مصر

القمة العربية الإسلامية.. موقف مصري ثابت نحو حل عادل للقضية الفلسطينية واستقرار المنطقة

عقدت اليوم 11 نوفمبر 2024 القمة العربية الإسلامية غير العادية في الرياض بهدف بحث مستجدات الأوضاع في غزة ولبنان، والتي تأتي بعد عام من قمة سابقة جمعت جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، أكد فيها المشاركون على إدانتهم للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. كما جاءت قمة اليوم بعد دعوة وزارة الخارجية السعودية في أواخر أكتوبر خلال الاجتماع الأول للتحالف الدولي لحل الدولتين للقمة بهدف الدفع قدماً نحو تحقيق حل الدولتين لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

وشاركت مصر في القمة بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، والذي أكد على الموقف المصري الثابت والجهود الحثيثة التي تبذلها مصر من أجل التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة ولبنان، وعلى أهمية منع تفاقم الأوضاع في المنطقة، بالإضافة إلى التأكيد على الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.

وفي إطار ذلك، تسعى الورقة إلى تسليط الضوء على الرؤية المصرية للصراعات والحروب الجارية في المنطقة، وأيضًا الثوابت المصرية من اجل تحقيق السلام والاستقرار الإقليمي، وجهودها لمنع السياسات التصعيدية التي تدفع المنطقة نحو حافة الهاوية، والتي أشار إليها الرئيس السيسي اليوم في كلمته.

في كلمة الرئيس السيسي، تمت الإشارة إلى أن مستقبل المنطقة والعالم أصبح على مفترق طرق في ظل ما يحدث من عدوان غير مقبول على الأراضي الفلسطينية واللبنانية، والذي يضع النظام الدولي بأسره على المحك، ويعكس ذلك بشكل واضح حجم التحديات الكبيرة التي تواجهها المنطقة في ظل تصاعد الأزمات والنزاعات المسلحة حيث أصبح الصراع في غزة ولبنان لا يقتصر على كونه مسألة إقليمية فقط، بل يهدد الأمن الدولي بأسره. وفي ذلك الإطار، تنظر مصر إلى التوترات الإقليمية الحالية على أنها تهديد مباشر للاستقرار ليس في الشرق الأوسط فحسب، بل في النظام الدولي ككل، وهو ما يستدعي تدخلًا عاجلًا وجهود مكثفة وحثيثة من القوى الكبرى لتجنب الانزلاق إلى حرب شاملة قد تجر العالم إلى نتائج كارثية.

من ناحية أخرى من المهم الإشارة إلى الموقف المصري الثابت من التمسك بدعم الحقوق الفلسطينية واللبنانية، حيث ترى دائمًا أن تجاهل معاناة الشعوب وتفاقم الصراعات يؤدي إلى تآكل مصداقية المؤسسات الدولية. فالتقاعس عن اتخاذ خطوات حاسمة لوقف العدوان ليس فقط يقوض الأمل في السلام، بل يعزز من مشاعر الظلم والاحتقان التي قد تؤدي إلى مزيد من التصعيد. ومن هنا تبرز كلمة الرئيس السيسي كمؤشر على أهمية تحرك المجتمع الدولي بشكل موحد وعاجل لاحتواء الوضع والضغط على الأطراف المعنية للوصول إلى حلول دبلوماسية تضمن الحقوق والأمن للجميع، وتعيد الأمل في إمكان بناء سلام عادل ومستدام في المنطقة.

تقف مصر ضد جميع المخططات التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، سواء عبر تهجير السكان المحليين المدنيين، أو نقلهم قسرًا أو تحويل القطاع إلى مكان غير صالح للحياة، وهو ما أكد عليه الرئيس السيسي اليوم، والذي يعكس الرؤية المصرية العميقة في فهم حقيقة ما يحدث في غزة بشكل خاص، حيث تدرك مصر تمامًا ما قد يعنيه هذا التهجير، ليس فقط على صعيد القضايا الإنسانية، بل أيضًا على صعيد الأمن القومي المصري والعربي وأيضًا على صعيد تصفية القضية تمامًا.

وتجدر الإشارة إلى أن رفض التهجير بالنسبة لمصر ليس مجرد موقف عاطفي، بل مبدأ ثابت تستند إليه سياستها، إذ تعتبر أن تصفية القضية الفلسطينية بأي شكل من الأشكال تهديدًا مباشرًا للأمن القومي، وهو ما يزيد من أهمية رفضها القاطع. وأوضح الرئيس السيسي في أكثر من مناسبة أن مسألة تهجير الفلسطينيين ليست مسألة محل نقاش، بل هي مسألة تتعلق بالأمن القومي لمصر والمنطقة، حيث ترى مصر أن أي محاولة لتفريغ الأراضي الفلسطينية من سكانها الأصليين هي بمثابة تصفية للقضية الفلسطينية بشكل كامل، وهو ما لن تسمح به تحت أي ظرف.

أكد الرئيس السيسي على أن الشرط الضروري لتحقيق الأمن والاستقرار والانتقال من نظام إقليمي جوهره الصراع والعداء يقوم على السلام والتنمية، هو إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، على خطوط 4 يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، ويعكس ذلك التزام مصر العميق بالقضية الفلسطينية كمسألة مركزية في الأمن العربي، ويؤكد أن أي حلول مؤقتة أو استجابة لواقع الاحتلال لا يمكن أن تحقق استقرارًا دائمًا في المنطقة.

ويعكس أيضًا ذلك الرؤية المصرية الاستراتيجية التي تدرك أن أي تحرك نحو الأمن الإقليمي لن يكون ممكنًا إلا بتسوية عادلة ودائمة للقضية الفلسطينية، وأن إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة، تمثل حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، هي الأساس الذي يمكن أن يؤسس للسلام المستدام في المنطقة، ويعزز من الأمن القومي العربي بشكل عام. وبناءً على ذلك يمكن القول بأنه لا يعتبر الموقف المصري مسألة دبلوماسية فحسب، بل جزءًا من استراتيجية شاملة تهدف إلى خلق بيئة إقليمية آمنة ومستقرة، ويعكس الرؤية المصرية للسلام في الشرق الأوسط.

أكد الرئيس في كلمته على التزام مصر بشكل كامل، بتقديم العون لدعم صمود مؤسسات الدولة اللبنانية وفى مقدمتها الجيش اللبناني، وسعيًا لوقف العدوان والتدمير الذي يتعرض له الشعب اللبناني الشقيق وتكثيفا للجهود الرامية للوقف الفوري لإطلاق النار، والتنفيذ الكامل وغير الانتقائي لقرار مجلس الأمن رقم 1701. يأتي ذلك في إطار الدور المصري الثابت في دعم لبنان منذ بداية الأزمة، حيث تعتبر مصر استقرار لبنان جزءًا لا يتجزأ من استقرار المنطقة أيضًا. ومن خلال هذا الدور، تسعى مصر إلى الحفاظ على وحدة لبنان، وتقديم الدعم السياسي والإنساني لضمان صموده أمام التحديات الحالية.

 كما تسهم مصر في جهود التهدئة والوساطة على المستوى الإقليمي والدولي، بهدف تجنب التصعيد في المنطقة والحد من تداعيات النزاع على الشعب اللبناني والدول المجاورة. ويعكس التزام مصر ليس فقط بتقديم المساعدات، بل يشمل أيضًا التحركات الدبلوماسية الفاعلة لوقف أي محاولات للتصعيد أو تدمير مؤسسات الدولة اللبنانية.

تتمسك مصر بالسلام كخيار استراتيجي وحيد لتحقيق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، حيث تعتبره السبيل الأساسي للتصدي للتوترات والصراعات المستمرة التي تهدد الأمن الإقليمي والدولي، وفقًا لما أشار إليه الرئيس السيسي اليوم في القمة.

ومن المهم الإشارة إلى أن الموقف المصري الذي أشار إليه الرئيس السيسي يبرز منذ عقود، حيث حملت مصر مسؤولية تاريخية في إطلاق مسار السلام، وسعت دائمًا إلى تسخير قدراتها الدبلوماسية لحل النزاعات في المنطقة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية التي تظل محورية في السياسة المصرية. كما تواصل مصر جهودها لإحياء عملية السلام عبر التزامها بحل عادل وشامل، يرتكز على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

يعكس هذا الرؤية المصرية الاستراتيجية لإقليم متوازن يعتمد على الحوار والمفاوضات كأداة رئيسية لحل الأزمات، كما يعكس أن مصر تؤمن أن تحقيق السلام في المنطقة ليس مسؤولية القوى الخارجية فحسب، بل يتطلب إرادة سياسية حقيقية من الأطراف المعنية، وتسعى باستمرار على كافة الجبهات الإقليمية والدولية إلى دفع هذه الإرادة وتحقيق تسوية سلمية مستدامة، مؤمنة بأن السلام هو الأساس الذي يبني عليه الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم.

خلاصة القول، يعكس الموقف المصري الذي تم التأكيد عليه في قمة الرياض رؤية استراتيجية واضحة لمصر في التعامل مع الأزمات الإقليمية وتوجيهها نحو تحقيق الاستقرار والسلام في المنطقة. حيث أكد الرئيس السيسي على مجموعة من الرسائل وهي أن العدوان الإسرائيلي المستمر على الأراضي الفلسطينية واللبنانية، يضع النظام الدولي بأسره أمام اختبار حقيقي ويهدد الأمن الإقليمي والدولي، وعلى موقف مصر الثابت والراسخ في دعم الحقوق الفلسطينية، ورفض أي محاولات لتصفية القضية الفلسطينية، وأن مصر تواصل دورها الفاعل في السعي لوقف العدوان وتحقيق تهدئة شاملة، سواء في غزة أو لبنان، وأهمية إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية كأسس لاستقرار الشرق الأوسط.

مريم صلاح

باحثة بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى