين مصر وقبرص بعمق تاريخي، مما أسفر دائمًا عن علاقات تعاون قوية ومثمرة بينهما. وسوف يعمل الربط الكهربائي بين شمال وجنوب المتوسط على استيعاب القدرات الكهربائية الضخمة التي سيتم توليدها من الطاقات النظيفة التي تزخر بها القارة الأفريقية.

استكمالًا لما سبق، يُعتبر مشروع الربط الكهربائي بين مصر واليونان من أبرز المشاريع التي تنطوي على إمكانيات كبيرة في تعزيز التعاون بين الدول الثلاث في مجال الطاقة المتجددة، خاصة في ظل التوجهات العالمية نحو الطاقة النظيفة والمستدامة. تُعد مصر من البلدان الغنية بمصادر الطاقة المتجددة، خاصة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، مما يجعلها شريكًا مثاليًا في هذا المجال. ومن جهة أخرى، تتمتع اليونان بموقع جغرافي متميز يسمح لها بالاستفادة من هذه المصادر، فضلًا عن إمكانية استخدامها في تزويد السوق الأوروبية بالطاقة النظيفة.

وتولي اليونان اهتمامًا بالغًا بهذا المشروع، حيث تسعى إلى تحقيق فوائد استراتيجية طويلة الأجل من خلال الربط الكهربائي الذي سيتيح إمكانية تبادل الطاقة بشكل أكثر كفاءة بين شمال أفريقيا وأوروبا. يعكس هذا التعاون الالتزام المشترك بتطوير مشاريع طاقة مستدامة ومتكاملة تدعم رؤية الدول الثلاث نحو تحقيق الأهداف العالمية للطاقة المتجددة، وتحقيق الأمان الطاقي، وتقليل الاعتماد على المصادر التقليدية للطاقة. إن نجاح هذا المشروع يُعد خطوة مهمة نحو تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية بين مصر واليونان وقبرص، ويسهم في تحقيق التنمية المستدامة في المنطقة.

يسهم مشروع الربط الكهربائي بين مصر وقبرص واليونان في مساعدة أوروبا على تنويع مصادرها للطاقة، إذ إنه من غير الحكمة الاعتماد على مصدر واحد للطاقة، بغض النظر عن موقعها الجغرافي. فبفضل الوحدات اليونانية للتخزين والتبخير العائمة، بالإضافة إلى الوحدات القائمة حاليًا، إلى جانب الممرات الشمالية من اليونان التي تصل إلى بلغاريا ورومانيا وأوكرانيا وصربيا وأوروبا الوسطى، أصبح هناك طريق يسمح للغاز الطبيعي المصري وغيره من أنواع الغاز الطبيعي المسال بالوصول إلى الأسواق الأوروبية. هذا التنوع في مصادر الطاقة يعزز الأمن الطاقي الأوروبي ويخفف من تبعات الاعتماد على مصدر واحد.

وتُشكل القمة الثلاثية بين مصر واليونان وقبرص التي انعقدت في 8 يناير 2025 خطوة استراتيجية مهمة نحو تعزيز التعاون الإقليمي في منطقة شرق المتوسط، خاصة في ظل الأزمات الجيوسياسية وتحديات الطاقة العالمية، حيث بعث القادة الثلاثة برسالة قوية مفادها أن التكامل الإقليمي والتعاون المشترك هما السبيل الأمثل لتحقيق الاستقرار وتلبية الاحتياجات الأساسية، خاصة في ملف الطاقة الذي يعد من المحاور الرئيسية لهذه القمة. 

من أبرز المشاريع التي تم تناولها في القمة هو مشروع الربط الكهربائي بين مصر واليونان، الذي يعزز من مكانة مصر كمصدر رئيسي للطاقة في المنطقة، ويضعها في قلب جهود تأمين إمدادات الطاقة لأوروبا. يعد هذا المشروع تحوّلًا نوعيًا في استراتيجيات الطاقة، حيث يسهم في تصدير الطاقة النظيفة إلى القارة الأوروبية، مما يدعم أهداف التحول نحو الاقتصاد الأخضر.

ويظهر التعاون الثلاثي في مجال الطاقة قدرة الدول الثلاث على تحويل مواردها الطبيعية إلى أداة فعالة لتحقيق التنمية المستدامة، وتعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي. وتفتح هذه القمة آفاقًا جديدة لمصر في مجال تصدير الطاقة، مما يعزز من مكانتها كمركز رئيسي في مستقبل الطاقة العالمي.

في الختام، يمثل منتدى الأعمال المصري-اليوناني-القبرصي منصة مهمة تعكس عزم الدول الثلاث على تعزيز التعاون الاستراتيجي والاقتصادي في منطقة البحر الأبيض المتوسط. من أبرز المشاريع التي تسلط الضوء عليها اليونان وقبرص في هذا المنتدى هو مشروع الربط الكهربائي مع مصر، الذي يعكس رؤية مشتركة نحو الاستفادة من مصادر الطاقة المتجددة. يُعد هذا المشروع خطوة محورية نحو تحقيق الاستدامة البيئية وتعزيز الأمن الطاقي، بما يساهم في توفير طاقة نظيفة ومستدامة للمنطقة. كما يعكس هذا التعاون الجهود المستمرة لدعم التكامل الطاقي بين مصر واليونان وقبرص، ويؤكد على التزام الدول الثلاث بتطوير مشاريع مشتركة تعود بالنفع على شعوبها وتعزز من مكانتها في مجالات الطاقة المتجددة والتكنولوجيا الحديثة.

كاتب

د. أحمد سلطان

دكتور مهندس متخصص في شؤون النفط والطاقة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى