

تعقد اليوم 22 أكتوبر 2024 القمة الـ 16 لدول مجموعة “بريكس”، والقمة الأولى لتجمع “بريكس بلس” BRICS+ في مدينة قازان الروسية، وذلك بحضور عدد كبير من زعماء العالم. وهذه هي القمة الأولى منذ انضمام مصر وعدة دول أخرى للتكتل في مطلع هذا العام، ومن المتوقع أن تستهدف هذه القمة التي تنتهي يوم 24 أكتوبر محددات عدة أبرزها زيادة دور التكتل في النظام المالي العالمي، وتطوير التعاون وتعزيز الشراكات بين الدول الأعضاء.
“بريكس”.. حُلم التخلص من الهيمنة الغربية على الاقتصاد
ظهرت مجموعة “بريكس” في الفترة بين عامي 2008-2009، كنوع من أنواع الاستجابة للأزمة المالية العالمية في ذلك الوقت، وكرد فعل من قبل الدول “النامية” على ما وصفته بالأزمة الاقتصادية الغربية التي ألقت بظلالها على تلك الدول وجعلها تعاني إلى حد كبير. وبدأت المفاوضات لإنشاء التكتل بأربعة دول من الاقتصادات الناشئة وهي، البرازيل وروسيا والهند والصين، تحت اسم بريك “BRIC” وهي الحروف الأولى من تلك الدول، لتنضم إليهم جنوب أفريقيا عام 2010 ويصبح اسم المجموعة بريكس “BRICS”.
ورحبت المجموعة بعد ذلك بفكرة توسع التكتل، فأعلنت في يناير 2024 عن انضمام خمس دول أخرى هي: مصر، وإثيوبيا، والإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، وإيران. وبهذا التوسع، اتجهت أنظار العالم لمجموعة “بريكس” بوصفها ثقلًا جيوسياسيًا واقتصاديًا يوازن القوى التي تشكلها الدول الغربية، ولا سيّما مجموعة دول السبع الصناعية الكبرى. وتسعى الكتلة في المقام الأول إلى عدة أهداف أبرزها:
- الدعوة إلى تمثيل أكبر في المنظمات العالمية، حيث تسعى بريكس إلى إنشاء جبهة موحدة من وجهة نظر الاقتصادات الناشئة في المؤسسات المتعددة الأطراف، هذا بجانب الدفع إصلاح المؤسسات القائمة بالفعل، مثل توسيع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وتشكيل كتل تفاوضية داخل تلك المؤسسات. على سبيل المثال، عارضت العديد من دول مجموعة “بريكس” إدانة روسيا في حربها على أوكرانيا، كما سعت إلى اتخاذ مواقف مشتركة بشأن البرنامج النووي الإيراني والصراعات في أفغانستان وغزة وليبيا وسوريا.
- تنسيق السياسات الاقتصادية والدبلوماسية، فبعد الركود الذي ضرب دول العالم عام 2008 وتأثر به بشكل كبير الدول الأعضاء في بريكس، اشتدت الحاجة إلى التأكيد على التنسيق الاقتصادي في قضايا مثل سياسة التعريفات الجمركية، والقيود المفروضة على تصدير الموارد الحيوية، والاستثمار؛ وذلك بهدف منافسة “مجموعة السبع G7” التي تستحوذ على أكثر من 60% من الثروة العالمية.
- الحد من الاعتماد على الدولار الأميركي، وذلك مع تزايد الاستياء من هيمنة الدولار على المعاملات العالمية، ولهذا تهدف المجموعة إلى التخلي عن الدولرة لصالح زيادة التجارة بالعملات المحلية أو حتى عملة مشتركة محتملة لمجموعة “بريكس”، وهذا واضح من البيان المشترك الصادر عن اجتماع وزراء خارجية دول “بريكس” في يونيو 2024، والذي شجع على “تعزيز استخدام العملات المحلية في المعاملات التجارية والمالية” بين أعضاء المجموعة.
- تأسيس مؤسسات مالية بديلة، كبنك التنمية الجديد “NDB” وصندوق احتياطي الطوارئ “CRA”، لدعم المشاريع الخاصة التي تساهم في التنمية المستدامة وبناء البنية الأساسية للدول الأكثر احتياجًا، وهي مؤسسات من المفترض أن تحاكي البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، التي ترى فيهما “بريكس” أنهما يفشلان في تلبية احتياجات الدول الأكثر فقرًا، ولهذا تأمل المجموعة أن تتمكن المؤسسات البديلة من تنشيط التعاون بين بلدان الجنوب والحد من الاعتماد على مصادر التمويل التقليدي، وكذلك دعم الدول الأعضاء التي تكافح من أجل سداد الديون.

أما عن الفوائد الاقتصادية لبريكس، فبلدان المجموعة العشرة تمثل حوالي ثلث مساحة اليابسة في العالم، بنسبة سكان تصل إلى 45% من إجمالي السكان في العالم، كما تضم حوالي 47% من احتياطي النفط العالمي، و17% من احتياطي الذهب العالمي، بجانب أن الناتج الإجمالي العالمي للمجموعة يصل إلى 37%، مقارنة بنحو 30% لمجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى، إذ تساهم الصين وحدها بنحو 30% من الناتج الصناعي العالمي، ويقدر مجموع الناتج الإجمالي المحلي لدول “بريكس” بأكثر من 60 تريليون دولار.
وبسبب تلك الأهداف والفوائد، زاد اهتمام عدد كبير من الدول بالانضمام للتكتل، حيث تقدمت أكثر من 30 دولة بطلبات رسمية، كما أعرب بعضها عن الاهتمام بالانضمام للمجموعة، ومن أبرزها دول جنوب شرق آسيا مثل تايلاند وماليزيا وفيتنام، وكذلك إندونيسيا وبنجلاديش ومن شمال أفريقيا الجزائر، حتى الدول التي تقدمت بطلبات للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، مثل تركيا وصربيا.
قمة “بريكس” في روسيا بين السياسة والاقتصاد
تعد قمة قازان هي الأولى بعد المرحلة الثانية من توسع المجموعة مطلع العام الجاري، وذلك وسط آمال وطموحات مختلفة لهذه القمة سواء بالنسبة للدول المؤسسة للمجموعة أو الدول حديثة الانضمام والتي يرتبط انضمامها للمجموعة بقواعد واعتبارات سياسية واقتصادية تختلف بعضها عن بعض بشكل واضح.
وسياسيًا، يمكن قراءة استضافة موسكو للقمة بأنها تهدف إلى إظهار مكانة عالمية لروسيا تدل على أنها طرف “غير معزول” على الساحة الدولية كما يأمل الغرب، بل إن لديها شركاء وحلفاء يريدون تعميق العلاقات معها، وكذلك إثبات أن العالم متعدد الأقطاب هو أمر بات حقيقة واقعة، ما يعزز الجهود التي تبذلها موسكو لنقل مركز الثقل الدولي من الغرب المهيمن إلى مناطق أخرى.
ومع استمرار الأزمة بين روسيا والغرب باستمرار الحرب الأوكرانية للعام الثالث، نجد أن موسكو من خلال القمة تراهن على إرسال رسالة للغرب مفادها أنها قادرة مع الدول الأعضاء في التكتل وضع أسس لنظام مالي عالمي جديد بدلًا من النظام “الفوضوي” الحالي، على حسب وصف موسكو. ونجد أن من الملفات الرئيسية المطروحة على جدول أعمال القمة هو مقترح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إنشاء “نظام دفع خاص لبريكس” يفترض أن يكون منافسًا لنظام “سويفت” -الشبكة المالية العالمية التي استُبعدت منها روسيا في العام 2022 وفرضت عقوبات على الدول التي تتعامل معها- على أن يكون هذا النظام “محصنًا” ضد العقوبات الغربية، وذلك من أجل خفض تكاليف التجارة البينية. هذا بجانب إنشاء بورصة تجارة الحبوب في تجمع “بريكس” كبديل للأسواق الغربية، حيث يتم تحديد الأسعار الدولية للسلع الزراعية، فضلًا عن إنشاء مراكز للتجارة المتبادلة في السلع الأساسية مثل النفط، والغاز الطبيعي والذهب.
إلا أن طموحات قمة “بريكس” هذا العام قد تواجه بعض التحديات تصل إلى حد تقديم تنازلات سياسية كبرى، بما في ذلك إنشاء اتحاد مصرفي، واتحاد مالي، في ظل استمرار بقاء الدولار الأمريكي مستخدمًا في أكثر من 80% من التجارة العالمية، كما يشكك العديد من الخبراء في قدرة عملة الاحتياطي الجديدة للبريكس على أن تكون مستقرة أو موثوقة بما يكفي لكي تحظى بثقة واسعة النطاق في المعاملات العالمية.
وبالرغم من التوترات الجيوسياسية والتحديات السابقة فإن هذه القمة قد تمهد الطريق أمام المزيد من التوسع، خاصة وأن الرئيس الروسي قد دعا أكثر من عشرين دولة أخرى تقدمت بطلبات أو تفكر في الانضمام إلى بريكس، لعل أبرزها تركيا التي تحاول تنويع تحالفاتها والبحث عن التوزان الجيوسياسي بعيدًا عن المؤسسات الأوروبية.
ولكن رغم ذلك فإن الكتلة بتشكيلها الحالي تواجه تحديات جديدة، فهي عالقة بين الضغوط الغربية المعارضة لإنشاء هذا التكتل والتي تقلل من أهميته، وبين الانقسامات الداخلية بين الدول الأعضاء حول أطر التعامل مع الدول الغربية التي تجمعها بها مصالح سياسية، أو التوترات الداخلية بين الدول الأعضاء نفسها كالهند والصين، وكذلك اعتراض بعض الأعضاء على توسيع التحالف بشكل أكبر كالهند والبرازيل. ويبدو أن الفترة القادمة التي ستشهد كيفية التعامل مع هذه التحديات ستحدد ما إذا كانت المجموعة قادرة بالفعل أن تصبح صوتًا موحدًا على الساحة العالمية.
أهمية الحضور المصري
انضمت مصر للتكتل الاقتصادي “بريكس” في توسعه الجديد يناير 2024، وهي خطوة انتظرتها مصر بقطاعاتها الإنتاجية المختلفة؛ بهدف تقليل الطلب على الدولار الأمريكي، والإسهام في توفير الاحتياجات التصنيعية ومدخلات الإنتاج بأسعار مناسبة من الدول الأعضاء التي تتمتع بثقل اقتصادي كبير، ليس هذا وفقط، إذ رأت مصر في الانضمام لبريكس فرصة واعدة لجذب الاستثمارات الأجنبية لتمويل مختلف المشروعات الإنتاجية على أمل مضاعفة الإنتاج وتحقيق نمو اقتصادي.
ونظرًا لموقع مصر الجغرافي وكونها واجهة مغرية للاستثمار، إلى جانب الاستقرار السياسي والأمني وغيرها من المميزات النوعية مقارنة بالدول المنضمة حديثًا كإثيوبيا مثلًا، نجد أن كل ذلك قد أعطى مصر ميزة نسبية في مجال الجدوى الاستثمارية مقارنة بغيرها، فنجد أن مصر تعد “بوابة أفريقيا” من حيث نفاذ وعبور السلع والخدمات من باقي الدول الأعضاء، وأيضًا بوابة لتصدير تلك المنتجات داخل السوق الأفريقي.
وبجانب ذلك، يعد تواجد مصر داخل مجموعة تحمي مصالحها السياسية والاقتصادية أمرًا مهمًا، حيث أنه يضيف المزيد من التعاون وتبادل الخبرات بين الدول الأعضاء، هذا بجانب أهمية تخفيف الضغط على النقد الأجنبي من خلال التعامل بالعملات المحلية، وهو ما تحتاجه القاهرة بشدة.
أما عن قمة قازان فمن المتوقع أن تعرض مصر الجهود التي قامت بها في عملية الإصلاح الاقتصادي والتنمية الشاملة، ما مكنها من الصمود على مواجهة الأزمات المختلفة، وكذلك جهود الحكومة لتحسين مناخ الاستثمار وتعزيز دور القطاع الخاص في قيادة التنمية الاقتصادية، مع استعراض أهم الفرص الاستثمارية والاقتصادية الواعدة، وبصفة خاصة في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس. هذا بجانب تعزيز الشراكات الإقليمية والدولية على المستويين السياسي والاقتصادي من خلال التكتل، سواء على المستوى الثنائي بشكل خاص أو على مستوى دول التكتل بشكل عام.
بالإضافة إلى ذلك، تسعى مصر في ضوء عضويتها في “بريكس” إلى تسليط الضوء على الأحداث في الشرق الأوسط المشتعل، على رأسها العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة ولبنان، واستعراض الدور المصري وجهوده لوقف إطلاق النار ووقف التصعيد ومنع الانجرار نحو حرب إقليمية شاملة، هذا فضلًا عن عرض رؤية مصر لحل الأزمات والتحديات الجارية على الصعيدين الإقليمي والعالمي.
ومجمل القول، لقد أصبحت مجموعة “بريكس” قوة سياسية واقتصادية كبرى خلال العقدين الأخيرين، وذلك بناءً على رغبتها في خلق ثقل موازن للنفوذ الغربي في المؤسسات العالمية. وعليه، تشكل قمة قازان فرصة لتقييم مدى نجاح أو تعثر الخطط الطموحة للمجموعة وتأثيرها على الدول الأعضاء، فضلًا عن أن انضمام المزيد من الدول من شأنه تعزيز القوة الاقتصادية للمجموعة.
باحثة بالمرصد المصري