الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024أفريقياالأمريكتان

موقع أفريقيا في ولاية الرئيس الأمريكي “ترامب” الثانية

يطرح فوز الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية ليصبح الرئيس الـ 47 في تاريخ الولايات المتحدة تساؤلات كبيرة حول موقع القارة الأفريقية من استراتيجيته خلال ولايته الثانية وهل ستكون امتدادًا للسياسة الأمريكية تجاه أفريقيا في ولايته الأولى أم تطرأ عليها تغيرات في إطار عزم “ترامب” إعادة تشكيل العلاقات بما يخدم الأهداف والمصالح الأمريكية على نحو مغاير لما كان خلال إدارة الرئيس الديمقراطي جو بايدن. فما المتوقع أن تشهده العلاقات الأفريقية الأمريكية خلال ولاية “ترامب” القادمة؟

تبنت إدارة “ترامب” استراتيجية “أمريكا أولًا” والتي وضعت المصالح الأمريكية فوق مبدأ المصالح المشتركة. ولم يتبنَ “ترامب” منظور الديمقراطيين في العلاقات الدولية، فانعكس ذلك على العديد من مجالات التعاون بين القارة الأفريقية والولايات المتحدة الأمريكية، التي فضلت استخدام استراتيجية التعاون الثنائي والتعاون الأحادي مع الدول منفردة وليس القارة كتكتل واحد.

  • الاقتصاد:

فعلى المستوى الاقتصادي، بالرغم من إطلاق إدارة ترامب لمبادرة “ازدهار أفريقيا” لتعزيز التبادل التجاري والاستثماري مع القارة ومواجهة الوجود الصيني الروسي لتحقيق الربط بين دول القارة والولايات المتحدة؛ فإنها لم تلقَ الدعم الكافي والتمويل، وهو ما انعكس على انخفاض حجم الاستثمار الأجنبي المباشر الأمريكي في أفريقيا بنحو 14% من 50.4 مليار دولار في عام 2017 إلى 43.2 مليار دولار في عام 2019. ليعاود الارتفاء ويصل إلى قمته خلال ولاية الرئيس جو بايدن بنحو 56.29 مليار دولار عام 2023.

  • التعاون السياسي والعسكري وسياسة العقوبات:

شهدت ولاية إدارة “ترامب” الأولى حالة من العلاقات المتردية مع القارة الأفريقية بعد سلسلة التصريحات المسيئة التي أطلقها، وكذلك قرارات تقليص الوجود الأمريكي العسكري في الخارج؛ ففي ديسمبر 2020 أصدر “ترامب” قرارًا بسحب القوات الأمريكية من الصومال، وتقليص أعداد القوات في القارة، الأمر الذي فاقم من حدة مشكلة الإرهاب في المنطقة، فأصدر “بايدن” في مايو 2022 قرارًا بعودة القوات الأمريكية إلى الصومال، ونشر 550 عسكريًا.

استخدمت إدارة “ترامب” كذلك أسلوب العقوبات الاقتصادية ضد الدول التي لا تتماشى سياستها مع مصالح الإدارة الأمريكية، حيث تم فرض إجراءات عقابية ضد الدول التي خالفت توقعات الإدارة مثل تعليق وصول رواندا إلى السوق الأمريكية دون رسوم جمركية بعد أن فرضت رسومًا جمركية كبيرة على واردات الملابس المستعملة. يضاف إلى ذلك القرارات التي أصدرتها الإدارة الأمريكية للرئيس دونالد ترامب بشأن الهجرة بحظر سفر مواطني بعض الدول إلى الولايات المتحدة، ومنها دول أفريقية مثل السودان والصومال وإريتريا ونيجيريا وتنزانيا. وقد أُعيد طرح تنفيذ مثل هذه الإجراءات خلال الحملة الانتخابية لترامب بعد أن ألغاها الرئيس جو بايدن.

حاولت إدارة “بايدن” وقف سياسة العزلة التي كان يتم الترويج لها في حقبة ترامب الأولى، فحاولت استعادة العلاقات إعلاميًا، واستعادة الدور الأمريكي مع صعود النفوذ الروسي الصيني في القارة على خلفية العداء ضد الدول الاستعمارية الغربية، ظهرت القوى الأمريكية في استعادة الدور الذي خفضه ترامب.

  • الاقتصاد:

ففي القمة الأفريقية الأمريكية الثانية، كان هناك إعلان عن زيادة التعاون في التجارة والاستثمار بجانب تقديم التمويل والمساعدات الأمريكية إلى القارة الأفريقية، وفقًا لتقرير وزارة الخارجية الأمريكية ديسمبر 2022، ظهر في تمويل برامج التحول الرقمي أو الطاقة النظيفة، وقامت إدارة بايدن بتقديم حزم تجارية واستثمارية منذ عام 2021، ساهمت في إبرام أكثر من 800 صفقة تجارية واستثمارية ثنائية الاتجاه عبر 47 دولة أفريقية بقيمة إجمالية تقدر بأكثر من 18 مليار دولار، وأبرم القطاع الخاص الأمريكي صفقات استثمارية في إفريقيا بقيمة 8.6 مليار دولار، وبلغ إجمالي السلع والخدمات الأمريكية المتداولة مع إفريقيا في عام 2021  83.6 مليار دولار، كما  وقع الممثل التجاري للولايات المتحدة، نيابةً عن الحكومة الأمريكية، مذكرة تفاهم مع أمانة منطقة التجارة الحرة في القارة الأفريقية (AfCFTA) لإنشاء سوق مشتركة على مستوى القارة تضم 1.3 مليار شخص بإجمالي تبادل تجاري بقيمة 3.4 تريليونات دولار أمريكي، مما يجعلها خامس أكبر اقتصاد في العالم، إذا ما تم استكمال الاتفاقية.

وقدمت إدارة بايدن ما لايقل عن 170 مليون دولار أمريكي في مبادرة “ازدهار أفريقيا” بالتعاون مع الكونجرس، لدعم الاستثمار والشراكات التحفيزية وزيادة الصادرات الأفريقية إلى الولايات المتحدة. وأعلنت إدارة بايدن التزامها باستثمار 55 مليار دولار في أفريقيا على مدى ثلاث سنوات منذ عام 2022، ورحبت بالاتحاد الأفريقي كعضو دائم في مجموعة العشرين، ووسعت شراكات التجارة والاستثمار، وحفزت مشاركة بارزة يقودها الشتات في ظل اهتمام بايدن بالحوار مع الشباب المهاجرين والشتات الأفريقي والذي يقصد بهم الأمريكيين من أصل أفريقي والأحفاد الأفارقة المستبعدين ونحو مليوني مهاجر أفريقي تربطهم صلات عائلية واجتماعية واقتصادية وثيقة بالقارة.

  • التعاون السياسي والعسكري وسياسة فرض العقوبات:

يُعد عام 2022 هو عام تحول الإدارة الأمريكية تجاه القارة الأفريقية، حيث أعلنت الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس الأمريكي جو بايدن الاهتمام بالقارة التي تمتلك 1.3 مليار نسمة، في ظل التنافس الروسي الصيني والذي أودى بالدور الغربي الممثل في القارة الأوروبية والأمريكية في القارة. وتجلى هذا الاهتمام في القمة الأمريكية الأفريقية 2022، وإعلان “الاستراتيجية الأمريكية للتواجد في الصحاري الأفريقية” أغسطس 2020 لاستعادة الدبلوماسية المتنوعة، والعلاقات الدولية مع أفريقيا.

وتهدف الاستراتيجية إلى إجراء إصلاح شامل للسياسات الأمريكية تجاه القارة وخاصةً دول أفريقيا جنوب الصحراء، من خلال الانفتاح على المجتمعات، وتعظيم المكاسب الديمقراطية والأمنية، والتعافي من جائحة كورونا وتعزيز الفرص الاقتصادية، ومواجهة التغيرات المناخية وتعزيز التكيف والانتقال العادل للطاقة. هذا بجانب “استراتيجية الدفاع الوطني لعام 2022” والتي تقوم على توضيح مخاطر الشراكة مع الصين وروسيا مقابل النفوذ الأمريكي عبر توسيع التعاون الدفاعي مع الدول الأفريقية عبر “قطاع الدفاع الخاص الأمريكي للقوات المسلحة” في مجالات التكنولوجيا والطاقة؛ وذلك لمنافسة شركة “فاجنر” الروسية التي توغلت في القارة.

كما شهدت فترة حكم “بايدن”، التركيز على مفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، مما دفع إدارته لتبنى أسلوب فرض العقوبات وإيقاف المساعدات نوع من الضغط كوسيلة لفرض الهيمنة الأمريكية على الداخل الأفريقي، كما حدث بتهديد إثيوبيا بخروجها من قانون أجوا، وفرض العقوبات الدبلوماسية على أطراف الصراع في إثيوبيا والسودان، وإيقاف التعاون العسكري مع النيجر عقب إعلان ما حدث في النيجر عام 2023 بأنه انقلاب على السلطة، مما باعد من النفوذ الأمريكي مقابل التدخل الصيني الروسي، وحتى التعاون العسكري مع دول إقليمية مثل إيران.

على الرغم من الانفراجة التي شهدتها العلاقات الأفريقية الأمريكية خلال فترة حكم الرئيس جو بايدن فإن العلاقات لم تصل إلى المستوى الاستراتيجي، ولكن تبقى الصراعات المحيطة هي المسيطرة على مشهد توقع الانفتاح على العلاقات، فلم يقم أي من الرئيسين بايدن أو ترامب بزيارة إلى القارة الأفريقية -ما عدا زيارة الرئيس بايدن إلى مصر للمشاركة في فعاليات قمة المناخ “كوب 27” في نوفمبر 2022. وأعلن “بايدن” السفر إلى أنجولا، ولكن تأجلت الرحلة من أكتوبر الماضي إلى ديسمبر المقبل مع انتهاء فترة ولايته. كما لم نشهد الحديث عن القارة الأفريقية في الانتخابات الرئاسية سواء في برنامج نائبة الرئيس والمرشحة الديمقراطية كامالا هاريس أو في برنامج الرئيس الجمهوري المنتخب دونالد ترامب.

ولكن شهدت إدارة بايدن تحركات دبلوماسية حيث قام وزير الخارجية الأمريكي بعمل زيارات مكوكية لدول القارة، بجانب الزيارات رفيعة المستوى، فشهد عام 2023 نحو4 زيارات بدايةً من زيارة وزيرة الخزانة جانيت يلين، وسفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة ليندا جرينفيلد، وكذلك قرينة الرئيس الأمريكي جو بايدن السيدة الأولى جيل بايدن، ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، الذي قام بزيارة في مارس 2023 إلى إثيوبيا والنيجر وأخرى في يناير 2024 إلى الدول المطلة على ساحل المحيط الأطلسي الرأس الأخضر وكوت ديفوار ونيجيريا وأنجولا.

وقامت نائبة الرئيس أنذاك كاميلا هاريس بعمل زيارة ثلاثية إلى دول غانا وتنزانيا وزامبيا خلال الفترة من 26 مارس إلى 2 إبريل 2023، بجانب زيارة وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن في أول زيارة له لقاعدة خليج ماتدا في كينيا والتي تضم 600 من القوات الأمريكية والبحرية الكينية في سبتمبر 2023، والتي يمكن إرجاعها إلى تحالف “حارس الازدهار” الذي  تقوده الولايات المتحدة والقوى المتحالفة في البحر الأحمر ضد هجمات الحوثيين.

وبالتالي يمكن توقع السياسات الأمريكية في عهد الرئيس ترامب في ضوء المقارنات السابقة والصراعات المؤثرة على المصالح الأمريكية، والتعاون الفردي مع الدول، وليس التعاطي مع القارة بشكل جماعي. كما أن إدارة “ترامب” لا تتدخل في أسلوب حكم الدول ولكن في شكل التعاون والمصلحة الأمريكية الاقتصادية التي يمكن الحصول عليها ودعم الحلفاء، ويمكن طرحها في الآتي:

  • دول القرن الأفريقي:

ويقصد هنا القرن الأفريقي بمفهومه الواسع والذي يضم السودان بجانب إثيوبيا وجنوب السودان وكينيا والصومال وإريتريا وجيبوتي، ليضم دول الشرق الأفريقي. وهي الدول التي عانت من الصراعات الداخلية والصراعات الحدودية مع دول الجوار، وتهديدات البحر الأحمر نتيجة الصراع في غزة وهجمات الحوثي، ووجود التحالف الدولي “حارس الازدهار” بقيادة الولايات المتحدة. ويمكن توقع سياسة “ترامب” وفقًا للدولة والصراعات المتجذرة، على النحو التالي:

ففي السودان، تتزايد حدة الصراع الصراع الحالي مع تبادل السيطرة بين قوات الجيش السوداني ومواجهتها لميلشيا الدعم السريع. وقد عمدت إدارة “بايدن” من خلال مبعوثها في السودان توم بيريللو إلى محاولة إيجاد حل عبر وجود قوات من دول شرق أفريقيا ودعم مفاوضات جدة، واجتماعات جنيف، وهي المحاولات التي لم يُكتب لها النجاح. ومن هنا تأتي إدارة “ترامب” لتزيد الغموض حول مستقبل التعاطي الأمريكي مع الأزمة، في عدم اهتمام واضح.

ولكن قد تدلل السياسات السابقة على النهج المقبل للإدارة الأمريكية، فقد أعل ترامب رفع اسم السودان مسبقًا من قائمة دعم الإرهاب في 2020. ولكن تكمن سياسة ترامب في تقليل الإنفاق الخارجي ومنع التدخل في الدول، وعليه من الممكن أن يسحب المبعوث الأمريكي في السودان، وربما سيكتفي بالتعامل الرسمي مع المؤسسة الدستورية الممثلة في الجيش السوداني، وعبر وزارة الخارجية ومسؤول ملف العلاقات الأفريقية في البيت الأبيض أو تعيين مبعوثًا لدول القرن الأفريقي.

وتعد إثيوبيا من الدول الأكثر إثارة للجدل في القرن الأفريقي، وخاصة بعد توقيعها مذكرة التفاهم مع إقليم أرض الصومال ذي النزعة الانفصالية من أجل إيجاد منفذ بحري لإثيوبيا على البحر الأحمر مقابل الاعتراف بأرض الصومال، بما عُدّ من جانب الصومال انتهاكًا لسيادة الدولة، وأصرت بناءً عليه على سحب القوات الإثيوبية من أراضيها. يضاف إلى ذلك الصراعات الداخلية في إثيوبيا مع قوات الأمهرة عقب اتفاق بريتوريا، وأخيرًا والملف الأهم هو ملف سد النهضة.

على الرغم من أن إدارة “بايدن” لم تبدِ اهتمامًا واضحًا بتلك القضايا باستثناء زيارة وزير الخارجية أنتوني بلينكن إلى إثيوبيا فإن إدارة “ترامب” السابقة لم تظهر أي تعاون مع إثيوبيا، بل كانت تتعامل معها بسياسة أقرب إلى سياسة “العصا والجزرة”، حيث رأت التلويح بالعقوبات الاقتصادية الطريق للحل في إيقاف الصراع مع جبهة تحرير التيجراي. وإلى جانب ذلك، أعلن “ترامب” دعمه لحق مصر والسودان في نهر النيل، وانخرطت إدارته في إدارة مفاوضات بين مصر والسودان وإثيوبيا للتوصل إلى اتفاق بشأن ملء وتشغيل سد النهضة.

وقد يطرح ذلك احتمال أن يُطرح ملف السد الإثيوبي مرة أخرى على الطاولة العالمية، وهو ما قد يفتح الباب للنظر في الممارسات غير القانونية التي تقوم بها إثيوبيا سواء في ملف سد النهضة أو في ملف الاتفاق مع إقليم أرض الصومال الانفصالي.

  • دول الساحل والصحراء:

لم تكن دول الساحل والصحراء ضمن الاستراتيجية الأمريكية، ولكن مع انخفاض النفوذ الفرنسي في المنطقة مع سلسلة الانقلابات، برز اهتمام إدارة بايدن بالحضور عسكريًا للتعاون مع النيجر كحليف استراتيجي لمجابهة النفوذ الروسي العسكري المتزايد في المنطقة، ولكن مع انقلاب النيجر ضد الرئيس محمد بازوم، توترت العلاقات مرة أخرى، بالمطالبة بخروج القوات الأمريكية وإلغاء الاتفاق العسكري الموقع منذ عام 2012 من النيجر، مما أدى إلى تحول المساعدات الأمريكية العسكرية التي كانت مخصصة لها إلى دول في غرب أفريقيا هم “غانا وكوت ديفوار وبنين”، وإعادة تموضع قواتها التي كانت موجودة في النيجر في قاعدة أغادير، والمقدرة بنحو 110 جندي، في تلك الدول الواقعة في غرب أفريقيا.

ومع تبني ترامب خطاب لا يتعلق بالحكم الديمقراطي أو الانتقال السلمي ومحاربة الإرهاب، فإن إدارة ترامب لن يتوقع منها تواجد عسكري بل سيعمل على تفكيك تلك القواعد، وإعادة القوات، وربما سيتم التعامل عبر القضايا المستجدة على الساحة، وليس بإرث الأنظمة السابقة، خاصة في ظل متاخمته لدول ذات علاقات إستراتيجية في الأجندة الأمريكية مثل المغرب التي اعترف ترامب في أخر ولايته بملكية المغرب للصحراء الغربية، وكذلك مناقشة الأوضاع في ليبيا.

  • دول غرب ووسط أفريقيا:

شهدت الفترة الأخيرة زيارات مكثفة لقائد القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا “أفريكوم” إلى دول غانا وكوت ديفوار وبنين؛ من أجل إعادة تموضع القوات الأمريكية التي ستخرج من النيجر، في ظل توسع النفوذ الروسي ليضم اتفاقًا عسكريًا مع نيجيريا التي يقف سجلها في حقوق الإنسان عقبة أمام إدارة بايدن في دعمها بالأسلحة، وبالتالي سيظهر التعاون الثنائي مع دول بعينها في ظل إدارة ترامب.

ومع سياسة ترامب حول تقليل الإنفاق الخارجي، سيعمل على تبني مفاهيم التنوع والواقعية في التعامل مع ملف وسط وغرب أفريقيا، بعيدًا عن نظم الحكم الديمقراطية، والتركيز على التعاون في البنى التحتية والاستفادة من الموارد المتاحة للقارة، ومواجهة التكتلات الاقتصادية التي تنفتح على التعاون الروسي الصيني مثل توسع الانضمام لدول البريكس، وبالتالي سيكون النهج الأمريكي أكثر تعاونًا من حيث ملف تمويل التنمية والتعاون الاقتصادي المتنوع وتطوير الروابط التجارية.

  • دعم مقعدين لأفريقيا في مجلس الأمن

مع تراجع النفوذ الأمريكي في أفريقيا، ومحاولات إصلاح العلاقات الأمريكية الأفريقية، والتي تظهر في شكل التصويت الأفريقي في الأمم المتحدة ومجلس الأمن التابع لها؛ أعلنت الولايات المتحدة دعمها لحصول الدول الأفريقية على مقعدين دائمين في مجلس الأمن، المكون من 5 دول دائمة العضوية تملك حق الفيتو، و10 مقاعد يجري الانتخابات عليهم دوريًا، وهو الأمر الذي يُرجح ألا تتغير المواقف الأمريكية تجاهه في إدارة ترامب.

  • قانون “أجوا” للنمو والفرص في أفريقيا:

تتزامن الولاية الجديدة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع اقتراب انتهاء سريان قانون “أجوا”، مما يجعله على رأس أولوية الأجندة، خاصةً بأنه سلاح لفرض النفوذ الأمريكي كعقوبة يمكن استخدامها في حال عدم تنفيذ السياسات الأمريكية، أو فرصة يمكن استغلالها في ظل التحالف أو التعاون مع السياسات الأمريكية. وتم وضع القانون في عهد الرئيس بيل كلينتون، بحيث يتيح للدول الوصول إلى السوق الأمريكية معفاة من الجمارك، وبدوره استطاع أن يدخل ما يزيد عن 1800 منتج أفريقي إلى الولايات المتحدة معفاة من الضرائب الجمركية.

ومع انتظار إعادة التصديق عليه في عام 2025، فمن المتوقع أن يستمر “ترامب” في دعم القانون؛ نظرًا إلى الحاجة الأمريكية للمواد الخام المصدرة من أفريقيا، وفي ظل اهتمامه بالملف الاقتصادي واحتمالية تصاعد الحرب التجارية الصينية الأمريكية مرة أخرى. وبالتالي ستسعى إدارة “ترامب” إلى الاستمرار في النهج التكاملي وتبادل المصالح.

وفي حال عدم الاستمرار في تطبيق القانون، ستستمر إدارة “ترامب” في عقد الاتفاقيات الثنائية التجارية مع توسع الدول الأفريقية في فرض الضرائب على بعض السلع القادمة من الولايات المتحدة، أو إعادة صياغة القانون ليتضمن سلعًا تكنولوجية ورقمية، خاصةً في ظل اهتمام “ترامب” بعمل مبادرات سابقة مثل “ازدهار أفريقيا” والتي تأثر تطبيقها كثيرًا بجائحة كورونا، وبالتالي فالفترة الحالية هي فرصة لإعادة صياغة شكل العلاقات التجارية.

اتفاقية باريس للتغيرات المناخية:

تعاني القارة الأفريقية من آثار التغيرات المناخية، نتيجة ضعف البنى التحتية والتأثير على الموارد الطبيعية كالغابات والتصحر والمياه، مما يؤثر على عملية الأمن الغذائي والمائي وزيادة الصراعات في القارة والأزمات الصحية؛ وذلك بالرغم من أنها الدول الأقل مساهمة في حدوث التغيرات المناخية. ومع ضعف التمويل وعدم استيفاء الدول الكبرى لالتزاماتها في تمويل عمليات التكيف ومواجهة التغيرات المناخية، ستتفاقم الأزمة المناخية. ومع إعلان “ترامب” في ولايته الأولى الانسحاب من اتفاقية باريس للتغيرات المناخية، فإن القارة الأفريقية، ستعاني من نقص التمويل المستدام لمجابهة هذه الأزمة العالمية، هذا بجانب عدم التزام الولايات المتحدة بانتهاج سياسات الحد من الانبعاثات الكربونية وتقليلها.

ختامًا، فإن شعار “أمريكا أولًا” الذي يرفعه “ترامب” ويدفعه إلى الانسحاب من العديد من الاتفاقيات الدولية وضمان فكرة التمويل المستدام، تعكس فكرة استراتيجية التعاون الثنائي أو التكتلات المحدودة، وفقًا للمصالح الأمريكية في المنطقة، وهو ما سينعكس على التعاون الأمني والاقتصادي والعسكري مع دول أفريقيا بشكل منفرد، مع احتمالية تعميق العلاقات الاقتصادية، وإعادة توجيه المساعدات الإنمائية والعسكرية بما يخدم المصالح الأمريكية وليس فكرة النفوذ والهيمنة الدولية، وعلى مستوى التعاون الأفريقي سيظهر في إعادة إحياء مبادرة “ازدهار أفريقيا”، وذلك على المدى المتوسط من ولايته.

رحمة حسن

باحثة بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى