شراكة استراتيجية: تنامي التعاون بين “مصر وقبرص” في شرق المتوسط
طالما كانت منطقة شرق المتوسط محور تجاذبٍ جيوسياسي إقليمي ودولي بين كبرى دول العالم، ليس فقط من منظور سياسي فحسب، ولكن من منطلق اقتصادي. يعكس هذا التجاذب في حقيقته صراع المصالح القائم حول من يستحوذ على النفوذ ويسيطر على الموارد الطبيعية للعقود المقبلة، وبالأخص احتياطيات الغاز الطبيعي الهائلة. حيث تعاظم الاهتمام بهذه المنطقة عندما بدأ الحديث عن عمليات الاستكشاف عن النفط والغاز الطبيعي في دول شرق المتوسط، ومن ثم بدء عمليّات الإنتاج وصوغ الاتفاقيات ومشاريع بناء الأنابيب بين دول المنطقة.
وعليه، قد أضحى ملف الطاقة قضية محورية، وتحقيق أمن الطاقة في مصر يُشكل أمرًا حيويًا لحماية الأمن القومي لها، في وقت تواجه فيه الدولة تحديين رئيسيين؛ الأول الارتفاع المتزايد في الطلب على الطاقة وتذبذب أسعارها، والثاني هو تزايد عدد السكان بشكل كبير.
مدخل:
فتحت اكتشافات الغاز الطبيعي المتلاحقة والضخمة في منطقة شرق البحر المتوسط، بالإضافة إلى زيادة الطلب على الغاز الطبيعي في دول المنطقة محورًا جديدًا لضرورة البحث عن صيغ تعاونية للاستفادة من تلك الاحتياطيات الهائلة، ليس فقط في عمليات استكشاف وتنمية الحقول المكتشفة، وإنما في عمليات التصدير وتسويق الإنتاج، وهو ما سيُسهم بشكل كبير في حل أزمات الطاقة من جانب، وتحسين الأوضاع الاقتصادية المتردية لبعض دولها التي تُعاني من تراجع واضح في مفهوم أمن الطاقة، لما يمكن أن يدره من دخل من شأنه معالجة أزمات الطاقة المتفاقمة في العديد من دول منطقة شرق المتوسط.
وعليه، عولت الدولة المصرية على علاقاتها المتنامية والمتطورة مع قبرص في إطار آلية للتعاون الثنائي، في إزالة أي عقبات تواجه الإسراع في خطوات تنفيذ مشروع خط الأنابيب الذي سيربط حقل (أفروديت) القبرصي بمحطات الإسالة المصرية تمهيدًا للتصدير للأسواق الأوروبية. حيث ظهر ذلك خلال لقاء وزير البترول والثروة المعدنية المصري، كريم بدوي، ونظيره القبرصي جورج باباناستاسيو يوم 29 أغسطس 2024، الحاجة إلى تعزيز التعاون بين مصر وقبرص في إنشاء ممر موثوق للطاقة من شرق البحر المتوسط إلى أوروبا لنقل الغاز الطبيعي والطاقة الخضراء، بالإضافة إلى بحث سبل تعزيز التعاون لاستغلال اكتشافات الغاز الطبيعي في المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص.
ثروات منطقة شرق المتوسط:
بشكل عام، لا توجد أرقام ومعطيات دقيقة عن الثروة النفطية والغازية في منطقة شرق المتوسط، فكل التقديرات الحالية تبقى في دائرة الاحتمالات الواعدة، على الرغم من ذلك، تشير التقديرات الأولية المُتاحة إلى أن مجمل المكامن غير المُكتشفة قد توازي ضعف ما تم اكتشافه في منطقة شرق المتوسط حتى يومنا هذا (بالأخص الغاز الطبيعي).
أجرى مركز الاستطلاع الجيولوجي الأمريكي في مارس 2010، تقييمًا لموارد النفط الخام والغاز الطبيعي غير المُكتشفة والمُمكن استخراجها تقنيًا لمنطقتي دلتا النيل المجاورة لمصر التي يُتوقع أن تحتوي على أكبر مخزون غير مُكتشف، وحوض الشام في شرق المتوسط أو ما يُعرف بـLevant Basin Province الذي يشمل المناطق البحرية المواجهة لقطاع غزة والأراضي الفلسطينية المُحتلة من إسرائيل ولبنان وسوريا وقبرص وتبلغ حوالي 83 ألف كيلومتر مربع اتبع التقييم منهجية مبنية على المعلومات الجيولوجية والتجارية المتوافرة حول الآبار، الحقول والإنتاج، الموزعة في المنطقة، وحُددت ثلاث أنظمة بترولية و8 وحدات تقييم مختلفة. حيث قدرت دراسة 2010 بأن منطقة حوض شرق المتوسّط تحتوي على حوالي 1.7 مليار برميل من النفط الخام وحوالي 122 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي.
وفي يوليو 2021، أصدر المركز نفسه تقييمًا جديدًا للمنطقة، وفقًا للمتغيرات الجديدة، بالإضافة إلى ما تم اكتشافه خلال السنوات الماضية، حيث قُدرت الاحتياطيات الجديدة بحوالي 879 مليون برميل من النفط الخام و286 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي. وبالنظر إلى الاختلافات في التقديرات بين الدراستين، نجد أن التقييم الثاني في عام 2021، شمل منطقة أكبر من تلك المشمولة في تقييم عام 2010، بحيث أضيفت 3 مناطق جيولوجية جديدة مقابلة لمصر، وتم إزالة كل المكامن المكتشفة في السنوات الأخيرة من خانة الاحتياطيات المحتملة.
هنا تجدر الإشارة إلى أن احتياطات الغاز الطبيعي من حوض شرق المتوسط تُقدر بحوالي 5.1% من إجمالي الاحتياطيات العالمية، وحوالي 0.15% من الاحتياطيات العالمية من النفط الخام وهي نسبة ضئيلة، إلا أن الظروف الجيوسياسية الراهنة وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، بالإضافة إلى الحرب على غزة، جعلت منطقة شرق المتوسط ذات أهمية كبرى وبالأخص إلى دول الاتحاد الأوروبي الباحثين عن مصادر غاز بديلة عن الغاز الروسي.
أمام ما تقدم، على الرغم من التزايد المضطرد في عدد حقول الغاز الطبيعي التي تم اكتشافها في منطقة شرق البحر المتوسط، إلا أن التركيز بشكل أساسي على الحقول الأربعة الكبرى من حيث الاحتياطيات المتوقعة، والتي يأتي في مقدمتها حقل تمارا الذي اكتشفته إسرائيل عام 2009 باحتياطي محتمل بلغ حوالي 280 بليون متر مكعب، وأيضًا حقل ليفياثان باحتياطي يصل إلى حوالي 620 بليون متر مكعب، والذي اكتشفته إسرائيل أيضًا في عام 2010، علاوةً على حقل أفروديت الذي اكتشفته قبرص عام 2011 باحتياطي محتمل يعادل حوالي 128 بليون متر مكعب، وأخيرًا حقل ظهر الذي يُعد أحدث اكتشافات شركة إيني الإيطالية في منطقة امتياز شروق بالمنطقة الاقتصادية الخالصة لمصر في أغسطس من عام 2015 باحتياطي محتمل وفقًا للبيانات المعلنة بما يُقارب حوالي 850 بليون متر مكعب، كما هو موضح في الشكل التالي.
مكانة قبرص في صناعة الغاز الطبيعي:
مع إعلان اكتشاف حقل أفروديت في مياهها الإقليمية عام 2011 طوت قبرص صفحة من تاريخها وبدأت أخري جديدة ظهرت فيها عقدة مركزية في شؤون شرق المتوسط وغرب أوروبا، حيث مر حوالي 13 عامًا منذ اكتشاف أول وأكبر حقل غاز بحري في قبرص، أفروديت، وتلا ذلك أربع نتائج أخرى بين عامي 2018 و2022، توصلت إليها بعض أكبر شركات الطاقة في العالم، ومن ضمن تلك الاكتشافات التجارية (كاليبسو) عام 2018، في البلوك رقم 8 حيث قُدرت الاحتياطيات المحتملة من الغاز الطبيعي بحوالي 8 تريليون قدم مكعب والكشف التجاري (جلاوكوس-1) في البلوك رقم 10 باحتياطيات محتملة تُقدر بحوالي 5-8 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي وذلك في عام 2019. ومع ذلك، لم تنتج قبرص ولم تستهلك أي غاز طبيعي حتى الآن، حيث تخطط قبرص لتغيير ذلك ودمج الغاز في مزيج الطاقة الذي يهيمن عليه النفط الخام، سيساعد استخدام الغاز الطبيعي قبرص على تقليل فاتورة واردات الطاقة بشكل كبير وبصمتها الكربونية ومواءمة استراتيجية الطاقة الخاصة بها بشكل أفضل مع لوائح الاتحاد الأوروبي، كما هو موضح في الشكل التالي.
إستكمالًا لما سبق، فإن عمليات إنتاج الغاز الطبيعي في قبرص فيها تنطوي على خاصيتين متضادتين؛ الأولى: تتمثل في بطء عملية تطوير وتنمية حقل غاز أفروديت المكتشف سابقًا، أما الثانية: فهي تسريع الخطوات القبرصية لإمكانية طرح رخصة تنقيب ثالثة. بالإضافة إلى تصدير الغاز القبرصي لمصر لمواجهة تحديات زيادة استهلاكها المحلي، وإمداد منشآت تسييل الغاز في إدكو، وإعادة تصديره مرة أخرى إلى دول الاتحاد الأوروبي، وفي حال إنجاز قبرص لخطط استغلال مواردها من الغاز الطبيعي، فإنها من الممكن أن تصبح منصة غاز هامة لبقية مناطق شرق المتوسط.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن أسعار الكهرباء في قبرص قد توازي ثلاثة أمثالها في الدول المجاورة، وبهدف تقليلها، اتخذت الحكومة قرارًا مبدئيًا بالانضمام إلى مشروع الربط البحري العظيم الذي يموله الاتحاد الأوروبي (بهدف ربط شبكات الكهرباء)، وتبلغ تكلفته حوالي 1.9 مليار يورو بقدرة 2000 ميجاوات.
من الخيارات المتاحة أمام نقل الغاز عبر البحر المتوسط، وفقًا لجغرافيا قبرص، إما عن طريق السفن (الغاز الطبيعي المسال) أو عبر خط أنابيب تحت سطح البحر ويتطلب كلا الحلين نفقات رأسمالية كبيرة (حل يتطلب تعاون بين دول منطقة شرق المتوسط). علاوة على ذلك، فإن معظم اكتشافات قبرص تقع على عمق كبير تحت الماء، ومنتشرة جغرافيًا على نطاق واسع وتتميز بجيولوجية معقدة؛ هذه العوامل تزيد من تكلفة تطويرها، لكن يبقي الجانب السياسي هو العائق الأكبر.
قد يغير إنتاج الغاز الطبيعي وربطه بأسواق طاقة في الخارج قواعد اللعبة بالنسبة لقبرص ودول أخرى في جنوب أوروبا تحرص على وقف اعتمادها على الإمدادات الروسية التي تعطلت بعد الحرب في أوكرانيا.
الدور المصري في نمو صناعة الغاز القبرصي :
تدرس مصر بالتعاون مع قبرص إنشاء خط أنابيب بحري بطول يبلغ حوالي 90 كيلو مترًا، وذلك لربط حقل أفروديت بتسهيلات الإنتاج البحرية لحقل ظهر بالمياه الإقليمية المصرية، لضخ الغاز القبرصي بالشبكة القومية للغازات، وفقًا للبيانات المعلنة. حيث تسعى مصر لاستغلال السعة المتاحة بتسهيلات حقل ظهر من خط أنابيب ومحطة معالجة الغاز البرية، وذلك بعد الانخفاض الطبيعي لإنتاج الحقل لنحو 1.6 مليار قدم مكعب غاز يوميًا مقارنة بنحو 3.2 مليار قدم في عام 2020.
وحقل أفروديت القبرصي يحتوي على ما يقدر بحوالي 3.6 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، ويقع في منطقة بلوك 12، على بعد نحو 170 كم قبالة شاطئ ليماسول بدولة قبرص، التي تخطط لإرسال الغاز الطبيعي المستخرج من حقل أفروديت إلى مصر خلال الفترة من 2027 إلى 2028.
وعليه، أن ربط حوالي مليار قدم مكعب من الغاز يوميًا (إنتاج متوقع) من حقل أفروديت على الشبكة القومية للغاز الطبيعي بمصر، سوف يُسهم في تطوير احتياطيات الغاز الطبيعي في قبرص بإستخدام البنية التحتية الحالية في مصر، ونقل الغاز من المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص إلى مصر، لتسييله وتصديره إلى الأسواق العالمية، ويحول فقر البنية التحتية دون تحقيق حلم قبرص بالتحول إلى مركز للطاقة في شرق المتوسط، ما يدفعها إلى الاعتماد على مصر في تصدير الغاز المكتشف في حقولها البحرية إلى أوروبا. حيث أن ربط خط الأنابيب البحري بالمياه العميقة من حقل (أفروديت) القبرصي بتسهيلات حقل (ظهر) البحرية بدلًا من ربطه مباشرة بالشبكة القومية للغازات، يوفر أكثر من حوالي 40% من تكلفة إنشاء خط الأنابيب البحري.
هنا تجدر الإشارة إلى أن مصر تُعد الدولة الوحيدة التي تمتلك محطات إسالة في شرق المتوسط؛ إذ تعد محطات إسالة الغاز في دمياط وإدكو من أهم الركائز الرئيسة في التسهيلات والبنية التحتية التي تمتلكها مصر لتجارة وتداول الغاز الطبيعي؛ وتفوق قدراتهما الإنتاجية 12 مليون طن سنويًا، وبالنظر إلى قرب المسافة بين قبرص ومصر، قد تستفيد الأولى من قدرات الإسالة في مصر، كونها الوحيدة في منطقة شرق المتوسط. حيث يحول فقر البنية التحتية دون تحقيق حلم قبرص نحو إنتاج وتصدير الغاز الطبيعي، وهو الأمر الذي يدفعها إلى الاعتماد على مصر في تصدير الغاز المكتشف في حقولها البحرية إلى دول الاتحاد الأوروبي. كما هو موضح في الشكل التالي.
أمام ما تقدم، فإن الخيار المفضل لقبرص (أفروديت) هو نقل الغاز من الحقل عبر خط أنابيب تحت البحر إلى منشآت شل في غرب الدلتا البحرية العميقة غير المستغلة قبالة سواحل مصر، حيث سيتم معالجته، ومن شأن هذا الخيار أن يوفر على الشركاء تكاليف بناء منشأة جديدة مخصصة للمعالجة والإنتاج في قبرص، مما يقلل بشكل كبير من تكاليف التطوير. وسيتم بعد ذلك نقل الغاز المعالج إلى مصنع إدكو للغاز الطبيعي المسال في مصر، والذي تديره شركة شل أيضًا، لتسييله وتصديره أو استخدامه محليًا لتلبية الطلب المتزايد على الغاز الطبيعي في مصر، ومع كون شل شريكًا في أفروديت، فإن هذا هو الخيار الأكثر جاذبية تجاريًا.
إجمالًا لما سبق، تُشكل شراكة مصر مع قبرص محورًا هامًا لتحقيق تكامل اقتصادي بين البلدين في مجال الطاقة وبالأخص الغاز الطبيعي، وبوابة استراتيجية لاستثمار المقومات المتاحة من موارد غازية وبُنية تحتية متميزة، وصولًا لتحقيق المنافع المشتركة، وتعظيم استغلال تلك المقومات. حيث تستهدف مصر تعظيم الاستغلال الاقتصادي لبُنيتها التحتية في مجال الغاز الطبيعي من خطوط ومجمعات استقبال الغاز الطبيعي وإسالته وتصديره على ساحل البحر المتوسط، واستثمار طاقتها الاستيعابية الكبيرة، خاصةً أن مجمعات إسالة الغاز تعد ميزة نسبية تتمتع بها الدولة المصرية.
بشكل عام، تهدف الأنابيب عادةً إلى ربط الحقول المُكتشفة في البحر بالسواحل المواجهة لتأمين عملية نقل الغاز للاستعمال الداخلي، وبالتالي تأمين الأمن الطاقوي والاكتفاء الذاتي، كما وربط هذه الآبار والحقول بالدول المُحيطة بهدف تصدير الغاز إلى الأسواق العالمية. عادةً ترتبط الأنابيب استراتيجيًا بمعامل تسييل الغاز، فعملية نقل الغاز المُستخرج لمسافات طويلة خارج حوض شرق المتوسط يتمّ عبر البواخر، وبالتالي يحتاج الغاز إلى عملية تسييل قبل إعادة تغويزه لاحقًا في الدول المستوردة.
إشكالية الغاز الطبيعي في مصر:
يُعد الغاز الطبيعي من أهم المدخلات المهمة في البنية التحتية لتوليد الطاقة في مصر، إذ كان يمُثل في العام الماضي 2023 نسبة حوالي 51% من مجموع الطاقة الأولية التي يتم إنتاجها في مصر، وكان يُستخدَم في إنتاج حوالي 76.8% من التيار الكهربائي الذي يتم توليده، ولم يكن هذا الاعتماد على الغاز الطبيعي يطرح مشكلة عندما كان هناك فائضًا في مصر.
حيث كشفت بيانات حديثة عن عودة إنتاج مصر من الغاز الطبيعي إلى الصعود خلال شهر مايو الماضي لكن بنسبة زيادة طفيفة بلغت حوالي 0.6% لكنه ما يزال متراجعًا عند المقارنة بالشهر نفسه من عام 2023، وسط استمرار ارتفاع استهلاكه محليًا. حيث ارتفع إنتاج الغاز الطبيعي في مصر إلى حوالي 4.28 مليار متر مكعب خلال شهر مايو 2024، مقابل 4.26 مليار متر مكعب في شهر أبريل السابق له، كما هو موضح في الشكل التالي.
وفي السياق نفسه، ارتفع استهلاك مصر من الغاز الطبيعي في توليد الكهرباء والتدفئة خلال مايو الماضي إلى حوالي 2.92 مليار متر مكعب، مقابل 2.85 مليار متر مكعب في أبريل السابق له، وفي الأشهر الـ5 الأولى من العام الجاري، زاد استهلاك مصر من الغاز الطبيعي إلى 13.85 مليار متر مكعب، مقابل 13.16 مليار متر مكعب في المدة المماثلة من العام الماضي 2023، أي بمقدار صعود حوالي 671 مليون متر مكعب، كما هو موضح في الشكل التالي.
يعتمد قطاع الكهرباء على الغاز لتوليد التيار، وهو الأمر الذي تسبب في تعرُض القطاع لأزمة وعدم قدرته على تلبية الطلب المتزايد على التيار الكهربائي في ظل ارتفاع درجات الحرارة خلال الصيف، لتوقف مصر صادراتها من الغاز المسال، بدءًا من مايو 2024، (استهلاك الكهرباء من الغاز الطبيعي والمازوت زاد عن التوقعات).
علاوة على ذلك، أن استهلاك الكهرباء في مصر لا يزيد عن حوالي 31 جيجاوات (في المعدل الطبيعي)، ولكن هذه الأرقام ارتفعت بشكل واضح خلال الصيف الحالي، حيث وصلت إلى حوالي 37-40 جيجاوات وهذا يُعد أمر نادر الحدوث. حيث ارتفع استهلاك الكهرباء بنسبة حوالي 12% وذلك عن معدلات عام 2022، وهو الأمر الذي استدعى ضرورة توافر كميات إضافية من الغاز الطبيعي والوقود.
وعليه، يُعتبر النقص الحاد في الغاز الطبيعي من الأزمات الأكثر إلحاحًا التي واجهها الاقتصاد المصري في الصيف الحالي، وفي المقابل، دفع النمو السكاني المتزايد والسريع في مصر، والمصحوب بتهافت شديد على استخدام الكهرباء. وهنا تجدر الإشارة إلى أن وزارة الكهرباء تحتاج حوالي 135 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي يوميًا، ولتلبية جزء من هذا الاستهلاك الكبير، تستورد مصر وقودًا بأكثر من حوالي مليار دولار شهريًا لتلبية احتياجات شبكة الكهرباء.
وبالنظر إلى إنتاجية الغاز الطبيعي في مصر، نجد أن مصر خلال فصل الصيف الحالي واجهت مشكلة مستدامة في كيفية الموازنة بين التصدير والاستهلاك الداخلي، من جهة؛ ومن جهة أخرى الموازنة بين الزيادة السنوية للاستهلاك الداخلي والإنتاج المحلي (هناك تناقص طبيعي من الغاز الطبيعي الناجم عن تقادم الحقول والسلوك الخزاني المتعارف عليه عالميًا)، وذلك نظرًا لزيادة المجالات التي يتم فيها استهلاك الغاز الطبيعي والزيادة السنوية العالية لعدد السكان الذي يفوق حوالي 105 مليون نسمة.
إجمالًا لما سبق، فإن زيادة معدلات الاستهلاك المحلي وعدم وجود معادلة متزنة بين معدلات الاستهلاك ومستويات الإنتاج للدولة، يترتب عليها زيادة وفجوة كبيرة في فاتورة الاستيراد، مما يترتب عليه أعباء وضغوط على موازنة للدولة. ولذلك ستشهد الفترة المقبلة تعزيز عمليات البحث والاستكشاف في مجالي النفط والغاز الطبيعي وذلك لما تمتلكه مصر من احتياطيات مؤكدة وضخمة، بالإضافة إلى جذب العديد من الشركات العالمية، ويوضح الشكل التالي تطور احتياطيات مصر المؤكدة من الغاز الطبيعي.
وعليه يمكن القول، أن التعاون مع قبرص في صناعة الغاز الطبيعي سوف يُسهم بشكل كبير في تعزيز أمن الطاقة في مصر، مما يُساعد في تعزيز مكانة مصر كمركز إقليمي للطاقة.
والجدير بالذكر، أن وزارة البترول والثروة المعدنية طرحت مزايدة جديدة للتنقيب عن الزيت الخام والغاز الطبيعي (نهاية الشهر الماضي) في 12 منطقة بالبحر المتوسط ودلتا النيل، وتمتد فترة تلقي العروض في المزايدة حتى 25 فبراير 2025. حيث تشمل المزايدة عشرة قطاعات بحرية وقطاعين بريين، بحسب وزارة البترول والثروة المعدنية. تأتي هذه المزايدة في إطار جهود الدولة لجذب استثمارات جديدة، وفق استراتيجيتها الرامية إلى استغلال الفرص الواعدة في مجال البحث عن البترول والغاز الطبيعي، وخاصةً في البحر المتوسط لما يمتلكه من إمكانات كبيرة كحوض واعد للغاز الطبيعي.
مجمل القول، تحولت مسألة الطاقة إلى نقطة ارتكاز استراتيجية في علاقات دول منطقة شرق المتوسط بعضها ببعض، حيث تتطلب عملية الاستفادة المثلى من موارد الغاز الطبيعي في شرق المتوسط قدرًا من التعاون بين كافة دول المنطقة. وهو ما يمكن أن يتحقق بصورة تدريجية من خلال كل كتلة على حدة. حيث إن الاستفادة الحقيقية من موارد الغاز في منطقة شرق المتوسط، تتطلب تبني دول منطقة شرق المتوسط قدرًا من الواقعية في إدارة هذا الملف بالغ الأهمية، عبر تجاوز الخلافات السياسية، والبحث عن مناطق الاتفاق من أجل تسهيل عمليات التفاوض، لا سيما في مساري الإنتاج والتصدير، على حدٍ سواء.