مصر

دلالات المشاركة المصرية الرابعة في اجتماعات قمة مجموعة العشرين

توجه الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى مدينة “ريو دي جانيرو” بالبرازيل؛ للمشاركة في قمة مجموعة العشرين التي تُعقد يومي 18-19 نوفمبر 2024؛ بناء على دعوة من الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا، لتكون هذه هي المشاركة الرابعة لمصر إجمالًا في قمم المجموعة، عقب المشاركة في قمم الرئاسة الصينية عام ٢٠١٦، واليابانية عام ٢٠١٩، والهندية عام ٢٠٢٣،  بما يعكس التقدير المتنامي لثقل مصر الدولي، ولدورها المحوري على الصعيد الإقليمي.

تعد القمة التاسعة عشر لرؤساء الدول والحكومات لمجموعة العشرين،  في ريو دي جانيرو بالبرازيل، هي ذروة عملية مجموعة العشرين والعمل الذي تم تنفيذه على مدار العام من خلال الاجتماعات الوزارية ومجموعات العمل ومجموعات المشاركة. وتعتمد مجموعة العشرين إعلان الزعماء في ختام القمة والذي ينص على التزام الزعماء بالأولويات التي تمت مناقشتها والاتفاق عليها خلال الاجتماعات الوزارية ومجموعات العمل. وستحضر القمة 19 دولة أعضاء، بالإضافة إلى الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي. والدول الـ19 هي البرازيل (الدولة الرئيسة)، والأرجنتين، وأستراليا، وكندا، والصين، وألمانيا، وفرنسا، والهند، وإندونيسيا، وإيطاليا، واليابان، وكوريا الجنوبية، والمكسيك، وروسيا، والمملكة العربية السعودية، وجنوب أفريقيا، وتركيا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة.

وتتولى البرازيل رئاسة مجموعة العشرين منذ 1 ديسمبر 2023 وإلى 30 نوفمبر 2024، حتى تنتقل الرئاسة إلى دولة جنوب أفريقيا لتكون أول دولة أفريقية تتولى رئاسة مجموعة العشرين وتستضيف القمة القادمة في عام 2025. ويمثل أعضاء مجموعة العشرين حوالي 85% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وأكثر من 75% من التجارة العالمية وحوالي ثلثي سكان العالم. في البداية، ركزت مجموعة العشرين بشكل أساسي على القضايا الاقتصادية الكلية العامة، لكنها وسعت أجندتها لتشمل موضوعات مثل التجارة والتنمية المستدامة والصحة والزراعة والطاقة والبيئة وتغير المناخ ومكافحة الفساد.

وبينما كان موضوع آخر قمة، والتي انعقدت في الهند، تحت عنوان “أرض واحدة. عائلة واحدة. مستقبل واحد”، هو الحرب الروسية الأوكرانية، وأهداف التنمية المستدامة المختلفة، وقضايا المناخ والبيئة، وغيرها؛ ستكون القمة لهذا العام تحت شعار “بناء عالم عادل وكوكب مستدام” ، وسيشارك زعماء دول مجموعة العشرين والدول المدعوة في ثلاث جلسات حول الأولويات الثلاث الرئيسة لرئاسة البرازيل، وهي:

  1. الإدماج الاجتماعي ومكافحة الجوع والفقر

خلال الجلسة الأولى، سيناقش القادة القضايا المتعلقة بما يلي:

  • مكافحة عدم المساواة.
  • الإدماج الاجتماعي والمالي.
  • التعاون الضريبي الدولي.
  • الأمن الغذائي.
  • إصلاح الحوكمة العالمية

خلال الجلسة الثانية، سوف يوجه القادة اهتمامهم إلى:

  • تحديث الهيئات الدولية الرائدة، مثل الأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية.
  • تطور النظام المالي الدولي، وخاصة بنوك التنمية متعددة الأطراف.
  • التنمية المستدامة والتحول في مجال الطاقة

خلال هذه الجلسة النهائية، ينبغي على القادة معالجة المواضيع التالية:

  • التعبئة ضد تغير المناخ.
  • التمويل المستدام.
  • كفاءة الطاقة والانتقال إلى الطاقة المتجددة.

وعلى هامش المحاور الثلاثة من المتوقع أيضًا مناقشة أهم القضايا العالمية، كالأزمات المستمرة في التصاعد في الشرق الأوسط، أو استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، خاصة وأن تأثير هذه القضايا يطال المحاور الأساسية التي ستناقش في الجلسات الثلاث الرئيسة بشكل أو بآخر، خاصة في ظل الترقب العالمي لتتأثير التغيير في القيادة العالمية على مثل هذه الأزمات، وأهمية التأكيد على مواقف الدول، الأعضاء والمدعوة، بالرغم من أنه مازال من غير الواضح إذا ما كان سيتم تضمين مستخرجات هذه النقاشات والمواقف في البيان الختامي أم ستكتفي بالتركيز على مخرجات المحاور الرئيية فقط.

تأتي مشاركة مصر الرابعة في قمة مجموعة العشرين في ظل وضع عالمي معقد، سواء من الناحية الاقتصادية، أو من الناحية السياسية والأمنية، وذلك منذ جائحة كوفيد-19 ومن ثم الحرب الروسية الأوكرانية وصولًا إلى الحرب على غزة وانتشار الصراعات والأزمات المختلفة في الشرق الأوسط، والاقتصاد العالمي غير المستقر وتنازع الكثير من الدول للصمود أمام الأزمات الاقتصادية المختلفة، خاصة في ملف الطاقة، والذي يؤثر بدوره على ملف المناخ والبيئة. ومن الناحية السياسية والأمنية، فكثرة الصراعات تسببت في الكثير من التوترات الدبلوماسية، والتي بدورها تتسبب في قلق من الناحية الأمنية، سواء عند الدول القريبة جغرافيًا من الصراعات، أو حتى عند الدول البعيدة من الناحية الجغرافية لكن تنخرط انخراطًا مباشر في تلك الصراعات.

ودعت البرازيل عددًا من الدول التي سيكون وجودها مهمًا في مثل هذه القمة، حيث تمت دعوة عدد من الدول النامية، سواء من أفريقيا أو أمريكا الجنوبية، بالإضافة إلى عدد من الدول التي تعد قوى اقتصادية كبيرة، مع دعوة دول أخرى ذات ثقل سياسي دولي ودور محوري في القضايا والأزمات الحالية، وعلى رأسها مصر. وتكمن أهمية دعوة مصر لقمة مجموعة العشرين في نقطتين رئيستين؛ الأولى هي  أن هذه الدعوة تعكس رؤية وتقدير دول العالم لأهمية وثقل دور مصر السياسي، والاهتمام المتنامي بمشاركة مصر في المحافل الدولية المختلفة، خاصة وأن هذه هي المرة الرابعة التي توجه فيها الدعوة لمصر للحضور في آخر 8 سنوات، والدعوة الثانية على التوالي، حيث تم توجيه الدعوة من قبل الهند فيما كان موضوع أساسي للنقاش هو الحرب الروسية الأوكرانية، مما يؤكد على أهمية دور مصر على المستوى الدولي وليس الإقليمي فقط.

من جانب آخر، فإن هناك أهمية كبيرة لمشاركة مصر بوجهة نظرها في الموضوعات التي ستُناقش في القمة؛ فعند النظر إل الموضوعات سنجد أنها كافة على رأس أولويات خطة الدولة المصرية، إن كان الإدماج الاجتماعي ومكافحة الفقر والجوع، والذي قطعت فيه مصر شوطًا كبيرًا يُشهَد له على المستوى العالمي، وهناك احتياج لمحاولة جذب الدعم العالمي لهذه القضية ليس في مصر فقط ولكن في الكثير من الدول على مستوى العالم، والذي سيحضر عدد منها في القمة.

ويعد موضوع الجلسة الثانية، إصلاح الحوكمة العالمية، أيضًا من أهم الموضوعات بالنسبة لمصر، ففي ظل الأزمات والتوترات العالمية أثبت العديد من المنظمات الدولية عدم فاعليتها بما فيه الكفاية في مختلف الملفات، خاصة فيما يتعلق بالحرب على غزة، سواء عن طريق عدم قدرة الأمم المتحدة على تهدئة الوضع وإحلال السلام، أو حتى عدم القدرة على مراقبة دخول المساعدات الإنسانية للفلسطينيين في غزة. ومن المقرر أن تلقي كلمات الرئيس السيسي خلال اجتماعات القمة الضوء على الأوضاع الإقليمية، والأزمة التي تواجه المنطقة مع استمرار التصعيد الإسرائيلي في فلسطين ولبنان، والجهود المصرية لاستعادة الاستقرار في الشرق الأوسط، مما يشير إلى وضع هذا الملف في الأولوية بالنسبة لمصر.

أما بالنسبة للمحور الثالث، التنمية المستدامة والتحول في مجال الطاقة، فتضع مصر هذا الملف عنوانًا لخطتها المستقبلية، ولقد حققت بالفعل الكثير من النجاحات والتقدم في هذا السياق، خاصة ما يتعلق بالطاقة المتجددة والتغير المناخي. وتعد مصر أيضًا من الدول الرائدة في التحول في مجال الطاقة ومن أكثر الدول التي حققت تقدمًا في ملف التغير المناخي، وهذا ليس مقارنة بالدول النامية او المتشابهة معها في الظروف فقط، ولكن مقارنة أيضًا بالكثير من الدول المتقدمة، مما سيجعل مشاركة مصر في هذا الملف ليست فقط مفيدة ومهمة لمصر، ولكنها تحمل أهمية وإفادة كبيرة للنقاش العالمي.

إجمالًا، تعبر مشاركة مصر في قمة مجموعة العشرين بريو دي جانيرو للمرة الرابعة  عن حجم وثقل الدور المصري على المستوى الدولي وفي أهم الملفات على الساحة العالمية. ولم تكتسب مصر هذا الثقل  بسهولة، فبالرغم من أن القمة الأولى لمجموعة العشرين عُقدت في واشنطن في عام 2008، إلا أن المرة الأولى التي يتم توجيه دعوة لمصر فيها كانت في عام 2016، وهو ما يمكن تفسيره بالظروف العصيبة التي مرت بها مصر من عدم استقرار داخلي وحملات إرهاب منظمة. إلا أن قدرة الدولة المصرية على تخطي الأزمات، والعبور منها للسير في طريق التعافي والتنمية جذب أنظار العالم إلى أهمية الدولة المصرية وقدرتها وهو ما تسبب في الدعوة الأولى، بينما مبادرات مصر المختلفة الرائدة في بعض المجالات، كالتنمية المستدامة وقضايا المناخ، نتج عنها دعوتها للمرة الثانية. أيضًا ظهور ثقل مصر الدولي في ظل الأزمات الدولية ودورها المحوري في محاولات حل هذه الأزمات، نتج عنه الدعوة الثالثة والرابعة لعامين متتاليين، مما يؤكد تقدير المجتمع الدولي لمصر دورها وأهمية مشاركتها في أكبر المحافل الدولية.

بيير يعقوب

باحث بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى