لماذا زار مستشار المرشد الإيراني علي لاريجاني دمشق وبيروت؟
بعد أسابيع قليلة من زيارة وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، ورئيس البرلمان الإيراني أيضًا، محمد باقر قاليباف، إلى لبنان وسوريا خلال شهر أكتوبر الماضي، قام كبير مستشاري المرشد الإيراني الأعلى والعضو في “مجمع تشخيص مصلحة النظام”، علي لاريجاني، بزيارة إلى هاتين الدولتين خلال يومي (14 – 15) نوفمبر الجاري حملت رسائل عدة في توقيت حساس.
دلالة التوقيت
جاءت زيارة علي لاريجاني إلى البلدين المهمين بالنسبة للسياسة الخارجية الإيرانية في ظل استمرار الحرب بين إسرائيل وحزب الله اللبناني، وبروز أفق للحل السياسي لهذه الأزمة قدّمته الولايات المتحدة ويتضمن إبعاد قوات “حزب االله” عن الحدود الجنوبية للبنان وإقرار الطرفين بأهمية قرار الأمم المتحدة رقم 1701، فضلًا عن التأكيد على أن “الجيش اللبناني هو القوة المسلحة الوحيدة في الجنوب إلى جانب قوات “اليونيفيل”. كما أتت الزيارة الإيرانية عقب فوز المرشح الجمهوري الأمريكي، دونالد ترامب، برئاسة الولايات المتحدة وتصاعد احتمالات حدوث تغيير في السياسة الخارجية الإيرانية بفعل توجهات إدارة “ترامب” المرتقبة حيال إيران ووكلائها وأنشطتها في المنطقة وما يبدو من رد فعل إيراني استباقي تجاه ذلك.
وتزامنت الزيارة كذلك مع ضربات إسرائيلية متتالية لمواقع حزب الله اللبناني في الأراضي السورية، ما يمثل تهديدًا للأمن السوري. في الوقت الذي يريد فيه النظام السوري النأي بالنفس عن التصعيد الإيراني الإسرائيلي، وإبعاد المقار السورية عن دائرة الاستهداف وبالتالي عن انتشار الفصائل الموالية لإيران في سوريا.
رسائل الزيارة
من هذا المنطلق، يمكن القول إن زيارة علي لاريجاني قد جاءت في توقيت حساس سواء بالنسبة للسياسة الخارجية الإيرانية في المنطقة ومستقبل علاقات طهران بإدارة دونالد “ترامب “المستقبلية، أو فيما يتعلق بمستقبل بقاء حزب الله اللبناني نفسه، الذراع الأقوى والأكثر تأثيرًا لإيران، في إطار الصراع مع إسرائيل والتسوية المقترحة أمريكيًا والمقبولة إسرائيليًا المُشار إليها آنفًا.
وفي ضوء ذلك، نتطرق فيما يلي لأبرز الرسائل التي أرادت طهران إرسالها من وراء زيارة كبير مستشاري المرشد الإيراني إلى دمشق وبيروت مؤخرًا.
- بحث وضع المستشارين العسكريين وعلاقة دمشق بالوكلاء المسلحين الموالين لطهران في سوريا:
مثّلت زيارة علي لاريجاني ولقائه بالرئيس السوري، بشار الأسد، في 14 نوفمبر الجاري رمزية سياسية، حيث التقى بالأسد هذه المرة كبيرُ مستشاري المرشد بعد لقاءات عدة الأشهر الماضية مع مسؤولين سياسيين بارزين من طهران كان من بينهم وزير الخارجية عباس عراقجي، وزيارة أخرى لاحقة لوزير الدفاع الإيراني، العميد عزيز نصير زاده، بعد 3 أيام فقط إلى دمشق سيلتقي خلالها مع كبار المسؤولين العسكريين والأمنيين في دمشق.
وتركز حوارات المسؤولين الإيرانيين مع سوريا خلال الفترة الأخيرة على طبيعة علاقة النظام في دمشق مع طهران عسكريًا وأمنيًا من حيث بقاء المستشاريين العسكريين لطهران في البلاد ومدى استمرار دعم بشار الأسد وحكومته للوكلاء الإيرانيين المسلحين المنتشرين على الأراضي السورية منذ أواخر عام 2011.
ولهذا، نجد أن أغلب المسؤولين الإيرانيين الذين يقومون بزيارة سوريا يتبعون لجهات أمنية أو عسكرية بشكل أو بأخر، ولا يُستثنى من ذلك بالطبع وزير الخارجية والعضو السابق في الحرس الثوري عباس عراقجي. فقد جرى تحول خلال العام الأخير فيما يخص انتشار الجماعات الموالية لإيران في سوريا تمثل في تقلص أعدادهم إلى جانب تراجع أعداد “المستشارين” العسكريين الإيرانيين التابعين للحرس الثوري، حسب التسمية الإيرانية.
ولهذا، نجد أن إيران تحاول الاحتفاظ بمساحة واسعة من انتشار قواتها العسكرية في سوريا، سواء التابعة للحرس الثوري أو الوكلاء، خاصة بعد تراجع نفوذهم “نسبيًا” في سوريا بعد إخلاء الحرس الثوري مقرات له وسحب إيران عناصر عديدة من ميليشيات “فاطميون” وغيرهم خلال الفترة الأخيرة، علاوة على تراجع دعم الحكومة السورية بالأساس لجماعات “محور المقاومة”. وقد تعمّق هذا المسار السوري خلال الأشهر الماضية التي شهدت انفجارًا للأوضاع في قطاع غزة ولبنان.
ولهذا، نجد تصريحات “لاريجاني” معبرة عن محاولة تحسين العلاقات مع النظام السوري، حيث قال حين لقائه مع الرئيس بشار الأسد في دمشق خلال الزيارة الأخيرة إن “إيران تقف إلى جانب سوريا ومستعدة لتقديم شتى أنواع الدعم”. وأضاف “لاريجاني” أن “لسوريا دورًا محوريًا في المنطقة، ونتطلع لتعزيز هذا الدور بما يخدم دول المنطقة وشعوبها”. ولعل تصريحات كبير مستشاري وزير الخارجية الإيراني، علي أصغر حاجي، في نفس يوم لقاء “لاريجاني” مع “الأسد” في سوريا كانت معبرة عن هذا التوجه، حيث قال إن “إيران لم تتخذ قرارًا بشأن تغيير عدد قواتها الاستشارية في سوريا بسبب تصاعد التوترات في الشرق الأوسط”.
- تأكيد الدعم لـحزب الله اللبناني في ظل التطورات الجارية:
أتت زيارة علي لاريجاني إلى لبنان في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية في لبنان لتدمير قدرات “حزب الله” العسكرية، وفي الوقت الذي لم تقدم له طهران الدعم “العسكري” المطلوب؛ لأسباب عدة سياسية وعسكرية وأمنية أيضًا. ولهذا، جاءت زيارة لاريجاني إلى لبنان ولقائه مع رئيس البرلمان اللبناني، نبيه بري، رئيس “حركة أمل” الحليف الوثيق لـ “حزب الله” اللبناني، ومناقشته التطورات الجارية في لبنان كرسالة دعم للجماعة اللبنانية في ظل استمرار الحرب مع إسرائيل. وفي هذا الإطار، نجد كبير مستشاري المرشد الإيراني يؤكد في بيروت على أن بلاده “لم تتخل عن حزب الله”، مبديًا موافقة إيران على “أي قرار تتخذه الحكومة اللبنانية والحزب فيما يخص الحرب الجارية في لبنان”.
- رسالة “دبلوماسية” لإدارة دونالد ترامب القادمة وسعي للحفاظ على مكتسبات لطهران في الملف اللبناني:
تجيء من بين أهم الرسائل التي أرادت الحكومة الإيرانية إرسالها عبر زيارة علي لاريجاني إلى لبنان “رسالة الدبلوماسية” التي رغبت طهران في إرسالها إلى إدارة دونالد ترامب المستقبلية. حيث تريد طهران الانخراط إلى جانب الإدارة الأمريكية المقبلة في عملية تسوية سياسية ودبلوماسية للأزمة الجارية في لبنان على وجه الخصوص، والتوترات في الشرق الأوسط بوجه عام، وأن يكون لطهران دور في هذه التسويات على المستوى السياسي الذي يضمن لها من ناحية “تلطيف” الأجواء مع الإدارة الأمريكية المقبلة وكسب نفوذ في الملف اللبناني الإسرائيلي مستقبلًا؛ خاصة وأن لطهران مصالح كبرى في لبنان أهمها جماعة “حزب الله”.
وقد جاءت زيارة “لاريجاني” إلى لبنان بعد 4 أيام فقط من لقاء قالت مصادر أمريكية إنه جمع سفير إيران في الأمم المتحدة، أمير سعيد إيرواني، ومستشار الرئيس الأمريكي المنتخب حديثًا، إيلون ماسك، في الولايات المتحدة؛ بهدف تخفيف نزعة التوترات بين ترامب وإيران. وقالت وسائل الإعلام الأمريكية إن هذا اللقاء -الذي نفت إيران رسميًا حدوثه- تناول عدة قضايا أبرزها برنامج إيران النووي ودعم إيران للجماعات المسلحة الوكيلة في الشرق الأوسط والمنخرطة في عمليات عسكرية ضد إسرائيل، علاوة على “آفاق تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة”.
وبناء على ذلك يمكن استنتاج أن إيران تميل إلى إنهاء الحرب في لبنان للعديد من الأسباب من بينها ضمان عدم تدمير القدرات العسكرية لـ “حزب الله” بشكل كامل والتوجس من التوجهات المحتملة لإدارة ترامب المقبلة إزاء هذه الجماعة اللبنانية وإزاء إيران نفسها. ولهذا، عبّر “لاريجاني” عن دعم إيران للقرار رقم 1701 الذي أصدره مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة في 11 أغسطس 2006 والرامي إلى حل النزاع اللبناني الإسرائيلي ووقف إطلاق النار، كما أكد على أن “الهدف الأساس والرئيس لزيارتنا هذه أن نقول بملء فمنا إننا سنقف إلى جانب جمهورية لبنان حكومةً وشعبًا، وفي كافة الظروف، وكانت لدينا خلال هذه الزيارة مشاورات وتبادل لوجهات النظر في مختلف المواضيع، وأتمنى حلحلة كل هذه المشكلات والمصاعب التي يعيشها لبنان وحكومة لبنان بأسرع وقت ممكن”، لافتًا إلى أنه “نحن نريد حل المشكلة”.
وفي الختام، يمكن من خلال الزيارات التي يقوم بها المسؤلون الإيرانيون إلى دول التماس المباشر مع أزمتي غزة ولبنان منذ تولي حكومة الإصلاحيين برئاسة مسعود بزشكيان الحكم في البلاد في يوليو 2024 استنتاج أن الشخصيات والمسؤولين الأصوليين هم من يتولون مهام الزيارات الخارجية سواء إلى سوريا أو لبنان. فقد زار هاتين الدولتين وزير الخارجية والضابط السابق في الحرس الثوري عباس عراقجي، الذي يُصنف من بين المحافظين وليس الإصلاحيين في إيران، كما زارها أيضًا الأصولي رئيس البرلمان الحالي، محمد باقر قاليباف، وكبير مستشاري المرشد الإيراني والقائد السابق في الحرس الثوري، علي لاريجاني، مؤخرًا. وعلى الناحية الأخرى، لا نجد أية زيارة من جانب الشخصيات الإصلاحية الحالية في الحكومة الإيرانية إلى لبنان أو سوريا، فيما يتعلق بهذين الملفين، سواء من جانب الرئيس مسعود بزشكيان، أو نائبه الإصلاحي أيضًا محمد جواد ظريف. وقد يعود ذلك إلى أهمية هذين الملفين وحيويتهما للنظام الإيراني وسيطرة وجهات النظر الأصولية على مساريهما، إلى جانب الخلافات في وجهات النظر بين الإصلاحيين والأصوليين المتحكمين في المؤسسات العسكرية والأمنية بإيران فيما يخص مثل هذه الملفات تحديدًا.