إيران

قراءة في القائمة النهائية لمرشحي الرئاسة الإيرانية

أعلنت وزارة الداخلية الإيرانية يوم 9 يونيو 2024 عن القائمة النهائية للمرشحين لخوض الانتخابات الرئاسية الرابعة عشر في تاريخ الجمهورية الإسلامية، والتي تجيء بعد وفاة الرئيس الأصولي السابق، إبراهيم رئيسي، في حادث سقوط مروحيته شمال غربي البلاد يوم 19 مايو الماضي، والمقررة في 28 يونيو 2024. واتسمت القائمة باستحواذ الأسماء الأصولية عليها، ولكنها في الوقت نفسها لم تتجاهل “مطالب” التيار الإصلاحي.

الانتماءات الفكرية والحزبية لمرشحي الانتخابات الرئاسية في إيران

أيّد “مجلس صيانة الدستور” في إيران، وهو هيئة تتكون من 12 عضواً معيناً تُعد الركن الثاني للسلطة التشريعية في إيران بعد البرلمان ولها وظيفة حيوية في القرارات المهمة داخل النظام الإيراني، يوم 9 يونيو الجاري 6 أسماء لخوض الانتخابات الرئاسية في البلاد، وذلك بعدما تقدم 80 شخصاً لها شكّل الأصوليون أغلبيتهم بنسبة 84% بواقع 67 مرشحاً إلى جانب 9 من الإصلاحيين و4 مستقلين.

وقد سلّم المجلسُ هذه القائمة لوزارة الداخلية التي أعلنت بدورها عنها لوسائل الإعلام.

وعلى الرغم من تقدم سياسيين وعسكريين مخضرمين للترشح إلا أنه تم رفض كثيرٍ منهم من جانب هذه الهيئة، وذلك مثل الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، ورئيس البرلمان الأسبق علي لاريجاني، ونائب الرئيس الأسبق إسحاق جهانجيري. بل كان من المفاجئ أيضاً رفض مجلس صيانة الدستور للمرشح القوي وذي النفوذ والقائد السابق في الحرس الثوري وحيد حقانيان، والذي يعد أيضاً من أقرب المسؤولين الأمنيين للمرشد الأعلى، علي خامنئي.

وبعد فرز الأسماء ورفض 74 مرشحاً أغلبهم من الأصوليين، أقر مجلس صيانة الدستور “أهلية” الشخصيات التالية لخوض الانتخابات الرئاسية المقررة أواخر يونيو الجاري، وهم:

  1. محمد باقر قاليباف:

السياسي والعسكري الأصولي مواليد 23 أغسطس 1961 في مقاطعة “طرقبه” بمحافظة “خراسان الرضوية” الواقعة شمال شرقي إيران على الحدود مع تركمانستان وأفغانستان. حصل على الدراسات العليا في تخصص الجغرافيا السياسية من جامعة “تربيت مدرس” الواقعة في العاصمة طهران.

انضم للحرس الثوري الإيراني سن مبكرة وشارك في الحرب ضد العراق (1980 – 1988)، حيث تم تعيينه قائداً لوحدة “الإمام الرضا 21” وهو في العشرينيات من عمره، كما تولى في هذا العقد من حياته أيضاً قيادة وحدة “لشكر نصر 5” في خراسان الرضوية. وقُتل شقيقُه في الحرب مع العراق. وتدرج قاليباف لاحقاً حتى وصل إلى قيادة وحدة “خاتم الأنبياء” ذات الأهمية البالغة والتابعة للحرس الثوري خلال الفترة (1994 – 1997)، ومنها انتقل لقيادة القوات الجوية في الحرس الثوري (1997 – 2000).

وكان قاليباف نائباً برلمانياً قبل أن يصبح رئيساً للبرلمان في دورتين متتاليتين لاحقاً في مايو 2020، و2024.

وتولى محمد باقر قاليباف أيضاً مسؤوليات قيادية في جهاز الشرطة العامة الإيرانية، كما كان نائباً لرئيس الجمهورية الإيراني الأسبق محمد خاتمي (1997 – 2005) في هيئة مكافحة تهريب السلع والعملات. وكان قد تولى منصب عمدة العاصمة طهران في 2005، وترشح للانتخابات الرئاسية عام 2013 التي فاز بها حسن روحاني، كما أنه ترشح أيضاً لانتخابات 2017.

  • سعيد جليلي:

سياسي أصولي مواليد 6 سبتمبر 1965 في مدينة مشهد الواقعة بمحافظة خراسان الرضوية شمال شرقي إيران، وذلك على غرار المرشح محمد باقر قاليباف.

حصل على الدراسات العليا في العلوم السياسية من جامعة “الإمام الصادق” في طهران، واشتهر بتدريس مادة “دبلوماسية النبي” في هذه الجامعة. وقام بالتدريس في كلية الإدارة والاقتصاد بـ “جامعة شريف الصناعية”.

شارك جليلي في الحرب ضد العراق والتي قاد فيها وحدة “الإمام الرضا 21” مطلع عام 1987، التي تولاها قاليباف أيضاً في فترة أخرى، وشارك في عمليات “كربلاء 5” وأصيب خلالها في قدمه. ولاحقاً، عمل جليلي في الخارجية الإيرانية مسؤولاً عن شؤون أوروبا والولايات المتحدة، كما تولى مسؤولية الأمانة العام للمجلس الأعلى للأمن القومي ورئاسة فريق المفاوضات النووية مع الدول الغربية خلال الفترة (2007 – 2013) والتي ناور خلالها بكسب إنجازات لصالح إيران.

وأمضى جليلي 18 عاماً في وزارة الخارجية الإيرانية منذ عمر 24 عاماً وحتى 42 عاماً عمل خلالها مع رؤساء إصلاحيين (مثل محمد خاتمي) وأصوليين (مثل أحمدي نجاد)، تخللتها مشاركته في المفاوضات النووية مع القوى الكبرى والتي كان يقود جانباً كبيراً منها آنذاك الممثل السامي للسياسة والأمني الأوروبي آنذاك خافيير سولانا (1999 – 2009).

وقد عيّنه المرشد الأعلى، علي خامنئي، عضواً في مجمع تشخيص مصلحة النظام في سبتمبر 2013، وذلك بعد إخراج الرئيس الأـسبق، حسن روحاني، له من الأمانة العامة للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني واستبداله بعلي شمخاني.

  • علي رضا زاكاني:

السياسي الأصولي والرئيس الـ 47 لبلدية العاصمة طهران، والتي كان قد شغلها أيضاً المرشح الحالي في الانتخابات الرئاسية الجارية ذاتها محمد باقر قاليباف.

ولُد في 3 مارس 1966 بمدينة “ري” الواقعة في محافظة طهران. حصل على الدراسات العليا في مجال الطب النووي وفي عام 1989 عمل في ذلك المجال بجامعة طهران للعلوم الطبية، وعمل مدرساً في جامعة “العلوم الطبية” في العاصمة طهران في مجال الطب النووي، وطبيباً في “مستشفى الإمام الخميني” بطهران و”مجمع وليعصر الصحي العلاجي” في طهران.

وخلال دراسته، شارك زاكاني في الحرب الإيرانية العراقية وأصيب خلال في اليد والرقبة، واستمرت مشاركته في الحرب لمدة 62 شهراً، أي لمدة 5 سنوات في حرب استمرت 8 سنوات متتالية. وخلال تلك السنوات، شارك زاكاني في 15 عملية حربية كبيرة عبر لواءات عسكرية إيرانية مثل “لشكر 27 محمد رسول الله” و”لشكر 10 سيد الشهداء”، وكتائب أخرى في جنوب وغرب إيران. كما تولى بعض المسئوليات الاستخباراتية في تلك الحرب.

ولاحقاً، عمل زاكاني بالسياسة نائباً برلمانياً في الدورة السابقة والدورات السابعة والثامنة والتاسعة عن طهران. وخلال تلك الفترة، قاد “اللجنة الخاصة” بدراسة الاتفاق النووي مع القوى الكبرى لعام 2015. وترأّس زاكاني “مركز أبحاث البرلمان” الإيراني إلى جانب قيادته لـ “منظمة التعبئة الطلابية – سازمان بسیج دانشجویی”.

ترشح زاكاني في الانتخابات الرئاسية لعامي 2013 و2017، إلا أن مجلس صيانة الدستور قد رفض أهليته للأمر، على النقيض من الوضع الحالي. وفي 16 أغسطس 2023، عيّنه الرئيس السابق، إبراهيم رئيسي، معاوناً له في إدارة الشؤون الاجتماعية.

  • مصطفى بور محمدي:

رجل الدين الأصولي مواليد 23 ديسمبر 1959 في مدينة قم بالمحافظة التي تحمل الاسم نفسه جنوب العاصمة طهران شمال إيران، إلا أن عائلته تنحدر بالأساس من مدينة رفسنجان بمحافظة كرمان وسط إيران، وهي المدينة ذاتها التي ينتمي إليها أحد أقطاب النظام الإيراني وهو هاشمي رفسنجاني.

درس في الحوزة الدينية الشيعية في مدينته وحصل على ما يعادل الدكتوراه بها في مجال الفقه والقانون. عمل مدرساً في جامعة “الإمام الصادق” ورئيساً لهيئة أمناء “مركز وثائق الثورة الإسلامية” في إيران عام 2021.

لعب بور محمدي (پورمحمدی) دوراً كبيراً في الصراع ما بين النظام السياسي بإيران ومعارضيه بالخارج، كما أنه كان عضواً في اللجنة التي أُنشأت عام 1988 للنظر بشأن مصير آلاف السجناء السياسيين في إيران والتي قضت بإعدامهم لاحقاً، حيث تشكلت من فقيه في الشرع (حسين علي نيري)، ووكيل عن النائب العام في طهران (إبراهيم رئيسي)، ومندوب عن الاستخبارات الإيرانية (مصطفى بور محمدي)، و”رئيس محاكم الثورة الإسلامية في محافظة خوزستان” (محمد حسين أحمدي شاهرودي). كما ترأّس بور محمدي قسم “الاستخبارات الخارجية” في وزارة الاستخبارات الإيرانية، وعمل أيضاً نائباً لوزير الاستخبارات لحوالي عامين.

عيّنه أحمدي نجاد وزيراً للداخلية في عهده (2005 – 2009)، ثم أسندت إليه مسؤولية رئاسة “منظمة التفتيش العام” في إيران، وعيّنه حسن روحاني أيضاً وزيراً للعدل في حكومته الأولى عام 2013. ويقود بور محمدي “مجتمع رجال الدين المقاتلين – جامعه روحانیون مبارز” منذ 2018 وحتى الآن.

  • أمير حسين قاضي زاده هاشمي:

الطبيب والسياسي الأصولي مواليد 14 أبريل 1971، والذي عمل لفترات نائباً في البرلمان عن مدينة مشهد خلال الدورة الثامنة والتاسعة والعاشرة والحادية عشرة.

عيّنه الرئيس السابق، إبراهيم رئيسي، نائباً له وترأس هيئة “الشهداء والمحاربين القدامى” في البلاد. وقد انضم قاضي زاده هاشمي إلى “جبهة الثبات-جبهة پایداری” منذ تشكلها قبل أكثر من 10 سنوات، وهي تكتل سياسي يُعرف بأنه “الأكثر يمينية” في إيران ويتألف من كثير من وزراء أو معاوني الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد. وتم تعيينه متحدثاً باسمها، إلا أنه انفصل عنها تحت لواء “حزب القانون”.

ويشغل قاضي زاده في الوقت الراهن عضوية المجلس المركزي لـ “حزب القانون”، كما شارك في الانتخابات الرئاسية السابقة وكان ترتيبه الرابع من حيث عدد الأصوات.

  • مسعود بزشكيان:

جراح القلب والإصلاحي مواليد 29 سبتمبر 1954 في مدينة مهاباد الواقعة في محافظة أذربيجان الغربية شمال غربي إيران. بعد انتهائه من مرحلة التعليم المتوسطة، انضم للخدمة العسكرية الإلزامية في عهد الشاه السابق محمد رضا بهلوي، ثم عاد للدراسة في جامعة تبريز للعلوم الطبية في عام 1976.

تولى بزشكيان تمثيل تبريز في البرلمان في عدد من الدورات مثل الثامنة والتاسعة، وشغل في الدورة العاشرة منصب نائب رئيس البرلمان.

وفي عهد حكومة محمد خاتمي (1997 – 2005)، تم تنصيبه وزيراً للصحة بعد أن كان نائباً للوزير قبل ذلك. ترشح بزشكيان لانتخابات الرئاسة الإيرانية في 2013 التي تم قبوله بها و2021 التي رفضه خلالها مجلس صيانة الدستور قبل أن يعلن عن ترشحه في الدورة الحالية لعام 2024.

كيف تتم “فلترة” الاسماء المرشحة لتولي المناصب العليا في إيران؟

طبقاً للدستور الإيراني، يقوم مجلس صيانة الدستور (مجلس نگهبان) باختيار الأسماء المرشحة لخوص الانتخابات في إيران، سواء البرلمانية أو الرئاسية أو غيرهما. ولكن، لا تنحصر هذه المهمة في الواقع على المجلس فقط؛ لأنه يتعاون مع الأجهزة الأمنية في البلاد للتحقق من عدد من الأمور التي تخص المرشح محل البحث. إذ، يرسل المجلس إلى وزارة الاستخبارات الإيرانية وجهاز استخبارات الحرس الثوري وعدد من الأجهزة الأخرى للتعاون معه، وهي على وجه التحديد:

– السلطة القضائية.

– جهاز استخبارات الحرس الثوري: الذي يُعد الهيئة الاستخباراتية الأكثر تأثيراً في إيران في الوقت الراهن، وبالتالي الأكثر حسماً فيما يخص قبول أهلية المرشحين لخوض مختلف الانتخابات.

– وزارة الاستخبارات: التي تلعب دوراً رئيسياً في الموافقة على أهلية المرشحين لخوض الانتخابات، وكثيراً ما أوصت بقبول أو رفض كثير من أعمدة النظام الإيراني مثل هاشمي رفسنجاني نفسه.

– قوى الأمن الداخلية، والتي يرأسها العميد أحمد رضا رادان.

– منظمة استخبارات الأمن الداخلي، ويقودها العميد غلام رضا رضائيان.

– رئيس منظمة حماية المعلومات في جهاز الشرطة، وهو حالياً العميد محسن فتحي زاده.

– السجل المدني.

وعليه، تتعاون هذه الأجهزة جميعها في جمع المعلومات وإبداء وجهة النظر في المرشح ومن ثم إرسالها لمجلس صيانة الدستور، وعلى الأغلب يجتمع قادة هذه الأجهزة مع رئيس وأعضاء مجلس صيانة الدستور للبت في الأمر.

قراءة في القائمة النهائية للمرشحين لخوض انتخابات الرئاسة

تشير هذه القائمة إلى عدد من الدلالات على النحو التالي:

– سيطرة الأصوليين على المشهد الانتخابي الرئاسي في إيران، حيث إن القائمة تشتمل على 5 مرشحين أصوليين مقابل إصلاحي واحد.

– ليست هناك شخصية إيرانية محصنة ضد رفض أهلية الترشح لخوض أية انتخابات في إيران. فعلى الرغم من العلاقات الأمنية الوثيقة، على سبيل المثال، بين وحيد حقانيان والمرشد الأعلى، علي خامنئي، إلا أن مجلس صيانة الدستور رفض أهلية حقانيان لخوض الانتخابات.

– محاولة النظام استرضاء الإصلاحيين عن طريق قبول ترشح أحدهم، وهو مسعود بزشكيان. فلقد هدد الإصلاحيون قبل ساعات من إتمام عملية قبول أو رفض الاسماء المرشحة، بعدم خوض هذه الانتخابات ومقاطعتها ما لم يتم انتخاب أحدهم للمشاركة فيها، وهو ما أكده الناطق باسم جبهة الإصلاحيين، جواد إمام، حينما قال إن “الإصلاحيين سيشاركون في الانتخابات إذا كان لديهم مرشح، وإلا فيجب عدم توقع مشاركتهم”. كما قالت رئيسة الجبهة، آذر منصوري، إن “مجلس صيانة الدستور يجب ألا يعين مرشحاً بدلاً من التيار الإصلاحي، كما يجب أن يكون لدينا مرشحنا الخاص”.

ماذا تعني القائمة النهائية لمرشحي الرئاسة في إيران؟

لقد حصرت قائمةُ مرشحي الرئاسة النهائية في إيران – التي أعلن عنها مجلس صيانة الدستور يوم 9 يونيو الجاري – المنافسة عملياً بين شخصيتين فقط هما المحافظ محمد باقر قاليباف والإصلاحي مسعود بزشكيان. ولمّا كان قاليباف الأوفر حظاً للفوز بهذه الانتخابات، فإن تلك القائمة تعني بالتالي تمهيد الطريق لفوز قاليباف بكرسي الرئاسة في طهران.

إذ، يستحوذ قائد سلاح الجو السابق في الحرس الثوري على حضور وعلاقات أوسع نطاقاً داخل إيران على النقيض من بزشكيان، كما أن سيطرة المحافظين على أركان الدولة الإيرانية بكاملها منذ سنوات سيعزز من فرص فوز قاليباف. ومع ذلك، فإن هذه القائمة – التي يسيطر عليها المحافظون- سوف تثير التساؤلات بشأن نسبة المشاركة في هذه الدورة الانتخابية.

علي عاطف

باحث بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى