الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024الأمريكتان

ضغوط هائلة: احتمالات وتأثيرات انسحاب “بايدن” من الانتخابات الرئاسية الأمريكية

منذ نهاية المناظرة التي انعقدت بين الرئيس الأمريكي جو بايدن والرئيس السابق والمرشح الجمهوري دونالد ترامب في نهاية شهر يونيو الماضي، والتي تفوق فيها “ترامب” بشكل كاسح على الرئيس الأمريكي الحالي، بدأت تخرج دعوات من أعضاء الحزب الديمقراطي تطالب “بايدن” بالانسحاب من الانتخابات حيث تتضاءل فرصه أمام “ترامب” يومًا بعد يوم، وتزايدت أعداد المطالبين بانسحاب “بايدن” من أعضاء الحزب الديمقراطي بشكل كبير في الفترة الماضية. وبالرغم من رفض الرئيس “بايدن” لهذه الدعوات وتأكيده مرارًا وتكرارًا على استمراره في السباق الانتخابي، إلا أن هناك بوادر تشير إلى تقبله للفكرة بشكل مبدئي، ولكن ستكون هناك بعض العوائق في حالة تنفيذ هذا.

أسباب دعوات الانسحاب وموقف “بايدن” منها

بدأت الشكوك حول قدرة “بايدن” على المنافسة في السباق الرئاسي قبل المناظرة، للشك في لياقته الذهنية والصحية، فمنذ بداية توليه الرئاسة ظهرت عليه علامات عدم اللياقة، وكانت مصدرًا للتعليقات والسخرية على وسائل التواصل الاجتماعي لكنها لم تتعد ذلك. ومع التعرض للعديد من الأزمات، سواء الداخلية أو العالمية، أصبح ظهور هذه العلامات له دلالات أكبر لدى الشعب الأمريكي. واستغل الجمهوريون بشكل عام و”ترامب” بشكل خاص هذا للإشارة إلى عدم قدرة بايدن على إدارة “الدولة الأقوى في العالم” وأن هذا يظهر في عدم قدرته على التعامل مع الأزمات العالمية؛ روسيا وأوكرانيا والحرب في غزة على سبيل المثال، وتركها تتفاقم.

وبدأ الرأي العام في الولايات المتحدة يقتنع بهذا التفكير بشكل تدريجي، خاصة مع زيادة هفوات وأخطاء بايدن بشكل كبير في الفترة الأخيرة من جانب، وتزايد الأزمات من الجانب الآخر. أيضًا بنى “ترامب” حملته الانتخابية على الإشارة إلى فشل إدارة “بايدن” في التعامل مع العديد من الملفات الداخلية والخارجية، في مقابل نجاح إدارة ترامب في نفس هذه الملفات بشكل واضح، وهو ما أصبح أمرًا لا يمكن إغفاله في الشارع الأمريكي.

وكانت المناظرة بين كلا المرشحين خير دليل على هذا، حيث وجه “ترامب” ضربات موجعة وانتقادات لاذعة “لبايدن” وإدارته ولم يستطع “بايدن” الرد أو التبرير، أو حتى توجيه ضربات مماثلة لنظيره، وهو ما عُدّ القشة التي قسمت ظهر البعير بالنسبة للديمقراطيين، وأدت لبداية الدعوات بالانسحاب.

ورفض “بايدن” هذه الدعوات بشكل قاطع، وأكد في كل المناسبات الممكنة على قدرته على منافسة “ترامب” في السباق الانتخابي، ولكن في نفس الأسبوع الذي أكد فيه ذلك أشار، عن طريق الخطأ، إلى الرئيس الأوكراني على أنه “الرئيس بوتين”، وإلى نائبته على أنها “نائب الرئيس ترامب”، مما نتج عنه إشعال الحزب الديمقراطي بشكل أكبر وزيادة عدد المطالبين بانسحابه، بالإضافة إلى عقد كبار الحزب الديمقراطي، مثل الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، ونانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب السابقة، وتشاك شومر رئيس الأغلبية في مجلس الشيوخ، وحكيم جيفريز رئيس الأقلية في مجلس النواب، جلسات خاصة منفردة معه لإقناعه بفكرة الانسحاب، بالرغم من دعمهم له في العلن، والإشارة إلى استطلاعات الرأي التي تؤكد بتفوق “ترامب” الساحق عليه، لكنه إلى الآن مازال مصرًا على موقفه.

ويعلل “بايدن” إصراره هذا بعدم وجود مرشح آخر من الحزب قادر على منافسة “ترامب”، خاصة وأن “ترامب” لديه أفضلية خبرته السابقة في نفس المنصب، وهي الأفضلية غير المتاحة عند أي مرشح محتمل آخر في الحزب الديمقراطي. لكن صرح “بايدن” يوم ١٨ يوليو ٢٠٢٤ بأنه سينسحب في حالة أخبره الأطباء بأنه يعاني من “حالة طبية” تمنعه من أداء مهامه، وهو ما يمكن أن يعد إشارة إلى بداية اقتناعه بالفكرة، أو حتى تمهيد لانسحابه بصورة جيدة، بعلة الظروف الصحية. وعلاوة على ذلك، بدأت تتسرب أخبار من جلساته الخاصة مع كبار أعضاء الحزب تشير إلى أنه بدأ في مناقشة الفكرة وطلبه لإجراء استطلاع رأي ليكشف مدى قدرة المرشحين المحتملين في منافسة ترامب، وهو ما يشير إلى ارتفاع نسبة تقبله للتوافق على مرشح لخلافته في السباق الانتخابي.

من هم المرشحون المحتملون لاستبدال بايدن؟

هناك سيناريوهان محتملان لخروج “بايدن” من السباق؛ فهو إما أن ينسحب طواعية، أو يمكن أن يدفعه حزبه للخروج. إذا كانت هناك خطوة لإجبار “بايدن” على التنحي، فستكون عملية معقدة وفوضوية، بسبب عدم الاستقرار على مرشح بعينه، وعدم وجود وقت كافٍ للتنافس بين أعضاء الحزب، خاصة بالنظر إلى الجداول الزمنية الضيقة للمؤتمر القادم، والمقرر انعقاده في منتصف شهر أغسطس، وهو ما يجعله سيناريو غير متوقع. أما إذا اختار “بايدن” الانسحاب، فسيكون قد تم بالفعل الاستقرار على اسم ليُعلن عنه كبديل لبايدن مع إعلان الانسحاب.

ومن المتنافسين المحتملين لخلافة بايدن حاكمة ميتشيجان جريتشن ويتمر، وهي ديمقراطية تحظى بشعبية متزايدة في الغرب الأوسط. كما يعد حاكم كاليفورنيا جافين نيوسوم، المعروف بدعمه القوي لبايدن وظهوره المتكرر على شبكات الأخبار التلفزيونية، بديلاً محتملاً آخر. كما يوجد وزير النقل بيت بوتيجيج، المرشح الرئاسي السابق والمتحدث الفعّال، على قائمة المتنافسين المحتملين.

تُطرح أيضًا أسماء كل من حاكم ولاية بنسلفانيا جوش شابيرو وحاكم ولاية إلينوي جيه بي بريتزكر كمرشحين محتملين ليحلوا محل بايدن، بالإضافة إلى حاكم ولاية كنتاكي آندي بشير، وحاكم ولاية ماريلاند ويس مور، وبعض من أعضاء مجلس الشيوخ مثل إيمي كلوبوشار وكوري بوكر ورافائيل وارنوك. وكانت هناك دعوات أيضًا لتكون ميشيل أوباما، زوجة الرئيس الأسبق باراك أوباما، هي مرشح الحزب الديمقراطي، خاصة بعدما أظهر استطلاع رأي أنها الشخص الوحيد الذي يمكنه هزيمة ترامب في انتخابات نوفمبر، لكنها أكدت في العديد من المناسبات بأنها لا تتطلع إلى الرئاسة.

وبالرغم من وجود كل هذه الأسماء على الطاولة، إلا أن هناك حاليًا إجماعًا ديمقراطيًا حول كامالا هاريس، نائبة الرئيس “بايدن”، كبديل له إذا تنحى، حيث يميل العديد من الديمقراطيين نحوها بسبب المخاوف من الفوضى المحتملة في عملية اختيار مرشح جديد، حيث أن هناك مناقشات حول إمكانية إجراء عملية سريعة ومغلقة لاستبدال “بايدن”، ففي حالة انسحاب “بايدن” بعلة الظروف الصحية، وليس بسبب أخطاء في إدارته، من الطبيعي أن يكون البديل الأول هي نائبته للتأكيد على وحدة الحزب الديمقراطي وقوته وقدرته على الاستمرار؛ إذ إن اختيار شخصية بعيدة عن الإدارة العليا لبايدن من الممكن أن يعد تأكيدًا على فشل إدارة بايدن، وبالتبعية الحزب الديمقراطي، بالإضافة إلى أن الدخول في عملية تنافس مرشحين سيعزز صورة الانقسام داخل الحزب التي أصبحت طاغية في الفترة الأخيرة.

مدى تأثير مثل هذه الخطوة على السباق الانتخابي

في حال إقناع “بايدن” فعليًا بالانسحاب والاستقرار على “هاريس” كبديلة له، لن تكون مهمة الحزب الديمقراطي سهلة على الإطلاق؛ إذ إن شعبية “ترامب” حاليًا في الولايات المتحدة مرتفعة بشكل غير مسبوق، بالرغم من أنه أصبح من أكثر الشخصيات الأمريكية المكروهة في وقت سابق، وهو ما أدى إلى خسارته للانتخابات الماضية، إلا أنه نجح في إثبات قوته وقوة إدارته، خاصة بالمقارنة بإدارة بايدن، وتحلى بذكاء واضح في حملته الانتخابية هذه، خاصة في التعامل مع أزمات مثل القضايا التي كان يواجهها، هذا بالإضافة إلى محاولة الاغتيال التي تعرض لها والتي أظهرت قصورًا كبيرًا في أداء القوات الأمنية في تأمينه، مع إعطاء الفرصة للجمهوريين لانتقاد لغة “بايدن” والديمقراطيين التي اعتبروها السبب الرئيسي في تحريض شاب يبلغ من العمر 20 عامًا لمحاولة اغتيال “ترامب”، وهو ما ساعد على رفع شعبية “ترامب” والحزب الجمهوري في مقابل الحزب الديمقراطي.

أيضًا التخبط الذي يحدث في الحزب الديمقراطي مؤخرًا يضر بشعبيته وثقة المواطنين الأمريكيين فيه، فبالإضافة إلى مظهر التحريض على العنف الذي نجح الجمهوريون في إثباته عليهم، فإن الخلاف حاليًا على قضية انسحاب بايدن أو استمراره ليس في صالح الحزب، حيث كانت هناك الكثير من الانتقادات للحزب الجمهوري في العام الماضي بسبب كثرة الشخصيات الذين تقدموا للترشح عنه، وهو ما اعتبره الإعلام الأمريكي والديمقراطيون علامة على الانقسام وعدم الاستقرار.

لكن أصبح الوضع الآن معكوسًا، حيث انسحب المرشحون الجمهوريون تدريجيًا مع إعلان دعمهم الكامل لترامب إلى أن أصبح هو المرشح الرسمي للحزب بدعم ووحدة واضحة من أعضاء الحزب الجمهوري، بينما هناك انقسام كبير في الحزب الديمقراطي حول انسحاب “بايدن”، وحول من الشخصية الأنسب لخلافته، وفي وقت من أكثر الأوقات الحرجة التي يمر بها العالم كله وليست الولايات المتحدة فقط.

من جانب آخر، بالرغم من وجود توافق كبير إلى الآن على كامالا هاريس لخلافة بايدن، فهي ليست الشخص الأمثل لمواجهة ترامب لعدة أسباب، من أهمها أن الانتقاد الكبير والمتزايد لإدارة بايدن للأزمات الداخلية والخارجية، والذي يراه الكثيرون السبب الرئيس في تفاقم هذه الأزمات، لا تخلو “هاريس” منه لأنها كانت المسؤول الثاني في إدارة “بايدن”، وكان من المعروف أن رأيها ومواقفها مؤثرة في القرارات التي يتخذها الرئيس الأمريكي، فبالتالي من السهل توجيه لها نفس أو معظم الانتقادات الموجهة بشكل دائم إلى بايدن وإدارته.

يضاف إلى ذلك نقطة محورية أخرى وهي أن المجتمع الأمريكي أظهر أنه مازال غير مستعد لأن تتولى سيدة منصب رئيس الجمهورية، خاصة في ظل أن السبب الرئيس لارتفاع شعبية “ترامب” هو اقتناع قطاع كبير من الشعب الأمريكي بأن الفترة الحالية والظروف العالمية تستدعي أن يكون الرئيس الأمريكي قوي الشخصية والقرارات، وهو ما لا تتصف به كامالا هاريس.

وختامًا، بالرغم من أن “بايدن” يبدو مُصرًّا على استمراره في السباق الانتخابي، إلا أن انسحابه اقترب أكثر من أي وقت مضى، خاصة وأن الضغط عليه مازال يزداد بشكل واضح. إلا أنه من غير المرجح أن يؤثر هذا التغيير كثيرًا على مسار الانتخابات، فإصرار “بايدن” على الاستمرار في ظل استمرار الدعوات العلنية من أعضاء الحزب الديمقراطي لكي ينسحب يزيد من تشويه صورة الحزب وإظهاره بشكل غير مستقر ولا يُعتمد عليه. في ظل الزيادة الكبيرة في شعبية ترامب ونجاحه في تصدير صورة المنقذ ليس للولايات المتحدة فقط بل للعالم كله في ظل زيادة الصراعات العالمية. أيضًا عملية اختيار بديل لبايدن إما أن تكون عملية فوضوية تضر بصورة الحزب بدرجة أكبر، وإما أن يقع الاختيار على بديل غير مقنع، تطاله الاتهامات الموجهة لإدارة بايدن بنفس القدر مما يجعلها غير قادرة على الصمود أمام ترامب، وهو ما يشير إلى أن أيًا كان الطريق الذي سيسلكه الحزب الديمقراطي في هذا الشأن، ستظل كل المؤشرات ترجح كفة ترامب والحزب الجمهوري، ما لم تحدث مفاجأة غير متوقعة تقلب الموازين.

كاتب

بيير يعقوب

باحث بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى