الأكثر قراءةأسواق وقضايا الطاقة

أسعار النفط بين مطرقة العرض وسندان السياسة: تحليل لتأثير التوترات الإقليمية في الشرق الأوسط

أصبحت أسعار النفط الخام العالمية رهينة مخاوف متصاعدة جراء الرد الإيراني (المحتمل) على مقتل إسماعيل هنية، وذلك وسط سيناريوهات مختلفة بشأن مدى تأثير ذلك الرد من قبل طهران على المستويات السعرية للنفط الخام، بالإضافة إلى المخاوف المرتبطة بتداعيات ذلك على حركة النفط الخام من خلال المضائق البحرية في المنطقة وبالأخص مضيق هرمز. حيث تتفاقم وتيرة التوترات الجيوسياسية والمخاطر في منطقة الشرق الأوسط بشكل متسارع، والتي تفتح الباب بدورها أمام سيناريوهات تصعيد عدة. ولكن ما مدى تأثير ذلك على محور إمدادات النفط الخام من المنطقة، وذلك وسط مخاوف من أن تؤدي تلك الأحداث المتتالية إلى زيادة التوترات في منطقة الشرق الأوسط. بما يطرح سؤالًا مهمًا: هل ستنعكس خطوات التصعيد الأخيرة على أسواق النفط العالمية؟

مدخل:

تتأثر حركة أسعار النفط بالأحداث التي لا تتعلق بصورة مباشرة بعمليات العرض، بدءًا من الأحداث الجيوسياسية، مثل الأحداث المناخية الكبرى إلى حالات عدم الاستقرار الإقليمي أو الجيوسياسي. قياسًا على ما حدث في الصدمة النفطية الأولى، والتي أُطلق عليها الحظر النفطي العربي عام 1973، حيث أدت إلى ارتفاع أسعار النفط بشكل كبير بنحو حوالي 230%، بالإضافة إلى قرار منظمة أوبك عام 2017 خفض إنتاجها من أجل الحفاظ على أسعار النفط عالميًا، مما أدى أيضًا إلى ارتفاع أسعار النفط بنسبة بلغت حوالي 7%، وأيضًا انتشار الأوبئة (جائحة كوفيد 19) مثلما حدث في بداية عام 2020، وتأثيرها القوي على انخفاض أسعار النفط عالميًا. جاءت الحرب الروسية الأوكرانية لتُسهم في تعقيد المشهد النفطي العالمي تمامًا، حيث أدت إلى ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات لم تحدث منذ 15 عامًا.

جاءت الحرب على غزة وما صاحبها من توترات في البحر الأحمر وتأثر حركة الملاحة والشحن، لتؤكد المخاوف العالمية من أزمة الطاقة والتخوف من اتساع دائرة الصراع. بالإضافة إلى تفاقم أزمة الوقود عالميًا وتأثر بها العديد من دول العالم، حيث انعكست تبعاتها على الاقتصاد العالمي، وحدوث موجة حادة من التضخم العالمي، وبالتالي ارتفاع تكلفة الاستيراد لمختلف دول العالم..

وعليه، جاءت الحرب على غزة لتُسهم في ضبابية المشهد العالمي لأسواق النفط الخام وحالات التذبذب الحادة في حركة الأسعار (لكنها تراوحت حول مستويات 78-85 دولارًا للبرميل النفطي الواحد).

عمّقت التوترات في منطقة الشرق الأوسط، حيث التصعيد المتواصل بين حماس وإسرائيل منذ السابع من شهر أكتوبر 2023، حالة عدم اليقين المسيطرة على الأسواق، والممتدة منذ ارتدادات وباء كورونا ثم الحرب الروسية الأوكرانية في الرابع والعشرين من شهر فبراير 2022.

أسعار النفط الخام ومنطقة الشرق الأوسط:

اغتيل إسماعيل هنية في العاصمة الإيرانية طهران يوم الأربعاء الماضي 31 يوليو، بعد أقل من 24 ساعة من مقتل أكبر قائد عسكري بجماعة حزب الله اللبنانية في ضربة إسرائيلية على العاصمة بيروت. وعليه تثير عمليتا القتل مخاوف من تحول الحرب على غزة الدائرة منذ أكتوبر 2023 إلى حرب أوسع نطاقًا في الشرق الأوسط، وهو ما من شأنه تعطيل إمدادات النفط من المنطقة. حيث يُمثل الشرق الأوسط ثلث إنتاج النفط العالمي (ما يعادل حوالي 30 مليون برميل يوميًا) وحوالي 19% من إنتاج الغاز الطبيعي في العالم، وتمر نحو 22% من صادرات الغاز المسال عبر مضيق هرمز وثلث صادرات النفط الخام العالمية، وحوالي 12% من تدفقات النفط المنقولة بحرًا من خلال البحر الأحمر (8 مليون و800 ألف برميل من النفط الخام والمنتجات البترولية).

وعليه، ارتفعت أسعار النفط في التعاملات الآسيوية المبكرة، الخميس 1 أغسطس، لتواصل مكاسبها الكبيرة من الجلسة السابقة بعد مقتل إسماعيل هنية في إيران، مما أثار خطر اتساع رقعة الصراع في الشرق الأوسط، وعلى خلفية مؤشرات على طلب قوي على النفط في الولايات المتحدة الأمريكية.

تشهد أسواق النفط العالمية حالة من عدم الاستقرار منذ بداية العام الحالي، وجاءت التطورات الأخيرة في غزة لتعكس مسارًا جديدًا في أسعار النفط والمشهد النفطي العالمي، إذ تشهد أسعار النفط الخام صعودًا وهبوطًا (حالات عدم استقرار). ارتفعت العقود الآجلة لخام برنت 67 سنتًا بما يعادل نحو 0.84% إلى 80.90 دولارًا للبرميل النفطي الواحد، في حين ارتفعت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي نحو 68 سنتًا أو 0.87% إلى 87.59 دولارًا للبرميل النفطي الواحد. ويوضح الشكل التالي حركة أسعار أوبك خلال النصف الأول من العام الجاري 2024.

وبالنظر إلى الأسعار الحالية نجد أنها منخفضة للغاية (محدودة)، وذلك بالنظر إلى الضغوط الجيوسياسية والجغرافية الاقتصادية أو حالات عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط (الدول العربية تمتلك نسبة حوالي 54.3% من الاحتياطيات العالمية المؤكدة من النفط الخام، وتستحوذ على حوالي 30% من الإنتاج العالمي للنفط، كما تستأثر بحصة حوالي 30.2% من إجمالي الصادرات النفطية العالمية). وعليه ستكون الأسعار -في الوضع الطبيعي- أعلى بمقدار حوالي 20 دولارًا للبرميل النفطي الواحد عما هو عليه الحال الآن، (تاريخيًا، الأسعار النفطية شديدة التأثر بالصراعات والاضطرابات الجيوسياسية).

استقرار المنطقة وأمن الطاقة رهين بما ستؤول إليه الأوضاع السياسية والأوضاع الجيواستراتيجية المقبلة، وبطبيعة الحال، سيكون لذلك تأثير فيما بعد، سواء على ارتفاع أو استمرار نفس الأسعار بالنسبة للإنتاج واستخراج النفط وعملية التصدير لكافة المنتجات والمشتقات البترولية.

الوضع النفطي لأطراف الصراع:

بشكل عام، استهلكت إسرائيل حوالي 215 ألف برميل من النفط يوميًا في السنوات الأخيرة. تُشكل تركيا المصدر الأول لشحنات النفط الخام في إسرائيل، والتي تأتي عبر خطوط الأنابيب من أذربيجان والعراق، وتحديدًا من إقليم كردستان العراق. تعد نيجيريا والجابون وكازاخستان والبرازيل من بين كبار المصدرين إلى إسرائيل.

هنا تجدر الإشارة إلى أن إسرائيل حصلت في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2023 على حوالي 40% من إمداداتها النفطية من كردستان العراق، فيما يُمثل ضعف النسبة المسجلة في عام 2022 تقريبًا. وفي مثال بارز آخر على ديناميات هذا التحول، استوردت إسرائيل نحو حوالي 183 ألف برميل يوميًا من نفط خام كركوك-جيهان في فبراير الماضي، أي أكثر من خمسة أضعاف (36 ألف برميل يوميًا التي استوردتها خلال الشهر نفسه من العام الماضي)، علمًا بأن الشحنات من حكومة إقليم كردستان ظلت ثابتة نسبيًا منذ عام 2018. وعليه، استهلكت إسرائيل نحو 210 ألف برميل يوميًا من النفط الخام في السنوات الأخيرة، كما هو موضح في الشكل التالي.

وعليه يمكن القول إن إسرائيل تعتمد بشكل كبير على النفط الخام المستورد لقطاع التكرير الذي تبلغ سعته حوالي 300 ألف برميل يوميًا، مع طلب محلي ضخم يصل إلى حوالي 250 ألف برميل يوميًا، مع تصدير شحنات صغيرة نسبيًا من المنتجات والمشتقات النفطية المكررة مثل البنزين والديزل.

وبالنظر إلى الطرف الثاني من الصراع (فلسطين)، عانى قطاع غزة من نقص حاد في مصادر الطاقة، ويتجلى أثر ذلك بانقطاع التيار الكهربائي أكثر من 13 ساعة يوميًا نتيجة توفر أقل من 45% فقط من احتياج المواطنين للكهرباء، كما أن معظم مناطق الضفة الغربية تحصل على الكهرباء عن طريق شرائها من شركة الكهرباء الإسرائيلية، مما يجعل المواطنين الفلسطينيين عرضة لابتزاز الشركة الإسرائيلية، حيث يبلغ متوسط استهلاك فلسطين من الطاقة الكهربائية سنويًا نحو 1.8 ألف ميجاوات، منها قرابة 600 ميجاوات لقطاع غزة.

تعتمد فلسطين حاليًا على إسرائيل في الحصول على نحو 95% من الطاقة الكهربائية، والنسبة المتبقية من الأردن ومصادر الطاقة الشمسية. لذلك تعمل السلطة الفلسطينية من خلال صندوق الاستثمار الفلسطيني على تدشين الشركة الوطنية لتوليد الطاقة الكهربائية في مدينة جنين شمال الضفة الغربية، لتكون قادرة على توفير حوالي 450 ميجاوات من الكهرباء، كما هو موضح في الشكل التالي.

وبالنظر إلى الطرف الثالث (لبنان)، يعاني لبنان على مدى السنوات الأربع الماضية من مجموعة من الأزمات السياسية والاقتصادية والمعيشية، ومنها استمرار انقطاع الكهرباء عن معظم المناطق، ما يفاقم من مشكلاته في عام 2024. يذكر أن إنتاج لبنان للكهرباء من الطاقة الشمسية قد بلغ منذ نهاية العام الماضي 2023 حوالي 1000 ميجاوات، ويمثل ثلث الاحتياجات، وهو رقم كبير ولكنه لا يعول عليه ويبقى غير كافٍ في ظل الوضع البائس للكهرباء. وهناك أيضًا خسارة تقدر بملايين الدولارات من المولدات سنويًا وما تسببه من إتلاف للصحة والبيئة، حيث اضطرت الكثير من العائلات المنتمية للطبقة المتوسطة والعاملة إلى إنفاق معظم دخلها الشهري على مولدات كهرباء خاصة.

نحو نصف الدين العام الذي يقارب 100 مليار دولار، ناجم عن تمويل الكهرباء، أي بنسبة 44 مليار دولار أمريكي، من خلال الموازنات العامة وسلف خزينة من مصرف لبنان.

نطاق الصراع وتأثيراته المستقبلية:

بالنظر إلى نطاق الصراع الحالي، نجد أنه على الرغم من أن الصراع الحالي في غزة لا يُشكل تهديدًا مباشرًا على خطوط الإمدادات النفطية ومصادره الرئيسة في المنطقة (تأثير محدود، لأنه غير مرتبط بدول نفطية كبرى)، فإن الأسواق النفطية تنظر إلى أبعد من ذلك تحديدًا؛ إذ إن هناك العديد من المخاوف بشأن احتمالية توسع الصراع ليشمل أطرافًا أخرى، ولا سيما طهران. حيث ارتفع إنتاج النفط الإيراني بنحو 750 ألف برميل يوميًا منذ بداية العام الماضي 2023، بالإضافة إلى وصول مستويات الإنتاج النفطي الإيراني إلى أعلى مستوى لها في 5 سنوات بحوالي 3.3 ملايين برميل يوميًا. حيث استفادت طهران من تخفيف التوترات مع واشنطن خلال العام الماضي وتجاوزها لقضية صادرات النفط الإيراني واحتياطياتها النفطية الكبيرة.

وهو الأمر الذي يُشكل تحركًا يهدف إلى احتواء ارتفاع أسعار النفط من قبل الإدارة الأمريكية، في وقت تتمسك فيه كل من المملكة العربية السعودية وروسيا بخفض إنتاجهما من النفط، ولذلك أسهم التخفيف في ترويض أسعار النفط الخام وبالأخص بعد تمديد سياسة الخفض الكبير للإمدادات من الرياض وموسكو وبقية أعضاء تحالف أوبك بلس. مما أثار مخاوف جديدة بشأن التوتر في الشرق الأوسط والتي تُشكل حوالي ثلث العرض العالمي، حيث تُمثل تكاليف الطاقة محركًا أساسيًا لارتفاع الأسعار العالمية.

ووفقًا لما سبق، هناك العديد من السيناريوهات المحتملة للصراع الحالي على حركة أسواق النفط المقبلة، حيث تتفاعل أسواق النفط بشكل مباشر مع تلك التطورات الجيوسياسية، وسط سيناريوهات عدة تفرض نفسها على المشهد النفطي العالمي، حال توسع دائرة التوتر وامتداد الصراع بشكل يهدد أمن الطاقة والاستقرار في الأسواق النفطية العالمية (جرس إنذار حقيقي لأمن الطاقة العالمي)، والتي يمكن تلخيصها في النقاط التالية:

السيناريو الأول: سيكون تأثير أسعار النفط محدودًا، وذلك نظرًا لبعد منطقة الصراع الحالية عن خطوط الإمداد النفطية المهمة (المنابع النفطية الهامة / أطراف الصراع الحالية دول مستهلكة للنفط). وعليه يمكن القول أن أسعار النفط الخام قد تشهد ارتفاعًا ولكنه محدود، ولكن بشرط أن يظل التأثير الإجمالي للصراع محدودًا. تأثير حوالي 3-4% زيادة في حركة الأسعار (نطاق سعري متوقع 80-87 دولارًا).

السيناريو الثاني: في حالة التصعيد في غزة وتوسع أطراف جديدة للصراع قد يشمل سوريا ولبنان (هجوم مباشر وحقيقي)، من الممكن أن يؤدي إلى زيادة محتملة في أسعار النفط الخام، تأثير حوالي 6-8% زيادة في حركة الأسعار (نطاق سعري متوقع 87-90 دولارًا).

السيناريو الثالث: في حالة تصعيد الصراع والحرب ودخول أطراف جديدة للصراع (إيران / مواجهة مباشرة ومستمرة / قياسًا بما حدث إبان حرب العراق عام 2003)، من الممكن أن يؤدي إلى عودة الإدارة الأمريكية لتضييق الخناق على صادرات النفط الإيراني، والتي وصلت لمستويات عالية. وهو الأمر الذي قد يدفع أسعار النفط للارتفاع (فوق مستويات 95 دولارًا للبرميل النفطي)، مع تأثير كبير قد يصل إلى حوالي 60% زيادة في حركة الأسعار (لأن الأمر متعلق بدولة نفطية كبرى). ولذلك يمكن القول أن خفض أو فقدان حوالي 100 ألف برميل يوميًا من النفط الإيراني سيؤدي إلى زيادة بمقدار نحو دولار واحد للبرميل خلال العام الجاري. وهنا تجدر الإشارة إلى أن إنتاج النفط الإيراني منذ نهاية العام الماضي 2023 بأكثر من حوالي 700 ألف برميل يوميًا، مسجلًا بذلك أعلى مستوياته في خمس سنوات عند نحو 3 مليون برميل يوميًا، كما هو موضح في الشكل التالي.

الخطر الكبير هو مشاركة إيران في هذه الحرب، وكذلك تعطيلها للملاحة البحرية في مضيق هرمز، وخاصة تعطيل الناقلات التي تشحن النفط، في هذه الحالة قد تصل الأسعار إلى مستويات أعلى من 150 دولارًا للبرميل النفطي الواحد، كما سترتفع تكاليف الشحن، وكذلك التأمين، لأن عنصر المخاطرة (علاوة الحرب) في هذه الحالة سترفع الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة. ويوضح الشكل التالي سيناريوهات الفترة القادمة من توقعات وتقديرات لحركة أسعار النفط.

مخاطر مستقبلية:

بات ارتفاع أسعار برميل النفط الخام في الأسواق العالمية إلى مستوى 140 دولارًا للبرميل النفطي الواحد أمرًا غير مستبعد، وذلك في حال زيادة المخاطر الجيوسياسية في المنطقة والناتجة عن توسع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ومع تصاعد الصراع في الشرق الأوسط وتحوله إلى حرب مباشرة بين إسرائيل وإيران، وليس حرب غير مباشرة عن طريق اليمن والعراق ولبنان وسوريا، بالإضافة إلى تشديد الغرب الخناق على النفط الروسي (توقعات بعقوبات جديدة) من خلال محاولات التوسع في حزم العقوبات المتنوعة، أيضًا مع زيادة الطلب من قبل كبار المستهلكين للطاقة وفي المقدمة الصين. بشكل عام، هناك مستفيدون من تلك القفزة في أسعار النفط التي تعادل ما يقرب من ضعف السعر الحالي، إذ إن سعر النفط يدور حاليًا حول 84 دولارًا للبرميل النفطي الواحد.

 في مقدمة المستفيدين الدول الكبرى المنتجة للنفط الخام مثل المملكة العربية السعودية والإمارات وروسيا والولايات المتحدة وكندا والعراق، فالزيادة تعني تدفق المزيد من مليارات الدولارات على خزائن تلك الدول وموازناتها العامة، وهو الأمر الذي يسهم في تقوية مراكزها المالية واحتياطياتها من النقد الأجنبي ودعم صناديقها السيادية. لكن في المقابل، فإن هناك مخاطر شديدة لقفزة أسعار النفط المتوقعة، سواء على الاقتصاد العالمي الذي لم يودع بعد الأزمات التي ألمت به منذ عام 2020، وكذا على الدول المستهلكة للطاقة والوقود، لكن التأثير الأكبر سيكون على المواطن في الدول المستهلكة للطاقة الذي سيجد نفسه أمام قفزات في أسعار مشتقات الوقود مثل البنزين والسولار والغاز والمازوت، والقطاعات والخدمات المرتبطة بها مثل الكهرباء والمياه والمواصلات وغيرها. 

زيادة أسعار النفط تعني تأخر التعافي والنمو وتعميق التضخم وزيادة تكلفة الإنتاج، وفرص عمل أقل، وزيادة في أسعار السلع والخدمات، ودخول الأسواق في ركود. وعليه، فإن زيادة أسعار النفط الخام تعني تأخر التعافي والنمو وتعميق التضخم وزيادة تكلفة الإنتاج، وهو ما يعني فرص عمل أقل، وزيادة في أسعار معظم السلع والخدمات، وربما دخول الأسواق والقطاع الإنتاجي والصناعي في حالات ركود وكساد يصاحبها إغلاق للمصانع وإفلاس للشركات والأنشطة الاقتصادية واستغناء عن العمالة وتراجع إيرادات الدولة من أنشطة الضرائب وغيرها. كما أن زيادة سعر الوقود قد تقلب معادلة الانتخابات الأمريكية المقبلة.

إجمالاً لما سبق، هناك مخاوف من تأثير على المتغيرات الجيوسياسية في المنطقة؛ فقد تشهد مجموعة من التحولات في التحالفات والتوازنات الإقليمية والتي بدورها قد تؤثر على سياسات الإنتاج وتصدير النفط في المنطقة فيما بعد.

أما بالنسبة للمواطن العربي فإنه سيجد نفسه أمام قفزات جديدة في معدلات التضخم في حال حدوث قفزات تصاعدية كبيرة في أسعار النفط الخام، وغلاء في أسعار كل شيء، فزيادة أسعار الوقود تأخذ معها أسعار النقل والمواصلات والسلع الغذائية، ومزيد من الضغوط المعيشية والحياتية، والاتصالات وإيجارات السكن وتكاليف المعيشة لمستويات أعلى.

مجمل القول، تُشكل الحرب على غزة أحد أكبر المخاطر الجيوسياسية على أسواق النفط العالمية منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية، وذلك لأن أي حرب في الشرق الأوسط تُشكل تهديدًا محتملًا لأمن إمدادات النفط، وأمن الطاقة بشكل عام. وأن حربًا قد تشمل إيران يمكن أن تكون لها تداعيات أخطر على أسواق النفط العالمية، لأن ثمة نتيجة واحدة مؤكدة تهدد إمدادات الطاقة، وهي ارتفاع سعرها. ولذلك فإنه ومنذ بداية الحرب على غزة، والحديث عن أمن الطاقة العالمي وإمدادات الطاقة، وجدنا كل الأنظار على المنابع النفطية في الشرق الأوسط ومكانتها النفطية في أسواق الطاقة العالمية.

وفي الأخير، يجب أن يكون هناك تعاون دولي كبير لإيقاف الحرب على غزة، ومنع المزيد من الاضطرابات الاقتصادية، لأن النتائج ستكون كارثية على الجميع. الحاجة إلى الاستقرار والسلام والتعاون العالمي باتت ضرورة ملحة كي يتحد العالم لإيجاد حل جذري لهذه الأزمة قبل أن ينفجر الوضع وتتوسع دائرة الصراع.

د. أحمد سلطان

دكتور مهندس متخصص في شؤون النفط والطاقة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى