ضرورة ملحة: السوق العربية المشتركة للكهرباء وتعزيز أمن الطاقة العربي
تشهد المنطقة العربية العديد من الظروف والتحديات الصعبة، بالإضافة إلى وضع إقليمي مضطرب؛ وذلك بسبب تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، بالإضافة إلى الحرب على غزة وتداعياتها، وأزمة الطاقة وبالأخص ما يتعلق بأمن الطاقة وإمداداتها. ما يتطلب ضرورة التوصل إلى خطوات سريعة وبناءة تُسهم في تعزيز التعاون العربي في ملف الطاقة.
إن استقرار إمدادات الطاقة لا يؤثر فقط على النمو الاقتصادي في المنطقة العربية، ولكنه يُشكل دورًا حاسمًا في تعزيز الأمن القومي وتحسين مستويات رفاهية المواطنين في الدول العربية؛ إذ إن التعاون في مجال الطاقة بين الدول العربية يمكن أن يُسهم في تعزيز قدرتها على مواجهة التحديات المستقبلية في قطاع الطاقة.
مدخل:
في خضم الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، وسعي المجتمع الدولي بكافة مكوناته ومنظماته لتحقيق التنمية المستدامة، يبرز تعزيز أمن الطاقة بكافة أوجهه ومفاهيمه وأهدافه ومتطلباته كمحور للعمل الإقليمي العربي المشترك. حيث يتطلب ضمان وصول المستهلك إلى خدمات الطاقة بشكل آمن ومستدام اقتصاديًا واجتماعيًا وبيئيًا، إدارة الموارد الطبيعية بكفاءة، وتوظيف عائداتها المالية في عملية التنمية المستدامة في الدول المنتجة لضمان استمرار استخراج هذه الموارد واستخدامها على نحو مستدام.
ملامح أزمة الطاقة في المنطقة العربية:
على مستوى الدول العربیة كمجموعة، یتوقف أثر التطورات الراهنة على طبيعة تأثيراتها في معدل النمو الاقتصادي في الدول العربية المصدرة للنفط (التي تُسهم بنحو 70% من الناتج المحلي الإجمالي لمجموعة الدول العربية بالأسعار الثابتة)، مقابل تأثيراتها في معدل نمو الدول العربية المستوردة للنفط التي تُسهم بنحو 30% من الناتج الإجمالي بالأسعار الثابتة، والتي تواجه تحديات ارتفاع مستويات العجز الداخلية والخارجية ومن ثم ضعف قدراتها على تعزيز الإنفاق الداعم للنمو مقارنة بالدول الكبرى المصدرة للنفط.
هذا بالإضافة إلى أن الحرب على غزة أدت إلى تفاقم الأزمة العالمية، وانعكاسات ذلك على ارتفاع أسعار السلع الأساسية عالميًا، والتي تُشكل المكون الرئيس من سلة السلع المكونة للرقم القياسي للأسعار، علاوة على تأثر المستوى العام للأسعار بارتفاع أسعار المحروقات والمنتجات البترولية، بجانب ارتفاع أسعار بعض الخدمات مثل الكهرباء والمیاه التي تتأثر بارتفاع أسعار الطاقة بشكل مباشر.
أمام ما تقدم، لدى العديد من الدول العربية مشكلة في تأمين التغذية الكاملة للكهرباء، في ضوء ارتفاع الطلب بشكل كبير ويتزايد لدى بعض الدول بصورة سنوية، بالإضافة إلى ارتفاع معدلات الاستهلاك وذلك نتيجة تزايد أعداد السكان بصورة كبيرة وارتفاع أعداد اللاجئين في العديد من دول المنطقة.
وعليه، تسعى الدول إلى زيادة محطات الكهرباء بمعدل حوالي 10% سنويًا (معدل مرتفع ومؤشر كبير على أزمة الكهرباء)، وهو معدل مرتفع للغاية يفوق المعدل العالمي الذي يُقدر بحوالي من 0.5 إلى 5%، ولذلك فإن مستويات ارتفاع الطلب على الكهرباء تمثل حاجزًا وعائقًا للعديد من الدول العربية، ومن بينها لبنان وسوريا وفلسطين.
في السياق ذاته، تضمنت قائمة الدول الأكثر اعتمادًا على الغاز الطبيعي لتوليد الكهرباء بعض الدول العربية (مؤشر سلبي) ومن ضمنها المملكة العربية السعودية ومصر، حيث حلت السعودية بالمركز السادس مع وصول حجم توليدها إلى حوالي 269 تيراوات/ساعة خلال العام الماضي 2023، بينما جاءت مصر في المركز الثامن في القائمة، بحجم توليد بلغ حوالي 169 تيراوات/ساعة متساوية مع كوريا الجنوبية بالمركز التاسع، كما هو موضح في الشكل التالي.
تشهد المنطقة العربية ظروفًا اقتصادية استثنائية فرضتها حالة الاضطراب وعدم الاستقرار الأمني في منطقة الشرق الأوسط، والصراعات الجيوسياسية، بالإضافة إلى التأثيرات المتسارعة للتغيرات المناخية وأمن الطاقة في المنطقة العربية وانعكاساتها على مجمل الملفات الاقتصادية والتنموية.
الأزمة اللبنانية في ملف الطاقة:
أزمة الطاقة في لبنان عمرها أكثر من حوالي 3 عقود، وذلك لأن الطلب على الكهرباء في لبنان يرتفع سنويًا دون أن يقابله زيادة في إنشاء محطات التوليد، إذ إنه لم يتم إنشاء محطات كهربائية منذ عام 1999. خلال أكثر من 20 عامًا، لم يزد لبنان سوى حوالي 270 ميجاوات في الشبكة من المولدات، وبشكل عام يحتاج إلى حوالي 3 آلاف و600 ميجاوات في أوقات الذروة، ولكنه لا يملك في الوقت الحالي سوى أقل من حوالي 1600 ميجاوات، أي أن هناك حاجة إلى حوالي 2000 ميجاوات.
فلسطين والطاقة:
يعيش قطاع غزة انهيارًا كارثيًا في أوضاعه المعيشية والاقتصادية، حيث يؤثر ارتفاع أسعار الغاز والوقود على الصناعة فيه، إذ يستورد أكثر من مليوني فلسطيني في القطاع الغاز بأسعار باهظة، في الوقت الذي تعرقل فيه إسرائيل منذ عقود أي إمكانية لاستخراج الغاز من حقلين في بحر غزة مكتشفين منذ عام 1999، الأمر الذي يُعد مخالفة واضحة وصريحة لحق مكفول في عدد من الاتفاقيات الدولية منها اتفاقية لاهاي، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الذي تعد كل من فلسطين وإسرائيل أطرافًا فيه.
إجمالًا لما سبق، تظهر بيانات سلطة الطاقة في غزة أن متوسط احتياج القطاع خلال الأشهر العادية 450 ميجاوات، ويرتفع في فترة الذروة إلى حوالي 630 ميجاوات، في الوقت الذي يبلغ فيه متوسط القدرة المنتجة من المحطة حوالي 70 ميجاوات. متوسط قدرة الخطوط من جانب الاحتلال الإسرائيلي يبلغ حوالي 117 ميجاوات، عبر 10 مغذيات، بجهد حوالي 22 كيلو فولت، حين تنتج مصادر الطاقة البديلة ما بين 15 إلى 20 ميجاوات، كما هو موضح في الشكل التالي.
واقع الطاقة في سوريا:
لا يخفى على أحد الدمار الكبير الذي تعرض له القطاع الكهربائي في سوريا، أسوةً بغيره من القطاعات المختلفة خلال الحرب، فباتت مشكلة الكهرباء ثاني أكبر مشكلة يعانيها المواطنون السوريون، وقد طال الضرر مباشرةً محطات الكهرباء التي تعرض أغلبها للتدمير، ما أدى إلى توقف حوالي 70% من محطات التحويل. بعدما كانت سوريا تؤمن جزءًا مهمًا من احتياجاتها الداخلية من الطاقة الكهربائية، أضحت تلجأ منذ عدة سنوات إلى تطبيق نظام تقنين قاسٍ بسبب نقص إمدادات الغاز لمحطات التوليد.
العراق وأزمة كهرباء حادة:
تفاقمت أزمة الكهرباء في العراق في العامين الأخيرين، وذلك لنقص إمداد إيران العراق بما يكفي من الغاز الطبيعي لتشغيل المحطات، علاوة على شكاوى من الفساد الإداري والانشغال بالصراعات السياسية. بغداد الذي احتل في نهاية عام 2020 المرتبة الخامسة عربيًا باحتياطياته من الغاز الطبيعي يضطر حاليًا إلى استيراد كميات ضخمة من الغاز والكهرباء.
بالإضافة إلى الأسباب السابق ذكرها، فإن الاعتماد على استيراد الغاز من إيران (مؤشر سلبي)، تسبب في تأثر بغداد بالأزمات الإيرانية بشكل مباشر. حيث تُعد إيران المزود الرئيس للكهرباء في العراق وتمده بنسبة تصل تبلغ حوالي 30% من احتياجاته من الغاز الطبيعي والكهرباء، ومن ثم انخفضت مستويات إمدادات الوقود (اللازمة لتشغيل محطات الكهرباء بالعراق). ذلك نتيجة لتزايد المديونات العراقية المستحقة لدى إيران، بالإضافة إلى صعوبة سداد الديون الإيرانية نتيجة العقوبات الاقتصادية الأمريكية، وذلك مع تصاعد أزمة الكهرباء أيضًا في طهران.
وعلى الرغم من إدراك الحكومة العراقية أهمية تنويع مصادر استيراد الوقود وتوقيعها على عدة اتفاقيات بهدف استيراد الطاقة من دول عدة، مثل الكويت وآخرها السعودية ومصر والإمارات، فإن هذه الإمدادات ما زالت محدودة ومرهونة بتحسن العلاقات السياسية في المنطقة.
إجمالًا لما سبق، بشكل عام تعاني الدول العربية من ارتفاع تكلفة واردات الطاقة اللازمة لتوليد الكهرباء، بالإضافة إلى عبء دعم الوقود على ميزانيات العديد من الدول. وبالنسبة إلى الدول العربية المنتجة للنفط، فهي تعاني من مشكلتين، الأولى: هي الخطوات اللازمة لكيفية مواجهة الطلب المتزايد على الكهرباء مستقبلًا (بشكل كبير)، والمشكلة الثانية: هي كيفية قيام حكومات الدول بذلك بما يتناسق مع السياسات المتعلقة بالتغيرات المناخية.
وسط هذه الأزمات والتحديات في العديد من الملفات وبالأخص في ملف الطاقة العربي، تسعى الدول العربية إلى الوصول إلى قاعدة مشتركة وتعاون عربي مشترك فيما يخص ملف الطاقة والتي يأتي على قمة أولوياتها ضرورة تعزيز أمن الممرات والمضائق البحرية، بالإضافة إلى ضرورة تسريع مشروعات الربط الكهربائي.
أهمية مشروعات الربط الكهربائي في ملف الطاقة العربي:
بشكل عام، تضع الدول العربية آمالًا عريضة على مشروعات الربط الكهربائي مع مصر؛ وذلك بهدف الحفاظ على أمن الطاقة وتأمين معدلات التغذية الكهربائية للمنطقة. وخلال الفترة الماضية، برزت جهود مصرية كبيرة لتنفيذ مشروعات عربية مشتركة (مشروعات الربط الكهربائي)، والتي من أهمها: الربط الكهربائي المصري السعودي، والربط الكهربائي المصري الثلاثي (مصر-الأردن-العراق) والربط الكهربائي الثماني، وغيرها من مشروعات الربط الكهربائي، كما هو موضح في الشكل التالي.
حيث تأتي هذه الجهود ضمن الخطة الكبيرة التي تهدف إلى إنشاء سوق عربية مشتركة للطاقة الكهربائية تضم خبرات جميع الدول العربية وتؤمن جميع الاحتياجات للمنطقة العربية. وعليه، ظل الملف الاقتصادي حاضرًا وبقوة خلال الفترة الماضية، بالإضافة إلى ملف استكمال مشروعات الربط الكهربائي والتي أصبحت ضرورة في الوقت الراهن بسبب تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية والحرب على غزة وتداعيات تلك الصراعات على أمن الطاقة في المنطقة العربية.
استكمالًا لما سبق، تزايد اهتمام الدول العربية بالطاقة المتجددة بهدف تنويع المزيج الوطني لمصادر الطاقة، والعمل على الحد من الانبعاثات الضارة بالبيئة من خلال تبني تقنيات الطاقة النظيفة والتخلص الآمن من الكربون. حيث تستهدف في استراتيجيتها المتكاملة للطاقة حتى 2035 الوصول بنسبة مساهمة الطاقة المتجددة إلى 42% من إجمالي الطاقة الكهربائية المنتجة عام 2035، حيث تبلغ المساهمة الحالية للطاقة المتجددة شاملة الطاقة الكهرومائية في إجمالي الطاقة الكهربائية المنتجة حوالي 12%، كما يوضح الشكل التالي خطط الدول العربية لزيادة قدراتها من الطاقة المتجددة.
ضرورة تسريع مشروعات الربط الكهربائي العربي:
تتمثل الفوائد المبتغاة من ربط مجموعة من الشبكات الكهربائية في العديد من النقاط ومنها:
- خفض القدرة الاحتياطية المركبة في كل شبكة، وبالتالي تخفيض الاستثمارات الرأسمالية اللازمة لتلبية الطلب على القدرة، دون المساس بدرجة الأمان والاعتمادية في الشبكات المرتبطة.
- يؤدي الربط الكهربائي أيضًا إلى الاستفادة من إقامة محطات التوليد في المواقع الأكثر جدوى من الناحية الاقتصادية، نتيجة لتوفر الوقود الرخيص والفائض صعب التصدير أو صعب التخزين في إحدى الدول المرتبطة، وأيضًا إلى التقليل من تلوث البيئة.
- توفير الطاقة الإنتاجية للكهرباء.
- الحد من مخاطر توقف الطاقة المنتجة من محطات الطاقة البديلة والمتجددة.
- خفض تكلفة إنتاج الطاقة، مما سينعكس إيجابيًا على أسعار الطاقة الكهربائية بشكل عام للمستهلكين.
- تخفيض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، مما يعمل على المساهمة في التنمية الفعلية لمصادر الطاقة المتجددة.
- المبادلة وذلك نظرًا لتعدد مصادر الطاقة الكهربائية وإمكانية تبادل الطاقة الكهربائية الطارئة وديمومة طاقة الكهرباء الاحتياطية.
- السماح بعمليات تصدير واستيراد فائض الطاقة طبقًا لوقت الذروة في كل دولة.
- تحفيز التعاون الإقليمي وإنشاء شبكة ربط قوية بالمنطقة، بهدف تحسين أمن واعتمادية الإمداد بالطاقة، والمساعدة عند حدوث الأعطال والانقطاعات والحالات الطارئة على شبكات النقل ورفع درجة تأمين الإمدادات الكهربية.
إجمالًا لما سبق، تضع الدولة المصرية آمالًا عريضة على مشروعات الربط الكهربائي لتحقيق هدف التحول إلى مركز عالمي لتجارة وتداول الطاقة، وعليه صاغت مصر توجهاتها وأهدافها من خلال استراتيجية التنمية المستدامة 2030، وبالأخص في قطاع الطاقة والتي كانت من ضمن أهدافها الرئيسة جعل الدولة مركزًا محوريًا للطاقة. حيث تتصدر أولويات قطاع الكهرباء المصري في الفترة الحالية، استكمال الإجراءات الخاصة بمشروعات الربط الكهربائي مع دول الجوار، ومنها المملكة العربية السعودية والأردن ومنها للعراق، وليبيا، وكذلك الربط أوروبيًا مع قبرص واليونان.
بدأت الدولة المصرية خلال الفترة الماضية في تطوير وتوسعة شبكات نقل الكهرباء وتوزيعها، وذلك حتى تتمكن من استيعاب القدرات المنتجة من مشروعات الطاقة المتجددة. كذلك تبادل الكهرباء مع دول الجوار، وسعت إلى تدعيم وتطوير الشبكة القومية الموحدة لدعم مشروعات الربط الإقليمي القائمة مع الأردن وليبيا والسودان، وكذلك مشروعات الربط المزمع تنفيذها مع المملكة العربية السعودية وقبرص واليونان وهيئة الربط الخليجي.
الربط المصري السعودي:
اتفقت القاهرة والرياض على تنفيذ مشروع للربط الكهربائي بين البلدين لتبادل قدرات كهربائية تبلغ حوالي 3 آلاف ميجاوات، وبتمويل من صناديق ومصارف عربية، وتبلغ القدرات الكهربائية المنتجة في البلدين أكثر من حوالي 150 جيجاوات، إذ تصل القدرات الكهربائية المولدة في المملكة إلى حوالي 90 جيجاوات، بينما تصل القدرات الكهربائية المنتجة في مصر إلى حوالي 60 جيجاوات، حيث يبلغ إجمالي أطوال شبكات النقل الكهربائي بين البلدين قرابة حوالي 140 ألف كيلومتر. وعليه يصل إجمالي أطوال شبكات النقل الدائري في مصر إلى حوالي 51 ألف كيلومتر، بينما تبلغ أطوال شبكات النقل الدائري في المملكة حوالي 89 ألف كيلومتر. يتضمن الخط 3 محطات تحويل جهد عالٍ، وهي محطة شرق المدينة المنورة ومحطة تبوك بالمملكة، ومحطة بدر شرق القاهرة، حيث يُعد المشروع البداية لإنشاء خط الربط الكهربائي العربي المشترك، وسوف يعزز من قدرات الكهرباء في المنطقة العربية. ومن المقرر كذلك تشغيل المرحلة الأولى بحلول عام 2025 بقدرة تبلغ حوالي 1500 ميجاوات، كما هو موضح في الشكل التالي.
الربط الكهربائي المصري الأردني:
يتبادل مصر والأردن الطاقة الكهربائية منذ عام 1999، وترتبط الشبكة الكهربائية المصرية بالشبكة الكهربائية الأردنية من خلال خط بحري جهد حوالي 400 كيلو فولت والذي يمتد عبر خليج العقبة بطول حوالي 13 كم، وبقدرات حوالي 550 ميجاوات، ضمن مجموعة الربط الكهربائي الثماني، والذي يضم مصر، والأردن، والعراق، وسوريا، ولبنان، وفلسطين، وليبيا، بالإضافة إلى تركيا. فى نهاية عام 2021، اتفقت مصر والأردن على رفع القدرة الكهربائية بينهما من حوالي 500 ميجاوات حاليًا إلى حوالي 1000 ميجاوات بحلول عام 2024، مما يتيح إمكانية تبادل الطاقة بين مصر ولبنان وسوريا والعراق وذلك عن طريق الأردن، بالإضافة إلى فتح أسواق طاقة جديدة لاستيراد وتصدير الطاقة الكهربائية.
الربط الكهربائي المصري الليبي:
تم الانتهاء من إنشاء الخط الكهربائي بين مصر وليبيا، حيث تبلغ قدرته الحالية حوالي 150 ميجاوات بطول حوالي 255 كيلومترًا. حيث تسعى مصر إلى زيادة سعة الخط الكهربائي الرابط مع ليبيا إلى حوالي 2000 ميجاوات (مرحلة أولى)، وذلك بعد توسيع محطة محولات برج العرب ومرسى مطروح ودخول محطة محولات الضبعة. وعليه فإن تدعيم قدرة الخط المصري الليبي سيُمهد الطريق لمباحثات إضافية لتحقيق الربط مع دول الإقليم، بحيث تكون طرابلس بوابة الربط الكهربائي بين مصر ودول أفريقيا، بالإضافة إلى استكمال الربط بين دول شمال أفريقيا بالكامل، وهو المقترح الذي صُدق عليه خلال قمة الاتحاد الأفريقي في نوفمبر من عام 2021.
الربط الكهربائي المصري السوداني:
فى أبريل من عام 2020، بدأت مصر في تغذية السودان من خلال الشبكة الكهربائية المصرية ضمن المرحلة الأولى للتغذية بقدرة حوالي 80 ميجاوات. حيث تم الانتهاء من تنفيذ شبكات الربط في مارس من عام 2019 وبطول حوالي 100 كيلومتر على الجهد حوالي 220 كيلو فولت حتى الحدود السودانية. ومن المقرر أن تُرفع القدرات لتصل إلى حوالي 300 ميجاوات، كما هو موضح في الشكل التالي.
إيجابيات إنشاء السوق العربية المشتركة للكهرباء
يُعد إنشاء سوق عربية مشتركة للكهرباء حلمًا سعت الدول العربية إلى تحقيقه خلال السنوات الماضية، حيث عُقدت العديد من المناقشات بهدف الوصول إلى قرار بشأن مشروعات الربط الكهربائي بين الدول العربية. تتطلب قيام السوق العربية المشتركة للكهرباء إجراء حزمة من الأطر التشريعية والقانونية بهدف إعداد وثائق الحوكمة، إذ وُقعت مذكرة تفاهم مع حوالي 16 دولة عربية ودخلت حيز التنفيذ في أبريل من عام 2017.
حيث شارك البنك الدولي في إعداد اتفاقيات السوق الاتفاقية العامة واتفاقية السوق، حيث قاربت على الاكتمال لتصبح جاهزة للتوقيع عليها واعتمادها لبدء مرحلة جديدة للبدء في عمل السوق العربية المشتركة (البرنامج الزمني الشامل الذي تتبناه الجامعة العربية يحدد عددًا من المراحل تنتهي في عام 2038 لتصميم هذه السوق وتوسيع اختصاصها للوصول إلى شبكة كهرباء عربية ذات ربط كهربائي فعال ومتزن).
المرحلة التأسيسية المخصصة لدراسة الجدوى الفنية والاقتصادية لتعزيز وتوسعة البنية التقنية للسوق العربية المشتركة للكهرباء وتطوير الأطر المؤسسية والتشريعية تم الانتهاء منها، وتم توقيع مذكرة التفاهم لإنشاء السوق وهي تتضمن التزامًا سياسيًا بتحقيق التكامل للسوق العربية المشتركة للكهرباء وأسسها القانونية، كما هو موضح في الشكل التالي.
السوق العربية المشتركة للكهرباء تعتمد على ثلاث ركائز ومحاور رئيسة وهي: الأطر التنظيمية والقانونية والتشريعية بعد الموافقة على اتفاقيتي السوق المشتركة و التوقيع على مذكرة التفاهم، والبنى التحتية من خلال دراستها على أرض الواقع، من خلال كونها جاهزة أو بحاجة إلى تطوير و تمويل، حيث توجد بنى تحتية أساسية وكذلك توجد بنى أساسية في طور الإنشاء، مما يتطلب تضافر الجهود من خلال تمويل مؤسسات التمويل والتنسيق مع الحكومات العربية، وكذلك التعاون مع القطاع الخاص.
مجمل القول، لقد كشفت الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها وبالأخص فيما يتعلق بأزمة الطاقة، بين أطراف النزاع المختلفة، بأن الأزمات العربية ليست ضمن أولوية اهتماماتهم، أو أنها مكملة لحلقات الصراع فيما بينهم على مناطق النفوذ والمصالح. هو الأمر الذى من المفترض أن يحدث يقظة كبيرة لدى الدول العربية وتدرك بما لا يدع مجالًا للشك أن عليها من الآن فصاعدًا توحيد صفوفها وحشد طاقاتها لمواجهة تحديات التنمية وأمن الطاقة. وجاءت تداعيات الحرب على غزة لتُشكل تهديدًا مباشرًا على إمدادات الطاقة المختلفة. لذلك تظل الآمال كبيرة والأهداف عديدة، والتي تستدعي تطوير سبل جديدة للتعاون من أجل التقدم نحو الاستقرار الذي تسعى الدول العربية إلى تحقيقه، بوصفه عنصرًا رئيسيًا لتحقيق وتعزيز مفهوم أمن الطاقة العربي.
وفي الأخير، تُشكل مشروعات الربط الكهربائي العربي خارطة طريق للسوق المشتركة للكهرباء، مما يُسهم في تمكين الدول العربية من تنويع وزيادة حجم الاستثمارات في مصادر الطاقة المتوفرة من النفط والغاز ولمصادر الطاقة المتجددة المتاحة فيه، وكذلك لتنمية الحلقات بين دول الربط الكهربائي وتطويرها في قطاعات إنتاج ونقل وتوزيع الطاقة الكهربائية، لمواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية التي تعيشها دول الربط. حيث تُشكل مشروعات الربط الكهربائي أحد الحلول التي تعول عليها الدول في إيجاد حلول نقص الإمدادات.