الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024

أهمية ومؤشرات التصويت المبكر في الانتخابات الرئاسية الأمريكية

بدأ التصويت المبكر في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في 47 ولاية من أصل 50 ولاية في الولايات المتحدة، حيث بدأ البعض يوم الاثنين، 28 أكتوبر 2024، أي قبل الموعد الرسمي للانتخابات بأسبوع واحد، سواء عن طريق مراكز الاقتراع المباشر، أو عن طريق البريد أو التصويت الإلكتروني. بينما بدأت بعض الولايات في التصويت المبكر منذ بداية شهر أكتوبر وحتى بدأت بعض الولايات الأخرى التصويت المبكر في النصف الآخر من شهر سبتمبر. وبدأت المؤشرات الأولية للتصويت المبكر أن تظهر اختلافًا كبيرًا عن آخر دورة انتخابية في عام 2020، وهو ما يمكن أن يكون له دلالة أولية على ما يمكننا انتظاره في 5 نوفمبر 2024.

يسمح التصويت المبكر للناخبين المسجلين بالإدلاء بأصواتهم سواء بشكل مباشر في مقار الاقتراع أو عن طريق البريد أو التصويت الإلكتروني قبل يوم الانتخابات. إلا أن الشكلين الأخيرين يتطلبان موافقة من الحكومة المحلية لكل ولاية لضمان عدم التلاعب بالأصوات، وقد تستغرق هذه الموافقة أيامًا أو أسابيع في بعض الحالات. ويختلف هذا النظام حسب الولاية، مع وجود لوائح مختلفة تحكم تواريخ بدء ونهاية التصويت المبكر، والساعات التي يمكن للناخبين خلالها الإدلاء بأصواتهم، والمواقع التي يتم فيها تقديم التصويت المبكر.

يهدف التصويت المبكر بشكل أساسي إلى تخفيف ضغوط الطوابير الطويلة والعقبات المحتملة في يوم الانتخابات، مثل التزامات العمل أو المشكلات الشخصية غير المتوقعة التي قد تمنع الأفراد من التصويت. وعادةً ما يبدأ التصويت المبكر قبل بضعة أسابيع من يوم الانتخابات ويستمر لفترة محددة، والتي يمكن أن تتراوح من 10 إلى 45 يومًا، حسب الولاية. يمكن للناخبين التحقق من موقع مكتب الانتخابات في ولايتهم لمعرفة التواريخ المحددة ومواقع الاقتراع ومتطلبات التعريف، حيث يمكن أن تختلف هذه المتطلبات على مدار السنين وعلى نطاق واسع.

ومن المهم الإشارة إلى أن مفهوم التصويت المبكر ليس جديدًا، حيث يعود تاريخه إلى أواخر القرن التاسع عشر، لكنه لم يبدأ في اكتساب الزخم حتى سبعينيات القرن العشرين. وكان المحفز لهذا التحول هو قانون حقوق التصويت لعام 1965، الذي كان يهدف إلى إزالة الحواجز المختلفة أمام تسجيل الناخبين ومشاركتهم، وخاصة بالنسبة للناخبين الأمريكيين من أصل أفريقي في الولايات الجنوبية. ومع سعي الولايات إلى تعزيز وصول الناخبين، ظهر التصويت المبكر كحل عملي.

وكانت أول ولاية تطبق التصويت المبكر بشكله الحديث هي تكساس في عام 1988، حيث قدمت نظامًا يسمح للناخبين بالإدلاء بأصواتهم بشكل مباشر في مقار الاقتراع قبل يوم الانتخابات، مما يجعل الأمر أسهل بالنسبة لأولئك الذين قد يواجهون صعوبات في يوم التصويت المقرر. وعلى مدى العقود التالية، ومع تطور أنماط إقبال الناخبين واحتياجاتهم، تبنت المزيد من الولايات التصويت المبكر، وخاصة مع تحسن التكنولوجيا، مما يسهل عملية التصويت الأكثر كفاءة، سواء عن طريق التصويت الإلكتروني أو البريد. وحاليًا أصبح التصويت المبكر متاحًا في 47 ولاية، بالإضافة إلى العاصمة واشنطن. وقد وسعت ولايات مثل كاليفورنيا وفلوريدا وأوهايو فترات التصويت المبكر بشكل كبير، مدركة إمكاناتها لزيادة المشاركة الانتخابية.

وتتركز أهمية فكرة التصويت المبكر في 4 نقاط أساسية، وهي:

  1. زيادة مشاركة الناخبين: ربما تكون الفائدة الأكثر مباشرة للتصويت المبكر هي إمكانية زيادة نسبة الإقبال على التصويت، من خلال توفير جدول تصويت أكثر مرونة، يستوعب الأفراد الذين قد يكون لديهم تعارضات في موعد اليوم المحدد للانتخابات. وقد أظهرت الدراسات أن التصويت المبكر يمكن أن يؤدي إلى زيادة المشاركة الإجمالية، وخاصة بين الناخبين الشباب والأفراد العاملين وأصحاب الأعمال الحرة الذين لديهم جداول زمنية غير تقليدية.
  2. تقليل الازدحام والطوابير الطويلة: يمكن أن يساعد التصويت المبكر في تخفيف الازدحام الذي يحدث غالبًا في مراكز الاقتراع في يوم الانتخابات، من خلال توزيع التصويت على عدة أيام أو حتى أسابيع، حيث يُمكِّن مسؤولي الانتخابات من إدارة الموارد بشكل أفضل مما يقلل من أوقات الانتظار ويخلق تجربة تصويت أكثر كفاءة.
  3. تعزيز إمكانية وصول الناخبين: غالبًا ما تتضمن مبادرات التصويت المبكر تدابير لتحسين إمكانية الوصول للأشخاص ذوي الإعاقة وكبار السن وأولئك الذين يعيشون في المناطق النائية. يمكن أن تضمن أماكن الاقتراع التي يمكن الوصول إليها والخيارات الموسعة حصول المزيد من الناخبين على فرصة المشاركة في العملية الديمقراطية.
  4. تعزيز فاعلية التصويت: يتيح التصويت المبكر للأفراد مزيدًا من الوقت للنظر في خياراتهم، ومراجعة ورقة الاقتراع، والتفاعل مع المعلومات الانتخابية. ويمكن أن يؤدي هذا إلى اتخاذ قرارات أكثر حكمة ومبنية على أسس أوضح، حيث لا يُدفع الناخبون لاتخاذ اختياراتهم في يوم الانتخابات.

ولكن على الرغم من مزاياه، فإن التصويت المبكر ليس خاليًا من العيوب، ومن أبرز هذه العيوب هو عدم وجود آلية واضحة تؤكد بشكل قاطع عدم وجود فرصة للتزوير والتلاعب بالأصوات، خاصة تلك التي تُرسل عن طريق البريد، مما يجعل البعض يشككون في نزاهة العملية الانتخابية. هذا بالإضافة إلى المشاكل اللوجستية لإدارة مواقع التصويت المبكر. وعلاوة على ذلك، يمكن أن تؤدي اللوائح والقوانين المختلفة عبر الولايات إلى ارتباك الناخبين.

لفهم دلالات المؤشرات الأولية للتصويت المبكر، من المهم مقارنتها بالانتخابات السابقة لقراءة تطور الوضع، حيث تشير اتجاهات التصويت المبكر إلى اختلافات ملحوظة مقارنة بعام 2020. ووفقًا لآخر تحديث نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية مع اقتراب يوم الانتخابات، فقد تم الإدلاء بأكثر من 54 مليون بطاقة اقتراع في 47 ولاية وواشنطن العاصمة، وهو ما يمثل أكثر من 33% فقط من إجمالي الأصوات المدلى بها في الانتخابات الرئاسية السابقة. إلا أنه من الممكن تفهم هذا الانخفاض في الأعداد، حيث أن الانتخابات الماضية أجريت في ظل انتشار جائحة كوفيد-19، مما نتج عنه مشاركة قياسية في التصويت المبكر.

ويلاحظ أيضًا ارتفاع أعداد المشاركين مقارنة بانتخابات عام 2016، حيث اقتصرت الأعداد حينها على ما يقرب من 48 مليون مواطن، ولكن من الجلي الإشارة إلى أنه كانت هناك زيادة لا يستهان بها في التعداد السكاني، وبالتالي في حجم الكتلة الانتخابية ككل، على مدار السنوات الثماني الماضية.

ومن أبرز الاختلافات في معدلات التصويت المبكر، هو الاختلاف في معدل الأعمار، حيث يمثل الناخبون الذين تبلغ أعمارهم 65 عامًا أو أكثر الآن 44% من الأصوات المبكرة، بزيادة قدرها 9 نقاط مئوية عن عام 2020. وعلى النقيض من ذلك، انخفضت نسبة الناخبين الذين تتراوح أعمارهم بين 30 و39 عامًا من 12% إلى 9%. أما من ناحية العرق، فحوالي 75% من الناخبين الأوائل من البيض (ارتفاعًا من 73% في عام 2020)، بينما انخفضت حصص الناخبين السود واللاتينيين والآسيويين قليلاً. ومن الممكن أن نتوقع، بناءً على تلك التغيرات، أن تكون نسبة المصوتين لترامب في التصويت المبكر أكبر، بسبب زيادة نسب المصوتين التقليديين لترامب، مثل كبار السن وأصحاب البشرة البيضاء.

وبالنسبة للولايات المتأرجحة، وهي تُعتبر الولايات الأهم في حسم الانتخابات في كل دورة، سنجد الوضع يختلف من ولاية إلى أخرى، فمثلًا جورجيا ظل التصويت المبكر مستقرًا نسبيًا فيها، حيث انخفض بنسبة 1% فقط عن عام 2020. بينما في المقابل كارولينا الشمالية انخفض التصويت المبكر بشكل عام بنسبة 10%، لكن العدد الفعلي لبطاقات الاقتراع المباشر زاد، في ظل انخفاض نسبة التصويت بالبريد.

ظهر أيضًا اختلاف في نسب المصوتين أصحاب الانتماءات الحزبية الواضحة، إذ يمثل الجمهوريون الآن 35% من الأصوات المبكرة، في 27 ولاية قابلة للمقارنة مع الدورة السابقة، ارتفاعًا من 29% في عام 2020. وعلى العكس من ذلك، انخفض التصويت الديمقراطي المبكر من 45% إلى 39%. أما بالنسبة للولايات المتأرجحة، ففي ولايات مثل كارولينا الشمالية، زاد الجمهوريون أيضًا من حصتهم من الأصوات المبكرة، بينما شهد الديمقراطيون انخفاضًا. وفي أريزونا يمثل الجمهوريون 42% من الأصوات المبكرة، بزيادة 6 نقاط مئوية، بينما يبلغ الديمقراطيون 35%. ويمثل الجمهوريون في نيفادا 39% الآن، بزيادة 3 نقاط مئوية، بينما انخفض الديمقراطيون إلى 35%. وبالنسبة لبنسلفانيا زاد التصويت المبكر للجمهوريين بشكل كبير من 21% في عام 2020 إلى 31% حاليًا، إلى جانب انخفاض التصويت المبكر للديمقراطيين من 69% إلى 58%.

وفي الختام، من الملاحظ التفوق المبدئي للجمهوريين ومرشحهم دونالد ترامب في مختلف المؤشرات، وأهمها المؤشرات الخاصة بالولايات المتأرجحة، خاصة وأن ترامب لم يتفوق إلا في ولاية كارولينا الشمالية في الدورة الانتخابية الماضية، فزيادة نسب الجمهوريين في ولايات مثل بنسلفانيا وأريزونا ونيفادا، من الممكن اعتبارها مبشرة للغاية بالنسبة لترامب. ولكن على الجانب الآخر من المهم إدراك بأن هذه المؤشرات، بالرغم من أهميتها، إلا أنها ترصد فقط نسب المشاركة في الانتخابات المبكرة، فمشاركة الجمهوريين بنسبة أكبر من الديمقراطيين في التصويت المبكر لا تعني بالضرورة مشاركتهم بنسبة أكبر في الخامس من نوفمبر المرتقب، هذا بالإضافة إلى أنه لا توجد طريقة لحساب تأثير مشاركة الناخبين الذين لا ينتمون لأي من الحزبين إلا بعد فرز الأصوات، خاصة في ظل تقارب نتائج استطلاعات الرأي بشكل كبير، وهي إحصائية في غاية الأهمية خاصة وأن هذه الأصوات يمكن اعتبارها الأصوات الحاسمة النهائية. وأخيرًا فإن أهمية مؤشرات التصويت لا تؤكد بشكل قاطع إلا زيادة اهتمام الناخبين الجمهوريين بالمشاركة في هذه الانتخابات، وهو ما من شأنه أن يعطي قوة أكبر لترامب في المنافسة، لكنه ليس العامل الحاسم الذي بإمكانه إبعاد هاريس من السباق الانتخابي.

بيير يعقوب

باحث بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى