إسرائيل

قراءة في تأثير احتمالية تعيين “جدعون ساعر ” وزيرًا للدفاع على المشهد السياسي الحالي في إسرائيل

تداولت وسائل إعلام إسرائيلية تقارير حول نية رئيس الوزراء “بنيامين نتنياهو” إقالة وزير الدفاع الإسرائيلي “يوآف جالانت” وتعيين “جدعون ساعر” وزير العدل السابق وعضو الكنيست خلفًا له، وذلك على أثر الخلافات القائمة بين كل من نتنياهو وجالانت في الفترة الأخيرة حول صفقة تبادل الرهائن ووقف الحرب في غزة، وقانون إعفاء اليهود المتشددين “الحريديم” من الالتحاق بالجيش الإسرائيلي، وأيضًا حول الحرب في الجبهة الشمالية، والعديد من الملفات الأخرى.

وفي حين لم تؤكد أي جهة رسمية قرار الإقالة حتى كتابة هذه السطور، تبقى احتمالية اتخاذ قرار إقالة جالانت مرتفعة، خاصة بعد أن أكدت صحف عبرية أن قادة الائتلاف الحاكم منحوا رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الضوء الأخضر لضم ساعر إلى الحكومة، وأن ساعر سيتولى وزارة الدفاع خلفًا لجالانت، كما أشارت تقارير صحفية أخرى إلى أن نتنياهو بالكاد يتحدث مع وزير دفاعه، مما يعكس التوترات الجارية بينهما.

ويشار إلى أن الخلاف القائم بين جالانت ونتنياهو ليس وليد الأحداث الجارية فقط، بل يمتد منذ مارس 2023 حينما اختلفا حول الإصلاح القضائي والذي أدى في النهاية إلى إقالة جالانت لأسبوعين قبل أن يتراجع نتنياهو لاحقًا عن قراره ويعيده للحكومة. وتُعتبر الخلافات الحالية بين نتنياهو وجالانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، إذ أنها تأتي بعد سلسلة طويلة من التوترات التي يتوقع أن تؤدي إلى إقالة الأخير في نهاية المطاف. وتثير الأحداث السابقة تساؤل رئيسي حول؛ ما هي تداعيات إقالة وزير الدفاع الإسرائيلي الحالي يوآف جالانت المرتقبة واحتمالية تعيين ساعر محله على المشهد الحالي في إسرائيل؟ والتي تحاول السطور القادمة الإجابة عليها.

تبعات محتملة

يُنظر إلى إقالة جالانت المرتقبة على أنها ستكون حدثًا فاصلاً من الناحية السياسية والأمنية، ومن نواحٍ أخرى على المستوى الشعبي، وعلى المستوى الدولي وذلك حسب التأثير، والذي يمكن الإشارة إليه فيما يأتي:

تضارب في موقف الساسة الإسرائيليين: بقراءة موقف القادة السياسيين من الإقالة المرتقبة، يتضح أن قادة أحزاب اليمين المتطرف الإسرائيلي يؤيدون بشدة إقالة جالانت بشكل عاجل، ويتجلى ذلك في موقف وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير الذي كان يدعو نتنياهو إلى إقالة جالانت منذ أشهر، ورأى أنه قد حان الوقت للقيام بذلك على الفور، معتبرًا أن جالانت ليس الرجل المناسب لهذا المنصب. لكن على صعيد آخر، رأى قادة الوسط والمعارضة الإسرائيلية أن الوقت غير مناسب لاتخاذ مثل هذه القرارات، معتبرين أن نتنياهو يركز حاليًا على مناورات سياسية مخزية واستبدال وزير الدفاع في الوقت الذي تستعد فيه إسرائيل لبدء حملة مكثفة في الشمال، بدلًا من التركيز على هزيمة حماس، وإعادة الرهائن، ومحاربة حزب الله، وضمان عودة سكان الشمال إلى ديارهم، وهو ما ظهر بشكل واضح في تصريح غانتس، والذي اعتبر أيضًا أن تغيير وزير الدفاع عشية حملة واسعة في الشمال قد تتحول إلى حرب إقليمية وإهمال أمني. وتعكس تلك المواقف، خاصة موقف المعارضة الحالي، التخوف الشديد من سيطرة التيار اليميني المتطرف واستحواذه على كافة القرارات السياسية والأمنية، الأمر الذي قد يؤدي إلى توسيع الجبهات القتالية وجر البلاد إلى منحدر خطير من ناحية، وأيضًا استمرارية حكومة نتنياهو المتطرفة في الحكم حتى في حال تم وقف الحرب وحتى عام 2026، وذلك بعد الانضمام المحتمل لحزب “الأمل الجديد” للائتلاف الحاكم.

زيادة الغضب في الشارع الإسرائيلي: في ظل الأحداث الأخيرة المرتبطة باحتدام وتيرة المظاهرات في شوارع تل أبيب وفي مدن إسرائيلية أخرى بعد أن أدرك الشارع الإسرائيلي أن نتنياهو لا يسعى للوصول إلى صفقة لإعادة الرهائن الإسرائيليين، واعتراض عائلات الأسرى بشكل خاص، من المتوقع أن ترتفع حدة التظاهرات خاصة بعد أن صرحت جمعية عائلات الأسرى بأن إقالة جالانت وتعيين ساعر سيكون بمثابة اعتراف واضح لا لبس فيه من قبل رئيس الوزراء بأنه قرر التخلي نهائيًا عن الرهائن، مستندين بذلك على معارضة ساعر السابقة والواضحة للصفقة، حيث وصفها من قبل بأنها “شروط الاستسلام”. ويعني ذلك أن التوقيت الحالي للإقالة سيثير مزيدًا من الغضب لدى الإسرائيليين وسيوسع من الاحتجاجات، وربما تجد الحكومة الإسرائيلية نفسها أمام إضرابات أخرى لا تستطيع السيطرة أمنيًا عليها.

معارضة دولية شديدة: يبدو أن قرار إقالة جالانت المحتمل يواجه معارضة دولية أوروبية وأمريكية، حيث يتمتع جالانت بعلاقات قوية مع إدارة بايدن، كما كان هناك تنسيقات أمنية بين جالانت والولايات المتحدة الأمريكية بشأن المفاوضات مع حزب الله لوقف التصعيد والتي فشلت مؤخرًا، وذلك في ظل توتر العلاقات بين إدارة بايدن ونتنياهو في الفترة الماضية، والخلافات حول إدارة الحرب وملف صفقة تبادل الرهائن. ولذلك فإن إقالة جالانت قد تزيد التوترات الموجودة بالفعل خاصة بعد تصريح واشنطن أن جدعون ساعر لن يتمتع بنفس العلاقة الوثيقة معها التي تمتع بها جالانت، ومن ناحية أخرى ترى أوروبا أن جالانت هو الوحيد الذي يمكن الوثوق بكلمته بعد مغادرة بيني غانتس وغادي آيزنكوت حكومة بنيامين نتنياهو، مما يعني أن العلاقات بين الولايات المتحدة وأوروبا وبين حكومة نتنياهو قد تشهد منحدرًا شديدًا في الفترة المقبلة في حال أقيل نتنياهو مع ضعف ومحدودية الاتصال بينهما.

دلالات تعين جدعون ساعر المحتمل على المشهد الحالي

يعتنق ساعر وجهات نظر وآراء قريبة ومتسقة مع أهداف نتنياهو وائتلافه، خاصة فيما يتعلق بإدارة الحرب الجارية على قطاع غزة، والتصعيد المرتقب في الجبهة الشمالية، والتي من المتوقع أن تغير المشهد الحالي كليًا لصالح استمرار نتنياهو في الحكم حتى نهاية مدته في السلطة عام 2026. وفي ذلك الإطار يمكن استنباط العديد من الدلالات لقرار التعيين المحتمل لساعر على النحو التالي:

وضع نهاية لقضية تجنيد الحريديم: تُعتبر قضية تجنيد الحريديم في الجيش الإسرائيلي أحد القضايا التي يختلف حولها نتنياهو وجالانت، حيث يُفضل رئيس الوزراء إبقاء تجنيد الحريديم عند الحد الأدنى حتى لا يُخاطر بخروج الأحزاب الأرثوذكسية المتطرفة من حكومته، في حين يرى جالانت أن يتم تجنيد الرجال الحريديم بأعداد أكبر من أجل تلبية احتياجات القوى العاملة في الجيش الإسرائيلي، ويتفق ساعر مع وجهة نظر نتنياهو في هذه القضية، بل أن هناك تقارير تفيد بأنه لن ينضم إلى الحكومة إلا إذا حصل على موافقة على مشروع قانون يُعفى الرجال الحريديم من الخدمة العسكرية.

ومن المهم الإشارة إلى أنه يمكن اعتبار الدافع الرئيسي والعاجل الذي دفع نتنياهو إلى احتمالية التخلي عن جالانت هو رفضه الدائم لتمرير قانون إعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية، فبحسب ما ورد، أبلغ شركاء نتنياهو المتطرفين في الائتلاف أنهم سيسقطون ائتلافه إذا لم يتم تمرير التشريع، في حين لن يعارض ساعر ذلك. كما ترى أيضًا الأحزاب ذات المعتقدات المتطرفة أن وزير الدفاع المحتمل سيكون قادرًا على تحديد هدف تجنيد أقل من 4800 مجند سنويًا أعلن عنها الجيش الإسرائيلي مؤخرًا، بالإضافة إلى ذلك، ستجد محكمة العدل العليا صعوبة في رفض ترتيبات التجنيد التي اقترحها وزير الدفاع نفسه، وهو ما تريده هذه الأحزاب.

بقاء حكومة نتنياهو: تعيين جدعون ساعر وزيرًا للدفاع وإدخال حزبه “الأمل الجديد” إلى الائتلاف يمكن أن يعزز من بقاء حكومة بنيامين نتنياهو حتى عام 2026 من خلال تعزيز استقرار الائتلاف وتوسيعه، فزيادة قاعدة دعم الحكومة إلى 68 مقعدًا، تُعطي للائتلاف الحاكم ثقلًا أكبر وقدرة أوسع على تحجيم ضغوطات الأحزاب الصغيرة الأخرى، التي كان لها تأثير كبير سابقًا. من ناحية أخرى سيؤدي وجود أعضاء الحزب في لجان الكنيست إلى تأثيرهم بشكل أكبر على صياغة السياسات والميزانية، مما يعزز من قدرة الحكومة على تنفيذ أجندتها السياسية ودعمها في التصويت على القرارات التي تريد الحكومة تمريرها.

تراجع احتمالية الوصول لاتفاق: قد يؤدي وجود ساعر في الحكومة الإسرائيلية إلى تعقيد مساعي التوصل إلى اتفاق لتبادل الأسرى ووقف الحرب في غزة، في ظل مواقفه المتشددة المعروفة تجاه ملف الصفقة. وكما سبق الذكر، فقد أعرب ساعر في السابق عن معارضته الواضحة والعلنية لها، واصفًا إياها بـ “شروط الاستسلام”. وبالتالي، يُمكن أن يُعزز هذا التوجه من موقف الحكومة التي تنتهج سياسة صارمة حيال المفاوضات في الوقت الحالي، مما يُثير قلق العائلات التي تُطالب بإطلاق سراح الرهائن. يُعقّد هذا التوجه إمكانية الحوار ويساهم في تفاقم الأوضاع الإنسانية في غزة، حيث يُصبح الوصول إلى حلول أقل احتمالًا، على الأقل في المدى القريب.

تفاقم التوتر في العلاقات بين إدارة بايدن وحكومة نتنياهو: يحظى جالانت بعلاقات جيدة للغاية مع إدارة بايدن – كما سبق ذكره – وبالتالي فإن تعيين ساعر في خضم التوتر الحالي بين الإدارة الأمريكية وبين نتنياهو قد يؤثر سلبًا على التواصل بينهما، ففي تصريحات لمسؤولين أمريكيين أكدوا أن جالانت هو آخر المسؤولين الإسرائيليين الذي يمكن الحديث معه والثقة به، ، فيما كانت هناك تصريحات لأحد المسؤولين في إدارة بايدن تشير إلى أن إقالة وزير مثل وزير الدفاع يوآف غالانت وسط حرب غزة وقبل حرب محتملة مع لبنان هي “ضرب من الجنون” بالإضافة إلى تأكيد تصريح لمسؤول أخر أن ساعر لن يتمتع بنفس العلاقة الوثيقة مع واشنطن التي تمتع بها جالانت، مما يعني أن هناك اعتراضات أمريكية واضحة – على الأقل في الوقت الحالي- على سياسة إقالة جالانت وإحلال ساعر محله، والذي قد يعكس توتر إلى حين حسم السباق الانتخابي في الولايات المتحدة الأمريكية.

خلاصة القول؛ يبدو أن قرار إقالة جالانت في الوقت الحالي سيثير العديد من التوترات الداخلية خاصة على المستوى الشعبي وأيضًا المعارضة السياسية وأحزاب الوسط واليسار الإسرائيلي، كما أن ذلك سيؤدي إلى مزيد من التوتر في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية في ظل الخلافات الحالية بين إدارة بايدن ونتنياهو، مع اعتبار جالانت هو الرجل الوحيد الذي يمكن الوثوق فيه حاليًا من الإدارة الأمريكية، ولذلك فمن المتوقع في حال تم إقرار إقالته أن يلقى معارضة داخلية وخارجية واسعة. من ناحية أخرى فإن وصول ساعر المحتمل إلى منصب وزير الدفاع خلفًا لجالانت يأتي في صالح حكومة نتنياهو اليمينية، خاصة مع تماشي توجهاته السياسية مع أهداف الائتلاف الحاكم، المتمثلة في إعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية، وإبطال الوصول إلى صفقة لتبادل الأسرى، وعرقلة ملف المفاوضات. كما يزيد انضمام حزبه “الأمل الجديد” للحكومة من احتمالية أن يستمر نتنياهو في الحكم حتى عام 2026، بما يعني القضاء على آخر رؤوس المعارضة في حكومته الحالية، والإبقاء فقط على الوزراء أصحاب التوجهات اليمينية “المتشددة”.

مريم صلاح

باحثة بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى