القضية الفلسطينية

سياقات ومحددات نتائج القمة العربية الإسلامية الاستثنائية

انعقدت في المملكة العربية السعودية يوم 11 نوفمبر 2024 القمة العربية الإسلامية الاستثنائية الثانية التي دعت الرياض إلى عقدها في 30 أكتوبر 2024 لبحث استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ولبنان، وتطورات الأوضاع الراهنة في المنطقة، بمشاركة أكثر من 50 من قادة وزعماء ومسؤولين ووزراء وممثلي بلدان عربية وإسلامية. وتمثل قمة الرياض امتدادًا للقمة العربية الإسلامية غير العادية التي انعقدت في 11 نوفمبر عام 2023. وجاءت القمة من مطلق الحرص العربي والإسلامي على توحيد الصفين فيما يتصل بالتوترات التي تشهدها المنطقة وإقرار خطوات سياسية وإنسانية للضغط من أجل وقف الحرب في غزة ولبنان.

جاءت القمة العربية الإسلامية الاستثنائية في سياق مضطرب إقليميًا ودوليًا، وهو ما يمكن الإشارة إليه فيما يلي:

استمرار الجرائم الإسرائيلية: انعقدت قمة الرياضفي ضوء استمرار ما يشهده قطاع غزة ولبنان من تنامي حدة التصعيد من قبل القوات الإسرائيلية؛ فإلى جانب الحرب الإسرائيلية على غزة المستمرة منذ أكثر من عام، كثفت تل أبيب منذ سبتمبر عام 2024 قصفها الجوي على مختلف أنحاء لبنان، وشنت هجومًا بريًا على جنوب لبنان، زاعمة أن حربها ضد حزب الله، بيد أن القوات الإسرائيلية تتعمد استهداف المباني السكنية والمستشفيات وسيارات الإسعاف والطواقم الطبية بشكل يومي على غرار السياسة المُنتهجة في قطاع غزة، مُنتهكة بذلك القانون الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.

الانتخابات الأمريكية: تزامن عقد القمة العربية الإسلامية غير العادية مع فوز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الانتخابات الأمريكية وما يحمله ذلك من تداعيات متعلقة بالقضية الفلسطينية وتطورات المنطقة، حيث بإمكان فوز “ترامب” أن يزيد من تعنت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشأن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، خاصة في ضوء التوجهات التي أبداها “ترامب” خلال ولايته الأولى من دعم كامل لإسرائيل على النحو الذي ظهر في الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها، والموافقة على ضم إسرائيل لهضبة الجولان المحتلة، إلى جانب طرحه خطة “السلام مقابل الازدهار” أو ما عُرف بـ”صفقة القرن” التي انحازت بشكل كامل إلى التصورات الإسرائيلية بشأن القضية الفلسطينية. علاوة على ذلك، تتزايد المخاوف من زيادة حدة المواجهة بين إسرائيل وإيران، واحتمالية أن يدعم الرئيس الأمريكي المنتخب توجيه إسرائيل ضربة للمنشآت النووية الإيرانية، خاصة بعدما صرح خلال الحملة الانتخابية بأنه يجب على إسرائيل ضرب المنشآت النووية ردًا على إطلاق طهران صواريخ باليستية على إسرائيل.

التحالف الدولي لحل الدولتين: جاءت قمة الرياض في سياق انعقاد أولى اجتماعات “التحالف الدولي لحل الدولتين” الذي أطلقته السعودية، يومَي 30 و31 أكتوبر 2024، بمشاركة 90 دولة ومنظمة إقليمية ودولية؛ لبحث الحلول الأمنية والسياسية المتعلقة بتقديم جدول زمني محدد لبناء الدولة الفلسطينية والدفع تجاه الدعم الدولي لحل الدولتين والحد من خطابات الكراهية والتحريض، فضلًا عن تعزيز التفاهم المشترك وزيادة الدعم الاقتصادي والمالي والتنموي، للوصول إلى السلام الدائم والشامل في الشرق الأوسط. وانعقد اجتماع “التحالف الدولي لحل الدولتين” بعدما أعلن وزير الخارجية السعودي الأمير “فيصل بن فرحان” في سبتمبر الماضي، في نيويورك، باسم الدول العربية والإسلامية والشركاء الأوروبيين، عن إطلاقه.

المواجهة الإسرائيلية الإيرانية: جاءت القمة العربية الإسلامية الاستثنائية في سياق تغيير نمط المواجهة بين إيران وإسرائيل من حروب الظل إلى المواجهة المباشرة، ومن ثم احتمالية رد إيران على إسرائيل عقب الهجمات التي نفذتها إسرائيل ضد إيران في 26 أكتوبر 2024، لا سيما في ضوء التأكيدات الإيرانية بشأن الرد، حيث أبلغت طهران الدبلوماسيين العرب أنها سترد، مشيرة إلى احتمالية استهداف المنشآت العسكرية الإسرائيلية بشكل أكثر عدوانية من المرة الأخيرة قبل تنصيب رئيس أمريكي جديد في يناير المقبل.

إلي جانب إدانة كل من مسودة قمة الرياض عام 2024 وعام 2023 السياسات القمعية الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني من حيث، الإبادة الجماعية، والتهجير والإخفاء القصري وعمليات التطهير العرقي خاصة في شمال قطاع غزة، واستخدام الحصار والتجويع سلاحًا ضد المدنيين في القطاع، أبرزت قمة الرياض لهذا العام عددًا من القرارات والتحركات الجديدة مقارنة بما جاء في القمة المشتركة السابقة، ومنها ما يلي:

عزل إسرائيل دوليًا: في ضوء تقاعس المجتمع الدولي ومؤسساته عن القيام بواجباتهم تجاه القضية الفلسطينية، قررت الدول العربية والإسلامية بدء العمل على حشد الدعم الدولي لتجميد مشاركة إسرائيل في الجمعية العامة للأمم المتحدة والكيانات التابعة لها تمهيدًا لتقديم مشروع قرار مشترك للجمعية العامة على أساس انتهاكاتها لميثاق الأمم المتحدة وتهديدها للأمن والسلم الدوليين وعدم وفائها بالتزامات عضويتها في الأمم المتحدة، واستنادًا إلى الرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية في 19 يوليو 2024. ذلك علاوة على مطالبة جميع الدول بحظر تصدير أو نقل الأسلحة والذخائر إلى إسرائيل.

عضوية كاملة: اتخذ مسار الاعتراف بالدولة الفلسطينية دفعة خلال شهري أبريل ومايو الماضيين، وذلك مع إعلان العديد من الدول اعترافهم بالدولة الفلسطينية، وقد جاء تزايد الاعتراف في أعقاب قرار الجمعية العامة الصادر في 10 مايو 2024، الذي قدمته الإمارات العربية المتحدة، وصوت لصالحه 143 عضوًا وعارضه 9 فيما امتنع 25 عن التصويت، والذي أكد قناعة الجمعية العامة بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، وأن دولة فلسطين مؤهلة تمامًا لعضوية الأمم المتحدة وفقًا لميثاقها، وفي هذا الصدد، طالبت الدول العربية والإسلامية مجلس الأمن بتبني القرار الصادر عن الجمعية العامة لإنهاء الاحتلال والانضمام الكامل لفلسطين إلى الأمم المتحدة.

جهود ثلاثية مكثفة: في إطار الجهود العربية والإسلامية المبذولة طوال العام الماضي، قررت قمة الرياض المشتركة لأول مرة في التاريخ توقيع اتفاق لإنشاء “آلية ثلاثية مشتركة” بين جامعة الدول العربية، والاتحاد الأفريقي، ومنظمة التعاون الإسلامي، للتنسيق فيما بينها لتعزيز الجهود المشتركة على كافة الصعد، السياسية والقانونية والإنسانية والإعلامية والثقافية لدعم القضية الفلسطينية، ومن ثم تنفيذ القرارات المتخذة بشأن القضية عبر الأمانات العامة للمنظمات، وتوحيد المواقف في المحافل الدولية بدلًا من التنسيقات الثنائية بين دول المنظمات كما كان سابقًا.

توسيع نشاط اللجنة الوزارية: قررت الدول العربية والإسلامية تكليف “اللجنة الوزارية العربية الإسلامية المشتركة” برئاسة السعودية، التي شُكلت وفق القرار الصادر عن القمة العربية الإسلامية في 11 نوفمبر عام 2023، بمواصلة عملها وتكثيف جهودها؛ لإشراك أكبر لجهات فاعلة أخرى في الجنوب العالمي لتعزيز الدعم الدولي بهدف إنهاء الحرب والاحتلال الإسرائيلي، كما قررت القمة توسيع جهود اللجنة لتشمل العمل على وقف العدوان على لبنان.

ختامًا، انعقدت القمة العربية الإسلامية غير العادية في أعقاب استمرار الانتهاكات الإسرائيلية بحق ليس فقط فلسطين، بل أيضًا المنطقة برمتها، ومن ثم جاءت القمة للتأكيد على ما جاء بالقمة العربية الإسلامية السابقة من حيث ثبات الموقف العربي في مواجهة العدوان الإسرائيلي مع اتخاذ خطوات وقرارات جديدة؛ نظرًا لتغير السياق الذي انعقدت به القمتين، ففي أعقاب قمة الرياض عام 2023 لم يكن الوضع في لبنان أو سوريا كما هو الآن، ولم تكن العلاقات الإسرائيلية-الإيرانية مشتعلة كما في الوقت الحالي، ولم يعترف عدد من الدول بفلسطين، علاوة على ذلك، لم يكن هناك أية مؤشرات على فوز الرئيس الأمريكي “ترامب” في الانتخابات الأمريكية. وفي هذا الصدد، انعقدت القمة لتوحيد الصفوف العربية والإسلامية للتصدي للمتغيرات التي طرأت إقليميًا ودوليًا، ولمواجهة أيضًا ازدواجية المعايير لدى المجتمع الدولي، ومن ثم مطالبته بتحمل مسئوليته إزاء الشعب الفلسطيني عبر الضغط على إسرائيل للتوقف عن ممارستها القمعية بحق الشعب الفلسطيني واللبناني، تمهيدًا للتوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة ولبنان، يقود في نهاية المطاف إلى إقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية بحدود عام 1967.

نرمين ناصر

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى