7 ولايات متأرجحة ترسم مسار الفوز بالبيت الأبيض
تشهد الولايات المتحدة الأمريكية أجواء انتخابات تنافسية تزداد حدتها كلما اقترب موعدها المقرر في 5 نوفمبر المقبل، وتشكل عدد من الولايات المتأرجحة أهمية حاسمة في ترجيح كفة مرشح دون الآخر للفوز بالبيت الأبيض، لذا يكثف المرشحون زياراتهم لها، مع زيادة الإنفاق على الدعاية الانتخابية بها، بجانب التركيز على تناول القضايا البارزة التي تهم الناخبين بتلك الولايات المتأرجحة لجذب تأييدهم للفوز بالانتخابات، مما يدفع للتساؤل بشأن ماهية هذه الولايات المتأرجحة، وتأثيرها على تعزيز حظوظ مرشح دون الآخر للحصول على الـ 270 صوتًا انتخابيًا بالمجمع الانتخابي للفوز بالبيت الأبيض؟ وما دور المجمع الانتخابي في انتخاب الرئيس الأمريكي؟ وأبرز التوقعات واستطلاعات الرأي بشأن مسار الانتخابات، وحظوظ كل من الرئيس السابق والمرشح الجمهوري دونالد ترامب، ومنافسته نائبة الرئيس والمرشحة الديمقراطية كامالا هاريس.
ما هو المجمع الانتخابي وعتبة الـ 270 صوتًا؟
لا يستند نظام المجمع الانتخابي بالولايات المتحدة الأمريكية إلى أصوات أغلبية التصويت الشعبي في مجمل البلاد، إذ لا يُنتخب الرئيس الأمريكي بالاقتراع الشعبي المباشر في عموم البلاد، بل يفوز المرشح الذي يحصل على أغلبية المجمع الانتخابي، وعادةً تمنح جميع الولايات باستثناء ولايتي ماين ونبراسكا جميع أصوات المجمع الانتخابي للفائز بالتصويت الشعبي بها.
ويتكون المجمع الانتخابي من 538 صوتًا، ويجب على المرشح الوصول إلى عتبة الـ270 صوتًا منهم على الأقل للفوز بالانتخابات، أي نسبة “50% + 1″، ويُحسب فوز كل مرشح في كل ولاية على حدة، إذ تشبه الانتخابات الرئاسية الأمريكية سلسلة من انتخابات منفردة لكل ولاية، لذا يسعى كل مرشح للفوز بكل ولاية كلًا على حدة، بمعنى أن الفائز بالأكثرية ولو بنسبة بسيطة في الأصوات الشعبية في ولاية ما “50% + صوت واحد”، يحصل على كل أصوات المجمع الانتخابي في هذه الولاية. أي، “الفائز يحصل على كل شيء، ولا يحصل الثاني على شيء”.
وتمثل كل ولاية في المجمع الانتخابي بعدد الأعضاء الذين تنتخبهم في مجلس النواب، والذي يحدد عددهم وفقًا لنسبة عدد سكانها، والذي يبلغ تقريبًا نحو 650 ألف نسمة للمقعد الواحد، هذا بجانب المقعدين المخصصين لكل ولاية في مجلس الشيوخ، لذا كل ولاية على الأقل لديها ثلاثة أصوات في المجمع الانتخابي، فمثلًا ولاية كاليفورنيا، وهي الولاية الأكثر اكتظاظًا بالسكان، لديها 54 صوتًا انتخابيًا في المجمع الانتخابي، “عضوين بمجلس الشيوخ، و52 نائبًا”، أما الولايات الأقل كثافة سكانية، ومقاطعة كولومبيا فلديها كل منها 3 أصوات انتخابية فقط. فيما تُقسم الأصوات في ولايتي مين ونبراسكا بشكل آخر.
كما سبق التوضيح، تُمنح الأصوات الانتخابية للولاية عادةً للفائز بالتصويت الشعبي بها، وذلك في جميع ولايات أمريكا، فيما عدا ولايتي نبراسكا، ومين، ولاية مين منذ عام 1972، وولاية نبراسكا منذ عام 1992، تعتمدان في توزيع أصوات الناخبين على “تقسيم الأصوات”، فلدي نبراسكا خمسة ناخبين، اثنان يمثلان مجلس الشيوخ، وثلاثة يمثلان مجلس النواب، ولدي مين نحو أربعة ناخبين، وهنا لم تكتفِ هاتين الولايتين بتقسيم أصوات الناخبين على أساس فرز الأصوات الشعبية على مستوى الولاية، بل تضيفان إليها نتائج الاقتراع الشعبي في دوائر الكونجرس الفردية أيضًا، وهنا أي مرشح يحصل على أغلبية الأصوات داخل ولايتي نبراسكا ومين، يفوز تلقائيًا بصوتين، من أصوات الخمسة في نبراسكا، والأربعة في ولاية مين، وبعدها تُقسم أصوات الناخبين المتبقية على المرشح الفائز بالاقتراع الشعبي في الدوائر الفردية. فمثلًا في انتخابات عام 2016، نجح الرئيس ترامب في تقسيم أصوات ولاية مين؛ إذ فاز بأغلبية أصوات الدائرة الثانية للكونجرس، في حين بقي لهيلاري كلينتون صوتان على مستوى الولاية وصوت واحد عن الدائرة الأولى للكونجرس.
توقعات التصويت خلال شهر أغسطس
وفقًا لمشروع “538” التابع لوكالة “ABC” للأنباء، والذي تعتمد تقديراته لمحاكاة الانتخابات الرئاسية لعام 2024 على استطلاعات الرأي والحملات الانتخابية والبيانات الاقتصادية والديموغرافية لتوقع نتائج الانتخابات، يشير إلى احتمالية فوز هاريس أكثر من ترامب، حيث يتوقع نسب فوز هاريس في المجمع الانتخابي بنحو 59%، مقابل فوز ترامب بنحو 41%.
كما يوضح أن توقعات فوز ترامب وهاريس في المجمع الانتخابي، تغيرت خلال شهر أغسطس، لتتحول من الأفضلية لترامب على هاريس في بداية أغسطس إلى الأفضلية لهاريس على ترامب بنهاية نفس الشهر، ففي الأول من أغسطس كانت توقعات فوز ترامب بنحو 275 صوتًا انتخابيًا، مقابل 263 صوتًا لهاريس، ثم بدأ منحنى صعود ترامب بالهبوط ليصل يوم 7 أغسطس إلى 270 صوتًا مقابل 268 لهاريس، لينعكس الوضع بتصاعد توقعات فرص فوز هاريس لتصل إلى نحو 287 صوتًا مقابل حصول ترامب على 251 صوتًا يوم 29 أغسطس.
كما يوضح نموذج “538”، تصاعدت حظوظ هاريس في مقابل انخفاض حظوظ ترامب بالفوز بالتصويت الشعبي خلال شهر أغسطس، حيث توقع فوز هاريس بالتصويت الشعبي بنسبة 51.9%، في مقابل توقعات بحصول ترامب على 48.1%. كما أظهر استطلاع للرأي لشركة “مورنينج كونسولت” – والذي يعد الأكبر، إذ ضم نحو 8 آلاف ناخب محتمل -، زادت نسبة تأييد هاريس لنحو 48% من الناخبين، مقابل حصول ترامب على 44.
وهو ما يعكس مدى احتدام المنافسة بين هاريس وترامب، نظرًا لأن استطلاعات الرأي تعكس أن هامش الفارق بين المرشحين ضئيل للغاية، لذا قد تأتي النتائج الفعلية للانتخابات مختلفة عن هذه التوقعات، كما تظل نسبة الفارق البسيطة مؤرقة للحملات الانتخابية، لاسيما الديمقراطيين، حيث تهدف استراتيجيتهم بالفوز بالانتخابات بفارق واضح سواء في أصوات المجمع الانتخابي أو التصويت الشعبي، منعًا لترويج ترامب لأي أمر يتعلق بعدم نزاهة الانتخابات، على غرار ما حدث في انتخابات عام 2020، ونظرًا لكل ما سبق، يسعى المرشحون المتنافسون لتركيز حملاتهم الانتخابية على الولايات التي لا يضمنون فوزهم بها، والتي تسمى بالولايات المتأرجحة.
ما هي الولايات المتأرجحة وكيف تؤثر في نتيجة الانتخابات الأمريكية؟
تتسم أغلب الولايات الأمريكية بصبغة حزبية محددة، ونظرًا لأن الساحة السياسية الأمريكية يسيطر عليها الحزبان السياسيان الرئيسيان “الجمهوري والديمقراطي”، فتوجد ولايات يطلق عليها الولايات الحمراء؛ وذلك لتأييدها “للحزب الجمهوري”، وأخرى زرقاء؛ لتأييدها “للحزب الديمقراطي”، مما يجعل حصول المرشح على أصوات المجمع الانتخابي بتلك الولايات أمرًا مضمونًا، لذا يعول كل مرشح “جمهوري أو ديمقراطي” على عدد من الولايات التي يضمن الفوز بها، والحصول على أصوات المجمع الانتخابي بتلك الولايات.
بينما يوجد عدد محدود من الولايات تتأرجح مثل البندول فمرة تؤيد الحزب الديمقراطي، ومرة تؤيد الحزب الجمهوري، لذا يطلق عليها “الولايات المتأرجحة” أو ولايات “ساحة المعركة”، أو “الولايات الحاسمة”، وعادة ما يرمز لها باللون البنفسجي “الأرجواني”، لتأرجح أصواتها بين الحزبين في كل دورة انتخابية، لذا تحظى هذه الولايات بأهمية خاصة في أي انتخابات رئاسية، لما لها من تأثير حاسم على النتيجة النهائية للسباق الانتخابي.
ووفقًا لديفيد واسرمان – محلل في مؤسسة كوك بوليتيكال ريبورت غير الحزبية- “تتغير الولايات المتأرجحة مع مرور الوقت”. فمثلًا خرجت ولايات “فلوريدا وأوهايو وأيوا” من مرحلة التأرجح لتنضم إلى صفوف الجمهوريين، كما يرى أن “ولاية نيو هامبشاير” ربما تكون قد خرجت من ساحة التأرجح لتنضم إلى الولايات ذات الميول الديمقراطية، وبالتالي فإن عدد الولايات المتأرجحة لهذا العام يرجح أن يكون أصغر، وتشمل “أريزونا، وجورجيا، وميشيغان وبنسلفانيا وويسكونسن”. فيما يرى ديفيد شولتز، أستاذ العلوم السياسية في جامعة هاملين، “أن ما يحدث في هذه الولايات الخمس سيؤثر على نتائج الانتخابات”، ويرى عدد من المراقبين أن كلًا من “نيفادا ونورث كارولاينا ومينيسوتا” قد تكون أيضًا ولايات متأرجحة في هذه الانتخابات.
وهناك مقاطعات بعينها بداخل الولايات المتأرجحة قد ترجح كفة الفائز؛ إذ يشير ديفيد شولتز، لنظريته “5-5-5-270” من بين الأمة بأكملها، لتوضيح تأثير الولايات المتأرجحة على فوز مرشح دون آخر، حيث يرى أن الولايات المتأرجحة ليست هي المهمة بأكملها، بل توجد بداخلها مقاطعات معينة يمكن أن تحدد الفائز بجميع أصوات الولاية، أي نسبة ضئيلة بنحو 5% من أصوات 5 مقاطعات بـ 5 ولايات متأرجحة، قد تكون حاسمة لوصول مرشح ما إلى 270 صوتًا على الأقل بالمجمع الانتخابي والفوز، مما يوضح أهمية الولايات المتأرجحة، ومراعاة الكتل التصويتية بداخل كل ولاية، لتحقيق الفوز بأصواتها في المجمع الانتخابي.
انسحاب بايدن والتغير في الخريطة الانتخابية
ثمة تغير طرأ على توقعات واتجاهات الولايات المتأرجحة المهمة، وكذلك الفجوة بين أصوات الجنسين، وتوقعات نسب تصويت الشباب، وغيرها، نتيجة انسحاب الرئيس جو بايدن من السباق الانتخابي، وصعود نائبته كامالا هاريس كمرشحة عن الحزب الديمقراطي، وهو الأمر الذي أدى لتغير دينامية الانتخابات الأمريكية بشكل كبير، سواء فيما يتعلق بتوقعات نسب تصويت الولايات المتأرجحة، أو فيما يتعلق بتوقعات إقبال شرائح انتخابية مهمة في الانتخابات مثل الشباب والأمريكيين ذوي الأصول الملونة والنساء.
فوفقًا لـ “CNN”، عكست التوقعات في بداية العام وجود نحو ست ولايات متأرجحة بشكل أساسي، وهي: “أريزونا، جورجيا، ميشيغان، نيفادا، بنسلفانيا، وويسكونسن”، إذ كان عدد من استطلاعات الرأي يشير إلى تفوق ترامب على بايدن في عدد من هذه الولايات، إلا أن صعود هاريس قد أعاد تشكيل الخريطة الانتخابية لعام 2024، فأصبح هناك نحو سبع ولايات متأرجحة متوقعة، بسبب قدرة هاريس على إعادة الزخم للعملية السياسية، وتوحيدها للحزب الديمقراطي سريعًا، واستعادتها لدعم بعض الشرائح الانتخابية الهامة، لاسيما “الناخبين الملونين، والشباب، والنساء”.
فتحولت أربع ولايات من حالة الميل للتصويت للجمهوريين، إلى ساحة منافسة متأرجحة حادة، وهذه الولايات هي: “ميشيغان، وجورجيا ونيفادا ونورث كارولينا”، وتمتلك نحو “53” صوتًا انتخابيًا في المجمع الانتخابي، وبذلك تصنف “CNN” سبع ولايات ومنطقة كونجرس واحدة في نبراسكا، بإجمالي 94 صوتًا انتخابيًا، على أنها متأرجحة، ولعل هذا ما يفسر زخم الزيارات والحملات الانتخابية والإنفاق على الدعاية بتلك الولايات السبع، فعلى مدار أربعة أسابيع بعد انسحاب بايدن، شهدت تلك الولايات السبع إنفاقًا إعلانيًا بإجمالي 240 مليون دولار، مقسمة بشكل متساوٍ بين الديمقراطيين والجمهوريين، وفقًا لـ AdImpact.
وهو ما يفسر أيضًا تحركات هاريس فور إعلانها اختيار نائبها تيم والز لمشاركتها بطاقتها الانتخابية، حيث مضت حملتها الانتخابية في تنفيذ خطة “التأرجح الوطنية”، لتركز خلالها زيارات هاريس ووالز على عدد من الولايات المتأرجحة، بهدف جذب الأصوات المتأرجحة للتصويت لهما في الانتخابات المقبلة، كما جاء اختيار هاريس لتيم والز لمشاركتها بطاقتها الانتخابية، لتعزيز فرصها بالولايات المتأرجحة، إذ تهدف أن يؤثر ذلك على جذب الناخبين في منطقة حزام الصدأ، “وهي المنطقة الواقعة بين الغرب الأوسط والشمال الشرقي، وتشمل المنطقة أجزاء من نيويورك وبنسلفانيا وأوهايو وميشيغان وإنديانا وإلينوي وويسكونسن، وهي ولايات أغلبها متأرجحة.
وفي السياق نفسه، نجد أنه في الوقت الذي يحاول فيه ترامب جاهدًا استعادة دعم ولاية جورجيا التي خسرها بهامش بسيط في انتخابات عام 2020، وأصبحت ساحة رئيسية للتنافس الانتخابي، تركز حملة هاريس على توسيع قاعدة دعمها في هذه الولاية، في يوم 29 أغسطس قامت هاريس ووالز برحلتهما الثانية إلى ولاية جورجيا لمحاولة الحفاظ على أصواتها. فيما سبق هذه الزيارة إعلان بريان كيمب حاكم ولاية جورجيا تأييده ودعمه لترامب، وقال “أنه لا يوجد طريق لترامب للوصول إلى 270 صوتًا بدون جورجيا، وأن الطريق إلى البيت الأبيض سيمر عبر جورجيا”، وذلك برغم التوترات التي شابت علاقته بترامب مؤخرًا.
وعلى الجانب الآخر، نلاحظ أن الحملات الانتخابية لترامب تركز على جذب الناخبين في الولايات المتأرجحة أيضًا، إذ ركز ترامب زياراته على هذه الولايات، كما أنفقت حملته منذ أصبحت هاريس منافسته، وحتى يوم 12 أغسطس، نحو 12 مليون دولار على الإعلانات لعرضها في الولايات المتأرجحة وهي: “أريزونا، وبنسلفانيا، وويسكونسن، ونيفادا، وجورجيا، وميشيغان”، وهو أكبر إنفاق على الإعلانات لحملة ترامب منذ الانتخابات التمهيدية الرئاسية للحزب الجمهوري، وتهدف هذه الحملة للدعاية لترامب، ومهاجمة سجل هاريس، ولا سيما إخفاقها في ملف سياسات الهجرة. وفي السياق نفسه، جاء اختيار ترامب للسيناتور عن ولاية أوهايو جي دي فانس الذي ينحدر من ولايات حزام الصدأ لدعم حظوظه الانتخابية بهذه المنطقة. حيث يصور فانس نفسه مناضلًا من أجل الطبقة العاملة المنسية، لجذب الناخبين من أبناء هذه الطبقة في منطقة حزام الصدأ.
ووسط هذا التنافس الشديد للغاية في الولايات المتأرجحة، بين حملتي المرشحين المتنافسين، أشار مشروع “538” التابع لوكالة “ABC” للأنباء، لتصاعد حظوظ هاريس على ترامب في عدد من الولايات المتأرجحة الهامة، مثل “بنسلفانيا، وميشيغان، وأريزونا، وويسكونسن، ونيفادا”، فيما يشير لتفوق ترامب في ولاية نورث كارولينا، بينما تتساوى فرص كل من هاريس وترامب في ولاية جورجيا، كما يلي:
التغير في الخريطة الانتخابية والمسارات المحتملة للوصول إلى الـ 270
تطرح “CNN” مسارات محتملة لكل من هاريس وترامب للفوز بالانتخابات، إذ ترجح أن ترامب تؤيده بقوة أو تميل له نحو 24 ولاية ومقاطعة كونجرس واحدة في ولاية مين، والتي يبلغ إجمالي أصواتها مجتمعة نحو 219 صوتًا انتخابيًا، أي أقل بـ51 صوتًا من الـ270 صوتًا المطلوبة للفوز، لذا سيكون المسار المحتمل الأكثر مباشرة لترامب للحصول على الـ270 صوتًا انتخابيًا؛ هو الاحتفاظ بجميع الولايات التي فاز بها في عام 2020، وإعادة جورجيا وبنسلفانيا “الولايتان اللتان فاز بهما في عام 2016” إلى تأييده، وكذلك العمل على منع خسارته لأصوات ولاية كارولينا الشمالية، ولعل هذا ما يفسر قيامه برحلته الثانية إلى هناك خلال عدة أسابيع، وزيادة استثماراته في الإعلانات التلفزيونية في ولاية تار هيل.
وعلى الجانب الآخر، تشير إلى تأييد نحو 19 ولاية بالإضافة إلى مقاطعة كولومبيا، لهاريس بقوة أو تميل للتصويت لصالحها، والتي تشكل مجتمعة نحو 225 صوتًا، أي أقل بـ 45 صوتًا من الـ 270 صوتًا المطلوبة للفوز، ونظرًا لأن ولايات حزام الشمس “أريزونا، نيفادا، وجورجيا، ونورث كارولينا” أصبحت ولايات ساحة معركة شديدة التنافسية بعد دخول هاريس السباق الانتخابي، لذا تقترح المسار الصحيح لهاريس للفوز بالانتخابات عبر الحفاظ على أصوات ولايات الجدار الأزرق الثلاث، وهي “بنسلفانيا وميشيغان وويسكونسن”، ومنطقة الكونجرس في أوماها بنبراسكا.
وفي السياق نفسه، تشير صحيفة نيويورك تايمز، إلى أن استطلاعات الرأي تُظهر استعادة هاريس للمنافسة في أربع ولايات من حزام الشمس “أريزونا وجورجيا ونيفادا ونورث كارولينا”، والتي كان ترامب متفوقًا بها قبل انسحاب بايدن. إذ تشير استطلاعات الرأي التي أجرتها صحيفة نيويورك تايمز وكلية سيينا، إلى أن منحنى الصعود في استطلاعات الرأي قبل المناظرة الرئاسية بين ترامب وبايدن كان لصالح ترامب، لكن بعد انسحاب بايدن وترشح هاريس، فإن استطلاعات الرأي عكست صعودًا لهاريس.
حيث أظهرت استطلاعات الرأي خلال شهر مايو تفوق ترامب على بايدن، وخاصة في عدد من الولايات المتأرجحة، إذ حصل ترامب في ولاية بنسلفانيا على نسبة 41% صوتًا مقابل 37% لبايدن، وفي ميشيغان حصل ترامب على 39%، مقابل 42% لبايدن، وفي ويسكونسن كان هناك تقارب بين ترامب وبايدن، حيث حصل على نسبة 40% مقابل 39% لبايدن، فيما عكست استطلاعات الرأي خلال شهر أغسطس تفوق هاريس على ترامب، إذ حصلت هاريس في ولاية بنسلفانيا على نسبة 46% صوتًا مقابل حصول ترامب على نسبة 44%، وفي ميشيغان تتفوق هاريس بنسبة 48% مقابل 43% لترامب، وبنسبة 49% لهاريس مقابل 43% لترامب في ويسكونسن، مما يشير إلى توقعات أنه حتى مع احتمالية خسارة هاريس لجورجيا ونيفادا وأريزونا، فقد تحصل على الـ270 صوتًا انتخابيًا، عبر ولايات الجدار الأزرق.
تأثير المرشح الثالث
يُعد مرشح الحزب الثالث أو المرشح المستقل من أحد العوامل المهمة المؤثرة على حظوظ مرشحي الحزبين الرئيسيين، ففي بعض الولايات المتأرجحة، يمكن أن يكون هناك مرشح مستقل أو مرشح لحزب ثالث قد يقتطع حصة من أصوات الناخبين بعيدًا عن مرشح حزب رئيسي ذا تأثير كبير، فمثلًا ذهبت بعض التوقعات للتأثير السلبي على ترشح المرشح المستقل روبرت كيندي في انتخابات نوفمبر القادم على حظوظ ترامب. وذلك على الرغم من أنه لا يحظى بشعبية كبيرة إلا أن التوقعات ذهبت بأنه سيستقطع من أصوات ترامب لاسيما في الولايات المتأرجحة مما قد يؤثر بالسلب على فرص ترامب.
فيما يرجح البعض الآن أن انسحاب كيندي من الانتخابات، وإعلان تأييده لترامب وكذلك قراره بحذف اسمه من البطاقة الانتخابية في بعض الولايات المتأرجحة، فضلاً عن انضمامه لفريق الانتقال الرئاسي لترامب للمساعدة في اختيار الأشخاص الذين سيديرون الحكومة، قد يدفع بنسبة من مؤيديه للتصويت لترامب، مما يرجح أن يؤثر ذلك على نتائج الانتخابات التي يتوقع أن تُحسم بفارق ضئيل جدًا في الأصوات. ويظهر استطلاع للرأي أجراه موقع السباق للبيت الأبيض “Race to the WH”، أن انسحاب كيندي قد يمنح النصر لترامب في ولايتي كارولينا الشمالية، ونيفادا.
توقعات تصويت كتلة الشباب
يشكل الناخبون الشباب الذين تقل أعمارهم عن 35 عامًا، والذين بلغوا سن التصويت لأول مرة “18 عامًا”، كتلة تصويتيه مهمة في الانتخابات الرئاسة الأمريكية القادمة، حيث يقدرون بنحو 76 مليون نسمة، أي نحو ربع إجمالي سكان الولايات المتحدة الأمريكية، وخلال انتخابات عام 2020، بلغت نسبة تصويت الشباب نحو 17% من إجمالي الأصوات، كما بلغت نسبة مشاركة كتلة الشباب نحو 50%، في زيادة كبيرة عن انتخابات عام 2016 حيث بلغت نسبة مشاركتهم نحو 39% فقط، كما فاز بايدن في انتخابات عام 2020 بالناخبين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18: 29 بهامش 24 نقطة مئوية، بنسبة 59% من الأصوات مقابل 35% لترامب.
مما يوضح أهمية أصوات كتلة الشباب في هذه الانتخابات، لا سيما مع توقعات بأن تزيد نسبة مشاركتهم في هذه الانتخابات عن سابقتها، في ظل وجود اختلاف كبير في توجهات المرشحين المتنافسين، لا سيما تجاه قضايا مهمة مثل “الاقتصاد وحقوق الإجهاض والسياسة الخارجية”، ومن المرجح أن تكون الأكثرية من هؤلاء الشباب من أصول آسيوية أو لاتينية أو سوداء، أكثر من باقي مجموعات الناخبين، كما من المرجح أن يتزايد تأثير مشاركة كتلة الشباب في الولايات المتأرجحة، مثل “بنسلفانيا وأريزونا وميشيغان وجورجيا”، لذا؛ يشكل جذب أصوات هذه الشريحة أمرًا مهمًا للمرشحين المتنافسين في انتخابات شديدة المنافسة كل صوت فيها بفارق كبير.
وفي هذا الإطار، تعمل هاريس جاهدة على جذب الناخبين من مختلف الخلفيات الإثنية والعرقية، لاسيما الناخبين ذوي الأصول الإسبانية واللاتينية والأمريكيين السود، هذا إلى جانب شريحة الشباب والمرأة، مما قد يتيح لها مسارات جديدة للفوز. إذ، يمكن أن يترجم إلى حظوظ أوفر لها، لا سيما في ولايات حزام الشمس مثل “أريزونا وجورجيا ونيفادا ونورث كارولاينا”، والتي يقطنها نسبة عالية من الناخبين السود ومن أصول إسبانية، وهي الفئات التي تُظهر هاريس تحسنًا في أدائها معها باستطلاعات الرأي.
فوفقًا لاستطلاع للرأي أجراه موقع أكسيوس عقب انسحاب بايدن من السباق الانتخابي، حصلت هاريس على دعم نحو 60% من الناخبين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18: 34 عامًا، فيما حصل ترامب على نسبة 40% فقط، ووفقًا لمسح أجرته شبكة “CNBC”، ومؤسسة جينيريشن لاب، نحو 41% من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18: 34 عامًا يرون أن هاريس هي المرشحة الأفضل للاقتصاد، مقابل حصول ترامب على نسبة 40% من المشاركين، مما يعكس تصاعد فرص هاريس بين كتلة تصويت الشباب، ولو بنسبة ضئيلة، والتي قد تشكل نسبة مؤثرة في هذه الانتخابات لترجيح كفة مرشح دون الآخر.
الفجوة في توقعات نسب تصويت الجنسين
تشكل المرأة نحو 53% من سكان أمريكا، أي أنها تمثل شريحة كبيرة من الناخبين، ومؤثرة في هذه الانتخابات، ووفقًا لمتوسط استطلاعات الرأي لـ “CNN” خلال شهر مايو، تقدم ترامب بنحو 14 نقطة بين الرجال، بينما كان هناك تقارب بينه وبين بايدن في نسب تصويت المرأة، حيث حصل ترامب على نحو 47% من أصوات الرجال، و37% من أصوات النساء، فيما حصل بايدن على 33% من أصوات الرجال، و39% من أصوات النساء.
فيما تشير استطلاعات الرأي لشهر أغسطس إلى تقدم هاريس على ترامب بنحو 21 نقطة بين النساء، بينما يتقدم عليها ترامب بنحو 13 نقطة بين الرجال، حيث حصلت هاريس على 39% من أصوات الرجال، و56% من أصوات النساء، مقابل حصول ترامب على 52% من أصوات الرجال، ونحو 35% من أصوات النساء، لذا لا يزال ترامب متفوقًا في التأييد بين الرجال، فيما ارتفع تصويت النساء لها.
ووفقًا لاستطلاع للرأي آخر، نشرته شبكة “CBS” بالأسبوع الثالث من أغسطس، أوضح أن نحو 56% من النساء سيصوتن لهاريس، فيما حصل ترامب على نسبة 44% فقط، بينما أيد نحو 54% من الرجال ترامب، فيما دعم نحو 45% من أصوات الرجال هاريس، كما أظهر استطلاع للرأي أجرته رويترز- إبسوس تقدم هاريس بفارق 13 نقطة على ترامب بين أصوات النساء المنحدرات من أمريكا اللاتينية، حيث حصلت على تأييد 49% من الناخبين، فيما حصل ترامب على 36%.
مما يشير إلى أن “قضية الإجهاض” تشكل عاملاً مهمًا في هذه الانتخابات، وأن مواقف هاريس والديمقراطيين الداعمة لحق الإجهاض وحرية المرأة بالتصرف بجسدها، وكذلك كون هاريس امرأة تنحدر من أصول ملونة جنوب آسيوية يعزز من فرصها في هذه الانتخابات بين شريحة كتلة النساء، مما قد يرجح حدوث فارق في هذا السباق الانتخابي، ومع ذلك من المبكر الحكم الآن بأن خلفية هاريس العرقية وكونها امرأة يمثلان نقطة قوة أم نقطة ضعف لها في هذا السباق الانتخابي، ولعل هذا ما يفسر قيام الرئيس جو بايدن خلال المؤتمر الوطني الديمقراطي بحث المرأة على التصويت بقوة لهاريس، وتوقعه لتأثير قوة المرأة في انتخابات عام 2024.
وعلى الجانب المقابل، نجد أن مواقف ترامب السابقة، وكذلك نائبه فانس الداعية لتقييد حقوق الإجهاض، وكذلك استراتيجية حملة ترامب الانتخابية تجاه انتقاد مظهر وشخصية هاريس تؤثر سلبًا على نسبة تصويت كتلة النساء له في الانتخابات، كما يتوقع أن يحفز كتلة المرأة للتصويت بكثافة لهاريس ما لم يغير ترامب من استراتيجية حملته الانتخابية. ولعل هذا ما يفسر إعلان ترامب أنه لن يوقع قانونًا يفرض حظرًا وطنيًا للإجهاض في أمريكا حال فوزه في الانتخابات، وتعهد بترك قرار تقييد الإجهاض أو عدم تقييده للولايات، ويرى البعض أن تصريحات ترامب تلك هدفت لكسب تأييد الناخبين، وتجنب الجدل بشأن هذه القضية.
وفي السياق نفسه، قد تؤدي المواقف السابقة لترامب وفانس بشأن الحق في الإجهاض، إلى تأييد شريحة المؤيدين للحق في الحياة، وكذلك شريحة المحافظين الذين يؤيدون صدور قرار وطني يحظر حق الإجهاض أو ينظمه، كما قد يؤدي تركيز استراتيجية ترامب على إظهار نفسه بالقائد الصارم والقوي، لجذب أصوات كتلة الرجال أكثر، هذا إلى جانب سعيه لتعزيز فرصه لدى كتلة الناخبين السود لاسيما الرجال، بتركيز حملته الانتخابية على قضايا الاقتصاد والهجرة، وإشارته إلى أن المهاجرين يستولون على “وظائف السود”.
تأثير الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة على تصويت العرب والمسلمين
على الرغم من أن قضايا السياسة الخارجية عادة لا تشكل أولوية لدى الناخب الأمريكي للتصويت لمرشح دون الآخر، إلا أن الدعم الأمريكي غير المحدود لحرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، أظهر انقسامًا داخل صفوف الحزب الديمقراطي، كما أنها أثرت على تفضيلات بعض الناخبين، لاسيما الأمريكيين ذوي الأصول العربية والمسلمين، فعلى سبيل المثال أطلق ناشطون مسلمون حملة “غير ملتزم”، والتي استهدفت في بداية إطلاقها حرمان بايدن قبل انسحابه من الانتخابات، من أصواتهم بسبب دعمه لإسرائيل، وحصلت الحملة في بدايتها على دعم نحو 100 ألف صوت ديمقراطي في ولاية ميشيغان، وخلال المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي تم تجاهل تناول هذه القضية، وفي المقابل تم تنظيم تظاهرات واحتجاجات خارج أسوار المؤتمر تندد بالدعم الأمريكي لإسرائيل وتطالب بإنهاء الحرب على قطاع غزة. وتشير التقديرات لحشد الحركة نحو 750 ألف ناخب للاحتجاج على السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل، أغلبهم يقطنون ولايات حاسمة، ومنها ميشيغان وويسكونسن وبنسلفانيا، بالإضافة إلى أريزونا.
وهو ما يشير إلى احتمال خسارة هاريس لنسبة كبيرة من أصوات الناخبين في ولايات متأرجحة، ولا سيما في ولاية ميشيغان، بالامتناع عن التصويت لها في الانتخابات المقبلة، أو التصويت لمرشح ثالث، وذلك على الرغم من جهود هاريس لمحاولة تجنب هذا الأمر، والذي اتضح في تجنبها اختيار حاكم بنسلفانيا جوش شابيرو، نائبًا لها، واختيارها لحاكم ولاية مينيسونا تيم والز بدلًا منه، في محاولة منها لخطب ود هذه الشريحة الانتخابية، وكذلك كتلة التقدميين بالحزب الديمقراطي، ومؤخرًا في محاولة أخرى من هاريس لكسب تأييد أصوات الأمريكيين ذوي الأصول العربية والمسلمين، عينت هاريس محامية مصرية الأصل، وهي بريندا عبد العال لتعزيز تواصلها مع الناخبين العرب الأمريكيين من ذوي النفوذ في بعض الولايات الحاسمة، كما عينت المحامية الأفغانية نسرين باركزي للتواصل مع الأمريكيين المسلمين.
مما يوضح محاولة هاريس للموازنة في جذب الناخبين، بين كسب تأييد الصوت اليهودي من ناحية، وبين كسب تأييد صوت العرب والمسلمين من ناحية أخرى، حيث تحاول هاريس الموازنة عبر إظهار التعاطف الإنساني مع ضحايا الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وضرورة التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، كما تدعم حق الفلسطينيين في تقرير المصير، وكذلك السلام عبر حل الدولتين، وفي المقابل تؤكد على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها.
وتجدر الإشارة هنا، إلى أن المجتمعات المنحدرة من شمال أفريقيا والشرق الأوسط بأمريكا تُقدر بنحو 3.5 مليون شخص، أي نحو 1% فقط من إجمالي السكان، ووفقًا لمنظمة كير، يوجد نحو 2.5 مليون ناخب مسلم أمريكي مسجل في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما يفوق تقديرات سابقة بلغت 1.2 مليون ناخب فقط. وعلى الرغم من ضآلة نسبتهم، إلا أن طبيعة الانتخابات الأمريكية، كما سبق التوضيح، ونسبة الفارق الضئيلة بين المرشحين في استطلاعات الرأي، تجعل لهذه الشريحة تأثيرًا حاسمًا في بعض الولايات المتأرجحة، لاسيما ولاية ميشيغان، حيث تمثل الأقلية العربية الأمريكية بها نحو 310 آلاف ناخب، أي نحو 5.6% من أصوات الناخبين بهذه الولاية، كما كانت هذه الولاية حاسمة لفوز بايدن في انتخابات عام 2020، إذ فاز بها بهامش بسيط على ترامب، كما أظهر استطلاع للرأي أجرته منظمة كير عام 2020، أن 69% من المسلمين صوتوا لصالح بايدن في الانتخابات الرئاسية السابقة، مما يجعل لمواقف المرشحين تجاه الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة تأثيرًا حاسمًا في هذه الانتخابات.
وعلى الجانب الآخر، نجد أن ترامب يدعم إسرائيل أيضًا، ومن المرجح أن يقدم دعمًا أكبر للحكومة الإسرائيلية من بايدن، كما كانت له مواقف مؤيدة لإسرائيل خلال ولايته، من أبرزها قطع تمويل المساعدات الإنسانية للفلسطينيين، وإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان، هذا بجانب مواقفه المتشددة والقيود التعسفية التي فرضها على الهجرة من البلدان ذات الأغلبية المسلمة.
وبشكل عام يحاول ترامب لأغراض انتخابية، أن يوازن بين كسب دعم اللوبي اليهودي، وبين كسب أصوات المسلمين والعرب، إذ أعلن دعمه لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، ويروج بأنه لو كان موجودًا لما حدثت عملية طوفان الأقصى، وألقى باللوم على رئيس وزراء الكيان المحتل بنيامين نتنياهو لفشله في منع هجوم 7 أكتوبر، كما حاول التأثير على دعم اللوبي اليهودي لهاريس، حيث انتقد عدم اختيارها لحاكم بنسلفانيا شابيرو زاعمًا بأن السبب أنه يهودي، كما كانت له رسالة تحمل مغزى خطير جدًا، إذ قال “أنه فكر مرارًا في دعم توسعة رقعة إسرائيل، وأنه يرى مساحتها صغيرة على الخريطة”، ومن ناحية أخرى ينتقد أسلوب نتنياهو في الحرب على غزة، وما أسفرت عنه من سقوط الآلاف من الشهداء والمصابين، ويدعو لسرعة إنهاء الحرب، كما يروج بأنه حال فوزه سيسعى لوقف الحرب فورًا، والدفع بعملية سلام، إلا أنه شكك في إمكانية تطبيق حل الدولتين في ظل الوضع الراهن.
وفي هذا الإطار، أظهر استطلاع للرأي أصدره مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية أن المرشحين هاريس وترامب لا يحظيان بدعم الناخبين المسلمين الأمريكيين الذين يرفضون حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية على قطاع غزة، وأشار إلى أنهم قد يصوتون لمرشح حزب ثالث أو مستقل، حيث أشار نحو 29% ممن شملهم الاستطلاع أنهم سيصوتون للمرشحة المستقلة جيل شتاين -زعيمة الحزب الأخضر-، فيما حظيت هاريس بنسبة 29% من المشاركين الذين يرون أنها أكثر تعاطفًا مع الفلسطينيين. فيما حظي ترامب بنسبة 11% فقط من الأصوات، واختار 4% المرشح المستقل كورنيل ويست، فيما لم يحسم نحو 16% أمرهم بعد، لذا من المتوقع أن تلقي الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة بظلالها على اتجاهات الناخبين، ونتائج الانتخابات الأمريكية.
خاتمة
مازال سباق الانتخابات الأمريكية متقاربًا للغاية بين المرشحين المتنافسين، وهناك قدر كبير من عدم اليقين بشأن مسار الانتخابات نظرًا لاحتدام التنافس بين المرشحين، فعلى الرغم من الدعم الكبير لهما بين قواعدهما الحزبية، إلا أن استطلاعات الرأي مازالت تشير إلى أن حملتيهما الانتخابيتين لم تحققَا تغييرًا ملموسًا، يتحقق تقدم لأحد المرشحين بشكل حاسم على الآخر في الولايات المتأرجحة، وبين المترددين، والذين سيكون رأيهم حاسمًا في نتائج هذه الانتخابات، كما يتعلق الأمر أيضًا بنسب المشاركة في الانتخابات، والتي سيكون لها أيضًا دور محوري في نتائجها، لاسيما في الولايات المتأرجحة.
لذا من المتوقع أن يشهد الشهرين القادمين حتى يوم 5 نوفمبر القادم، منافسة محتدمة بين هاريس وترامب، فعلى الرغم من تصاعد حظوظ هاريس في أغلب الولايات المتأرجحة، واستمرار تقدم ترامب في قضايا هامة تشكل أولوية للناخب الأمريكي، مثل الاقتصاد والتضخم وتكاليف المعيشة، والهجرة وضبط الحدود، فما زال الفارق بينهما في نتائج أغلب استطلاعات الرأي بنسبة ضئيلة، مع أهمية الأخذ في الاعتبار لعامل نسبة هامش الخطأ في نتائج كل استطلاع، وكذلك حقيقة أن استطلاعات الرأي ما هي إلا توقعات انتخابية لا تعكس بالضرورة من ستؤول له نتائج الانتخابات الفعلية، لكنها تعكس معطيات المشهد الانتخابي الحالي، والذي قد يطرأ عليه تغيرات كثيرة حتى موعد إجراء الانتخابات.
مما يشكل صعوبة في التكهن بالفائز في هذه الانتخابات، وخاصة في الولايات المتأرجحة الحاسمة، فضلًا عما جرت به العادة بأن تُعطي المؤتمرات الوطنية للأحزاب زخمًا جديدًا للحزب ومرشحه، قد تنعكس في استطلاعات الرأي، ثم يتغير الأمر في الأسابيع المقبلة، هذا بجانب أهمية الأخذ في الاعتبار لمستجدات ومجريات العملية الانتخابية خلال الفترة القادمة، لاسيما المناظرة المرتقبة بين هاريس وترامب في سبتمبر المقبل، وطبيعة أداء كل منهما بهذه المناظرة، وتأثيرها على تفضيلات الناخبين لمرشح دون الآخر، وما قد تحمله من تغيير في مسار العملية الانتخابية. لذا يتعيّن على كل مرشح أن يمضي حتى يوم إجراء الانتخابات في تعزيز حظوظه الانتخابية، لا سيما في الولايات المتأرجحة، وجذب كتل وشرائح الناخبين المهمة، وألا يرتكن أي مرشح بثقة مفرطة على نتائج استطلاعات الرأي، لأنها تعكس صورة لحالة محددة خلال وقت محدد، قد تتغير يوم إجراء الانتخابات الفعلية.