أسواق وقضايا الطاقة

من التعاون الثنائي إلى التكامل الإقليمي: دراسة حالة مشروع الربط الكهربائي المصري السعودي

تضع الدول العربية آمالًا عريضة على مشروعات الربط الكهربائي؛ بهدف الحفاظ على أمن الطاقة وتأمين معدلات التغذية الكهربائية للمنطقة. وخلال الفترة الماضية، برزت جهود كبيرة لتنفيذ مشروعات عديدة، أهمها الربط الكهربائي المصري السعودي، والربط الكهربائي المصري الثلاثي والربط الكهربائي الثماني، وغيرها من مشروعات الربط الكهربائي.

تأتي هذه الجهود ضمن الخطة الكبرى التي تهدف إلى إنشاء سوق عربية مشتركة للطاقة الكهربائية تضم خبرات جميع الدول العربية وتؤمن جميع الاحتياجات للمنطقة العربية، وتسعى إلى استكمال مشروعات الربط الكهربائي التي أصبحت ضرورة في الوقت الراهن، بسبب تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية وتوترات الشرق الأوسط على إمدادات الطاقة، وحدوث الكثير من الأزمات التي تسببت في ارتباك المشهد العالمي في أسواق الطاقة العالمية.

استقرار إمدادات الطاقة لا يؤثر فقط على النمو الاقتصادي في المنطقة العربية، ولكنه يُشكل دورًا حاسمًا في تعزيز الأمن القومي وتحسين مستويات رفاهية المواطنين في الدول العربية؛ إذ إن التعاون في مجال الطاقة بين الدول العربية يمكن أن يُسهم في تعزيز قدرتها على مواجهة التحديات المستقبلية في قطاع الطاقة. في خضم الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، وسعي المجتمع الدولي بكافة مكوناته ومنظماته لتحقيق التنمية المستدامة، يبرز تعزيز أمن الطاقة بكافة أوجهه ومفاهيمه وأهدافه ومتطلباته كمحور للعمل الإقليمي العربي المشترك. حيث يتطلب ضمان وصول المستهلك إلى خدمات الطاقة بشكل آمن ومستدام اقتصاديًا واجتماعيًا وبيئيًا إدارة الموارد الطبيعية بكفاءة، وتوظيف عائداتها المالية في عملية التنمية المستدامة في الدول المنتجة لضمان استمرار استخراج هذه الموارد واستخدامها على نحو مستدام.

وعليه، تسعى الدول إلى زيادة محطات الكهرباء بمعدل حوالي 10% سنويًا (معدل مرتفع ومؤشر كبير على أزمة الكهرباء)، وهو معدل مرتفع للغاية يفوق المعدل العالمي الذي يُقدر بحوالي من 0.5 إلى 5%، ولذلك فإن مستويات ارتفاع الطلب على الكهرباء تُشكل حاجزًا وعائقًا للعديد من الدول العربية، ومن بينها لبنان وسوريا وفلسطين.

في السياق ذاته، تضمنت قائمة الدول الأكثر اعتمادًا على الغاز الطبيعي لتوليد الكهرباء بعض الدول العربية (مؤشر سلبي) ومن ضمنها مصر والمملكة العربية السعودية، حيث حلت السعودية بالمركز السادس مع وصول حجم توليدها إلى حوالي 269 تيراواط/ساعة خلال العام الماضي 2023، بينما جاءت مصر في المركز الثامن في القائمة، بحجم توليد بلغ حوالي 169 تيراواط/ساعة متساوية مع كوريا الجنوبية بالمركز التاسع، كما هو موضح في الشكل التالي.

تضع الدولة المصرية آمالًا عريضة على مشروعات الربط الكهربائي؛ بهدف تحقيق حلم التحول إلى مركز عالمي لتجارة وتداول الطاقة. وصاغت مصر توجهاتها وأهدافها من خلال استراتيجية التنمية المستدامة 2030، وبالأخص في قطاع الطاقة والتي كانت من ضمن أهدافها الرئيسة تحويلها لتكون مركزًا محوريًا للطاقة، حيث تتصدر أولويات قطاع الكهرباء المصري في الفترة الحالية، واستكمال الإجراءات الخاصة بمشروعات الربط الكهربائي مع دول الجوار، ومنها المملكة العربية السعودية والأردن ومنها للعراق، وليبيا، وكذلك الربط أوروبيًا مع قبرص واليونان كما موضح في الشكل التالي.

إجمالًا لما سبق، بدأت الدولة المصرية خلال السنوات الماضية في تطوير وتوسعة شبكات نقل الكهرباء وتوزيعها، وذلك حتى تتمكن من استيعاب القدرات المنتجة من مشروعات الطاقة المتجددة، بالإضافة إلى تبادل الكهرباء مع دول الجوار، وسعت إلى تدعيم وتطوير الشبكة القومية الموحدة لدعم مشروعات الربط الإقليمي القائمة مع الأردن وليبيا والسودان، وكذلك مشروعات الربط المخطط تنفيذها مع المملكة العربية السعودية وقبرص واليونان وهيئة الربط الخليجي.

يعود مشروع الربط الكهربائي بين مصر والسعودية إلى عدة سنوات، وتُوج باتفاق توقيع عقود ترسية مشروع الربط الكهربائي بين البلدين في أكتوبر عام 2021 مع الشركات الفائزة بمناقصات، طرحتها الجهات المسؤولة عن الكهرباء في البلدين. يهدف الربط الكهربائي المصري السعودي إلى أن يكون محورًا أساسيًا في الربط الكهربائي العربي الذي يهدف لإنشاء بنية أساسية لتجارة الكهرباء بين الدول العربية.

وعليه، اتفقت مصر والممكلة العربية السعودية على تنفيذ مشروع للربط الكهربائي بين البلدين لتبادل قدرات كهربائية تبلغ حوالي 3 آلاف ميجاوات، وبتمويل من صناديق ومصارف عربية. تبلغ القدرات الكهربائية المنتجة في البلدين أكثر من حوالي 150 جيجاوات؛ إذ تصل القدرات الكهربائية المولدة في المملكة إلى حوالي 90 جيجاوات، بينما تصل القدرات الكهربائية المنتجة في مصر إلى حوالي 60 جيجاوات (في وقتٍ يبلغ فيه الاستهلاك اليومي 33 ألف ميجاوات)، ويبلغ إجمالي أطوال شبكات النقل الكهربائي بين البلدين قرابة حوالي 140 ألف كيلومتر، ويصل إجمالي أطوال شبكات النقل الدائري في مصر إلى حوالي 51 ألف كيلومتر، بينما تبلغ أطوال شبكات النقل الدائري في المملكة العربية السعودية حوالي 89 ألف كيلومتر، كما موضح في الشكل التالي.

استكمالًا لما سبق، يتضمن الخط 3 محطات تحويل جهد عالٍ، وهي محطة شرق المدينة المنورة ومحطة تبوك بالمملكة، ومحطة بدر شرق القاهرة، حيث يُعد المشروع البداية لإنشاء خط الربط الكهربائي العربي المشترك، وسوف يعزز من قدرات الكهرباء في المنطقة العربية، ومن المقرر كذلك تشغيل المرحلة الأولى بحلول عام 2025 بقدرة تبلغ حوالي 1500 ميجاوات.

بدأت الشركة المصرية لنقل الكهرباء في صب القواعد الخرسانية الخاصة بأبراج نقل الكهرباء لمشروع الربط بين مصر والسعودية، وانتهت من  تجارب التشغيل لجميع الأبراج الخاصة بمشروع الربط الكهربائي بين مصر والسعودية، والتي يبلغ عددها ما يقرب من 1300 برج، بالإضافة إلى أنه تم التأكد من نجاح التجارب بنسبة حوالي 100%، كما هو موضح في الشكل التالي.

وفيما يخص الجانب السعودي تم البدء في تركيب الأبراج الخاصة بخط الربط على الأراضي السعودية، ويبلغ طول خط الربط على أرض مصر 300 كيلو متر، بينما يصل إلى ألف كيلو بالمملكة العربية السعودية،  أُنجز أكثر من حوالي 60% من المرحلة الأولى لمشروع الربط بين السعودية ومصر التي ستكتمل في منتصف 2025، بقدرة حوالي 1500 ميجاوات، وهو ما يسهل الربط مع بقية دول الخليج من خلال هيئة الربط الكهربائي الخليجي. وجارٍ الآن العمل في مرحلة الانتهاء من وضع المواسير الضخمة التي سيمر من خلالها 8 كابلات للربط الكهربائي بحرًا بإجمالي أطوال نحو 22 كيلومترًا، تمهيدًا لبدء وضع الكابلات البحرية التي ستربط بين البلدين.

وقد شارك الدكتور محمود عصمت، وزير الكهرباء والطاقة، في بدء أعمال تركيب أول محول بمحطة بدر بجهد 500 كيلو فولت في 10 أغسطس 2024. حيث يُعد المحول الأول من نوعه في منطقة الشرق الأوسط من حيث الحجم وتكنولوجيا التصنيع والتشغيل على خطوط الربط مع الشبكات الكهربائية.

من شأن مشروع الربط الكهربائي بين مصر والمملكة العربية السعودية فتح آفاقاً جيدة لتصدير الكهرباء إلى قارتي آسيا وأوروبا، بالإضافة إلى التوسع في الربط مع الدول المجاورة، وبالتالي هناك العديد من الانعكاسات الإيجابية والعوائد المترتبة على مشروع الربط الكهربائي بين مصر والممكلة العربية السعودية والتي يمكن تلخيصها في النقاط التالية:

  • يهدف الربط الكهربائي المصري السعودي إلى أن يكون محورًا أساسيًا في الربط الكهربائي العربي؛ لتعزيز انشاء بنية أساسية لتجارة الكهرباء بين الدول العربية تمهيدًا لإنشاء سوق مشتركة للكهرباء.
  • يبلغ معدل العائد من الاستثمار أكثر من حوالي 13% عند استخدام الرابط فقط للمشاركة في احتياطي توليد الكهرباء للبلدين مع مدة استرداد للتكاليف قدرها 8 سنوات، فيما يبلغ معدل العائد من الاستثمار حوالي 20% عند استخدام الخط الرابط للمشاركة في احتياطي التوليد ولتبادل الطاقة بين البلدين في فترات الذروة لكل بلد بحد أعلى 3000 ميجاوات، بالإضافة إلى استخداماته الأخرى في التبادل التجاري للكهرباء خاصةٍ في الشتاء الذي سيتيح للمملكة تصدير الكهرباء الفائضة في منظومتها إلى مصر.
  • سيتم تبادل حوالي 3 آلاف ميجا وات في أوقات الذروة بين البلدين التي تختلف بفارق حوالي 3 ساعات بين البلدين.
  • هناك فائدة اقتصادية للربط تتمثل في الاعتماد عليه بدل ما يسمى بالاحتياطي التوليدي الدوار الذي يتطلب وجود تشغيل فائض احتياطي على مدار الساعة تحسبًا لخروج إحدى أو مجموعة وحدات توليد.
  • تحول مصر والسعودية إلى مركزين عالميين للطاقة لتبادل التيار الكهربائي بين دول أوروبا وأفريقيا وآسيا، مما يُسهم في توفير عملات صعبة ومكاسب اقتصادية وسياسية تجنيها مصر والمملكة العربية السعودية خلال السنوات المقبلة؛ فمشروع الربط الكهربائي بين مصر والرياض سيتيح لمصر إمكانية الربط الكهربائي مع دول الخليج، والاستفادة من الاحتياطي اليومي بالشبكة القومية للكهرباء والذي يصل إلى حوالي أكثر من حوالي 21 ألف ميجاوات.
  • المشروع سيؤدي إلى خفض القدرة الاحتياطية المركبة في كل شبكة وتخفيض الاستثمارات الرأسمالية اللازمة لتلبية الطلب وتقليل كلفة إنتاج الطاقة، ما ينعكس إيجابيًا على أسعار بيع الطاقة الكهربائية للمستهلكين والسماح بتصدير أو استيراد الطاقة الفائضة بحسب وقت الذروة في كل دولة والتقليل من مخاطر توقف الطاقة المنتجة من محطات الطاقة المتجددة. حيث إن توسعة الربط الكهربائي مع شبكات دول الجوار يوفر فرصًا لتبادل الطاقة الكهربائية بأسعار أقل ويعزز استقرار هذه الشبكات.

استكمالًا لما سبق، يُشكل المشروع نواة نحو إنشاء سوق عربية مشتركة للكهرباء، والذي يُمثل حلمًا سعت الدول العربية إلى تحقيقه خلال السنوات الماضية، حيث عُقدت العديد من المناقشات بهدف الوصول إلى قرار بشأن مشروعات الربط الكهربائي بين الدول العربية. يتطلب قيام السوق العربية المشتركة للكهرباء إجراء حزمة من الأطر التشريعية والقانونية بهدف إعداد وثائق الحوكمة، إذ وُقعت مذكرة تفاهم مع حوالي 16 دولة عربية ودخلت حيز التنفيذ في أبريل من عام 2017، كما موضح في الشكل التالي.

ووفقًا لما سبق، نالت مشروعات الربط الكهربائي التي تقوم بها مصر إشادات وتوقعات العديد من المؤسسات الدولية ومنها:

بلومبرج: أشادت بتنفيذ مصر عدة مشروعات للربط الكهربائي، والتي تسمح من خلالها بإقامة نظام لمشاركة الطاقة مع جيرانها بالمنطقة، وعلى رأس تلك المشروعات ربط شبكة الكهرباء مع المملكة العربية السعودية وقبرص واليونان وباقي الدول الأوروبية.

مجموعة أكسفورد للأعمال: خططت مصر للحفاظ على فائض بقدرات توليد الطاقة مما يمكنها من زيادة صادراتها للبلدان المجاورة، حيث تم بالفعل إبرام عدة اتفاقات للربط مع المملكة العربية السعودية وقبرص واليونان والسودان.

الإيكونوميست: تؤكد أن مشروع الربط الكهربائي بين مصر والدول سيدعم النمو الاقتصادي والطموحات المصرية في زيادة صادراتها من الطاقة.

الوكالة الدولية للطاقة المتجددة: مصر استغلت الفرص التي توفرها موارد الطاقة المتجددة لتحويل استراتيجيتها للطاقة المستدامة 2035 إلى واقع ملموس، وكذلك أشادت بتكريس مصر جهودها لتنفيذ العديد من مشروعات الربط للسماح بتبادل الكهرباء المولدة على المستوى الإقليمي والدولي.

فيتش: مصر ستصبح واحدة من أسرع أسواق الطاقة المتجددة غير الكهرومائية نموًا في المنطقة خلال السنوات القادمة، فضلًا عن أن زيادة القدرة على تصدير الكهرباء وإمكانات الطاقة الشمسية الطبيعية وطاقة الرياح ستجذب استثمارات واسعة النطاق طوال العقد المقبل، كما هو موضح في الشكل التالي.

مجمل القول، تتميز العلاقات المصرية السعودية بالقوة والتعاون المشترك في مختلف القطاعات، ويحدها تاريخ طويل من المواقف المشرفة والمصالح المشتركة، والعمل على توفير مستقبل مشرق قائم على الشراكة الاستراتيجية من خلال الاتفاقيات والبروتوكولات في كافة المجالات، وعلى رأسها تعزيز أمن الطاقة. وعليه، يتصدر مشروع الربط الكهربائي بين مصر والمملكة العربية السعودية اهتمامات البلدين الشقيقين في الآونة الحالية، إلى جانب تعزيز التعاون في قطاع الطاقة بصفة عامة. وعليه يمكن القول إن مشروعات الربط الكهربائي العربي هي خارطة طريق للسوق المشتركة للكهرباء، حيث تُسهم في تمكين الدول العربية من تنويع وزيادة حجم الاستثمارات في مصادر الطاقة المتوفرة من النفط الخام والغاز الطبيعي ومصادر الطاقة المتجددة المتاحة فيه. بالإضافة إلى تنمية الحلقات بين دول الربط الكهربائي وتطويرها في قطاعات إنتاج ونقل وتوزيع الطاقة الكهربائية بهدف مواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية التي تعيشها دول الربط، حيث تُشكل مشاريع الربط الكهربائي أحد الحلول التي تعول عليها الدول في إيجاد حلول نقص الإمدادات، حيث تأتي هذه المشروعات كخطوة حيوية لزيادة الثقل السياسي والاقتصادي العربي، وكجزء من طموحات الدولة المصرية لأن تصبح مركزًا إقليميًا للطاقة ومصدرًا للطاقة.

د. أحمد سلطان

دكتور مهندس متخصص في شؤون النفط والطاقة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى