مشاركة الرئيس السيسي في قمة مجموعة العشرين .. التوازن والتعاون الدولي
شارك الرئيس عبد الفتاح السيسي في اجتماعات قمة مجموعة العشرين للمرة الرابعة بدعوة من نظيره البرازيلي لولا دا سيلفا الذي يرأس الدورة الـ19 للمجموعة والتي انعقدت على مدار يومي 18 و19 نوفمبر 2024 في ريو دي جانيرو. وتعكس هذه المشاركة المصرية الأهمية المحورية للدولة المصرية، في ظل التغيرات الاقتصادية والجيوسياسية التي تشهدها المنطقة وتؤثر على العالم بأكمله، مما يجعل الدورة الأخيرة لاجتماعات المجموعة استثنائية في الموضوعات التي ناقشتها سواء على المستوى الثنائي، أو اللقاءات المجمعة، والتي ظهرت في أجندة الرئيس السيسي، وانعكست على تحقيق الرؤية المصرية القائمة على مبدأ الدبلوماسية المتنوعة وبناء علاقات قائمة على تشارك الرؤى والتعاون والمصالح المشتركة والتكامل الدولي.
قمة ريو دي جانيرو
تزامنت اجتماعات قمة مجموعة العشرين في البرازيل مع اقتراب متابعة نتائج تنفيذ أجندة التنمية المستدامة 2030، وفي ظل العديد من التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والمناخية والجيوسياسية، والمتأثرة بجائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية والصراعات في الشرق الأوسط وعلى رأسها الحرب في غزة ولبنان، بالإضافة إلى التوقعات بتأثر الجهود الدولية لمكافحة تغير المناخ عقب فوز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي أعلن انسحابه من اتفاقية باريس للمناخ في ولايته الأولى وأعلن اعتزامه إعادة الانسحاب منها في ولايته الثانية. يضاف إلى ذلك تزامن انعقاد قمة العشرين مع قمة المناخ في العاصمة الآذرية باكو، واستمرار تعثر عملية تمويل جهود وقف وتيرة الانبعاثات الحرارية مما يعقد أزمة التغير المناخي.
فجاءت مشاركة الرئيس السيسي في الدورة الحالية التي اتخذت عنوانًا ليعبر عن هذه التغيرات باسم “بناء عالم عادل وكوكب مستدام”، وذلك بمشاركة الدول الأعضاء، بالإضافة إلى الاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي، لتكون المشاركة الرابعة لمصر كدولة ضيف في قمم المجموعة، فكانت المشاركة الأولى في الصين 2016، وخلال الرئاسة اليابانية عام 2019، والهندية 2023، والبرازيلية 2024. واختتمت أعمال القمة الحالية بتسلم رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا رئاسة مجموعة العشرين من البرازيل.
وقد ناقش جدول أعمال القمة عددًا من الموضوعات ذات الأولوية للدول النامية، وعلى رأسها “الشمول الاجتماعي ومكافحة الفقر والجوع” و”إصلاح مؤسسات الحوكمة العالمية” و”تحول الطاقة في إطار التنمية المستدامة”. وعرضت مصر خلال مشاركتها الجهود التي بذلتها في هذه المجالات، بجانب عرض التحديات التي تقف أمام جهود الدول النامية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، في ظل التقلبات الدولية الجارية على الصعيدين السياسي والاقتصادي، ورؤية مصر بشأن أولوية التكاتف وتعزيز التعاون لمواجهة تلك التحديات.
وتجلت هذه الرؤية في البيان الختامي للقمة، من خلال التأكيد على ضرورة مواجهة التحديات الجيوسياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية والمناخية الملحة، في ظل تحقيق 17% فقط من أهداف أجندة التنمية المستدامة 2030، فيما لم يتبق سوى 6 سنوات فقط على انتهائها، فيما لم يتحقق في نصف هذه الأهداف سوى تقدم محدود أو متوسط، بينما التقدم الذي تحقق في ثلث هذه الأهداف يعد ثابتًا بل متراجعا في بعض الأحيان، وفقًا للبيان الختامي للقمة، في ظل تأثير الأزمات التي يواجهها العالم بشكل غير متساوٍ؛ إذ تعاني الدول الأكثر فقرًا وهشاشة بالشكل الأكبر، ولمواجهة هذه التحديات ينبغي مواجهتها عبر التعاون الدولي والإرادة السياسية.
دلالات المشاركة المصرية
تعكس مشاركة الرئيس السيسي في قمة مجموعة العشرين بريو دي جانيرو دلالة استراتيجية للدور المصري في الحفاظ على الأمن والسلم في المنطقة، من خلال دورها الحيوي في العديد من القضايا. كما تمثل المشاركة الحالية أهمية إضافية لعرض الرؤية المصرية وتحقيق رؤية مشتركة دولية حول قضايا الصراع في المنطقة وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وعرض التحديات التي تواجه الدول النامية لإيجاد الحلول المشتركة، بجانب الترويج لمجهودات الدولة المصرية في برامج التنمية المستدامة ومكافحة الفقر والجوع، وذلك من خلال تعميق سبل التعاون الثنائي والشراكة الدولية، والذي ظهر على النحو التالي:
- الشراكة الاستراتيجية مع البرازيل:
يأتي إعلان الرئيس السيسي ونظيره البرازيلي “دا سيلفا” حول ترفيع مستوى العلاقات بين البلدين إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية في ظل العلاقات الجيدة بين البلدين، وبمناسبة مرور 100 عام على العلاقات بين البلدين، والتي تجلت بانضمام مصر إلى مجموعة البريكس، في ظل العلاقات الاقتصادية المصرية المتنامية مع دول مجموعة العشرين، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين مصر ودول المجموعة نحو 61 مليار دولار على مدار الشهور التسعة الأولى من العام الحالي، بزيادة 5.4 مليارات دولار عن نفس المدة من العام السابق.
وبلغت قيمة الصادرات المصرية نحو 14.4 مليار دولار خلال نفس الفترة، وكان نصيب دولة البرازيل منها نحو 585 مليون دولار مقابل واردات مصرية من البرازيل بقيمة 2.9 مليار دولار، مما يعزز من عملية نمو التبادل التجاري بين البلدين.
هذا بجانب الرؤى المشتركة بين البلدين في القضايا الإقليمية والتي ستعزز من فاعلية الدور المصري في تمرير قرارات على مستوى المنظمات الدولية، والذي يظهر في إيمان دولة البرازيل بالدور المحوري لمصر فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وتبني مبدأ حل الدولتين كحل أساسي لإحلال السلام العادل والشامل في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما ظهر في لقاء الرئيسين على هامش أعمال القمة.
وتأتي تلك الاتفاقية الموقعة بين البلدين في ضوء الرؤية المشتركة لتحقيق مصالح البلدين وتعزيز مفاهيم العدالة والشمول ومكافحة الجوع والفقر في الدول النامية باعتبارها الأكثر تأثرًا بالتحديات الدولية، وتقوم على مذكرة التفاهم الموقعة بين مصر والبرازيل بشأن إنشاء آلية للحوار الاستراتيجي في 27 ديسمبر 2009، ومذكرة التفاهم بشأن تدشين مشاورات سياسية بين مصر والبرازيل، الموقعة في 9 ديسمبر 2003، وكذا اتفاقية إنشاء لجنة تنسيق مشتركة مصرية برازيلية، الموقعة في 7 مارس 1985.
واستندت الاتفاقية كذلك إلى عدة اعتبارات لتعزيز التفاهم والحوار من خلال استخدام الآليات الدبلوماسية القائمة على المبادئ الأممية ودعم التمثيل الجيد في المنظمات الدولية مثل مجلس الأمن للوصول بقرارات أكثر عدالة، وهو ما سينعكس على فكرة زيادة مقاعد التمثيل الأفريقي في مجلس الأمن، هذا بجانب التنسيق لتنمية التعاون الثنائي بين البلدين في مجالات الأمن والسلم العالمي والجانب الاقتصادي والاجتماعي والسياسي وعلى مستوى الرؤى المشتركة في القضايا ذات الاهتمام المشترك للوصول إلى عالم دولي أكثر عدالة والعمل على الحد من ازدواجية المعايير التي يتم التعامل بها مع الدول الأقل تطورًا.
- الشراكة والترويج للسياسات المصرية لمواجهة الجوع والفقر:
ظهرت في كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال أعمال الجلسة الأولى لقمة مجموعة العشرين بعنوان “الشمول الاجتماعى ومكافحة الجوع والفقر” رسالتان مهمتان: الأولى هي الترويج لسياسات الدولة المصرية لتحقيق العدالة الاجتماعية على المستوى المحلي، والثانية المشاركة في التحالف العالمي لمكافحة الجوع والفقر، في ظل مجتمع دولي يتعامل بازدواجية، مقابل الدول المتأثرة بالحروب والمجاعات الناتجة من صراعات القوى الكبرى من ناحية وتأثير التغيرات المناخية على سلاسل الإمدادات الغذائية وتوفير فرص العمل وتحقيق الأمن الغذائي للشعوب، وبالتالي يمكن عرض سبل الاستفادة في هذا الجانبين على النحو التالي:
- الانضمام إلى “التحالف العالمى لمكافحة الفقر والجوع”: والذي أطلقته دولة البرازيل خلال أعمال القمة وأعلن الرئيس السيسي الانضمام إليه، مما سيسهم في مواجهة التحديات نتيجة عدم المساواة في العالم، وتأثير الحروب في المنطقة على المدنيين وتعرضهم لمآسٍ لا إنسانية، كما حدث في فلسطين ولبنان نتيجة العدوان الإسرائيلي وتوسيع رقعة الصراع. ومن ثم فإن إنشاء تحالف دولي سيعمل على إيجاد حلول لمواجهة الصراعات المتفاقمة، وتقليل الفجوة التنموية والرقمية وخاصة توطين التكنولوجيا وأدوات الذكاء الاصطناعي، وتقليل الفجوة المعرفية وتوفير التمويل الميسر بلا شروط تعجيزية وتخفيف معضلة الديون في الدول النامية، والعمل على الحشد الدولي لإيفاء الدول الكبرى بتعهداتها في قضايا المناخ والتنمية. كما سيعمل التحالف على دعم المقترح المصري لتدشين مركز عالمي لتخزين وتوزيع الحبوب والمواد الغذائية في مصر لضمان تحقيق الأمن الغذائي وتعزيز سلاسل الإمداد.
- عرض التجربة المصرية لتحقيق التنمية البشرية: حيث استعرض الرئيس السيسي التجربة المصرية المتمثلة في مشروع “حياة كريمة” والذي يستهدف نحو 60 مليون مصري، من خلال تحقيق مبادئ التنمية المستدامة الثلاثة عبر التمكين الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لتحقيق جودة الحياة لهم، وتحسين مستوى معيشة نصف سكان مصر من المناطق الريفية.
- تحقيق التقدم في القضايا الإقليمية:
في ضوء الدور المحوري للدولة المصرية باعتبارها محور الأمن والسلم في المنطقة، وفي ظل الدور الذي تلعبه القيادة المصرية في تخفيف حدة الأزمات، فلم تخلُ زيارة الرئيس السيسي من مقابلة عدد من قيادات المنظمات الدولية ورؤساء وحكام الدول؛ لتحقيق رؤية مشتركة قامة على الحفاظ على مبدأ سيادة الدول، وتحقيق الاستقرار الرافض للحلول العسكرية والقائم على مبدأ الحلول السياسية، وخفض التصعيد ورفض جرائم الحرب التي ترتكب ضد المدنيين. وهو ما ظهر في لقاءات الرئيس السيسي والشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، والشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر، وأمين عام الأمم المتحدة “أنطونيو جوتيريش”، والرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون”، ورئيس وزراء المملكة المتحدة “كير ستارمر”، ورئيس الوزراء الإسباني “بيدرو سانشيز”، والمستشار الألماني “أولاف شولتز”، ورئيسة المفوضية الأوروبية “أورسولا فون ديرلاين”، ورئيس المجلس الأوروبي “شارل ميشيل”، ومدير عام صندوق النقد الدولي “كريستالينا جورجييفا”، حيث تمت مناقشة مستجدات الأوضاع الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، هذا بجانب اللقاء مع رئيس وزراء سنغافورة “لورانس وونج”، الذي عكس الدور المصري المتمثل في “الأزهر الشريف” في تحقيق القوى الناعمة المصرية في مجال التعليم والتعريف بالإسلام الوسطي، بجانب التأكيد على الدور المصري لاستعادة الاستقرار بالإقليم، ومنع انزلاق المنطقة إلى حرب شاملة.
- مصر صوت أفريقيا:
لم تتخلَ مصر عن البعد الأفريقي خلال أعمال القمة، فكانت معبرًا قويًا عن احتياجات القارة، في ضوء الرؤية المصرية لتحقيق أجندة 2063 ومجابهة التحديات عبر التعاون والتكامل القاري، وهو ما ظهر في لقاء الرئيس السيسي مع رئيسي تنزانيا ونيجيريا، والتي تناولت ما يلي:
- لقاء الرئيس السيسي ونظيرته التنزانية سامية حسن: عكس اللقاء التعاون الثنائي القائم على الدور المصري في دعم التنمية في الدول الأفريقية، من خلال الحفاظ على الموارد الأساسية للدول، وهو ما ظهر في الجهود المصرية لإنشاء سد “جوليوس نيريري”، والواقع على نهر روفيجي، والتي انتهت من أعمال الإنشاء وبدء ملء السد في 2022، مما أسهم في تحقيق التنمية وحماية الأفراد من أخطار الفيضانات بجانب حماية الموارد المائية المهدرة، في ظل ندرة المياه العالمية الناتجة من الجفاف والتغيرات المناخية، وبالتالي سيسهم في دعم تحقيق الأمن الغذائي للشعوب الأفريقية. وتنبع أهمية العلاقات الثنائية بين الدولتين نظرًا للبعد الأفريقي، بجانب أنهما دولتان يربطهما حوض النيل، وهو ما انعكس على حجم التعاون بين البلدين في المجالات الاقتصادية والتجارية، وقطاعات الزراعة والثروة الحيوانية.
- لقاء الرئيس السيسي ونظيره النيجيري: ونظرًا لأن مصر تضع رؤيتها وفقا للاحتياجات المتبادلة للدول، فعكس لقاء الرئيس السيسي، ونظيره النيجيري بولا تينوبو تعزيز التعاون بين البلدين في مجال تحقيق الأمن والسلم القاري ومكافحة الإرهاب، في ظل تهديد الغرب الأفريقي من تنظيمي داعش القاعدة الإرهابيين، للحد الذي حذر فيه رئيس مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب فلاديمير فورونكوف من خطر توسيع عمليات التنظيمين التي قد تمتد من مالي حتى نيجيريا. وقد سجلت نيجيريا عام 2023 أول زيادة في الهجمات الإرهابية منذ عام 2020، نتيجة التنافس بين الجماعات الإرهابية بوكو حرام وتنظيم ولاية غرب أفريقيا حيث تسبب الأخير في 53% من نسبة الوفيات بنيجيريا.
وعلى مستوى تحقيق التنمية المشتركة، فقد تناول اللقاء تعزيز العلاقات في المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية، وقطاع الصحة، وتبادل الخبرات في موضوعات مكافحة الإرهاب والتطرف، القائم على أساس دور التنمية في تثبيت دعائم السلام.
ختامًا، فإن الاستفادة المصرية من المشاركة في قمة مجموعة العشرين ستنعكس على الجوانب الاقتصادية والجيوسياسية في ظل عالم أكثر تحولًا في سياساته، حيث تمثل مجموعة العشرين نحو 80% من إجمالي الإنتاج العالمي، وتمثل 75% من حجم التجارة العالمية، وتمثل نحو ثلثي سكان العالم، وبالتالي فخلق عالم أكثر تعاونًا سيسهم في الشمول الاجتماعي وتحقيق الاستقرار الاقتصادي والعمل على خلق عالم أكثر توازنًا مما سينعكس على وضع مبادئ لحل الأزمات في الشرق الأوسط والمنطقة.