أفريقيا

هل تنتقل اضطرابات إثيوبيا إلى السودان؟

أغلقت السلطات السودانية المعبر الحدودي “القلابات” أمام إثيوبيا؛ تخوفًا من انتقال الاضطرابات بين الجيش الإثيوبي وجماعة “الفانو” الأمهرية إلى ولاية القضارف السودانية التي شهدت صراعًا حدوديًا بين إثيوبيا والسودان، في صراع يتزايد مع اقتراب موسم الحصاد، حتى استطاعت السلطات السودانية استعادة السيطرة على أراضيها في منطقة الفشقة السودانية بولاية القضارف. فما أسباب الصراع مع الحليف السابق للحكومة الإثيوبية، وهل يمكن أن ينتقل إلى السودان مرة أخرى؟

أسباب الصراع:

يمكننا التفرقة بين الصراعات الداخلية في إثيوبيا من ناحية وعلى مستوى الصراع الحدودي مع السودان من ناحية أخرى، على النحو التالي:

  • الصراع الداخلي في إثيوبيا:

كانت قوات الأمهرة الإثيوبية المعروفة بجماعة “الفانو”، وهي جماعة مسلحة تابعة لإقليم الأمهرة ثاني أكبر قومية في إثيوبيا، داعمة لحرب رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد ضد التيجراي، في ظل محاولته استمالة القوميات الإثيوبية تحت مظلة حزب “الازدهار الموحد” برئاسته؛ لضمان استمراره في السلطة. ومع توقيع اتفاق بريتوريا للسلام في نوفمبر ٢٠٢٢ بين قوات التيجراي والسلطات الإثيوبية بعد حرب استمرت عامين، أثار التحالف الجديد مخاوف قوات الأمهرة وإريتريا؛ باعتبارهم العدو الأول لجبهة تحرير التيجراي في ظل الصراع على الحدود مع إقليم التيجراي.

أثار اتفاق بريتوريا مخاوف قومية الأمهرة من التنازل عن الأراضي التي سيطرت عليها أثناء الحرب على التيجراي، والتخوف من  موقف أديس أبابا من تسليم غرب وجنوب إقليم تيجراي إلى سلطات الإقليم تنفيذا لاتفاق بريتوريا. وزاد من حدة هذه المخاوف قرار رئيس الوزراء آبي أحمد بتوحيد ودمج الفصائل العسكرية المسلحة التابعة للأقاليم والقوميات المختلفة ونزع سلاحها، في أبريل ٢٠٢٣، وهو القرار الذي أثار مظاهرات حادة داخل الإقليم الذي ينظر للميلشيات المسلحة بأنها الضامن لحدود الإقليم والحفاظ على هويته ومكاسبه.

وبالتالي فإن الحديث عن تنفيذ الدستور بوجود قوات شرطية تابعة للقوميات المختلفة دون تدخل ميلشياوي يحافظ على الأراضي التي تعتبرها الأمهرة ذات أحقية تاريخية فيها زادت من حدة الخلاف والتحول من حليف لآبي أحمد إلى عدو أولي بجانب الأورومو القومية الأكبر في إثيوبيا. ولم تعد الحدود بين الأمهرة والتيجراي محل الخلاف الوحيد، بل امتد لنظرة الأمهرة للأراضي السودانية على الحدود مع إثيوبيا والتي استعاد السودان السيطرة عليها أثناء حرب التيجراي.

  • الحدود السودانية الإثيوبية:

يتزايد الخلاف الحدودي بين السودان وإثيوبيا في مواسم الحصاد؛ حيث تحاول جماعة الشفتة الأمهرية السيطرة على الأراضي الزراعية السودانية في أكتوبر من كل عام، نتيجة وجود مزارعين أمهريين يسيطرون على الأراضي السودانية في ولاية القضارف في إقليمي الفشقة الكبرى والصغرى، والتي يفصلها عن الحدود الإثيوبية معبر القلابات.

وقد حكمت القوات السودانية سيطرتها على الأراضي السودانية بعد سلسلة الهجمات التي قامت بها جماعات الشفتة المدعومة من الحكومة الإثيوبية ضد الجنود السودانيين، في خطوة اعتبرتها إثيوبيا أنها استغلال من القوات السودانية لانشغالها في حربها ضد التيجراي، بينما كانت محاولات السلطات الإثيوبية هي مجرد محاولات لإرضاء قومية الأمهرة التي وقفت بجانب القوات الإثيوبية في حربها ضد التيجراي.

وأدى استمرار الخلاف بين ميلشيات “الفانو” المسلحة والقوات الإثيوبية وعمليات الكر والفر المستمرة لتوسع الأمهرة في السيطرة على أراضي الإقليم وصولًا إلى المنطقة الحدودية مع السودان، مما اضطر أعضاء الجيش الإثيوبي إلى الفرار إلى السودان بعد تسليمهم أسلحتهم.

مآلات الصراع:

في ظل الصراع المتشابك في إثيوبيا، من ناحية النزاع المتشابك بين الأمهرة والأقاليم المجاورة بجانب السلطة المركزية، بجانب الخلاف مع التيجراي، وكذلك الخلاف التاريخي المتجدد مع قومية الأورومو، القومية الأكبر في إثيوبيا وينتمي لها رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد؛ تتجدد الاشتباكات بسبب الخلافات العرقية وانتشار الجفاف، وبالتالي يغلب على هذا الصراع شكل الصراع على الموارد، بالإضافة إلى رغبة قومية الأمهرة في التوسع لزيادة موارد الإقليم، وهو ما دفعها إلى التوسع للسيطرة على الحدود الإثيوبية السودانية من جهة السودان.

وتمثل جماعة “الفانو” المسلحة مجموعات مختلفة أيديولوجيًا ولكن استطاعت حرب التيجراي أن تحولهم من مجموعات دعوية لمجموعات مسلحة واسعة، تقوم بنشاطات غير مركزية، موزعة على إقليم الأمهرة دون هيكل تنظيمي واضح. وهي تعمل بشكل مستقل، حيث ينشط “الفانو” بشكل أكبر في: شوا، وغوندر، وغوجام، وولو.

ومن أهم هذه المجموعات “الجبهة الشعبية للأمهرة” المدعومة من الشتات الأمهري بالخارج، و”القوة الشعبية للأمهرة” وهي الجماعة التي وقفت أمام الحكومة المركزية واستطاعت أن تسيطر على عاصمة الإقليم “بحر دار”، بجانب جماعة “فانو شرق أمهرة” التي عملت مع الجيش الإثيوبي في حربه ضد التيجراي.

وتنظر الحكومة الإثيوبية لولاية القضارف بأنها “نطاق الحماية” لسد النهضة لعدم انتقال الحرب في السودان إلى إثيوبيا، في ظل تغير شكل تحالف آبي أحمد من دعم قوات الدعم السريع داخل السودان إلى محاولة لقاء رئيس الجيش السوداني ومجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان نتيجة سيطرة الجيش السوداني على المناطق الشرقية في البلاد، وفي محاولة لإعادة شكل المكاسب التي يمكن أن يحصل عليها.

غير أن محاولة الجيش الإثيوبي الفرار إلى السودان هربًا من قوات “الفانو” الأمهرية قد تضعنا أمام عدة تفسيرات:

● يحاول الجيش الإثيوبي الذي دعم هجمات الشفتة السابقة ضد المزارعين السودانيين في ولاية القضارف أن يعطي مساحة تعويضية للأراضي التي خسرتها الأمهرة في اتفاق السلام لإيقاف الهجمات الممتدة والاضطرابات ضد الحكومة المركزية الإثيوبية، إلا أنه لن يتدخل لفتح جبهة جديدة وفي نفس الوقت ترك لهم مساحة من الأرض واسعة للتعامل العسكري البري، مع اقتراب موسم الحصاد.

● نظرًا للطبيعة غير المركزية لجماعات “الفانو”، فإنه من المحتمل أن يقوم عدد من الجماعات المسلحة بتوزيع جبهات النزاع المختلفة ما بين الحفاظ على أراضي الإقليم التي تم السيطرة عليها في الشرق مع التيجراي، في ظل التعاون مع إريتريا العدو الأول للتيجراي التي تدعم المعارضة في إريتريا، بجانب رغبة الأمهرة في التوسع لضم أراضي سودانية فقدت القومية السيطرة عليها بسبب حرب التيجراي، بجانب الصراع التاريخي والعرقي مع جماعة الأوروميا.

● محاولة آبي أحمد خلق صراعات وجبهات خارجية في محاولة لإعادة التفاف شعبي حوله، نتيجة إعلاء مفهوم القومية الإثيوبية، وخلق عدو خارجي جديد، يتمثل في مطالبته للشعوب الإثيوبية للتحالف من أجل مواجهة العدو الخارجي، وهو ما حدث في التعامل مع قضية أرض الصومال، ومحاولة خلق عدو خارجي لجذب التعاطف الشعبي الداخلي، وربما سيمتد ليشمل الجبهة الشمالية مع السودان، وإبراز صورة أن الدولة الإثيوبية تحاول أن تقاوم التهديدات الخارجية التي تهدد أمنها القومي ومشروعاتها القومية.

وهو ما يضعنا أمام صعوبة أن يقوم الجيش الإثيوبي أو جماعة “الفانو”، بفتح جبهات جديدة، وربما ستقتصر الاضطرابات على عمليات الكر والفر بين الطرفين على الحدود السودانية، في ظل وجود قوات الجيش السوداني على الحدود، والتي لن تتنازل على أراضي قد فرضت سيطرتها عليها في ظل إعادة تمركز الحكومة في بورتسودان شرق البلاد، وفي ظل إصرار المجلس السيادي على شرعنة وجوده الدولي من خلال التأكيد على كونه ممثل الدولة السودانية على منصات القمم الدولية وأخرها القمة الصينية الأفريقية، مقابل تخوف حكومة آبي أحمد من فتح صراعات جديدة قد تظهرها للمجتمع الدولي بأنها قوى مهددة ومزعزعة للاستقرار في القرن الأفريقي الذي يمثل الركن الأكبر لمصالح القوى الكبرى، سواء لموقعه الجيوسياسي وتمركزه على البحر الأحمر الممر العالمي الدولي، أو لدوره الاقتصادي في شبكة التعاون الدولي، وهو ما دفع إثيوبيا إلى محاولة لملمة الصراع أيضًا مع الصومال حول اتفاق ميناء أرض الصومال، وإدخال جيبوتي كطرف ثالث باتفاق تعاون قديم جديد مع إثيوبيا.

رحمة حسن

باحثة بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى