إيران

كيف سيؤثر فوز مسعود بزشكيان على السياسة الداخلية والخارجية لإيران؟

أعلنت لجنة الانتخابات في إيران خلال الساعات الأولى من يوم 6 يوليو 2024 عن فوز المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان في الانتخابات الرئاسية الرابعة عشرة في تاريخ الجمهورية الإسلامية، ليصبح الرئيس التاسع بها والرئيس “الإصلاحي” الثالث الذي يجلس على كرسي الرئاسة في طهران بعد محمد خاتمي (1997 – 2005) وحسن روحاني (2013 – 2021).

وحصل روحاني على 16 مليونًا و384 ألفًا و403 أصوات، مقابل 13 مليونًا و538 ألفًا و179 صوتًا للمرشح الأصولي سعيد جليلي. فيما بلغت نسبة المشاركة العامة في الجولة الثانية من الانتخابات 49.8% مقابل حوالي 40% نسبة مشاركة في الجولة الأولى التي جرت في 28 يونيو الماضي.

وبعد أن كانت أغلب التوقعات تشير إلى احتمالية فوز المرشح الأصولي سعيد جليلي في الانتخابات، تماشيًا مع استمرار سيطرة التيار الأصولي على المؤسسات السياسية الرئيسية في البلاد، جاء روحاني ليحدث تغييرًا في هذه التوقعات، ما يحمل في طياته تداعيات على السياسة الداخلية والخارجية لإيران.

تداعيات فوز بزشكيان على السياسة الداخلية في إيران

تتمثل أبرز تداعيات فوز بزشكيان على السياسة الداخلية في إيران فيما يلي:

  1. عودة التيار الإصلاحي لتصدر المشهد السياسي في إيران:

يشكل فوز بزشكيان عودة لتصدر التيار الإصلاحي المشهد السياسي في إيران بعد بقائه بعيدًا عنه لمدة 3 سنوات منذ فوز الرئيس السابق، إبراهيم رئيسي، بالرئاسة في البلاد. فقد انزوت عناصر وشخصيات هذا التيار بعيدًا عن المناصب السياسية الكبرى في البلاد التي تولتها شخصيات أصولية. وعليه، فإن فوز بزشكيان بالرئاسة سيعيد التنافس بقوة بين التيار الأصولي والإصلاحي في إيران خلال الفترة المقبلة؛ خاصة مع استمرار سيطرة سياسيين أصوليين على كثير من المناصب السياسية في هيئات نافذة مختلفة في الداخل.

  • تهدئة الداخل الشعبي في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة:

في الواقع، سيعمل فوز مسعود بزشكيان على تهدئة المواطنين الإيرانيين الذين كانوا على خلاف مع سياسات حكومة الرئيس السابق، إبراهيم رئيسي، الداخلية، خاصة ما يتعلق بقضايا المرأة و”الحجاب الإجباري”، كما سيعطيهم ذلك الفوز أملًا في تحسن الأوضاع الاقتصادية؛ لإدراكهم نهج السياسات المتبعة من جانب الإصلاحيين والمتمثلة في الانفتاح والتقارب مع الدول الغربية على النقيض من الأصوليين.

ولعل النظام الإيراني بحاجة إلى تهدئة الداخل الشعبي، كما أن حقائق الأيام الماضية كانت تشير إلى إمكانية حدوث تظاهرات واسعة في الشارع الإيراني حال هزيمة الإصلاحي مسعود بزشكيان، خاصة بعد الإعلان في الجولة الأولى عن حصده أكثر من 10 ملايين صوت مقابل حوالي 9 ملايين لمنافسه جليلي. يعني ذلك أن فوز بزشكيان يمثل فرصة لاستقرار النظام السياسي الداخلي شعبيًا.

  • فرصة للانتقال الهاديء لمرحلة جديدة في عمر النظام الإيراني:

تحتاج المنظومة في إيران إلى تهدئة الشارع والوضع السياسي في البلاد خلال الفترة المقبلة، استعدادًا للانتقال إلى مرحلة جديدة في البلاد باتت تُعرف بـ “مرحلة ما بعد خامنئي”. ولعل فوز شخصية إصلاحية برئاسة البلاد سيساهم كثيرًا في تحقيق حالة من الاستقرار السياسي للمنظومة لتشجيعها على عدم حدوث اضطرابات محلية، خاصة إذا ما قام الإصلاحيون بالتوصل إلى اتفاق نووي وتحقيق حالة من الاستقرار الاقتصادي في الداخل خلال الأشهر المقبلة.

تداعيات فوز بزشكيان على السياسة الخارجية الإيرانية

وعلى الجانب الآخر، تتمثل أبرز تداعيات فوز بزشكيان على السياسة الخارجية الإقليمية والدولية لإيران فيما يلي:

  1. استمرار نهج التقارب مع دول إقليم الشرق الأوسط:

أكد بزشكيان في أكثر من تصريح له خلال الأيام الماضية على أنه سيواصل التقارب مع الدول الجارة في المنطقة، كما شددت المؤسسات الإيرانية الأخرى بعد وفاة الرئيس السابق، إبراهيم رئيسي، يوم 19 مايو 2024 على مواصلة نهج التقارب مع دول الشرق الأوسط، ما يعني عدم حدوث تحول في هذا الملف.

ولكن، يبقى مع ذلك التساؤل: هل سيستمر هذا النهج بتلك الوتيرة المتسارعة والزخم الذي كان عليه خلال الحكومة السابقة التي بلورت وتبنت هذا المسار، أم ستركز حكومة بزشكيان على التقارب مع الدول الغربية على حساب دول الشرق؟

  • تعزيز فرص الانفتاح في العلاقات مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية:  

تُعرف عن الإصلاحيين ميولهم إلى الانفتاح على الدول الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة والدول الأوروبية، ما يشير إلى احتمالية حدوث انفراجة في العلاقات الإيرانية الأمريكية والإيرانية الأوروبية خلال الأشهر القادمة. وستسهم مثل هذه السياسات في تعزيز فرص الاستثمار الغربي في إيران على ما جرى أثناء فترة تولي الرئيس الإصلاحي الأسبق، حسن روحاني، رئاسة البلاد (2013 – 2021).

  • زيادة فرص التوصل لاتفاق نووي مع الدول الكبرى:

مع فوز الإصلاحي مسعود بزشكيان، تبدو احتمالات التوصل إلى اتفاق نووي بين إيران والقوى الكبرى متزايدة ومبشرة أكثر. حيث يبدو الإصلاحيون أقل تشددًا وأكثر براجماتية على طاولة المفاوضات مع الدول الغربية، على النقيض من الأصوليين الذين قادوا خلال فترة الرئيس السابق “رئيسي” المفاوضات النووية مع الغربيين في فيينا لأكثر من عامين ولم يحققوا تقدمًا أو يتوصلوا إلى اتفاق.

وكان الرئيس الأسبق روحاني قد توصل إلى الاتفاق النووي مع القوى الكبرى في فترة زمنية أقل بكثير مما استغرقه الأصوليون في الحكومة السابقة في التفاوض في فيينا مع القوى الأخرى بالأساس.

  • عدم تأثر طبيعة السياسة الإيرانية إزاء التعامل مع الوكلاء والصراع مع إسرائيل:

على الرغم مما سبق، لا يُتوقع أن تتأثر طبيعة السياسات الإيرانية تجاه وكلاء طهران في الإقليم، سواء في العراق أو لبنان أو سوريا؛ لأن الأجهزة العسكرية والأمنية هي التي تتحكم في هذه التوجهات. ومع ذلك، تميل إيران إلى التهدئة على هذه الجبهات خلال الوقت الراهن؛ لعدم تأثر أوضاعها السياسية والأمنية أو العسكرية الداخلية؛ في ظل الاستعداد للانتقال إلى مرحلة ما بعد خامنئي.

ولا يختلف الأمر كثيرًا عند الحديث عن الصراع الإيراني مع إسرائيل؛ لأن تلك الأجهزة أيضًا هي التي تسيطر على مساره وطبيعته وتشابكاته.

الاستنتاج

يمنح فوز الإصلاحي مسعود بزشكيان التيار الإصلاحي في إيران متنفسًا وعودة جديدة إلى صدارة المشهد السياسي في البلاد بعد ابتعادهم عنه لسنوات ثلاث، كما أن تلك العودة تمثل مكسبًا حقيقيًا للنظام السياسي الإيراني؛ لأنها ستساهم في تحقيق استقرار ملحوظ في الشارع السياسي الإيراني؛ خاصة في ظل ترجيح انشغال التيارين الإصلاحي والأصولي بالتنافس والصراع السياسي بينهما خلال الفترة المقبلة.

وفي الوقت نفسه، لا يُتوقع أن تتغير بشكل ملحوظ الأطر العامة للسياسة الخارجية الإيرانية، خاصة تلك المتعلقة بالوكلاء الإيرانيين في الشرق الأوسط والعلاقات مع الولايات المتحدة والصراع مع إسرائيل. كما أن مسار التقارب مع الدول العربية والشرق أوسطية قد أكدت إيران على استمراره.

ومع ذلك، ففي الوقت نفسه، يُتوقع تسارع وتيرة التوصل إلى اتفاق نووي بين إيران والقوى الكبرى، خاصة بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقررة في نوفمبر 2024، كما يرجح حدوث تقارب أكبر في العلاقات بين إيران والدول الأوروبية.

علي عاطف

باحث بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى