الاقتصاد المصري

السياسة النقدية الجريئة تسهم في تعزيز الاقتصاد المصري

شرعت الحكومة المصرية في عملية الإصلاح الاقتصادي التي طال انتظارها، بعد أن حصلت على حزمة من الاستثمارات الجديدة والالتزامات بالقروض من حكومة الإمارات العربية المتحدة وصندوق النقد الدولي والهيئات الدولية الأخرى التي وفرت أساسًا ماليًا أقوى بكثير. كجزء من الاتفاقية المُحدثة مع صندوق النقد الدولي، تحولت السلطات في شهر مارس إلى نظام أكثر مرونة للجنيه، والذي انخفض لاحقًا بنسبة 34٪. وكان التركيز الأكبر على ضبط أوضاع المالية العامة، مع تخفيض دعم الطاقة وزيادة الإيرادات غير الضريبية نتيجة لبرنامج الخصخصة الذي يبدو أنه يتسارع. كما تحسنت الشفافية المالية، مع إنتاج أول ميزانية عامة على الإطلاق وتقارير مالية أكثر تواترًا عن أداء الشركات المملوكة للدولة. وتلك الإصلاحات أدت إلى:

تحسن السياسة النقدية

تراجع الدين الخارجي لمصر ليسجل 153.86 مليار دولار أمريكي في نهاية مايو 2024 مقابل 168.03 مليار دولار أمريكي في نهاية ديسمبر 2023 بانخفاض قدره 14.17 مليار دولار بنسبة تقدر بحوالي 8.43%، ويُعد هذا الانخفاض خلال فترة الخمسة أشهر محل المقارنة الأكبر حجمًا في تاريخ المديونية الخارجية على الإطلاق. وبالتوازي مع التراجع الكبير في مستويات الدين الخارجي لمصر، سجل صافي الاحتياطيات الأجنبية لدى المركزي أعلى مستوياته على الإطلاق بقيمة 46.38 مليار دولار في يونيو 2024، بزيادة 13.26 مليار دولار منذ شهر أغسطس 2022.

ومن ناحية أخرى، تغطي الأرصدة الحالية للاحتياطي نحو 7.9 أشهر من قيمة الواردات السلعية للدولة، ما يؤمن احتياجات البلاد لفترة تتجاوز بشكل كبير المعايير المتعارف عليها دوليًا كمستويات آمنة. كما يوجد نمو هائل في تدفقات النقد الأجنبي للسوق المحلية بزيادة نحو 200%، متضمنة ارتفاع بأكثر من 100% في تحويلات المصريين بالخارج مقارنة بمستوياتها قبل توحيد سعر الصرف.

وساهم الصعود القوي لتدفقات العملة في القضاء على عجز الأصول الأجنبية للبنك المركزي لتسجيل فائضًا قدره 10.3 مليارات دولار في يونيو 2024، مقارنة بعجز 11.4 مليار دولار في يناير 2024، كما تحسن أيضًا صافي الأصول الأجنبية للبنوك ليسجل 4.6 مليارات دولار في مايو 2024، مقارنة بسالب 17.6 مليار دولار في نفس الشهر من العام الماضي.

السندات الدولارية

وعلى مستوى المؤشرات الخارجية، أكد المصدر بالبنك المركزي وجود تحسن كبير في منحنى العائد على سندات مصر الدولارية أجل يناير 2027 حيث تراجع من 22.86% في أكتوبر 2023 ليصل إلى مستوى 9.2% في يونيو 2024، بفارق بلغ حوالي 13 نقطة مئوية، الأمر الذي يسهم في تقليص تكلفة الاقتراض من الأسواق الدولية عند الحاجة ويبرهن على ثقة المستثمرين الدوليين في الإجراءات الإصلاحية.

كما تحسنت عقود مبادلة مخاطر الائتمان لأجل سنة واحدة بحوالي 2,333 نقطة أساس بين شهر مايو 2023 ويونيو 2024 لتبلغ 346.3 نقطة أساس، في دلالة على تراجع مخاطر أدوات الدين الخاصة بالدولة المصرية وزيادة الثقة من جانب الأسواق العالمية في قدرة الاقتصاد المحلي على الوفاء بالالتزامات الدولية، الأمر الذي ساهم في حدوث تحسن إيجابي كبير في نظرة وكالات التصنيف الائتماني للاقتصاد المصري وتعديل توقعاتها المستقبلية بعد توحيد سعر الصرف في مارس 2024.

معدلات التضخم

وواصلت وتيرة التضخم في مدن مصر التباطؤ في يونيو، للشهر الرابع على التوالي، ليتراجع إلى 27.5% على أساس سنوي، مقارنةً بـ28.1% في مايو، بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. كما أفادت بيانات البنك المركزي بانخفاض أسعار المستهلك الأساسية في مصر بنسبة 26.6% على أساس سنوي في يونيو مقابل 27.1% في مايو.

وفي يونيو الماضي، أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، أن الرقم القياسي العام لأسعار المستهلكين لإجمالي الجمهورية بلغ 221.8 نقطة لشهر مايو 2024، مسجلًا بذلك انخفاضًا قدره -0.8% عن شهر أبريل 2024. وأرجع الجهاز أهم أسباب هذا الانخفاض إلى تراجع أسعار مجموعة الحبوب والخبز بنسبة -2.5%، ومجموعة اللحوم والدواجن بنسبة -4.6%، ومجموعة الأسماك والمأكولات البحرية بنسبة -0.7%. بالإضافة إلى مجموعة الألبان والجبن والبيض بنسبة -3.9%، ومجموعة الزيوت والدهون بنسبة -3.0%، ومجموعة الخضروات بنسبة -8.7%، ومجموعة السكر والأغذية السكرية بنسبة -0.6%، ومجموعة منتجات غذائية أخرى بنسبة -1.7%.

ويرجع هذا النجاح في السيطرة على معدلات التضخم داخل السوق المصري لقرارات السياسة النقدية منذ أغسطس 2022 في وضعها على مسار هبوطي مسجلة تباطؤًا كبيرًا إلى مستوى 27.5% في يونيو 2024 وهو أدنى معدل منذ فبراير عام 2023، مما يسهم في استقرار الأسعار محليًا وتقليص الضغوط على الأسر المصرية وتعزيز الثقة في العملة المحلية وبيئة الأعمال والاستثمار للاقتصاد المصري.

انخفاض الدين الخارجي وتباطؤ التضخم: تأثيرهما على المواطن المصري

يُعد انخفاض الدين الخارجي وتباطؤ التضخم من أهم المؤشرات الاقتصادية التي تؤثر بشكل مباشر على حياة المواطن المصري. فكيف ستنعكس هذه التطورات على حياة الناس؟

انخفاض تكلفة المعيشة: سيؤدي انخفاض الدين الخارجي إلى تخفيف العبء على الموازنة العامة للدولة، مما يسمح بتوجيه المزيد من الموارد لتمويل الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة والبنية التحتية. وهذا بدوره سيؤدي إلى تحسين مستوى المعيشة للمواطنين.

زيادة القوة الشرائية: سيؤدي تباطؤ التضخم إلى زيادة القوة الشرائية للأموال، مما يعني أن كل جنيه سيسمح بشراء المزيد من السلع والخدمات. وهذا سيؤدي إلى تحسين مستويات المعيشة للمواطنين، وخاصة ذوي الدخل المحدود.

تحفيز الاستثمارات: سيؤدي انخفاض الدين الخارجي وتحسن مؤشرات الاقتصاد الكلي إلى تحفيز الاستثمارات المحلية والأجنبية، وهذا سيؤدي إلى خلق فرص عمل جديدة للمواطنين.

تعزيز النمو الاقتصادي: سيؤدي تحسن مناخ الاستثمار إلى زيادة النشاط الاقتصادي، مما سيؤدي إلى خلق المزيد من فرص العمل وزيادة الدخل القومي.

انخفاض تكلفة الاقتراض: سيؤدي انخفاض الدين الخارجي إلى انخفاض أسعار الفائدة، مما سيجعل الاقتراض أرخص للشركات. وهذا سيؤدي إلى تحفيز الاستثمار وخلق فرص عمل جديدة.

استقرار الأسعار: سيؤدي تباطؤ التضخم إلى استقرار الأسعار، مما سيجعل من السهل على الشركات التخطيط لمستقبلها. وهذا سيؤدي إلى زيادة الاستثمارات وتحسين بيئة الأعمال بشكل عام.

تحسن التصنيف الائتماني: سيؤدي انخفاض الدين الخارجي إلى تحسن التصنيف الائتماني لمصر، مما سيجعل من السهل عليها الحصول على تمويل من الخارج بشروط أفضل. وهذا سيؤدي إلى زيادة الثقة في الاقتصاد المصري.

جذب الاستثمارات الأجنبية: سيؤدي تحسن التصنيف الائتماني إلى جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية إلى مصر، مما سيؤدي إلى تحفيز النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل جديدة.

محمد صبرى

باحث ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى