أبعاد قرار منع استيراد سيارات ذوي الهمم
أولت الدولة المصرية اهتمامًا كبيرًا ومتناميًا لأصحاب الهمم -خاصة خلال العقد الأخير- لإيمانها الراسخ بأن الأشخاص أصحاب الهمم، بما لديهم من قدرات وإمكانيات، قادرون على المشاركة الفعالة جنبًا إلى جنب مع باقي أفراد المجتمع لتحقيق نهضة المجتمع المرجوة، إذا ما توفرت لهم الأجهزة المساعدة والخدمات التدريبية والتأهيلية الملائمة، والرعائية والفرص المتكافئة. وفي ضوء جهود الدولة للقضاء على أي شكل من أشكال التمييز ومفهوم المساواة بينهم وبين الأسوياء في التمتع بحقهم الطبيعي في حرية الحركة، وتخفيف المعاناة عن كاهلهم، أقرت الدولة منح ذوي الهمم الحق في شراء سيارة مجهزة طبيًا ومعفاة تمامًا من الجمارك، ولا يمكن للمالك بيعها إلا بعد سنوات معينة، إلا أن البعض استغل القرار للتربح والتلاعب في سوق السيارات، لتُنشأ مافيا كبرى للتجارة في سيارات ذوي الهمم، زادت حدتها مع ارتفاع أسعار السيارات في السوق المصري مع ارتفاع معدلات التضخم، وانخفاض سعر صرف الجنيه المصري.
حيثيات القانون
حددت الدولة مجموعة من الخطوات ليتمكن المتقدمون من ذوي الإعاقة من إجراء الكشف الطبي لتسهيل الحصول على سيارة معاقين معفاة من الجمارك، كما دشنت المجالس الطبية المتخصصة موقعًا إلكترونيًا جديدًا، يستقبل طلبات ذوي الإعاقة الراغبين في الحصول على سيارة معاقين، أو سيارة معفاة من الجمارك للتسهيل على ذوي الهمم وتخفيف عناء التقديم اليدوي للطلب. على أن يقوم المتقدم بالطلب من خلال الموقع بتوضيح بياناته الشخصية، وتحديد نوع الإعاقة طبقًا للقانون (حركية – سمعية – بصرية – ذهنية – نفسية – أمراض دم – أمراض قلب)، ومكان الكشف الطبي الأقرب للمتقدم، وبيانات المرافق لذي الإعاقة حال كان المتقدم غير كامل الأهلية بسبب مرض ما، واختيار الجمرك المرغوب الحصول على السيارة منه.
وقد نصت المادة (31) من القانون رقم 10 لسنة 2018 الخاص بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة على أن تُعفى السيارات ووسائل النقل الفردية المعدة لاستخدام الأشخاص ذوي الإعاقة من الضريبة الجمركية أياً كان نوعها وضريبة القيمة المضافة المقررة عليها، على أن يكون الإعفاء للشخص ذي الإعاقة أياً كانت إعاقته سواء كان قاصراً أو بالغاً، وذلك عن سيارة أو وسيلة واحدة كل خمس سنوات.
ولا تجوز قيادة أو استعمال هذه السيارة أو الوسيلة إلا من خلال الشخص ذي الإعاقة إن كانت حالته تسمح بذلك على النحو الذي تحدده الجهة المنوطة بإصدار رخصة القيادة، أو من سائقه الشخصي المؤمن عليه أو من أحد أقاربه من الدرجة الأولى إذا كان قاصرًا أو كانت حالته لا تسمح بقيادة السيارة بنفسه. وتصل الغرامة على مالك السيارة إلى 28 ألف جنيه، والتحفظ على رخصة قيادة السيارة الخاصة بالسائق إذا كان من الأصحاء ومن غير أقارب المعاق الذي يملك السيارة.
ولا يجوز التصرف في هذه السيارة أو الوسيلة خلال خمس سنوات من تاريخ الإفراج الجمركي عنها بأي صورة من صور التصرف سواء تم بتوكيل أو بالبيع الابتدائي أو النهائي أو غيره أو استعمالها في غير الغرض المخصصة له ما لم تدفع عنها الضرائب والرسوم المقررة.
ويجب عدم الجمع بين الإعفاءات المشار إليها وأي إعفاءات مقررة بموجب قوانين أخرى، وعدم قبول تحرير توكيلات لإدارة السيارة أو الوسيلة المرخصة باسم الشخص ذي الإعاقة بالشهر العقاري، ويجب ورود السيارة أو وسيلة النقل الفردية من الخارج مباشرة باسم الشخص ذي الإعاقة، وألا تتجاوز السعة اللترية للسيارة 1600 سي سي، مع تقديم إقرار من طالب الإعفاء يفيد بعدم سابقة تمتعه بإعفاء جمركي عن سيارة أو وسيلة النقل الفردية خلال السنوات الخمس السابقة على طلب الإعفاء.
ولا يحق للمالك التصرف فيها بالبيع أو أي تصرف ناقل للملكية خلال تلك المدة، ويتم الحصول على إعفاء نهائي من الجمارك أو فك حظر بيعها جزئيًا بعد 3 سنوات من تاريخ الإفراج الجمركي، بشرط تسديد مبلغ 10 آلاف جنيه، ويتم إعطاء مالك السيارة الجديد توكيلاً بسير السيارة للبائع لمدة عامين لحين فك الحظر النهائي.
لكن مع تزايد أسعار السيارات بشكل مبالغ فيه خلال الأشهر القليلة الماضية على خلفية أزمة توافر الدولار التي ألمت بالاقتصاد المصري نهاية العام المنصرم، وانخفاض سعر تلك السيارات عن الأسعار السوقية أصبحت مطمعًا للأصحاء والتجار الذين يحاولون امتلاك تلك السيارات، وارتبطت هذه الإعفاءات مؤخرًا بشبهات الفساد والتلاعب في استخدامها من قبل البعض. وتنوعت أشكال الفساد في هذا السياق، لتشمل:
- التلاعب في الوثائق والتقارير الطبية: تُزَوَّر أو تُضخَّم التقارير الطبية أحيانًا لإثبات إعاقة غير حقيقية أو لتصنيف إعاقات بسيطة على أنها إعاقات شديدة، مما يسمح باستيراد السيارات بإعفاءات غير مستحقة.
- استغلال الثغرات القانونية: يقوم بعض المستفيدين ببيع جواب استحقاق السيارة مقابل عشرات الآلاف من الجنيهات، أو بيع السيارة المستوردة المعفاة من الجمارك بسعر أعلى من سعر السوق بعد الحصول عليها، مما يشكل تجارة مربحة تتعارض مع الأهداف الأساسية للإعفاء الجمركي، أو تخزين السيارة في جراجات مدة الحظر المقررة بخمس سنوات ثم إعادة بيعها بفارق أسعار مع تراجع سعر الصرف.
التواطؤ مع المسؤولين: قد يتم التلاعب في الإجراءات الرسمية بالتعاون مع بعض المسؤولين الحكوميين أو الجمركيين بهدف تسهيل الحصول على إعفاءات جمركية بطرق غير قانونية.
فقد تحولت الإعفاءات المقدمة من قبل الدولة لتحسين نوعية الحياة لذوي الهمم وتسهيل عملية دمجهم في المجتمع والتخفيف عنهم وعن ذويهم عناء الحركة إلى مافيا متشابكة الأطراف والمصالح. ووفقًا لتصريحات حكومية فإن أكثر من 70%- 80 % من سيارات ذوي الهمم التي تم استيرادها في آخر ثلاث سنوات لا يستفيد منها المستفيد الأصلي من “ذوي الهمم” ولا يعلمون عنها شيئًا ويتم تداولها في سوق السيارات المصرية للتجارة والتربح، وذلك وفق عينة طالب الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، بإجرائها بواسطة مصلحة الجمارك والجهات المعنية، وهو ما دفع لضرورة التدخل العاجل لتنظيم هذا الأمر.
رقابة صارمة
استمرار عمل شبكة الفساد المتعلقة بسيارات ذوي الهمم يقلل من الفرص المتاحة للأشخاص الذين يستحقون هذه الإعفاءات بالفعل، ويؤدي إلى تقويض الثقة في النظام القانوني والمؤسسات الحكومية، ويؤثر سلبًا على الشفافية والمصداقية، بخلاف تكبيد الدولة خسائر مالية باهظة جراء فقد إيرادات جمركية كانت ستحصل عليها في حال لم يتم منح الإعفاءات بشكل غير قانوني. هذا يعني أن الموارد التي يمكن استخدامها لتحسين الخدمات العامة أو دعم الفئات الأكثر احتياجًا تُفقد بسبب الفساد.
وفي ضوء ذلك، صرح مدبولي خلال مؤتمر صحفي عقب اجتماع الحكومة الأسبوعي، بمقر المجلس في مدينة العلمين الجديدة، الخميس الماضي، بعد رصد مخالفات عديدة في هذا الشأن. فقد تقرر التفتيش على سيارات المعاقين، وتوقيع غرامات مالية على أي شخص يحاول استغلال تلك السيارات بدون وجه حق، بهدف تنظيم وإحكام الرقابة والتأكد من تواجد السيارة بحوزة ذوي الهمم مالك السيارة، وليس منع ذوي الهمم من الحصول على الحق في امتلاك سيارة معفاة من الجمارك.
وفي ضوء ذلك، شكلت وزارة المالية، برئاسة الدكتور أحمد كجوك، لجنة تضم ممثلين عن جهات مختلفة، مثل المالية والتضامن ومصلحة الجمارك والداخلية، تهدف إلى إجراء حصر دقيق ومراجعة موقف ملفات جميع السيارات المفرج عنها لصالح الأشخاص ذوي الإعاقة، في ضوء وجود الكثير من المتلاعبين في سوق السيارات المصرية ممن يستخدمون حق ذوي الهمم في امتلاك سيارة معفاة من الجمارك للتربح منها.
مخاوف المنع
أثارت القرارات الأخيرة مخاوف الكثيرين من ذوي الهمم، بشأن احتمال تأثير القرار على قدرتهم على شراء سيارة معفاة من الجمارك، أو مصير السيارات التي تم تخصيصها خلال العامين الأخيرين. إلا أن التصريحات الحكومية في هذا الشأن كانت واضحة، فقد نفى رئيس الوزراء إلغاء استيراد سيارات ذوي الهمم، مشددًا في الوقت نفسه على وضع ضوابط جديدة للمنظومة، تضمن وصول السيارات إلى مستحقيها.
وأن القرار لا يعني سحب السيارات من ذوي الهمم، بل سيتم فقط تطبيق القانون على المستغلين لهذه السيارات ممن خالفوا الضوابط الموضوعة. وأن التحفظ على أي سيارة مخصصة لذوي الهمم، مع عمليات التفتيش والمتابعة التي ستقوم بها الجهات المختصة، سيكون لثلاثة أسباب:
- فساد الأوراق أي أن المالك باع جواب تخصيص السيارة، وفي حالة ثبوت هذه المخالفة يتم التحفظ على السيارة وتحميل المبالغ المالية المعفاة من الضريبة الجمركية عليها.
- قيادة السيارة من قبل المرافق دون وجود المعاق داخلها وبالتالي يتم سحب رخصة القيادة والتسيير وتوقيع مخالفة على السيارة وفي حال التأكد من أن السيارة بحوزة المالك أي المعاق يتسلمها بعد دفع الغرامة.
- أن استخدام السيارة المعفاة من الجمارك في غير الغرض المخصص لها، أي يؤجرها المستفيد، وبالتالي يتم التحفظ على السيارة وتوقيع غرامة كبرى وفي حال التأكد أنها بحوزة المعاق يتم إعادتها للمالك بعد دفع الغرامة.
فتحركات الدولة والحكومة في هذا الأمر هي في صالح ذوي الهمم لحماية حقهم القانوني في امتلاك سيارة، مع الحفاظ على حقوق الدولة القانونية والمالية. ونجحت اللجان خلال الأيام القليلة الماضية في مصادرة أكثر من 350 سيارة بسبب عدم سلامة المستندات التي تم استيراد سيارات المعاقين بناءً عليها. لذا فمن الضروري لمكافحة الفساد وضمان استخدام الإعفاءات الجمركية بشكل عادل ومنصف، يجب اتخاذ عدد من الإجراءات، أهمها:
- تعزيز الرقابة والإشراف: يجب تعزيز نظم الرقابة والإشراف على عمليات استيراد السيارات المعفاة من الجمارك، مع تطبيق عقوبات صارمة على من يثبت تورطهم في الفساد، خاصة بعد إتمام إجراءات الشحن والترخيص، فأغلب هذه الإجراءات تتم بمعرفة المتورط، لذا قد يكون من الضروري إعادة النظر في القوانين المنظمة للأمر وتغليظ عقوبة المخالفة ضد مستغل السيارة إلى حد الحبس.
- إصلاح الثغرات القانونية والتكنولوجية: من الضروري مراجعة وتحديث القوانين واللوائح المنظمة لعمليات الإعفاء الجمركي لضمان عدم وجود ثغرات يمكن استغلالها. ويقترح تعزيز استخدام التقنيات الحديثة، مثل أنظمة التسجيل الإلكتروني والمراقبة الرقمية، لتقليل الفساد وزيادة الشفافية في عمليات الاستيراد.
التوعية والتثقيف: يتطلب الأمر تعزيز الوعي بين المواطنين حول حقوقهم وواجباتهم، وكذلك التوعية بضرورة الإبلاغ عن أي حالات فساد أو تلاعب. ومن الضروري تعزيز دمج المواطن في عملية اتخاذ القرار الحكومي، وتعزيز مسؤوليته وحرصه على تنفيذ القرارات الحكومية المختلفة.
أخيرًا، تعد الإعفاءات الجمركية على سيارات ذوي الهمم وسيلة ضرورية لتحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية، ولكنها تحتاج إلى إشراف صارم ومراقبة دائمة لضمان عدم استغلالها بطرق غير مشروعة. ومن الضروري أن تتضافر الجهود بين الحكومات والمجتمع المدني لضمان أن تصل هذه الإعفاءات إلى مستحقيها الحقيقيين وألا تصبح بابًا للفساد والتربح غير المشروع. وبهذا الشكل، يمكن تحسين نوعية الحياة لذوي الهمم وتعزيز الثقة في المؤسسات الحكومية والقانونية.