مصر

حزمة تسهيلات ضريبية .. نحو مزيد من تحسين بيئة الأعمال وجذب الاستثمار

النظام الضريبي للدولة يعتبر سلاح ذو حدين برؤية الدولة، فإما أن يكون سبب رئيس لجذب الاستثمارات للدولة، أو المعرقل الأول لحركة نمو الاستثمارات المحلية والأجنبية المباشرة. فيعد النظام الضريبي جزءًا مهمًا من السياسة الاقتصادية لأي دولة، ويؤثر بشكل مباشر على بيئة الأعمال وجذب الاستثمار. كذلك يلعب النظام الضريبي دورًا محوريًا في تحقيق الاستقرار المالي للدولة من خلال توفير الإيرادات اللازمة لتمويل المشاريع العامة، البنية التحتية، والخدمات الاجتماعية. لكن من المهم أن يكون النظام الضريبي مصممًا بشكل يضمن العدالة المالية، ويدعم الأعمال ويحفز الاستثمارات، بدلاً من أن يكون عبئًا عليها. وتختلف وتتطور هياكل النظم الضريبية للدول حول العالم بناءً على الهيكل والبيئة الاقتصادية.

جدوى النظام الضريبي

تنمية الاستثمار ودعم القطاع الصناعي يحتاج إلى الاستثمار فيما تم تنفيذه من مشروعات البنية التحتية في مختلف المجالات وبكافة ربوع الدولة، وإصلاح مواطن الخلل بهيكل الاقتصاد المصري، وتهيئة المناخ الاستثماري بكافة مناحيه وتذليل كافة تحدياته، كذلك تشجيع ريادة الأعمال، واستثمار التحسن الملحوظ لمؤشر “مديري المشتريات” الصادر عن مؤسسة “ستاندرد آند بورز العالمية”، الذي تجاوز، لأول مرة منذ نحو أربع سنوات، 50 نقطة ليصل إلى 50.4 نقطة، وما يحمله من رسالة إيجابية بشأن الاقتصاد المصري من واقع رأي وتوقعات شركات القطاع الخاص. خاصة أن الدولة عازمة ومستمرة في تنفيذ وثيقة سياسة ملكية الدولة، كذلك من المرجح الإعلان قريبا عن برنامج رد أعباء الصادرات لتحفيز المُصدرين، وزيادة الصادرات المصرية.

ولعل وجود نظام ضريبي توافقي ومناسب أحد أهم الخطوات لجذب وتنمية المجال الاستثماري، فمن الضروري أن يكون النظام الضريبي واضح وشفاف ومدروس بعناية، فمن المهم أن يضمن توزيعًا عادلاً للأعباء المالية بين الفئات المختلفة من المجتمع، مما يدعم الاستقرار الاجتماعي ويسهم في تحسين بيئة الأعمال، كذلك يعمل على تحقيق التوازن بين الاستقرار المالي للدولة دون الإضرار بالأعمال التجارية. وأيضًا، يقلل من الفساد ويزيد من الثقة بين المستثمرين، ويجعل من السهل التخطيط المالي والتجاري، مما يزيد من جاذبية الدولة للاستثمار. لما له من دور رئيس في تعزيز بيئة الأعمال وتحفيز الاستثمار المباشر، فدائما ما تكون الأنظمة التي تقدم نظام ضريبي مرن أكثر جاذبية للمستثمرين المحليين والأجانب، وبالتالي فهي تعمل على دعم النمو الاقتصادي من خلال خلق بيئة تنافسية تجذب الاستثمارات الجديدة، وتشجع الشركات على توسيع نشاطاتها، مما يساهم في زيادة الإنتاج وخلق فرص عمل جديدة.

وتختلف وتتطور هياكل النظم الضريبية للدول حول العالم بناءً على الهيكل والبيئة الاقتصادية، ودائما ما تدخل الحكومات تعديلات مستمرة على الهيكل الضريبي بما يحقق مصالحها الاقتصادية، فبعض الدول تقدم حوافز ضريبية لقطاعات معينة كالتكنولوجيا والطاقة المتجددة، أو تقديم تخفيضات ضريبية على الاستثمارات طويلة الأجل، أو في مناطق استراتيجية وصناعية معينة، أو للشركات التي تتبنى ممارسات صديقة للبيئة. أو منح الشركات الصغيرة والمتوسطة مزيد من الإعفاءات الضريبية إذا قاموا بتوظيف عمال جدد، أو التي تشجع عمليات الابتكار والتطوير.

وعلى مر العقود، قدمت الحكومات المصرية المتعاقبة العديد من الضمانات الضخمة والحوافز الضريبية للمستثمرين المصريين والأجانب، كتخصيص أراضٍ لخدمة المشروعات الاستثمارية الكبرى، ومنح إعفاءات ضريبية وجمركية وحرية تحويل الأرباح دون قيد أو شرط للمستثمرين الأجانب، خاصة في المناطق الصناعية والمناطق الاقتصادية الخاصة مما يساهم في التنمية الإقليمية.

لكن على الرغم من التسهيلات الضريبية التي قدمت خلال عقود إلا إنه كان يعاني من بعض مواطن القصور، فبعض الإجراءات لا تزال معقدة، مما يشكل عبئًا على الشركات، خاصة الصغيرة والمتوسطة منها، في فهم وتطبيق القوانين الضريبية، وهو ما يدفع البعض منهم للتهرب الضريبي مما يؤدي إلى فقدان الإيرادات الحكومية ويضع عبئًا إضافيًا على الشركات الملتزمة بالقوانين. على الجانب الأخر، تشعر بعض القطاعات الصغيرة والمتناهية الصغر بأن الأعباء الضريبية ثقيلة نسبيًا، مما قد يؤثر على قدرتها على التوسع وزيادة استثماراتها. كذلك كان هناك العديد من الشكاوى بشأن ما يقال عنه “سوء تطبيق الضرائب”، أو “التقدير الجزافي”، إضافة لما قيل عن وجود مُتأخرات مُتراكمة.

وخلال السنوات القليلة الماضية عملت الحكومة المصرية على تحسين وتيسير النظام الضريبي على المستثمرين من خلال تطبيق نظام الفاتورة الإلكترونية والتوجه نحو التحول الرقمي في التحصيل الضريبي، وتحقيق مزيد من الشفافية، وتقليل مخاطر الازدواج الضريبي مما يجعل بيئة الاستثمار أكثر جاذبية للمستثمرين الأجانب، ويعمل على توسيع القاعدة الضريبية، من خلال تقديم خدمة عادلة ومتميزة للمستثمرين والممولين، وهو ما ساهم في زيادة الحصيلة الضريبية من 305.96 مليار جنيه (فعلي) عام 2014/2015 إلى 1529.9 مليار جنيه (موازنة) عام 2023/2024.

مزيد من التسهيلات

وإيمانا من الدولة بأهمية وجود نظام ضريبي مرن جاذب للاستثمار، وتحقيق تحسن ملموس يشعر به مجتمع الأعمال فى جودة الخدمات الضريبية المقدمة أقرت الحكومة اليوم 11 سبتمبر 2024، حزمة التسهيلات الضريبية، بما تتضمنه من محفزات لمجتمع الأعمال، وصفها السيد/ أحمد كجوك، وزير المالية، خلال مؤتمر صحفي عُقد اليوم، بحضور الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، بأنها «الانطلاقة الأولى» فى مسار ضبط وتحسين العلاقة بين المستثمرين ومصلحة الضرائب. لتكون بمثابة صفحة جديدة ترتكز على «الشراكة والمساندة واليقين». وذلك ضمن أولويات السياسات المالية للحكومة بما في ذلك الإسهام في تذليل العقبات الضريبية أمام الأنشطة الاقتصادية وجهود رفع معدلات الإنتاجية، من أجل تعزيز بنية الاقتصاد الكلي، وتحسين هيكل النمو ليعتمد بشكل أكبر على الإنتاج والتصدير.

ولفت الوزير، إلى أنه سيكون هناك نظام ضريبي مبسط ومتكامل لمن لا يتجاوز حجم أعماله السنوى ١٥ مليون جنيه من المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، وريادة الأعمال و«الفرى لانسرز» والمهنيين أيضًا، مع تحفيز دمج مشروعات الاقتصاد غير الرسمي فى الاقتصاد الرسمي من خلال حزمة من التسهيلات، ولن ننظر للماضي بل للمستقبل، وسيتم السماح للممولين بتقديم أو تعديل الإقرارات الضريبية عن الفترات من ٢٠٢١/ ٢٠٢٣ دون غرامات.

كذلك سيتم تبسيط الإقرارات الضريبية، والتوسع في نظام الفحص بالعينة ليشمل كل المراكز الضريبية، والاعتماد في الفحص الضريبي على العمل بنظام إدارة المخاطر لكل الممولين بجميع المأموريات والمناطق؛ للتيسير على المجتمع الضريبي، لافتًا إلى أن مقابل التأخير كان يصل إلى أضعاف قيمة أصل الضريبة، وتم وضع حد أقصى لا يتجاوز بأي حال أصل الضريبة، وسنعمل على سرعة الانتهاء من المنازعات والملفات الضريبية المتراكمة لدفع حركة النشاط الاقتصادي، ورفع حد الإعفاء من «تقديم دراسة تسعير المعاملات» للشركات الدولية إلى ٣٠ مليون جنيه.

وسيتم إقرار «آلية تسوية» مركزية جديدة للمستثمرين، وتبسيط نظام رد ضريبة القيمة المضافة؛ بما يؤكد الحرص على تخفيف الأعباء عن المستثمرين والتيسير عليهم، ويُسهم في إرساء دعائم بيئة أعمال تنافسية وصديقة للمجتمع الاستثماري، تدفع جهود الدولة الهادفة لتعظيم القدرات الإنتاجية والتصديرية، مشيرًا إلى أن حزمة التسهيلات الضريبية تتضمن أيضًا إقرار مبدأ التدرج فى التعامل القانونى فى حالة عدم تقديم الإقرار الضريبي وربطه بحجم الأعمال السنوى لصالح الممولين. كما أنه فيما يخص حل النزاعات الضريبية، سيتم تحديد سنة مُعينة، وأخذ رقم مقطوع عن التعاملات قبل هذه السنة، لإغلاق الملفات القديمة وفتح صفحة جديدة مع مجتمع الأعمال.

على صعيد أخر، تم التأكيد على رفع كفاءة العاملين بمصلحة الضرائب المصرية وتحسين أوضاعهم بشكل يتناسب مع الأعباء والمسئوليات المطلوبة منهم، كذلك سيتم وضع نظامًا عصريًا ومتكاملًا لتقييم العاملين وفقًا لمعدلات الأداء وجودة الخدمات المقدمة للممولين، وتوحيد المعاملة بين كل المأموريات الضريبية لمنع أية اختلالات في المُعاملة الضريبية بين مكان وآخر.

أخيرًا، فالأنظمة الضريبية تختلف بين الدول بناءً على الأولويات الاقتصادية والاجتماعية، وخلال الآونة الأخيرة دأبت الحكومة المصرية على تقديم إعفاءات وحوافز ضريبية لجذب الاستثمارات في مناطق وقطاعات معينة؛ فالنظام الضريبي أداة حيوية في تحسين بيئة الأعمال وجذب الاستثمارات، ولكن يجب أن يكون النظام مصممًا بشكل يعزز من التنافسية، يحفز الاستثمار، ويضمن العدالة المالية.

هبة زين

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى