أهداف ودلالات الاستعراض العسكري الأخير في إيران
في ظل التصعيد الجاري بين إيران ووكلائها من جانب وإسرائيل من جانب آخر، نظمت القوات المسلحة الإيرانية يوم 21 سبتمبر 2024 عرضًا عسكريًا موسعًا بمناسبة بداية “أسبوع الدفاع المقدس” استعرضت فيه عددًا كبيرًا من الصواريخ الباليستية والمسيرات بعيدة المدى، فيما يبدو أنه يبعث برسائل ليس فقط لإسرائيل ولكن لقوى أخرى في الخارج؛ وذلك في وقت تتزايد فيه التساؤلات حول إمكانية انخراط إيران في المواجهة الجارية بين إسرائيل وحزب الله، ومن ثم هل يكون هدف هذا الاستعراض هو استعراض القوة بهدف الدعم أم لإبعاد أي تهديدات عسكرية إسرائيلية محتملة أخرى بشن هجمات على أراضيها. وفي ضوء ذلك، نتطرق فيما يلي لأهم الرسائل التي رغبت إيران في إرسالها من وراء عقد ذلك العرض العسكري الضخم الذي شمل مراكز جميع محافظات البلاد.
ما هي أبرز أنواع الأسلحة التي تم الكشف عنها في الاستعراض العسكري؟
شهد العرض العسكري الإيراني الأخير استعراض القوات المسلحة الإيرانية عدد كبير من الأسلحة الهجومية على النقيض من الاستعراضات العسكرية المعتادة التي لا تشتمل على هذا الكم من التنوع، وهو ما يؤكد أن الهدف من استعراض هذا التنوع إرسال رسالة “ردع” للخارج.
- معدات القوات البرية:
شمل العرض العسكري الإيراني استعراض عدد كبير من المعدات العسكرية التي تستخدمها القوات البرية ومن بين أبرزها: منظومة “مجيد” الصاروخية الخاصة بتتبع وإسقاط المسيرات، وصاروخ “رعد 500” الباليستي قصير المدى المزود بهيكل مركب ذي محرك مركب تقدمي يُطلق عليه “زهير”، وعدد من أنظمة الاتصالات، والمركبات المضادة للرصاص من نوع “روينتن”، وسيارة الحمل الثقيل “ايسوزوGSM”، والعربة ناقلة الجند “ام – 113” والتي تستطيع أيضًا حمل الصواريخ، إلى جانب عربات طبية حربية.
- معدات قوات الدفاع الجوي:
استعرضت القوات المسلحة الإيرانية في العرض العسكري عددًا من معدات قوات الدفاع الجوي ومن بينها: منظومة “تلاش” الصاروخية، ورادارات منظومة “15 خرداد” التي تستطيع اعتراض أهداف مثل المقاتلات الحربية والمسيرات المهاجمة على بعد 150 كيلومترًا، ومنظومة “صياد” الصاروخية التكتيكية، وصواريخ “صياد” 3و4، وصاروخ “إس 200″، ومنظومة “مجيد” الصاروخية، ومنظومة الرادار “كاشف 99″، ومسيرة “كرار” المجهزة بصواريخ جو – جو من طراز “مجيد”، بالإضافة إلى صاروخ “عصر 67″، وصاروخ “فكور 90″، وصاروخ “قادر”، وصاروخ “ستار”، وقنبلة “قاصد” الذكية.
- معدات القوات الجوية:
جاءت أيضًا الطائرات المسيرة كجزء مهم من الاستعراض العسكري، حيث شهد عرض الطائرة المسيرة “مهاجر 6″، والطائرة المسيرة “مهاجر 4″، والطائرة المسيرة “أبابيل 4″، الطائرة المسيرة “آرش” والمسيرة “يسير”، وصاروخ “فتح 360″، وصاروخ “فجر 5”. وشمل الاستعراض كذلك مسيرة “سفير” التدريبية، ومسيرة “ستار” التدريبية أيضًا، ومسيرة “مهاجر 2″، ومسيرة “كمان 22″،
- معدات القوات البحرية:
شمل الاستعراض الكشف عن منظومة “ولاية 3” لإطلاق الصواريخ طويلة المدى، ونموذجها الآخر رقم 2، وطوربيد “مارك 46″، وطوربيد “والفجر”، وعدد من الألغام البحرية، ومسيرة “باور 5″، ومسيرة “صادق”، ومسيرة “أبابيل 5″، ومسيرة “مهاجر” الجديدة، وزورق “رعد”، والسفينة الهجومية “شهاب”.
- صاروخ “جهاد” ومسيرة “شاهد 136 ب” .. أحدث ما تم الكشف عنه
يعد أبرز ما تم الكشف عنه في هذا الاستعراض العسكري الإيراني الأخير هو صاروخ “جهاد” والطائرة المسيرة بدون طيار “شاهد 136 ب”. ويُعد صاروخ جهاد أحد أنواع الصواريخ الباليستية الإيرانية بعيدة المدى والتي تستخدم الوقود السائل أحادي المرحلة. وتقول تقارير إيرانية إنه تم استخدام هذا الصاروخ من جانب الحرس الثوري في يونيو 2017 في هجماته التي شنها ضد مواقع لتنظيم “داعش” الإرهابي في محافظة دير الزور بسوريا.
وتقول الروايات الإيرانية إن اسم “جهاد” على الصاروخ يشير لنجل عضو جماعة “حزب الله” السابق عماد مغنية، وكان اسمه جهاد. وعلى أي حال، فإن مدى الصاروخ يبلغ 1000 كيلومتر، بسرعة قصوى تبلغ 2000 و935 متر لكل ثانية (8.5) ماخ. ويبلغ طول الصاروخ “جهاد” 11.85 متر، بقطر 88 سنتيمتر، ووزن كلي يبلغ 7029 كيلوجرامًا، ورأس حربي 591 كيلوجرامًا.
أما مسيرة “شاهد 136 ب”، فإنها تُعد من بين أبرز المسيرات التي تم الكشف عنها في إيران مؤخرًا وفي العرض العسكري الأخير. وتجيء المسيرة بصفتها واحدة من بين أكثر المسيرات الانتحارية الإيرانية شهرة. وتصف وسائل الإعلام الإيرانية هذه المسيرة بأنها “ذات مميزات فريدة من نوعها، ويمكن اعتبارها واحدة من أكثر المسيرات تقدمًا في العالم”، وتقول التقارير المحلية في إيران إن هذه المسيرة، التي صنعتها القوات الجوفضائية التابعة للحرس الثوري، تستخدم رأسًا حربيًا أقوى من مثيلاتها وهو ما يميزها عنهم، مشيرة إلى أن مداها العملياتي يصل إلى 2500 كيلومتر، أي أنها تستطيع الوصول إلى إسرائيل.
رسائل إيران من وراء الاستعراض العسكري الواسع
يبدو من شمول الاستعراض العسكري الإيراني الأخير لجميع محافظات البلاد البالغ عددها 31 محافظة والتنوع الكبير في عدد الأسلحة التي تم عرضها والتي شملت مختلف قطاعات الجيش، القوات البرية والجوية والبحرية، أن إيران أرادت إرسال الرسائل التالية:
- رسالة ردع لإسرائيل في ظل التصعيد الجاري:
رغبت طهران من وراء ذلك الاستعراض في إرسال رسالة ردع لإسرائيل في ظل التصعيد الجاري بين الطرفين من جانب وبين إسرائيل والجماعات الوكيلة لإيران في المنطقة من جانب آخر. خاصة مع التصعيد الجاري بين إسرائيل وحزب الله وبدء ما يمكن وصفه بالحرب ضد حزب الله، وقبل ذلك تنفيذ إسرائيل عدد كبير من عمليات الاغتيال والتفجيرات والهجمات الجوية التي استهدفت قادة وعناصر ومواقع لحزب الله والحوثيين وبعض الفصائل العراقية، علاوة على العملية النوعية التي نفّذتها إسرائيل في قلب العاصمة طهران يوم 31 يوليو 2024 واغتالت خلالها رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” الفلسطينية، إسماعيل هنية.
وفي ظل احتمالية قيام إسرائيل بالمزيد من هذه العمليات، سواء ضد إيران أو وكلائها في المنطقة، خلال الفترة المقبلة، أرادت إيران أن تُظهر لإسرائيل قدرتها على استهداف صواريخها ومسيراتها لها. وفي الوقت نفسه، لا يبدو أن هذه الرسالة الإيرانية تخص إسرائيل وحدها؛ إذ إن رسو حاملات الطائرات الأمريكية والمدمرات في منطقة شرق البحر المتوسط قد بعث برسالة ردع أمريكية غربية لإيران غرضها الإحجام عن الدخول في مواجهات واسعة أو خطيرة مع إسرائيل سواء من قِبل طهران أو وكلائها في الإقليم. وعليه، رغبت إيران في الرد على ذلك بإرسال رسالة ردع مضادة.
- 2-رسالة دعم لجماعاتها الوكيلة في الخارج:
تعاني الجماعات الوكيلة لإيران في المنطقة خلال الأيام الجارية من ضربات موسعة من جانب إسرائيل. وباتت هذه الجماعات، خاصة “حزب الله” في مرمى الاستخبارات والجيش الإسرائيلي، خاصة بعد عمليات التفجير الأخيرة التي خلفت ورائها عشرات القتلى وآلاف المصابين من الجماعة اللبنانية. وفي هذا الوقت، يبدو أن إيران سعت لإرسال رسالة دعم لوكلائها في المنطقة بعد تلك الضربات الإسرائيلية الأخيرة. ولكن في الوقت ذاته ليس من الواضح مدى إمكانية انخراط إيران في دعم وكلائها حقًا وخاصة حزب الله جراء التصعيد الأخير، لا سيّما مع التصريحات الأخيرة للمسؤولين الإيرانيين ومنهم الرئيس مسعود بزشكيان ووزير الخارجية عباس عراقجي والتي توضح رغبة إيران في التهدئة بل وعرض إمكانية استئناف المفاوضات النووية في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
- استمرار تطورها في مجال الصواريخ والمسيرات:
لقد سعت إيران من خلال إجراء الاستعراض العسكري الأخير في التأكيد على مواصلتها تطوير برنامجيها للصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، وذلك في تحدٍ للتصريحات والدعوات الغربية التي لطالما حثّت طهران على إيقاف برنامج الصواريخ، وبالتزامن أيضًا مع القلق والغضب المتصاعد من جانب الدول الغربية إزاء التقارير التي تشير إلى تزويد إيران لروسيا بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة التي تستخدمها موسكو في حربها ضد أوكرانيا.